الباحث القرآني

وهي مَدَنِيَّةٌ، قالَ القُرْطُبِيُّ: في قَوْلِ الجَمِيعِ. وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، وابْنُ النَّحّاسِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الطَّلاقِ بِالمَدِينَةِ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ نادى النَّبِيَّ ﷺ أوَّلًا تَشْرِيفًا لَهُ، ثُمَّ خاطَبَهُ مَعَ أُمَّتِهِ، أوِ الخِطابُ لَهُ خاصَّةً، والجَمْعُ لِلتَّعْظِيمِ، وأُمَّتُهُ أُسْوَتُهُ في ذَلِكَ، والمَعْنى: إذا أرَدْتُمْ تَطْلِيقَهُنَّ وعَزَمْتُمْ عَلَيْهِ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أيْ مُسْتَقْبِلاتٍ لِعِدَّتِهِنَّ أوْ في قِبَلِ عِدَّتِهِنَّ، أوْ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ. وقالَ الجُرْجانِيُّ: إنَّ اللّامَ في لِعِدَّتِهِنَّ بِمَعْنى في، أيْ: في عِدَّتِهِنَّ. وقالَ أبُو حَيّانَ: هو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ: لِاسْتِقْبالِ عِدَّتِهِنَّ، واللّامُ لِلتَّوْقِيتِ، نَحْوَ لَقِيتُهُ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِن شَهْرِ كَذا، والمُرادُ أنْ يُطَلِّقُوهُنَّ في طُهْرٍ لَمْ يَقَعْ فِيهِ جِماعٌ ثُمَّ يُتْرَكْنَ حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ، فَإذا طَلَّقُوهُنَّ هَكَذا فَقَدْ طَلَّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، وسَيَأْتِي بَيانُ هَذا مِنَ السُّنَّةِ في آخِرِ البَحْثِ إنْ شاءَ اللَّهُ ﴿وأحْصُوا العِدَّةَ﴾ أيِ احْفَظُوها واحْفَظُوا الوَقْتَ الَّذِي وقَعَ فِيهِ الطَّلاقُ حَتّى تَتِمَّ العِدَّةُ: وهي ثَلاثَةُ قُرُوءٍ، والخِطابُ لِلْأزْواجِ، وقِيلَ: لِلزَّوْجاتِ، وقِيلَ: لِلْمُسْلِمِينَ عَلى العُمُومِ، والأوَّلُ أوْلى لِأنَّ الضَّمائِرَ كُلَّها لَهم ﴿واتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾ فَلا تَعْصُوهُ فِيما أمَرَكم ﴿ولا تُضارُّوهُنَّ﴾ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ، أيِ: الَّتِي كُنَّ فِيها عِنْدَ الطَّلاقِ ما دُمْنَ في العِدَّةِ، وأضافَ البُيُوتَ إلَيْهِنَّ وهي لِأزْواجِهِنَّ لِتَأْكِيدِ النَّهْيِ، وبَيانِ كَمالِ اسْتِحْقاقِهِنَّ لِلسُّكْنى في مُدَّةِ العِدَّةِ، ومَثَلُهُ قَوْلُهُ: ﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٤] وقَوْلُهُ: ﴿وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٣] ثُمَّ لَمّا نَهى الأزْواجَ عَنْ إخْراجِهِنَّ مِنَ البُيُوتِ الَّتِي وقَعَ الطَّلاقُ وهُنَّ فِيها؛ نَهى (p-١٥٠٠)الزَّوْجاتِ عَنِ الخُرُوجِ أيْضًا فَقالَ: ﴿ولا يَخْرُجْنَ﴾ أيْ لا يَخْرُجْنَ مِن تِلْكَ البُيُوتِ ما دُمْنَ في العِدَّةِ إلّا لِأمْرٍ ضَرُورِيٍّ كَما سَيَأْتِي بَيانُ ذَلِكَ، وقِيلَ: المُرادُ لا يَخْرُجْنَ مِن أنْفُسِهِنَّ إلّا إذا أذِنَ لَهُنَّ الأزْواجُ فَلا بَأْسَ، والأوَّلُ أوْلى ﴿إلّا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ هَذا الِاسْتِثْناءُ هو مِنَ الجُمْلَةِ الأُولى، أيْ: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ، لا مِنَ الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ. قالَ الواحِدِيُّ: أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ المُرادَ بِالفاحِشَةِ هُنا الزِّنا، وذَلِكَ أنْ تَزْنِيَ فَتُخْرَجَ لِإقامَةِ الحَدِّ عَلَيْها. وقالَ الشّافِعِيُّ وغَيْرُهُ: هي البَذاءُ في اللِّسانِ والِاسْتِطالَةُ بِها عَلى مَن هو ساكِنٌ مَعَها في ذَلِكَ البَيْتِ، ويُؤَيِّدُ هَذا ما قالَ عِكْرِمَةُ: إنَّ في مُصْحَفِ أُبَيٍّ " إلّا أنْ يُفْحِشْنَ عَلَيْكم " وقِيلَ: المَعْنى: إلّا أنْ يَخْرُجْنَ تَعَدِّيًا، فَإنَّ خُرُوجَهُنَّ عَلى هَذا الوَجْهِ فاحِشَةٌ، وهو بَعِيدٌ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: وتِلْكَ إلى ما ذُكِرَ مِنَ الأحْكامِ وهو مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ والمَعْنى: أنَّ هَذِهِ الأحْكامَ الَّتِي بَيَّنَها لِعِبادِهِ هي حُدُودُهُ الَّتِي حَدَّها لَهم لا يَحِلُّ لَهم أنْ يَتَجاوَزُوها إلى غَيْرِها ﴿ومَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ﴾ أيْ يَتَجاوَزُها إلى غَيْرِها أوْ يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنها ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ بِإيرادِها مَوْرِدَ الهَلاكِ، وأوْقَعَها في مَواقِعِ الضَّرَرِ بِعُقُوبَةِ اللَّهِ لَهُ عَلى مُجاوَزَتِهِ لِحُدُودِهِ وتَعَدِّيهِ لِرَسْمِهِ، وجُمْلَةُ ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ مَضْمُونِ ما قَبْلَها وتَعْلِيلِهِ. ‌‌‌‌ قالَ القُرْطُبِيُّ: قالَ جَمِيعُ المُفَسِّرِينَ: أرادَ بِالأمْرِ هُنا الرَّغْبَةَ في الرَّجْعَةِ، والمَعْنى التَّحْرِيضُ عَلى طَلاقِ الواحِدَةِ والنَّهْيِ عَنِ الثَّلاثِ، فَإنَّهُ إذا طَلَّقَ ثَلاثًا أضَرَّ بِنَفْسِهِ عِنْدَ النَّدَمِ عَلى الفِراقِ والرَّغْبَةِ في الِارْتِجاعِ فَلا يَجِدُ إلى المُراجَعَةِ سَبِيلًا. وقالَ مُقاتِلٌ: بَعْدَ ذَلِكَ، أيْ: بَعْدَ طَلْقَةٍ أوْ طَلْقَتَيْنِ أمْرًا بِالمُراجَعَةِ. قالَ الواحِدِيُّ: الأمْرُ الَّذِي يَحْدُثُ أنْ يُوقَعَ في قَلْبِ الرَّجُلِ المَحَبَّةُ لَرَجْعَتِها بَعْدَ الطَّلْقَةِ والطَّلْقَتَيْنِ. قالَ الزَّجّاجُ: وإذا طَلَّقَها ثَلاثًا في وقْتٍ واحِدٍ فَلا مَعْنى لِقَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ . ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾ أيْ: قارَبْنَ انْقِضاءَ أجَلِ العِدَّةِ وشارَفْنَ آخِرَها ﴿فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ أيْ: راجِعُوهُنَّ بِحُسْنِ مُعاشَرَةٍ ورَغْبَةٍ فِيهِنَّ مِن غَيْرِ قَصْدٍ إلى مُضارَّةٍ لَهُنَّ ﴿أوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ أيِ اتْرُكُوهُنَّ حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ فَيَمْلِكْنَ نُفُوسَهُنَّ مَعَ إيفائِهِنَّ بِما هو لَهُنَّ عَلَيْكم مِنَ الحُقُوقِ وتَرْكِ المُضارَّةِ لَهُنَّ ﴿وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ عَلى الرَّجْعَةِ، وقِيلَ: عَلى الطَّلاقِ، وقِيلَ: عَلَيْها قَطْعًا لِلتَّنازُعِ وحَسْمًا لِمادَّةِ الخُصُومَةِ، والأمْرُ لِلنَّدْبِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿وأشْهِدُوا إذا تَبايَعْتُمْ﴾ وقِيلَ: إنَّهُ لِلْوُجُوبِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الشّافِعِيُّ قالَ: الإشْهادُ واجِبٌ في الرَّجْعَةِ مَندُوبٌ إلَيْهِ في الفُرْقَةِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وفِي قَوْلٍ لِلشّافِعِيِّ: إنَّ الرَّجْعَةَ لا تَفْتَقِرُ إلى الإشْهادِ كَسائِرِ الحُقُوقِ، ورُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنْ أبِي حَنِيفَةَ، وأحْمَدَ ﴿وأقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ﴾ هَذا أمْرٌ لِلشُّهُودِ بِأنْ يَأْتُوا بِما شاهَدُوا بِهِ تَقُرُّبًا إلى اللَّهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذا في سُورَةِ البَقَرَةِ، وقِيلَ: الأمْرُ لِلْأزْواجِ بِأنْ يُقِيمُوا الشَّهادَةَ، أيِ الشُّهُودَ عِنْدَ الرَّجْعَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ أمْرًا بِنَفْسِ الإشْهادِ، ويَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿وأقِيمُوا الشَّهادَةَ﴾ أمْرًا بِأنْ تَكُونَ خالِصَةً لِلَّهِ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكم إلى ما تَقَدَّمَ مِنَ الأمْرِ بِالإشْهادِ وإقامَةِ الشَّهادَةِ لِلَّهِ، وهو مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ ﴿يُوعَظُ بِهِ مَن كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ وخُصَّ المُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ لِأنَّهُ المُنْتَفِعُ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ أيْ: مَن يَتَّقِ عَذابَ اللَّهِ بِامْتِثالِ أوامِرِهِ، واجْتِنابِ نَواهِيهِ، والوُقُوفِ عَلى حُدُودِهِ الَّتِي حَدَّها لِعِبادِهِ، وعَدَمِ مُجاوَزَتِها؛ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِمّا وقَعَ فِيهِ مِنَ الشَّدائِدِ والمِحَنِ. ﴿ويَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ أيْ: مِن وجْهٍ لا يَخْطُرُ بِبالِهِ ولا يَكُونُ في حِسابِهِ. قالَ الشَّعْبِيُّ، والضَّحّاكُ: هَذا في الطَّلاقِ خاصَّةً، أيْ: مَن طَلَّقَ كَما أمَرَهُ اللَّهُ يَكُنْ لَهُ مَخْرَجٌ في الرَّجْعَةِ في العِدَّةِ وأنَّهُ يَكُونُ كَأحَدِ الخُطّابِ بَعْدَ العِدَّةِ. وقالَ الكَلْبِيُّ: ومَن يَتَّقِ اللَّهَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ المُصِيبَةِ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِنَ النّارِ إلى الجَنَّةِ. وقالَ الحَسَنُ: مَخْرَجًا مِمّا نَهى اللَّهُ عَنْهُ. وقالَ أبُو العالِيَةِ: مَخْرَجًا مِن كُلِّ شَيْءٍ ضاقَ عَلى النّاسِ. وقالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: ومَن يَتَّقِ اللَّهَ في أداءِ الفَرائِضِ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِنَ العُقُوبَةِ ويَرْزُقْهُ الثَّوابَ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، أيْ: يُبارِكُ لَهُ فِيما آتاهُ. وقالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ومَن يَتَّقِ اللَّهَ في اتِّباعِ السُّنَّةِ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِن عُقُوبَةِ أهْلِ البِدَعِ ويَرْزُقْهُ الجَنَّةَ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وظاهِرُ الآيَةِ العُمُومُ، ولا وجْهَ لِلتَّخْصِيصِ بِنَوْعٍ خاصٍّ ويَدْخُلُ ما فِيهِ السِّياقُ دُخُولًا أوَّلِيًّا ﴿ومَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَهو حَسْبُهُ﴾ أيْ ومَن وثِقَ بِاللَّهِ فِيما نابَهُ كَفاهُ ما أهَمَّهُ ﴿إنَّ اللَّهَ بالِغُ أمْرِهِ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ " بالِغٌ أمْرَهُ " بِتَنْوِينِ " بالِغٌ " ونَصْبِ " أمْرَهُ " وقَرَأ حَفَصٌ بِالإضافَةِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وداوُدُ بْنُ أبِي هِنْدَ، وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ عَنْهُ بِتَنْوِينِ " بالِغٌ " ورَفْعِ " أمْرُهُ " عَلى أنَّهُ فاعِلُ " بالِغٌ "، أوْ عَلى أنَّ " أمْرُهُ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ و" بالِغٌ " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ. قالَ الفَرّاءُ في تَوْجِيهِ هَذِهِ القِراءَةِ، أيْ: أمْرُهُ بالِغٌ، والمَعْنى عَلى القِراءَةِ الأُولى والثّانِيَةِ: أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ بالِغٌ ما يُرِيدُهُ مِنَ الأمْرِ لا يَفُوتُهُ شَيْءٌ ولا يُعْجِزُهُ مَطْلُوبٌ، وعَلى القِراءَةِ الثّانِيَةِ: أنَّ اللَّهَ نافِذٌ أمْرُهُ لا يَرُدُّهُ شَيْءٌ. وقَرَأ المُفَضَّلُ " بالِغًا " بِالنَّصْبِ عَلى الحالِ ويَكُونُ خَبَرُ " إنَّ " قَوْلَهُ: ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ أيْ تَقْدِيرًا وتَوْقِيتًا أوْ مِقْدارًا. فَقَدْ جَعَلَ سُبْحانَهُ لِلشِّدَّةِ أجَلًا تَنْتَهِي إلَيْهِ، ولِلرَّخاءِ أجَلًا يَنْتَهِي إلَيْهِ. وقالَ السُّدِّيُّ: هو قَدْرُ الحَيْضِ والعِدَّةِ. ﴿واللّائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِسائِكم﴾ وهُنَّ الكِبارُ اللّاتِي قَدِ انْقَطَعَ حَيْضُهُنَّ وأيِسْنَ مِنهُ ﴿إنِ ارْتَبْتُمْ﴾ أيْ شَكَكْتُمْ وجَهِلْتُمْ كَيْفَ عِدَّتُهُنَّ ﴿فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ﴾ ﴿واللّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ لِصِغَرِهِنَّ وعَدَمِ بُلُوغِهِنَّ سِنَّ المَحِيضِ. أيْ فَعُدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ وحُذِفَ هَذا لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ ﴿وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ أيِ انْتِهاءُ عِدَّتِهِنَّ وضْعُ الحَمْلِ، وظاهِرُ الآيَةِ أنَّ عِدَّةَ الحَوامِلِ بِالوَضْعِ، سَواءٌ كُنَّ مُطَلَّقاتٍ أوْ مُتَوَفًّى عَنْهُنَّ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في هَذا في سُورَةِ البَقَرَةِ مُسْتَوْفًى، وحَقَّقْنا البَحْثَ في هَذِهِ (p-١٥٠١)الآيَةِ وفي الآيَةِ الأُخْرى ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكم ويَذَرُونَ أزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا﴾ وقِيلَ: مَعْنى ﴿إنِ ارْتَبْتُمْ﴾ إنْ تَيَقَّنْتُمْ، ورَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ أنَّهُ بِمَعْنى الشَّكِّ، وهو الظّاهِرُ. قالَ الزَّجّاجُ: إنِ ارْتَبْتُمْ في حَيْضِها وقَدِ انْقَطَعَ عَنْها الحَيْضُ وكانَتْ مِمَّنْ يَحِيضُ مِثْلُها. وقالَ مُجاهِدٌ: ﴿إنِ ارْتَبْتُمْ﴾ يَعْنِي لَمْ تَعْلَمُوا عِدَّةَ الآيِسَةِ والَّتِي لَمْ تَحِضْ فالعِدَّةُ هَذِهِ. وقِيلَ: المَعْنى: إنِ ارْتَبْتُمْ في الدَّمِ الَّذِي يَظْهَرُ مِنها هَلْ هو حَيْضٌ أمْ لا، بَلِ اسْتِحاضَةٌ فالعِدَّةُ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِن أمْرِهِ يُسْرًا﴾ أيْ: مَن يَتَّقِهِ في امْتِثالِ أوامِرِهِ واجْتِنابِ نَواهِيهِ يُسَهِّلْ عَلَيْهِ أمْرَهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. وقالَ الضَّحّاكُ: مَن يَتَّقِ اللَّهَ، فَلْيُطَلِّقْ لِلسُّنَّةِ؛ يَجْعَلْ لَهُ مِن أمْرِهِ يُسْرًا في الرَّجْعَةِ. وقالَ مُقاتِلٌ: مَن يَتَّقِ اللَّهَ في اجْتِنابِ مَعاصِيهِ يَجْعَلْ لَهُ مِن أمْرِهِ يُسْرًا في تَوْفِيقِهِ لِلطّاعَةِ. والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ إلى ما ذُكِرَ مِنَ الأحْكامِ، أيْ: ذَلِكَ المَذْكُورُ مِنَ الأحْكامِ ﴿أمْرُ اللَّهِ أنْزَلَهُ إلَيْكُمْ﴾ أيْ: حُكْمُهُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ بَيْنَ عِبادِهِ وشَرْعُهُ الَّذِي شَرَعَهُ لَهم، ومَعْنى ﴿أنْزَلَهُ إلَيْكُمْ﴾ أنْزَلَهُ في كِتابِهِ عَلى رَسُولِهِ وبَيَّنَهُ لَكم وفَصَّلَ أحْكامَهُ وأوْضَحَ حَلالَهُ وحَرامَهُ ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ﴾ بِتَرْكِ ما لا يَرْضاهُ ﴿يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ﴾ الَّتِي اقْتَرَفَها؛ لِأنَّ التَّقْوى مِن أسْبابِ المَغْفِرَةِ لِلذُّنُوبِ ﴿ويُعْظِمْ لَهُ أجْرًا﴾ أيْ يُعْطِهِ مِنَ الأجْرِ في الآخِرَةِ أجْرًا عَظِيمًا وهو الجَنَّةُ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أنَسٍ قالَ: «طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَفْصَةَ فَأتَتْ أهْلَها، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ فَقِيلَ لَهُ: راجِعْها فَإنَّها صَوّامَةٌ قَوّامَةٌ، وهي مِن أزْواجِكَ في الجَنَّةِ» . وأخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ مُرْسَلًا. وأخْرَجَ الحاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «طَلَّقَ عَبْدُ يَزِيدَ أبُو رَكانَةَ أُمَّ رُكانَةَ، ثُمَّ نَكَحَ امْرَأةً مِن مُزَيْنَةَ، فَجاءَتْ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما يُغْنِي عَنِّي إلّا ما تُغْنِي عَنِّي هَذِهِ الشَّعْرَةُ لِشَعْرَةٍ، أخَذَتْها مِن رَأْسِها، فَأخَذَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَمِيَّةٌ عِنْدَ ذَلِكَ، فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رُكانَةَ وإخْوَتَهُ، ثُمَّ قالَ لِجُلَسائِهِ: أتَرَوْنَ كَذا مِن كَذا، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَبْدِ يَزِيدَ: طَلِّقْها، فَفَعَلَ، فَقالَ لِأبِي رُكانَةَ: ارْتَجِعْها، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْتُها، قالَ: قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ فارْتَجِعْها، فَنَزَلَتْ: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾» قالَ الذَّهَبِيُّ: إسْنادُهُ واهٍ، والخَبَرُ خَطَأٌ، فَإنَّ عَبْدَ يَزِيدَ لَمْ يُدْرِكِ الإسْلامَ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما «عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وهي حائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قالَ: لِيُراجِعْها، ثُمَّ يُمْسِكْها حَتّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ وتَطْهُرَ، فَإنْ بَدا لَهُ أنْ يُطَلِّقَها فَلْيُطَلِّقْها طاهِرًا قَبْلَ أنْ يَمَسَّها، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أمَرَ اللَّهُ أنْ يُطَلَّقَ لَها النِّساءُ، وقَرَأ النَّبِيُّ ﷺ: " يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ في قِبَلِ عِدَّتِهِنَّ "» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ في المُصَنَّفِ وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأ " فَطَلِّقُوهُنَّ في قِبَلِ عِدَّتِهِنَّ "» . وأخْرَجَ ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ قَرَأ " فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ " . وأخْرَجَ ابْنُ الأنْبارِيِّ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قَرَأ كَذَلِكَ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وأبُو عُبَيْدٍ في فَضائِلِهِ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قَرَأ كَذَلِكَ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: مَن أرادَ أنْ يُطَلِّقَ لِلسُّنَّةِ كَما أمَرَهُ اللَّهُ، فَلْيُطَلِّقْها طاهِرًا في غَيْرِ جِماعٍ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ قالَ: طاهِرًا مِن غَيْرِ جِماعٍ، وفي البابِ أحادِيثُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﴿وأحْصُوا العِدَّةَ﴾ قالَ: الطَّلاقُ طاهِرًا في غَيْرِ جِماعٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ في قَوْلِهِ: ﴿ولا يَخْرُجْنَ إلّا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ قالَ: خُرُوجُها قَبْلَ انْقِضاءِ العِدَّةِ مِن بَيْتِها هي الفاحِشَةُ المُبَيِّنَةُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿إلّا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ قالَ: الزِّنا. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ راهَوَيْهِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الفاحِشَةُ المُبَيِّنَةُ أنْ تَبْذُوَ المَرْأةُ عَلى أهْلِ الرَّجُلِ، فَإذا بَذَتْ عَلَيْهِمْ بِلِسانِها فَقَدْ حَلَّ لَهم إخْراجُها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ في قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ قالَتْ: هي الرَّجْعَةُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أنَّ رَجُلًا سَألَ عِمْرانَ بْنَ حُصَيْنٍ أنَّ رَجُلًا طَلَّقَ ولَمْ يُشْهِدْ، قالَ: بِئْسَ ما صَنَعَ، طَلَّقَ في بِدْعَةٍ، وارْتَجَعَ في غَيْرِ سُنَّةٍ، فَلْيُشْهِدْ عَلى طَلاقِهِ وعَلى مُراجَعَتِهِ ويَسْتَغْفِرِ اللَّهَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ قالَ: مَخْرَجُهُ أنْ يَعْلَمَ أنَّهُ مِن قِبَلِ اللَّهِ، وأنَّ اللَّهَ هو الَّذِي يُعْطِيهِ وهو يَمْنَعُهُ، وهو يَبْتَلِيهِ، وهو يُعافِيهِ، وهو يَدْفَعُ عَنْهُ، وفي قَوْلِهِ: ﴿ويَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ قالَ: مِن حَيْثُ لا يَدْرِي. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ قالَ: يُنْجِيهِ مِن كُلِّ كَرْبٍ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ وضَعَّفَهُ الذَّهَبِيُّ مِن طَرِيقِ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ «عَنْ جابِرٍ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ في رَجُلٍ مِن أشْجَعَ كانَ فَقِيرًا خَفِيفَ ذاتِ اليَدِ كَثِيرَ العِيالِ، فَأتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: اتَّقِ اللَّهَ واصْبِرْ، فَلَمْ يَلْبَثْ إلّا يَسِيرًا حَتّى جاءَ ابْنٌ لَهُ بِغَنَمٍ كانَ العَدُوُّ أصابُوهُ، فَأتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَسَألَهُ عَنْها وأخْبَرَهُ خَبَرَها، فَقالَ: كُلْها، فَنَزَلَتْ ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ﴾ الآيَةَ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طَرِيقِ الكَلْبِيِّ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «جاءَ عَوْفُ بْنُ مالِكٍ الأشْجَعِيُّ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي أسَرَهُ العَدُوُّ وجَزِعَتْ أُمُّهُ، فَما تَأْمُرُنِي ؟ قالَ: آمُرُكَ وإيّاها أنْ تَسْتَكْثِرا مِن قَوْلِ لا حَوْلَ ولا (p-١٥٠٢)قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ، فَقالَتِ المَرْأةُ: نِعْمَ ما أمَرَكَ، فَجَعَلا يُكْثِرانِ مِنها، فَتَغَفَّلَ عَنْهُ العَدُوُّ، فاسْتاقَ غَنَمَهم فَجاءَ بِها إلى أبِيهِ، فَنَزَلَتْ: ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ الآيَةَ» . وفِي البابِ رِواياتٌ تَشْهَدُ لِهَذا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عائِشَةَ في الآيَةِ قالَتْ: يَكْفِيهِ هَمَّ الدُّنْيا وغَمَّها. وأخْرَجَ أحْمَدُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ في المَعْرِفَةِ والبَيْهَقِيُّ عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ ﴿ويَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ فَجَعَلَ يُرَدِّدُها حَتّى نَعَسْتُ، ثُمَّ قالَ: يا أبا ذَرٍّ لَوْ أنَّ النّاسَ كُلَّهم أخَذُوا بِها لَكَفَتْهم»، وفي البابِ أحادِيثُ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَهو حَسْبُهُ﴾ قالَ: لَيْسَ المُتَوَكِّلُ الَّذِي يَقُولُ تُقْضى حاجَتِي ولَيْسَ كُلُّ مَن يَتَوَكَّلُ عَلى اللَّهِ كَفاهُ ما أهَمَّهُ ودَفَعَ عَنْهُ ما يَكْرَهُ وقَضى حاجَتَهُ، ولَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَ فَضْلَ مَن تَوَكَّلَ عَلى مَن لَمْ يَتَوَكَّلْ أنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئاتَهُ ويُعْظِمَ لَهُ أجْرًا، وفي قَوْلِهِ ﴿إنَّ اللَّهَ بالِغُ أمْرِهِ﴾ قالَ: يَقُولُ قاضِي أمْرِهِ عَلى مَن تَوَكَّلَ وعَلى مَن لَمْ يَتَوَكَّلْ، ولَكِنَّ المُتَوَكِّلَ يُكَفِّرُ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ ويُعْظِمُ لَهُ أجْرًا، وفي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ قالَ: يَعْنِي أجَلًا ومُنْتَهًى يَنْتَهِي إلَيْهِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ، وِ الطَّيالِسِيُّ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وأبُو يَعْلى، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ أنَّكم تَوَكَّلْتُمْ عَلى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَما تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِماصًا وتَرُوحُ بِطانًا» . وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ راهَوَيْهِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أنَّ ناسًا مِن أهْلِ المَدِينَةِ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في البَقَرَةِ في عِدَّةِ النِّساءِ قالُوا: لَقَدْ بَقِيَ مِن عِدَّةِ النِّساءِ عَدَدُ لَمْ يُذْكُرْ في القُرْآنِ: الصِّغارُ والكِبارُ اللّاتِي قَدِ انْقَطَعَ حَيْضُهُنَّ وذَواتُ الحَمْلِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿واللّائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ المُسْنَدِ وأبُو يَعْلى، والضِّياءُ في المُخْتارَةِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قالَ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ ﴿وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ أهِيَ المُطَلَّقَةُ ثَلاثًا، أوِ المُتَوَفّى عَنْها ؟ قالَ: هي المُطْلَقَةُ ثَلاثًا والمُتَوَفّى عَنْها» . وأخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والدّارَقُطْنِيُّ مِن وجْهٍ آخَرَ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأبُو داوُدَ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ بَلَغَهُ أنَّ عَلِيًّا قالَ: تَعْتَدُّ آخِرَ الأجَلَيْنِ، فَقالَ: مَن شاءَ لاعَنْتُهُ، إنَّ الآيَةَ الَّتِي في سُورَةِ النِّساءِ القُصْرى نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ البَقَرَةِ ﴿وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ بِكَذا وكَذا أشْهُرًا، وكُلُّ مُطَلَّقَةٍ أوْ مُتَوَفًّى عَنْها زَوْجُها فَأجَلُها أنْ تَضَعَ حَمْلَها. ورُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنْهُ مِن طُرُقٍ، وبَعْضُها في صَحِيحِ البُخارِيِّ. وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما مِن حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «أنَّ سَبِيعَةَ الأسْلَمِيَّةَ تُوُفِّيَ عَنْها زَوْجُها وهي حُبْلى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ فَأنْكَحَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» . وفِي البابِ أحادِيثُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب