الباحث القرآني
لَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ ما يَصْنَعُهُ الكُفّارُ في الأنْعامِ مِن تِلْكَ السُّنَنِ الجاهِلِيَّةِ أمْرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ بِأنْ يَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وقِيلَ: إنَّها نَزَلَتْ في سَبَبٍ خاصٍّ وسَيَأْتِي، ولَكِنَّ الِاعْتِبارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، فَكُلُّ ما ذَكَرَ الذّابِحُ عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ حَلَّ إنْ كانَ مِمّا أباحَ اللَّهُ أكْلَهُ.
وقالَ عَطاءٌ: في هَذِهِ الآيَةِ الأمْرُ بِذِكْرِ اللَّهِ عَلى الشَّرابِ والذَّبْحِ وكُلِّ مَطْعُومٍ، والشَّرْطُ في ﴿إنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ لِلتَّهْيِيجِ والإلْهابِ: أيْ بِأحْكامِهِ مِنَ الأوامِرِ والنَّواهِي الَّتِي مِن جُمْلَتِها الأمْرُ بِالأكْلِ مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
والِاسْتِفْهامُ في ﴿وما لَكم ألّا تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ لِلْإنْكارِ: أيْ ما المانِعُ لَكم مِن أكْلِ ما سَمَّيْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ أنْ أذِنَ اللَّهُ لَكم بِذَلِكَ " و" الحالُ أنْ ﴿وقَدْ فَصَّلَ لَكم ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ بَيَّنَ لَكم بَيانًا مُفَصَّلًا يَدْفَعُ الشَّكَّ ويُزِيلُ الشُّبْهَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ إلى آخَرِ الآيَةِ [الأنعام: ١٤٥]، ثُمَّ اسْتَثْنى فَقالَ: ﴿إلّا ما اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ﴾ أيْ مِن جَمِيعِ ما حَرَّمَهُ عَلَيْكم فَإنَّ الضَّرُورَةَ تُحَلِّلُ الحَرامَ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ في البَقَرَةِ.
قَرَأ نافِعٌ ويَعْقُوبُ ( وقَدْ فَصَّلَ لَكم ما حَرَّمَ عَلَيْكم ) بِفَتْحِ الفِعْلَيْنِ عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ، وهو اللَّهُ سُبْحانَهُ.
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ وابْنُ كَثِيرٍ بِالضَّمِّ فِيهِما عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ.
وقَرَأ عَطِيَّةُ العَوْفِيُّ فَصَلَ بِالتَّخْفِيفِ: أيْ أبانَ وأظْهَرَ.
قَوْلُهُ: ﴿وإنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ هُمُ الكُفّارُ الَّذِينَ كانُوا يُحَرِّمُونَ البَحِيرَةَ والسّائِبَةَ ونَحْوَهُما، فَإنَّهم بِهَذِهِ الأفْعالِ المَبْنِيَّةِ عَلى الجَهْلِ كانُوا يُضِلُّونَ النّاسَ فَيَتْبَعُونَهم ولا يَعْلَمُونَ أنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ وضَلالَةٌ لا يَرْجِعُ إلى شَيْءٍ مِنَ العِلْمِ.
١٢٠ - ﴿وذَرُوا ظاهِرَ الإثْمِ وباطِنَهُ إنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ ثُمَّ أمَرَهُمُ اللَّهُ أنْ يَتْرُكُوا ظاهِرَ الإثْمِ وباطِنَهُ.
والظّاهِرُ: ما كانَ يَظْهَرُ كَأفْعالِ الجَوارِحِ، والباطِنُ: ما كانَ لا يَظْهَرُ كَأفْعالِ القَلْبِ، وقِيلَ: ما أعْلَنْتُمْ وما أسْرَرْتُمْ: وقِيلَ: الزِّنا الظّاهِرُ والزِّنا المَكْتُومُ.
وأضافَ الظّاهِرَ والباطِنَ إلى الإثْمِ لِأنَّهُ يَتَسَبَّبُ عَنْهُما، ثُمَّ تَوَعَّدَ الكاسِبِينَ لِلْإثْمِ بِالجَزاءِ بِسَبَبِ افْتِرائِهِمْ عَلى اللَّهِ سُبْحانَهُ.
وقَدْ أخْرَجَ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ، وحَسَّنَهُ والبَزّارُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: «جاءَتِ اليَهُودُ إلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالُوا: إنّا نَأْكُلُ مِمّا قَتَلْنا ولا نَأْكُلُ مِمّا قَتَلَ اللَّهُ فَأنْزَلَ اللَّهُ:﴿فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وإنْ أطَعْتُمُوهم إنَّكم لَمُشْرِكُونَ﴾» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ فَإنَّهُ حَلالٌ ﴿إنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ﴾ يَعْنِي القُرْآنَ مُؤْمِنِينَ قالَ: مُصَدِّقِينَ: ﴿وما لَكم ألّا تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي الذَّبائِحَ ﴿وقَدْ فَصَّلَ لَكم ما حَرَّمَ عَلَيْكم﴾ يَعْنِي ما حَرُمَ عَلَيْكم مِنَ المِيتَةِ ﴿وإنَّ كَثِيرًا﴾ يَعْنِي مِن مُشْرِكِي العَرَبِ ﴿لَيُضِلُّونَ بِأهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ يَعْنِي في أمْرِ الذَّبائِحِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ، في قَوْلِهِ: ﴿إلّا ما اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ﴾ أيْ مِنَ المَيْتَةِ والدَّمِ ولَحْمِ الخِنْزِيرِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، ﴿وذَرُوا ظاهِرَ الإثْمِ﴾ قالَ: هو نِكاحُ الأُمَّهاتِ والبَناتِ ﴿وباطِنَهُ﴾ قالَ: هو (p-٤٤٥)الزِّنا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قالَ: الظّاهِرُ مِنهُ ﴿ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكم مِنَ النِّساءِ﴾ [النساء: ٢٢] و﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم وأخَواتُكم﴾ [النساء: ٢٣] الآيَةَ، والباطِنُ: الزِّنا.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ، في الآيَةِ قالَ: عَلانِيَتُهُ وسِرُّهُ.
{"ayahs_start":118,"ayahs":["فَكُلُوا۟ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ إِن كُنتُم بِـَٔایَـٰتِهِۦ مُؤۡمِنِینَ","وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تَأۡكُلُوا۟ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَیۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَیۡهِۗ وَإِنَّ كَثِیرࣰا لَّیُضِلُّونَ بِأَهۡوَاۤىِٕهِم بِغَیۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُعۡتَدِینَ","وَذَرُوا۟ ظَـٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُۥۤۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡسِبُونَ ٱلۡإِثۡمَ سَیُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُوا۟ یَقۡتَرِفُونَ"],"ayah":"فَكُلُوا۟ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ إِن كُنتُم بِـَٔایَـٰتِهِۦ مُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق