الباحث القرآني
نَهى اللَّهُ سُبْحانَهُ عَنْ أكْلِ ما لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَعْدَ أنْ أمَرَ بِالأكْلِ مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى تَحْرِيمِ أكْلِ ما لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في ذَلِكَ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ ونافِعٌ مَوْلاهُ والشَّعْبِيُّ، وابْنُ سِيرِينَ وهو رِوايَةٌ عَنْ مالِكٍ وأحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وبِهِ قالَ أبُو ثَوْرٍ وداوُدُ الظّاهِرِيُّ: أنَّ ما لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنَ الذَّبائِحِ حَرامٌ مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ العامِدِ والنّاسِي لِهَذِهِ الآيَةِ، ولِقَوْلِهِ تَعالى في آيَةِ الصَّيْدِ: ﴿فَكُلُوا مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكم واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤] ويَزِيدُ هَذا الِاسْتِدْلالَ تَأْكِيدًا قَوْلُهُ سُبْحانَهُ في هَذِهِ الآيَةِ ﴿وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ .
وقَدْ ثَبَتَ في الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ الأمْرُ بِالتَّسْمِيَةِ في الصَّيْدِ وغَيْرِهِ.
وذَهَبَ الشّافِعِيُّ وأصْحابُهُ وهو رِوايَةٌ عَنْ مالِكٍ ورِوايَةٌ عَنْ أحْمَدَ، أنَّ التَّسْمِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لا واجِبَةٌ، وهو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأبِي هُرَيْرَةَ وعَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ، وحَمَلَ الشّافِعِيُّ الآيَةَ عَلى مَن ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وهو تَخْصِيصٌ لِلْآيَةِ بِغَيْرِ مُخَصِّصٍ.
وقَدْ رَوى أبُو داوُدَ في المُرْسَلِ أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «ذَبِيحَةُ المُسْلِمِ حَلالٌ، ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ أوْ لَمْ يُذْكَرْ» .
ولَيْسَ في هَذا المُرْسَلِ ما يَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ الآيَةِ، نَعَمْ «حَدِيثُ عائِشَةَ أنَّها قالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: إنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنا بِلُحْمانٍ لا نَدْرِي أذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أمْ لا ؟ فَقالَ: سَمُّوا أنْتُمْ وكُلُوا» يُفِيدُ أنَّ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الأكْلِ تُجْزِئُ مَعَ التِباسِ وُقُوعِها عِنْدَ الذَّبْحِ.
وذَهَبَ مالِكٌ وأحْمَدُ في المَشْهُورِ عَنْهُما وأبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ وإسْحاقُ بْنُ راهَوَيْهِ أنَّ التَّسْمِيَةَ إنْ تُرِكَتْ نِسْيانًا لَمْ تَضُرَّ، وإنْ تُرِكَتْ عَمْدًا لَمْ يَحِلَّ أكْلُ الذَّبِيحَةِ.
وهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وابْنِ عَبّاسٍ، وسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وعَطاءٍ وطاوُسٍ والحَسَنِ البَصْرِيِّ وأبِي مالِكٍ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى وجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ورَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، واسْتَدَلُّوا بِما أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «المُسْلِمُ إنْ نَسِيَ أنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحُ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ولْيَأْكُلْهُ» وهَذا الحَدِيثُ رَفْعُهُ خَطَأٌ، وإنَّما هو مِن قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ.
وكَذا أخْرَجَهُ مِن قَوْلِهِ: عَبْدُ الرَّزّاقِ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، نَعَمْ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلالُ لِهَذا المَذْهَبِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا﴾ [البقرة: ٢٨٦] كَما سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، وبِقَوْلِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيانُ» وأمّا حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ «أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أرَأيْتَ الرَّجُلَ مِنّا يَذْبَحُ ويَنْسى أنْ يُسَمِّيَ ؟ فَقالَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: اسْمُ اللَّهِ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ» فَهو حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَدْ ضَعَّفَهُ البَيْهَقِيُّ وغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: ﴿وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلى " ما " بِتَقْدِيرِ مُضافٍ: أيْ وإنَّ أكْلَ ما لَمْ يُذْكَرْ لَفِسْقٌ، ويَجُوزُ أنْ يَرْجِعَ إلى مَصْدَرِ تَأْكُلُوا: أيْ فَإنَّ الأكْلَ لَفِسْقٌ.
وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ الفِسْقِ.
وقَدِ اسْتَدَلَّ مَن حَمَلَ هَذِهِ الآيَةَ عَلى ما ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ ووَجْهُ الِاسْتِدْلالِ أنَّ التَّرْكَ لا يَكُونُ فِسْقًا، بَلِ الفِسْقُ الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللَّهِ.
ويُجابُ عَنْهُ بِأنَّ إطْلاقَ اسْمِ الفِسْقِ عَلى تارِكِ ما فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُمْتَنَعٍ شَرْعًا ﴿وإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ﴾ أيْ يُوَسْوِسُونَ لَهم بِالوَساوِسِ المُخالِفَةِ لِلْحَقِّ المُبايِنَةِ لِلصَّوابِ قاصِدِينَ بِذَلِكَ أنْ يُجادِلَكم هَؤُلاءِ الأوْلِياءُ بِما يُوَسْوِسُونَ لَهم ﴿وإنْ أطَعْتُمُوهُمْ﴾ فِيما يَأْمُرُونَكم بِهِ ويَنْهَوْنَكم عَنْهُ ﴿إنَّكم لَمُشْرِكُونَ﴾ مِثْلَهم.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأبُو داوُدَ وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والنَّحّاسُ، والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: المُشْرِكُونَ، وفي لَفْظٍ: قالَ اليَهُودُ: لا تَأْكُلُوا مِمّا قَتَلَ اللَّهُ وتَأْكُلُوا مِمّا قَتَلْتُمْ أنْتُمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْهُ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ: ﴿ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ أرْسَلَتْ فارِسُ إلى قُرَيْشٍ أنْ خاصِمُوا مُحَمَّدًا، فَقالُوا لَهُ: ما تَذْبَحُ أنْتَ بِيَدِكَ بِسِكِّينٍ فَهو حَلالٌ، وما ذَبَحَ اللَّهُ بِشِمْشارٍ مِن ذَهَبٍ يَعْنِي المَيْتَةَ فَهو حَرامٌ ؟ !، فَنَزَلَتْ: ﴿وإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكم﴾ قالَ: الشَّياطِينُ مِن فارِسَ وأوْلِياؤُهم مِن قُرَيْشٍ.
وقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ما تَقَدَّمَ في حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ، الأوَّلِ مِن غَيْرِ طَرِيقٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿وإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ﴾ قالَ: إبْلِيسُ أوْحى إلى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ.
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ فَنُسِخَ، واسْتُثْنِيَ مِن ذَلِكَ فَقالَ: ﴿وطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكم﴾ .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الخَطْمِيِّ قالَ: كُلُوا ذَبائِحَ المُسْلِمِينَ وأهْلِ الكِتابِ مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
ورَوى ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ، في النَّسْخِ.
{"ayah":"وَلَا تَأۡكُلُوا۟ مِمَّا لَمۡ یُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقࣱۗ وَإِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ لَیُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕهِمۡ لِیُجَـٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











