الباحث القرآني
قَوْلُهُ ﴿أسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُمْ﴾ هَذا كَلامٌ مُبْتَدَأٌ يَتَضَمَّنُ بَيانَ ما يَجِبُ لِلنِّساءِ مِنَ السُّكْنى، و" مَن " لِلتَّبْعِيضِ، أيْ: بَعْضَ مَكانِ سُكْناكم، وقِيلَ: زائِدَةٌ ﴿مِن وُجْدِكُمْ﴾ أيْ مِن سَعَتِكم وطاقَتِكم، والوِجْدُ القُدْرَةُ.
قالَ الفَرّاءُ: يَقُولُ: عَلى ما يَجِدُ، فَإنْ كانَ مُوسَعًا عَلَيْهِ وسَّعَ عَلَيْها في المَسْكَنِ والنَّفَقَةِ، وإنْ كانَ فَقِيرًا فَعَلى قَدَرِ ذَلِكَ.
قالَ قَتادَةُ: إنْ لَمْ تَجِدْ إلّا ناحِيَةَ بَيْتِكَ فَأسْكِنْها فِيهِ.
وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في المُطَلَّقَةِ ثَلاثًا، هَلْ لَها سُكْنى ونَفَقَةٌ أمْ لا ؟ فَذَهَبَ مالِكٌ، والشّافِعِيُّ أنَّ لَها السُّكْنى ولا نَفَقَةَ لَها.
وذَهَبَ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ أنَّ لَها السُّكْنى والنَّفَقَةَ.
وذَهَبَ أحْمَدُ، وإسْحاقُ، وأبُو ثَوْرٍ أنَّهُ لا نَفَقَةَ لَها ولا سُكْنى، وهَذا هو الحَقُّ، وقَدْ قَرَّرْتُهُ في شَرْحِي لِلْمُنْتَقى بِما لا يَحْتاجُ النّاظِرُ فِيهِ إلى غَيْرِهِ ﴿ولا تُضارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ نَهى سُبْحانَهُ عَنْ مُضارَّتِهِنَّ بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِنَّ في المَسْكَنِ والنَّفَقَةِ.
وقالَ مُجاهِدٌ: في المَسْكَنِ.
وقالَ مُقاتِلٌ: في النَّفَقَةِ.
وقالَ أبُو الضُّحى: هو أنْ يُطَلِّقَها، فَإذا بَقِيَ يَوْمانِ مِن عِدَّتِها راجَعَها، ثُمَّ طَلَّقَها ﴿وإنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ أيْ إلى غايَةٍ هي وضْعُهُنَّ لِلْحَمْلِ.
ولا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ في وُجُوبِ النَّفَقَةِ، والسُّكْنى لِلْحامِلِ المُطَلَّقَةِ، فَأمّا الحامِلُ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها، فَقالَ عَلِيُّ، وابْنُ عُمَرَ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وشُرَيْحٌ، والنَّخَعِيُّ، والشَّعْبِيُّ، وحَمّادُ، وابْنُ أبِي لَيْلى، وسُفْيانُ وأصْحابُهُ: يُنْفَقُ عَلَيْها مِن جَمِيعِ المالِ حَتّى تَضَعَ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ الزُّبَيْرٍ، وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ومالِكٌ، والشّافِعِيُّ، وأبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ: لا يُنْفَقُ عَلَيْها إلّا مِن نَصِيبِها، وهَذا هو الحَقُّ لِلْأدِلَّةِ الوارِدَةِ في ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ ﴿فَإنْ أرْضَعْنَ لَكُمْ﴾ أوْلادَكم بَعْدَ ذَلِكَ ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أيْ أُجُورَ إرْضاعِهِنَّ، والمَعْنى: أنَّ المُطَلَّقاتِ إذا أرْضَعْنَ أوْلادَ الأزْواجِ المُطَلِّقِينَ لَهُنَّ مِنهُنَّ فَلَهُنَّ أُجُورُهُنَّ عَلى ذَلِكَ ﴿وأْتَمِرُوا بَيْنَكم بِمَعْرُوفٍ﴾ هو خِطابٌ لِلْأزْواجِ والزَّوْجاتِ، أيْ: تَشاوَرُوا بَيْنَكم بِما هو مَعْرُوفٌ غَيْرُ مُنْكَرٍ، ولِيَقْبَلْ بَعْضُكم مِن بَعْضٍ مِنَ المَعْرُوفِ والجَمِيلِ، وأصْلُ مَعْناهُ لِيَأْمُرْ بَعْضُكم بَعْضًا بِما هو مُتَعارَفٌ بَيْنَ النّاسِ غَيْرُ مُنْكَرٍ عِنْدَهم.
قالَ مُقاتِلٌ: المَعْنى لِيَتَراضَ الأبُ والأُمُّ عَلى أجْرٍ مُسَمًّى، قِيلَ: والمَعْرُوفُ الجَمِيلُ مِنَ الزَّوْجِ: أنْ يُوَفِّرَ لَها الأجْرَ، والمَعْرُوفُ الجَمِيلُ مِنها: ألّا تَطْلُبَ ما يَتَعاسَرَهُ الزَّوْجُ مِنَ الأجْرِ ﴿وإنْ تَعاسَرْتُمْ﴾ أيْ في أجْرِ الرِّضاعِ (p-١٥٠٣)فَأبى الزَّوْجُ أنْ يُعْطِيَ الأُمَّ الأجْرَ وأبَتِ الأُمُّ أنْ تُرْضِعَهُ إلّا بِما تُرِيدُ مِنَ الأجْرِ ﴿فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى﴾ أيْ يَسْتَأْجِرُ مُرْضِعَةً أُخْرى تُرْضِعُ ولَدَهُ، ولا يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يُسَلِّمَ ما تَطْلُبُهُ الزَّوْجَةُ، ولا يَجُوزُ لَهُ أنْ يُكْرِهَها عَلى الإرْضاعِ بِما يُرِيدُ مِنَ الأجْرِ.
قالَ الضَّحّاكُ: إنْ أبَتِ الأُمُّ أنْ تُرْضِعَ اسْتَأْجَرَ لِوَلَدِهِ أُخْرى، فَإنْ لَمْ تَقْبَلْ أُجْبِرَتْ أُمُّهُ عَلى الرِّضاعِ بِالأجْرِ.
﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ﴾ فِيهِ الأمْرُ لِأهْلِ السَّعَةِ بِأنْ يُوَسِّعُوا عَلى المُرْضِعاتِ مِن نِسائِهِمْ عَلى قَدَرِ سَعَتِهِمْ ﴿ومَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ أيْ: كانَ رِزْقُهُ بِمِقْدارِ القُوتِ، أوْ مُضَيَّقٌ لَيْسَ بِمُوَسَّعٍ ﴿فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللَّهُ﴾ أيْ مِمّا أعْطاهُ مِنَ الرِّزْقِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلّا ما آتاها﴾ أيْ ما أعْطاها مِنَ الرِّزْقِ، فَلا يُكَلَّفُ الفَقِيرُ بِأنْ يُنْفِقَ ما لَيْسَ في وُسْعِهِ، بَلْ عَلَيْهِ ما يَقْدِرُ عَلَيْهِ وتَبْلُغُ إلَيْهِ طاقَتُهُ مِمّا أعْطاهُ اللَّهُ مِنَ الرِّزْقِ ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ أيْ بَعْدَ ضِيقٍ وشِدَّةِ سَعَةً وغِنًى.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿مِن وُجْدِكم﴾ قالَ: مِن سَعَتِكم ﴿ولا تُضارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ قالَ: في المَسْكَنِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ﴾ الآيَةَ.
قالَ: فَهَذِهِ في المَرْأةِ يُطَلِّقُها زَوْجُها وهي حامِلٌ.
فَأمَرَهُ اللَّهُ أنْ يُسْكِنَها ويُنْفِقَ عَلَيْها حَتّى تَضَعَ، وإنْ أرْضَعَتْ حَتّى تَفْطِمَ، فَإنْ أبانَ طَلاقَها ولَيْسَ بِها حَمْلٌ فَلَها السُّكْنى حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها ولا نَفَقَةَ لَها.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أبِي سِنانٍ قالَ: سَألَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ، فَقِيلَ: إنَّهُ يَلْبَسُ الغَلِيظَ مِنَ الثِّيابِ ويَأْكُلُ أخْشَنَ الطَّعامِ، فَبَعَثَ إلَيْهِ بِألْفِ دِينارٍ، وقالَ لِلرَّسُولِ: انْظُرْ ماذا يَصْنَعُ بِها إذا أخَذَها ؟ فَما لَبِثَ أنْ لَبِسَ ألْيَنَ الثِّيابِ، وأكَلَ أطْيَبَ الطَّعامِ، فَجاءَ الرَّسُولُ فَأخْبَرَهُ، فَقالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ تَأوَّلَ هَذِهِ الآيَةَ ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ ومَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللَّهُ﴾ .
{"ayahs_start":6,"ayahs":["أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَاۤرُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا۟ عَلَیۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُو۟لَـٰتِ حَمۡلࣲ فَأَنفِقُوا۟ عَلَیۡهِنَّ حَتَّىٰ یَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُوا۟ بَیۡنَكُم بِمَعۡرُوفࣲۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥۤ أُخۡرَىٰ","لِیُنفِقۡ ذُو سَعَةࣲ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَیۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡیُنفِقۡ مِمَّاۤ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَاۤ ءَاتَىٰهَاۚ سَیَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرࣲ یُسۡرࣰا"],"ayah":"أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَاۤرُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا۟ عَلَیۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُو۟لَـٰتِ حَمۡلࣲ فَأَنفِقُوا۟ عَلَیۡهِنَّ حَتَّىٰ یَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُوا۟ بَیۡنَكُم بِمَعۡرُوفࣲۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥۤ أُخۡرَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق