الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ فالِقُ الحَبِّ والنَّوى﴾ هَذا شُرُوعٌ في تَعْدادِ عَجائِبِ صُنْعِهِ تَعالى وذِكْرِ ما يَعْجِزُ آلِهَتُهم عَنْ أدْنى شَيْءٍ مِنهُ، والفَلْقُ: الشَّقُّ: أيْ هو سُبْحانَهُ فالِقُ الحَبِّ فَيَخْرُجُ مِنهُ النَّباتُ، وفالِقُ النَّوى فَيَخْرُجُ مِنهُ الشَّجَرُ، وقِيلَ: مَعْنى ﴿فالِقُ الحَبِّ والنَّوى﴾ الشَّقُّ الَّذِي فِيهِما مِن أصْلِ الخِلْقَةِ، وقِيلَ: مَعْنى ﴿فالِقُ﴾ خالِقُ.
والنَّوى: جَمْعُ نَواةٍ يُطْلَقُ عَلى كُلِّ ما فِيهِ عَجْمٌ كالتَّمْرِ والمِشْمِشِ والخَوْخِ.
قَوْلُهُ: ﴿يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ فَهي في مَحَلِّ رَفْعٍ، وقِيلَ: هي جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِما قَبْلَها، لِأنَّ مَعْناها مَعْناهُ، والأوَّلُ أوْلى، فَإنَّ مَعْنى ﴿يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ﴾ يَخْرُجُ الحَيَوانَ مِن مِثْلِ النُّطْفَةِ والبَيْضَةِ وهي مَيْتَةٌ.
ومَعْنى ﴿ومُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ﴾ مُخْرِجُ النُّطْفَةِ والبَيْضَةِ وهي مَيْتَةٌ مِنَ الحَيِّ، وجُمْلَةُ ﴿ومُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى ﴿يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ﴾ عَطْفُ جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ عَلى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ ولا ضَيْرَ في ذَلِكَ، وقِيلَ: مَعْطُوفَةٌ عَلى ﴿فالِقُ﴾ عَلى تَقْدِيرِ أنَّ جُمْلَةَ ﴿يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ﴾ مُفَسِّرَةٌ لِما قَبْلَها، والأوَّلُ أوْلى، والإشارَةُ بِـ ﴿ذَلِكُمُ﴾ إلى صانِعِ ذَلِكَ الصُّنْعِ العَجِيبِ المَذْكُورِ سابِقًا و﴿اللَّهَ﴾ خَبَرُهُ: والمَعْنى: أنَّ صانِعَ هَذا الصُّنْعُ العَجِيبُ هو المُسْتَجْمِعُ لِكُلِّ كَمالٍ، والمُفَضَّلُ بِكُلِّ إفْضالٍ، والمُسْتَحِقُّ لِكُلِّ حَمَدٍ وإجْلالٍ ﴿فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾ فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنِ الحَقِّ مَعَ ما تَرَوْنَ مِن بَدِيعِ صُنْعِهِ وكَمالِ قُدْرَتِهِ.
قَوْلُهُ: ﴿فالِقُ الإصْباحِ﴾ مُرْتَفِعٌ عَلى أنَّهُ مِن جُمْلَةِ (p-٤٣٦)أخْبارِ إنَّ في ﴿إنَّ اللَّهَ فالِقُ الحَبِّ والنَّوى﴾، وقِيلَ: هو نَعْتٌ لِلِاسْمِ الشَّرِيفِ في ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ﴾، وقَرَأ الحَسَنُ وعِيسى بْنُ عُمَرَ " فالِقُ الأصْباحِ " بِفَتْحِ الهَمْزَةِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ بِكَسْرِها، وهو عَلى قِراءَةِ الفَتْحِ جَمْعُ صُبْحٍ، وعَلى قِراءَةِ الكَسْرِ مَصْدَرُ أصْبَحَ، والصُّبْحُ والصَّباحُ: أوَّلُ النَّهارِ، وكَذا الإصْباحُ، وقَرَأ النَّخَعِيُّ " فَلَقَ الإصْباحَ " بِفِعْلٍ وهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ.
والمَعْنى في ﴿فالِقُ الإصْباحِ﴾ أنَّهُ شاقُّ الضِّياءِ عَنِ الظَّلامِ وكاشِفُهُ، أوْ يَكُونُ المَعْنى عَلى حَذْفِ مُضافٍ: أيْ: فالِقُ ظُلْمَةِ الإصْباحِ، وهي الغَبَشُ، أوْ فالِقُ عَمُودِ الفَجْرِ عَنْ بَياضِ النَّهارِ، لِأنَّهُ يَبْدُو مُخْتَلِطًا بِالظُّلْمَةِ ثُمَّ يَصِيرُ أبْيَضَ خالِصًا.
وقَرَأ الحَسَنُ وعِيسى بْنُ عُمَرَ وعاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ " جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا " حَمْلًا عَلى مَعْنى " فالِقٍ " عِنْدَ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ، وأمّا عِنْدَ الحَسَنِ وعِيسى فَعَطْفًا عَلى فَلَقَ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ " وجاعِلُ " عَطْفًا عَلى " فالِقٍ " وقُرِئَ ( فالِقَ ) و( جاعِلَ ) بِنَصْبِهِما عَلى المَدْحِ.
وقَرَأ يَعْقُوبُ ( وجاعِلُ اللَّيْلِ ساكِنًا ) .
والسَّكَنُ: مَحَلُّ السُّكُونِ، مِن سَكَنَ إلَيْهِ: إذا اطْمَأنَّ إلَيْهِ، لِأنَّهُ يَسْكُنُ فِيهِ النّاسُ عَنِ الحَرَكَةِ في مَعاشِهِمْ ويَسْتَرِيحُونَ مِنَ التَّعَبِ والنَّصَبِ.
قَوْلُهُ: ﴿والشَّمْسَ والقَمَرَ حُسْبانًا﴾ بِالنَّصْبِ عَلى إضْمارِ فِعْلٍ: أيْ وجَعَلَ الشَّمْسَ والقَمَرَ، وبِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ والشَّمْسَ والقَمَرَ مَجْعُولانِ حُسْبانًا، وبِالجَرِّ عَطْفًا عَلى اللَّيْلِ عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ " وجَعَلَ اللَّيْلَ " .
قالَ الأخْفَشُ: والحُسْبانُ جَمْعُ حِسابٍ مِثْلَ شُهْبانٍ وشِهابٍ.
وقالَ يَعْقُوبُ: حُسْبانٌ مَصْدَرُ حَسِبْتُ الشَّيْءَ أحْسُبُهُ حَسْبًا وحُسْبانًا.
والحِسابُ: الِاسْمُ، وقِيلَ: الحُسْبانُ بِالضَّمِّ مَصْدَرُ حَسَبَ بِالفَتْحِ، والحِسْبانُ بِالكَسْرِ مَصْدَرُ حَسِبَ.
والمَعْنى: جَعَلَهُما مَحَلَّ حِسابٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصالِحُ العِبادِ وسَيَّرَهُما عَلى تَقْدِيرٍ لا يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ لِيَدُلَّ عِبادَهُ بِذَلِكَ عَلى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وبَدِيعِ صُنْعِهِ، وقِيلَ: الحُسْبانُ: الضِّياءُ، وفي لُغَةٍ أنَّ الحُسْبانَ: النّارُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ﴾ [الكهف: ٤٠] والإشارَةُ بِـ ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ﴾ إلى الجَعْلِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِجاعِلٍ أوْ بِجَعْلٍ عَلى القِراءَتَيْنِ.
والعَزِيزُ: القاهِرُ الغالِبُ.
والعَلِيمُ: كَثِيرُ العِلْمِ، ومِن جُمْلَةِ مَعْلُوماتِهِ تَسْيِيرُهُما عَلى هَذا التَّدْبِيرِ المُحْكَمِ.
قَوْلُهُ: ﴿وهو الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها﴾ أيْ خَلَقَها لِلِاهْتِداءِ بِها ﴿فِي ظُلُماتِ﴾ أيِ اللَّيْلِ عِنْدَ المَسِيرِ في ﴿البَرِّ والبَحْرِ﴾ وإضافَةُ الظُّلُماتِ إلى البَرِّ والبَحْرِ لِكَوْنِها مُلابِسَةً لَهُما، أوِ المُرادُ بِالظُّلُماتِ: اشْتِباهُ طُرُقِهِما الَّتِي لا يُهْتَدى فِيها إلّا بِالنُّجُومِ، وهَذِهِ إحْدى مَنافِعِ النُّجُومِ الَّتِي خَلَقَها اللَّهُ لَها، ومِنها ما ذَكَرَهُ اللَّهُ في قَوْلِهِ: ﴿وحِفْظًا مِن كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ﴾ [الصافات: ٧] .
﴿وجَعَلْناها رُجُومًا لِلشَّياطِينِ﴾ [الملك: ٥]، ومِنها: جَعَلَها زِينَةً لِلسَّماءِ، ومَن زَعَمَ غَيْرَ هَذِهِ الفَوائِدِ فَقَدْ أعْظَمَ عَلى اللَّهِ الفِرْيَةَ ﴿قَدْ فَصَّلْنا الآياتِ﴾ الَّتِي بَيَّنّاها بَيانًا مُفَصَّلًا لِتَكُونَ أبْلَغَ في الِاعْتِبارِ ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ بِما في هَذِهِ الآياتِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ وعَظَمَتِهِ وبَدِيعِ حَكَمْتِهِ.
قَوْلُهُ: ٩٨ - ﴿وهو الَّذِي أنْشَأكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ أيْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَما تَقَدَّمَ، وهَذا نَوْعٌ آخَرُ مِن بَدِيعِ خَلْقِهِ الدّالِّ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ ﴿فَمُسْتَقَرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ﴾ .
قَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والحَسَنُ وأبُو عَمْرٍو وعِيسى والأعْرَجُ والنَّخَعِيُّ بِكَسْرِ القافِ والباقُونَ بِفَتْحِها، وهُما مَرْفُوعانِ عَلى أنَّهُما مُبْتَدَآنِ وخَبَرُهُما مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: فَمِنكم مُسْتَقَرٌّ أوْ فَلَكم مُسْتَقَرٌّ، التَّقْدِيرُ الأوَّلُ عَلى القِراءَةِ الأُولى، والثّانِي عَلى الثّانِيَةِ: أيْ فَمِنكم مُسْتَقَرٌّ عَلى ظَهْرِ الأرْضِ، أوْ فَلَكم مُسْتَقَرٌّ عَلى ظَهْرِها، ومِنكم مُسْتَوْدَعٌ في الرَّحِمِ أوْ في باطِنِ الأرْضِ أوْ في الصُّلْبِ، وقِيلَ: المُسْتَقَرُّ في الرَّحِمِ، والمُسْتَوْدَعُ في الأرْضِ، وقِيلَ: المُسْتَقَرُّ في القَبْرِ.
قالَ القُرْطُبِيُّ: وأكْثَرُ أهْلِ التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ: المُسْتَقَرُّ ما كانَ في الرَّحِمِ، والمُسْتَوْدَعُ ما كانَ في الصُّلْبِ، وقِيلَ: المُسْتَقَرُّ مَن خُلِقَ، والمُسْتَوْدَعُ مَن لَمْ يُخْلَقْ، وقِيلَ: الِاسْتِيداعُ إشارَةٌ إلى كَوْنِهِمْ في القُبُورِ إلى المَبْعَثِ.
ومِمّا يَدُلُّ عَلى تَفْسِيرِ المُسْتَقَرِّ بِالكَوْنِ عَلى الأرْضِ قَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿ولَكم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ [البقرة: ٣٦]، وذَكَرَ سُبْحانَهُ هاهُنا ﴿يَفْقَهُونَ﴾ وفِيما قَبْلَهُ ﴿يَعْلَمُونَ﴾ لِأنَّ في إنْشاءِ الأنْفُسِ مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وجَعْلِ بَعْضِها مُسْتَقَرًا وبَعْضَها مُسْتَوْدَعًا مِنَ الغُمُوضِ والدِّقَّةِ ما لَيْسَ في خَلْقِ النُّجُومِ لِلِاهْتِداءِ، فَناسَبَهُ ذِكْرُ الفِقْهِ لِإشْعارِهِ بِمَزِيدِ تَدْقِيقٍ وإمْعانِ فِكْرٍ.
قَوْلُهُ: ﴿وهو الَّذِي أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ هَذا نَوْعٌ آخَرُ مِن عَجائِبَ مَخْلُوقاتِهِ.
والماءُ هو ماءُ المَطَرِ، وفي ﴿فَأخْرَجْنا بِهِ﴾ التِفاتٌ مِنَ الغَيْبَةِ إلى التَّكَلُّمِ إظْهارًا لِلْعِنايَةِ بِشَأْنِ هَذا المَخْلُوقِ وما تَرَتَّبَ عَلَيْهِ، والضَّمِيرُ في ﴿بِهِ﴾ عائِدٌ إلى الماءِ، و﴿نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ يَعْنِي كُلَّ صِنْفٍ مِن أصْنافِ النَّباتِ المُخْتَلِفَةِ، وقِيلَ: المَعْنى رِزْقِ كُلِّ شَيْءٍ، والتَّفْسِيرُ الأوَّلُ أوْلى.
ثُمَّ فَصَّلَ هَذا الإجْمالَ فَقالَ: ﴿فَأخْرَجْنا مِنهُ خَضِرًا﴾ .
قالَ الأخْفَشُ: أيْ أخْضَرَ.
والخَضِرُ: رَطْبُ البُقُولِ، وهو ما يَتَشَعَّبُ مِنَ الأغْصانِ الخارِجَةِ مِنَ الحَبَّةِ، وقِيلَ: يُرِيدُ القَمْحَ والشَّعِيرَ والذُّرَةَ والأُرْزَ وسائِرَ الحُبُوبِ ﴿نُخْرِجُ مِنهُ حَبًّا﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ صِفَةٌ لِخَضِرًا: أيْ نَخْرُجُ مِنَ الأغْصانِ الخُضْرِ حَبًا مُتَراكِبًا: أيْ مُرَكَّبًا بَعْضُهُ عَلى بَعْضِهِ كَما في السَّنابِلِ ﴿ومِنَ النَّخْلِ﴾ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، و﴿مِن طَلْعِها﴾ بَدَلٌ مِنهُ، وعَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ يَخْرُجُ مِنهُ حَبٌّ يَكُونُ ارْتِفاعُ قِنْوانٍ عَلى أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى حَبٍّ، وأجازَ الفَرّاءُ في غَيْرِ القُرْآنِ قِنْوانًا عَطْفًا عَلى حَبًّا، وتَمِيمٌ يَقُولُونَ قِنْيانٍ.
وقُرِئَ بِضَمِّ القافِ وفَتْحِها بِاعْتِبارِ اخْتِلافِ اللُّغَتَيْنِ لُغَةِ قَيْسٍ ولُغَةِ أهْلِ الحِجازِ.
والطَّلْعُ: الكُفْرِيُّ قَبْلَ أنْ يَنْشَقَّ عَنِ الإغْرِيضِ، والإغْرِيضُ يُسَمّى طَلْعًا أيْضًا.
والقِنْوانُ: جَمْعُ قِنْوٍ، والفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِهِ وتَثْنِيَتِهِ أنَّ المُثَنّى مَكْسُورُ النُّونِ، والجَمْعُ عَلى ما يَقْتَضِيهِ الإعْرابُ، ومِثْلُهُ صِنْوانٌ.
والقِنْوُ: العِذْقُ.
والمَعْنى: أنَّ القِنْوانَ أصْلُهُ مِنَ الطَّلْعِ.
والعِذْقُ هو عُنْقُودُ النَّخْلِ، وقِيلَ: القِنْوانُ: الجِمارُ.
والدّانِيَةُ: القَرِيبَةُ الَّتِي يَنالُها القائِمُ والقاعِدُ.
قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى مِنها دانِيَةٌ ومِنها بَعِيدَةٌ فَحُذِفَ، ومِثْلُهُ ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] (p-٤٣٧)وخَصَّ الدّانِيَةَ بِالذِّكْرِ لِأنَّ الغَرَضَ مِنَ الآيَةِ بَيانُ القَدْرِ والِامْتِنانِ، وذَلِكَ فِيما يَقْرُبُ تَناوُلُهُ أكْثَرُ.
قَوْلُهُ: ﴿وجَنّاتٍ مِن أعْنابٍ﴾ .
قَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى والأعْمَشُ وعاصِمٌ في قِراءَتِهِ الصَّحِيحَةِ عَنْهُ بِرَفْعِ جَنّاتٍ، وقَرَأ الباقُونَ بِالنَّصْبِ.
وأنْكَرَ القِراءَةَ الأُولى أبُو عُبَيْدَةَ وأبُو حاتِمٍ، حَتّى قالَ أبُو حاتِمٍ، هي مُحالٌ، لِأنَّ الجَنّاتِ لا تَكُونُ مِنَ النَّخْلِ.
قالَ النَّحّاسُ: لَيْسَ تَأْوِيلُ الرَّفْعِ عَلى هَذا ولَكِنَّهُ رَفْعٌ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ: أيْ ولَهم جَنّاتٌ كَما قَرَأ جَماعَةٌ مِنَ القُرّاءِ " ﴿وحُورٌ عِينٌ﴾ " [الواقعة: ٢٢] وقَدْ أجازَ مِثْلَ هَذا سِيبَوَيْهِ والكِسائِيُّ والفَرّاءُ، وأمّا عَلى النَّصْبِ فَقِيلَ: هو مَعْطُوفٌ عَلى ﴿نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أيْ وأخْرَجْنا بِهِ جَنّاتٍ كائِنَةً مِن أعْنابٍ، أوِ النَّصْبِ بِفِعْلٍ يُقَدَّرُ مُتَأخِّرًا: أيْ وجَنّاتٍ مِن أعْنابٍ أخْرَجْناها، وهَكَذا القَوْلُ في انْتِصابِ الزَّيْتُونِ والرُّمّانِ: وقِيلَ: هُما مَنصُوبانِ عَلى الِاخْتِصاصِ لِكَوْنِهِما عَزِيزَيْنِ، و﴿مُشْتَبِهًا﴾ مُنْتَصِبٌ عَلى الحالِ: أيْ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا في بَعْضِ أوْصافِهِ ولا يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا في البَعْضِ الآخَرِ، وقِيلَ: إنَّ أحَدَهُما يُشْبِهُ الآخَرَ في الوَرَقِ بِاعْتِبارِ اشْتِمالِهِ عَلى جَمِيعِ الغُصْنِ وبِاعْتِبارِ حَجْمِهِ، ولا يُشْبِهُ أحَدُهُما الآخَرَ في الطَّعْمِ، وقِيلَ: خَصَّ الزَّيْتُونَ والرُّمّانَ لِقُرْبِ مَنابِتِهِما مِنَ العَرَبِ كَما في قَوْلِ اللَّهِ سُبْحانَهُ: ﴿أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية: ١٧]، ثُمَّ أمَرَهم سُبْحانَهُ بِأنْ يَنْظُرُوا نَظَرَ اعْتِبارٍ إلى ثَمَرِهِ إذا أثْمَرَ وإلى يَنْعِهِ إذا أيْنَعَ.
والثَّمَرُ في اللُّغَةِ: جَنى الشَّجَرِ.
واليانِعُ: النّاضِجُ الَّذِي قَدْ أدْرَكَ وحانَ قِطافُهُ.
قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: اليَنْعُ جَمْعُ يانِعٍ، كَرَكْبٍ وراكِبٍ.
وقالَ الفَرّاءُ: أيْنَعَ احْمَرَّ.
قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ثُمُرَهُ بِضَمِّ الثّاءِ والمِيمِ، وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِها، إلّا الأعْمَشُ فَإنَّهُ قَرَأ ثُمْرَهُ بِضَمِّ الثّاءِ وسُكُونِ المِيمِ تَخْفِيفًا.
وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْفَعِ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وابْنُ أبِي إسْحاقَ ويُنْعَهُ بِضَمِّ الياءِ التَّحْتِيَّةِ.
قالَ الفَرّاءُ: هي لُغَةُ بَعْضِ أهْلِ نَجْدٍ.
وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِها، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ في ذَلِكُمْ﴾ إلى ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُجْمَلًا ومُفَصَّلًا ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ بِاللَّهِ اسْتِدْلالًا بِما يُشاهِدُونَهُ مِن عَجائِبَ مَخْلُوقاتِهِ الَّتِي قَصَّها عَلَيْهِمْ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ فالِقُ الحَبِّ والنَّوى﴾ يَقُولُ: خَلَقَ الحَبَّ والنَّوى.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ، قالَ: يَفْلِقُ الحَبَّ والنَّوى عَنِ النَّباتِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: الشِّقّانِ اللَّذانِ فِيهِما.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ أبِي مالِكٍ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ﴾ قالَ: النَّخْلَةَ مِنَ النَّواةِ والسُّنْبُلَةَ مِنَ الحَبَّةِ ﴿ومُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ﴾ قالَ: النَّواةُ مِنَ النَّخْلَةِ والحَبَّةُ مِنَ السُّنْبُلَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ ﴿يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ومُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ﴾ قالَ: النّاسُ الأحْياءُ مِنَ النُّطَفِ، والنُّطْفَةُ مَيْتَةٌ تَخْرُجُ مِنَ النّاسِ الأحْياءِ، ومِنَ الأنْعامِ والنَّباتِ كَذَلِكَ أيْضًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، ﴿فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾ أيْ فَكَيْفَ تُكَذِّبُونَ.
وأخْرَجَ أيْضًا عَنِ الحَسَنِ قالَ: أنّى تُصْرَفُونَ.
وأخْرَجَ أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في ﴿فالِقُ الإصْباحِ﴾ قالَ: خَلَقَ اللَّيْلَ والنَّهارَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ قالَ: يَعْنِي بِالإصْباحِ ضَوْءَ الشَّمْسِ بِالنَّهارِ وضَوْءَ القَمَرِ بِاللَّيْلِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في ﴿فالِقُ الإصْباحِ﴾ قالَ: إضاءَةُ الفَجْرَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ قَتادَةَ، في قَوْلِهِ: ﴿فالِقُ الإصْباحِ﴾ قالَ: فالِقُ الصُّبْحِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ، في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ قالَ: سَكَنَ فِيهِ كُلُّ طَيْرٍ ودابَّةٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿والشَّمْسَ والقَمَرَ حُسْبانًا﴾ يَعْنِي عَدَدَ الأيّامِ والشُّهُورِ والسِّنِينَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها في ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ﴾ قالَ: يَضِلُّ الرَّجُلُ وهو في الظُّلْمَةِ والجَوْرُ عَنِ الطَّرِيقِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، والخَطِيبُ في كِتابِ النُّجُومِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: تَعَلَّمُوا مِنَ النُّجُومِ ما تَهْتَدُونَ بِهِ في بَرِّكم وبَحْرِكم ثُمَّ أمْسِكُوا، فَإنَّها واللَّهِ ما خُلِقَتْ إلّا زِينَةً لِلسَّماءِ ورُجُومًا لِلشَّياطِينِ، وعَلاماتٍ يُهْتَدى بِها.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ، نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والخَطِيبُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «تَعَلَّمُوا مِنَ النُّجُومِ ما تَهْتَدُونَ بِهِ في ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ ثُمَّ انْتَهُوا» .
وقَدْ ورَدَ في اسْتِحْبابِ مُراعاةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ لِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ لا لِغَيْرِ ذَلِكَ أحادِيثُ: مِنها عِنْدَ الحاكِمِ وصَحَّحَهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «أحَبُّ عِبادِ اللَّهِ إلى اللَّهِ الَّذِينَ يُراعُونَ الشَّمْسَ والقَمَرَ لِذِكْرِ اللَّهِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ شاهِينَ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ والخَطِيبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي أوْفى قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في الزُّهْدِ، والخَطِيبُ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ الخَطِيبُ في كِتابِ النُّجُومِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ حَدِيثِهِ الأوَّلِ مَرْفُوعًا.
وأخْرَجَ الحاكِمُ في تارِيخِهِ والدَّيْلَمِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أيْضًا قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «ثَلاثَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلّا ظِلُّهُ: التّاجِرُ الأمِينُ، والإمامُ المُقْتَصِدُ، وراعِي الشَّمْسِ بِالنَّهارِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ، في زَوائِدِ الزُّهْدِ عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيِّ قالَ: «سَبْعَةٌ في ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلّا ظِلُّهُ، فَذَكَرَ مِنهُمُ الرَّجُلَ الَّذِي يُراعِي الشَّمْسَ لِمَواقِيتِ الصَّلاةِ» .
فَهَذِهِ الأحادِيثُ مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِ المُراعاةِ لِذِكْرِ اللَّهِ والصَّلاةِ لا لِغَيْرِ ذَلِكَ.
وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ انْقِضاءَ وقْتِ صَلاةِ الفَجْرِ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وأوَّلُ صَلاةِ الظُّهْرِ زَوالُها، ووَقْتُ العَصْرِ ما دامَتِ الشَّمْسُ بَيْضاءَ نَقِيَّةً، ووَقْتُ المَغْرِبِ غُرُوبُ (p-٤٣٨)الشَّمْسِ.
ووَرَدَ في صَلاةِ العِشاءِ «أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - كانَ يُصَلِّيها لِوَقْتِ مَغِيبِ القَمَرِ لَيْلَةَ ثالِثِ الشَّهْرِ» وبِها يُعْرَفُ أوائِلُ الشُّهُورِ وأوْساطُها وأواخِرُها، فَمَن راعى الشَّمْسَ والقَمَرَ بِهَذِهِ الأُمُورِ فَهو الَّذِي أرادَهُ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، ومَن راعاها لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهو غَيْرُ مُرادٍ بِما ورَدَ، وهَكَذا النُّجُومُ، ورَدَ النَّهْيُ عَنِ النَّظَرِ فِيها كَما أخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والخَطِيبُ «عَنْ عَلِيٍّ قالَ: نَهانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَنِ النَّظَرِ في النُّجُومِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والمَرْهَبِيُّ والخَطِيبُ «عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: نَهى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ عَنِ النَّظَرِ في النُّجُومِ» .
وأخْرَجَ الخَطِيبُ عَنْ عائِشَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ والخَطِيبُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «إذا ذُكِرَ أصْحابِي فَأمْسِكُوا، وإذا ذُكِرَ القَدَرُ فَأمْسِكُوا، وإذا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأمْسِكُوا» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو داوُدَ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زادَ ما زادَ» فَهَذِهِ الأحادِيثُ مَحْمُولَةٌ عَلى النَّظَرِ فِيها لِما عَدا الِاهْتِداءَ والتَّفَكُّرَ والِاعْتِبارَ.
وما ورَدَ في جَوازِ النَّظَرِ في النُّجُومِ فَهو مُقَيَّدٌ بِالِاهْتِداءِ والتَّفَكُّرِ والِاعْتِبارِ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ السّابِقُ، وعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِيما أخْرَجَهُ الخَطِيبُ عَنْهُ: أنَّهُ سَألَ رَجُلًا عَنْ حِسابِ النُّجُومِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَتَحَرَّجُ أنْ يُخْبِرَهُ، فَقالَ عِكْرِمَةُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ، يَقُولُ: عِلْمٌ عَجَزَ النّاسُ عَنْهُ ووَدِدْتُ أنِّي عَلِمْتُهُ.
وقَدْ أخْرَجَ أبُو داوُدَ والخَطِيبُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أنَّهُ خَطَبَ فَذَكَرَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أنَّهُ قالَ: «أمّا بَعْدُ، فَإنَّ ناسًا يَزْعُمُونَ أنَّ كُسُوفَ هَذِهِ الشَّمْسِ وكُسُوفَ هَذا القَمَرِ وزَوالَ هَذِهِ النُّجُومِ عَنْ مَواضِعِها لِمَوْتِ رِجالٍ عُظَماءَ مِن أهْلِ الأرْضِ، وإنَّهم قَدْ كَذَبُوا، ولَكِنَّها آياتٌ مِن آياتِ اللَّهِ يَعْتَبِرُ بِها عِبادَهُ لِيَنْظُرَ ما يَحْدُثُ لَهم مِن تَوْبَةٍ» .
وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما، في كُسُوفِ الشَّمْسِ والقَمَرِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «إنَّهُما لا يَنْكَسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولا لِحَياتِهِ، ولَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِما عِبادَهُ» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أبِي أُمامَةَ مَرْفُوعًا: «إنَّ اللَّهَ نَصَبَ آدَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَ كَتِفَهُ اليُسْرى فَخَرَجَتْ ذُرِّيَّتُهُ مِن صُلْبِهِ حَتّى مَلَأُوا الأرْضَ» فَهَذا الحَدِيثُ هو مَعْنى ما في الآيَةِ، - ﴿وهُوَ الَّذِي أنْشَأكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ - وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ﴾ قالَ: المُسْتَقَرُّ ما كانَ في الرَّحِمِ، والمُسْتَوْدَعِ ما اسْتَوْدَعَ في أصْلابِ الرِّجالِ والدَّوابِّ.
وفِي لَفْظِ: المُسْتَقَرُّ ما في الرَّحِمِ، وعَلى ظَهْرِ الأرْضِ وبَطْنِها مِمّا هو حَيٌّ ومِمّا قَدْ ماتَ.
وفِي لَفْظِ المُسْتَقَرِّ ما كانَ في الأرْضِ، والمُسْتَوْدَعُ ما كانَ في الصُّلْبِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في الآيَةِ قالَ: مُسْتَقَرُّها في الدُّنْيا ومُسْتَوْدَعُها في الآخِرَةِ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: المُسْتَقَرُّ الرَّحِمُ، والمُسْتَوْدَعُ المَكانُ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ الحَسَنِ وقَتادَةَ، في الآيَةِ قالا: مُسْتَقَرٌّ في القَبْرِ، ومُسْتَوْدَعٌ في الدُّنْيا، أوْشَكَ أنْ يَلْحَقَ بِصاحِبِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ السُّدِّيِّ، في قَوْلِهِ: ﴿نُخْرِجُ مِنهُ حَبًّا مُتَراكِبًا﴾ قالَ: هَذا السُّنْبُلُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ ﴿قِنْوانٌ دانِيَةٌ﴾ قالَ قَرِيبَةٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، ﴿قِنْوانٌ دانِيَةٌ﴾ قالَ: قِصارُ النَّخْلِ اللّاصِقَةُ عُذُوقُها بِالأرْضِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْهُ قِنْوانُ الكَبائِسِ، والدّانِيَةُ المَنصُوبَةُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ أيْضًا في ﴿قِنْوانٌ دانِيَةٌ﴾ قالَ: تَهَدُّلُ العُذُوفُ مِنَ الطَّلْعِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ، في قَوْلِهِ: ﴿مُشْتَبِهًا وغَيْرَ مُتَشابِهٍ﴾ قالَ: مُتَشابِهًا ورَقُهُ مُخْتَلِفًا ثَمَرُهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿انْظُرُوا إلى ثَمَرِهِ إذا أثْمَرَ﴾ قالَ: رُطَبُهُ وعِنَبُهُ.
وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ البَراءِ " ويَنْعِهِ " قالَ: نُضْجُهُ.
{"ayahs_start":95,"ayahs":["۞ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ یُخۡرِجُ ٱلۡحَیَّ مِنَ ٱلۡمَیِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَیِّتِ مِنَ ٱلۡحَیِّۚ ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ","فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّیۡلَ سَكَنࣰا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانࣰاۚ ذَ ٰلِكَ تَقۡدِیرُ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡعَلِیمِ","وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُوا۟ بِهَا فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ","وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰحِدَةࣲ فَمُسۡتَقَرࣱّ وَمُسۡتَوۡدَعࣱۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَفۡقَهُونَ","وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَیۡءࣲ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرࣰا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبࣰّا مُّتَرَاكِبࣰا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانࣱ دَانِیَةࣱ وَجَنَّـٰتࣲ مِّنۡ أَعۡنَابࣲ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهࣰا وَغَیۡرَ مُتَشَـٰبِهٍۗ ٱنظُرُوۤا۟ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦۤ إِذَاۤ أَثۡمَرَ وَیَنۡعِهِۦۤۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكُمۡ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"۞ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ یُخۡرِجُ ٱلۡحَیَّ مِنَ ٱلۡمَیِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَیِّتِ مِنَ ٱلۡحَیِّۚ ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق