الباحث القرآني

(p-١٤٥٤)وهِيَ مَدَنِيَّةٌ. قالَ القُرْطُبِيُّ: في قَوْلِ الجَمِيعِ. وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، والنَّحّاسُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الحَدِيدِ بِالمَدِينَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ قالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَزَلَتْ سُورَةُ الحَدِيدِ يَوْمَ الثُّلاثاءِ، وخَلَقَ اللَّهُ الحَدِيدَ يَوْمَ الثُّلاثاءِ، وقَتَلَ ابْنُ آدَمَ أخاهُ يَوْمَ الثُّلاثاءِ، ونَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الحِجامَةِ يَوْمَ الثُّلاثاءِ» . وأخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ جابِرٍ مَرْفُوعًا «لا تَحْتَجِمُوا يَوْمَ الثُّلاثاءِ، فَإنَّ سُورَةَ الحَدِيدِ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ يَوْمَ الثُّلاثاءِ» وأخْرَجَ أحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ والنَّسائِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ العِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ يَقْرَأُ المُسَبِّحاتِ قَبْلَ أنْ يَرْقُدَ وقالَ: إنَّ فِيهِنَّ آيَةً أفْضَلُ مِن ألْفِ آيَةٍ» . وفِي إسْنادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الوَلِيدِ وفِيهِ مَقالٌ مَعْرُوفٌ. وقَدْ أخْرَجَهُ النَّسائِيُّ عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ولَمْ يَذْكُرِ العِرْباضَ بْنَ سارِيَةَ، فَهو مُرْسَلٌ. وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ عَنْ يَحْيى بْنِ أبِي كَثِيرٍ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لا يَنامُ حَتّى يَقْرَأ المُسَبِّحاتِ، وكانَ يَقُولُ: إنَّ فِيهِنَّ آيَةً أفْضَلُ مِن ألْفِ آيَةٍ» قالَ يَحْيى: فَنَراها الآيَةَ الَّتِي في آخِرِ الحَشْرِ. وقالَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ: والآيَةُ المُشارُ إلَيْها واللَّهُ أعْلَمُ هي قَوْلُهُ: ﴿هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ﴾ [الحديد: ٣] الآيَةَ، والمُسَبِّحاتُ المَذْكُورَةُ هي: الحَدِيدُ والحَشْرُ، والصَّفُّ، والجُمُعَةُ، والتَّغابُنُ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ نَزَّهَهُ ومَجَّدَهُ. قالَ المُقاتِلانِ: يَعْنِي كُلَّ شَيْءٍ مِن ذِي رُوحٍ وغَيْرِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في تَسْبِيحِ الجَماداتِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿وإنْ مِن شَيْءٍ إلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهم﴾ [الإسراء: ٤٤] والمُرادُ بِالتَّسْبِيحِ المُسْنَدِ إلى ما في السَّماواتِ والأرْضِ مِنَ العُقَلاءِ وغَيْرِهِمْ والحَيَواناتِ والجَماداتِ هو ما يَعُمُّ التَّسْبِيحَ بِلِسانِ المَقالِ كَتَسْبِيحِ المَلائِكَةِ والإنْسِ والجِنِّ، وبِلِسانِ الحالِ كَتَسْبِيحِ غَيْرِهِمْ، فَإنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ يَدُلُّ عَلى الصّانِعِ. وقَدْ أنْكَرَ الزَّجّاجُ أنْ يَكُونَ تَسْبِيحُ غَيْرِ العُقَلاءِ هو تَسْبِيحُ الدَّلالَةِ وقالَ: لَوْ كانَ هَذا تَسْبِيحَ الدَّلالَةِ وظُهُورِ آثارِ الصَّنْعَةِ لَكانَتْ مَفْهُومَةً، فَلِمَ قالَ: ﴿ولَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ وإنَّما هو تَسْبِيحُ مَقالٍ، واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الجِبالَ يُسَبِّحْنَ﴾ [الأنبياء: ٧٩] فَلَوْ كانَ هَذا التَّسْبِيحُ مِنَ الجِبالِ تَسْبِيحَ دَلالَةٍ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ داوُدَ فائِدَةٌ، وفِعْلُ التَّسْبِيحِ قَدْ يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ تارَةً، كَما في قَوْلِهِ: ﴿وسَبِّحُوهُ﴾ [الأحزاب: ٣٢] وبِاللّامِ أُخْرى كَهَذِهِ الآيَةِ، وأصْلُهُ أنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ، لِأنَّ مَعْنى سَبَّحْتُهُ: بَعَّدْتُهُ عَنِ السُّوءِ، فَإذا اسْتُعْمِلَ بِاللّامِ فَهي إمّا مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ كَما في شَكَرْتُهُ وشَكَرْتُ لَهُ، أوْ هي لِلتَّعْلِيلِ: أيِ افْعَلِ التَّسْبِيحَ لِأجْلِ اللَّهِ سُبْحانَهُ خالِصًا لَهُ، وجاءَ هَذا الفِعْلُ في بَعْضِ الفَواتِحِ ماضِيًا كَهَذِهِ الفاتِحَةِ، وفي بَعْضِها مُضارِعًا، وفي بَعْضِها أمْرًا لِلْإشارَةِ إلى أنَّ هَذِهِ الأشْياءَ مُسَبِّحَةٌ في كُلِّ الأوْقاتِ لا يَخْتَصُّ تَسْبِيحُها بِوَقْتٍ دُونَ وقْتٍ، بَلْ هي مُسَبِّحَةٌ أبَدًا في الماضِي وسَتَكُونُ مُسَبِّحَةً أبَدًا في المُسْتَقْبَلِ ﴿وهُوَ العَزِيزُ﴾ أيِ القادِرُ الغالِبُ الَّذِي لا يُنازِعُهُ أحَدٌ ولا يُمانِعُهُ مُمانِعٌ كائِنًا ما كانَ الحَكِيمُ الَّذِي يَفْعَلُ أفْعالَ الحِكْمَةِ والصَّوابِ. ﴿لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وحْدَهُ، ولا يَنْفُذُ غَيْرُ تَصَرُّفِهِ وأمْرِهِ، وقِيلَ أرادَ خَزائِنَ المَطَرِ والنَّباتِ وسائِرِ الأرْزاقِ ﴿يُحْيِي ويُمِيتُ﴾ الفِعْلانِ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّهُما خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أوْ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن ضَمِيرٍ لَهُ، أوْ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ لِبَيانِ بَعْضِ أحْكامِ المُلْكِ، والمَعْنى: أنَّهُ يُحْيِي في الدُّنْيا ويُمِيتُ الأحْياءَ، وقِيلَ يُحْيِي النُّطَفَ وهي مُواتٌ ويُمِيتُ الأحْياءَ، وقِيلَ يُحْيِي الأمْواتَ لِلْبَعْثِ ﴿وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ كائِنًا ما كانَ. ﴿هُوَ الأوَّلُ﴾ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ والآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ: أيِ الباقِي بَعْدَ فَناءِ خَلْقِهِ والظّاهِرُ العالِي الغالِبُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، أوِ الظّاهِرُ وجُودُهُ بِالأدِلَّةِ الواضِحَةِ والباطِنُ أيِ العالِمُ بِما بَطَنَ، مِن قَوْلِهِمْ فُلانٌ يُبْطِنُ أمْرَ فُلانٍ: أيْ يَعْلَمُ داخِلَةَ أمْرِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: المُحْتَجِبُ عَنِ الأبْصارِ والعُقُولِ، وقَدْ فَسَّرَ هَذِهِ الأسْماءَ الأرْبَعَةَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَما سَيَأْتِي، فَيَتَعَيَّنُ المَصِيرُ إلى ذَلِكَ ﴿وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ مِنَ المَعْلُوماتِ. ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ﴾ هَذا بَيانٌ لِبَعْضِ مُلْكِهِ لِلسَّمَواتِ والأرْضِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ في سُورَةِ الأعْرافِ وفي غَيْرِها مُسْتَوْفًى. ﴿يَعْلَمُ ما يَلِجُ في الأرْضِ﴾ أيْ يَدْخُلُ فِيها مِن مَطَرٍ وغَيْرِهِ ﴿وما يَخْرُجُ مِنها﴾ مِن نَباتٍ وغَيْرِهِ ﴿وما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ﴾ مِن مَطَرٍ وغَيْرِهِ ﴿وما يَعْرُجُ فِيها﴾ أيْ يَصْعَدُ إلَيْها مِنَ المَلائِكَةِ وأعْمالِ العِبادِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذا في سُورَةِ سَبَأٍ ﴿وهُوَ مَعَكم أيْنَ ما كُنْتُمْ﴾ أيْ بِقُدْرَتِهِ وسُلْطانِهِ وعِلْمِهِ، وهَذا تَمْثِيلٌ لِلْإحاطَةِ بِما يَصْدُرُ مِنهم أيْنَما دارُوا في الأرْضِ مِن بَرٍّ وبَحْرٍ ﴿واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ لا يَخْفى عَلَيْهِ مِن (p-١٤٥٥)أعْمالِكم شَيْءٌ. ﴿لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ هَذا التَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ ﴿وإلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ لا إلى غَيْرِهِ. قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿تُرْجَعُ﴾ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ عامِرٍ عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ. ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذا في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، وفي مَواضِعَ ﴿وهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ أيْ بِضَمائِرِ الصُّدُورِ ومَكْنُوناتِها، لا يَخْفى عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ خافِيَةٌ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، والبَيْهَقِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «جاءَتْ فاطِمَةُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَسْألُهُ خادِمًا، فَقالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبْعِ ورَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، ورَبَّنا ورَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، مُنْزِلَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والفُرْقانِ، فالِقَ الحَبِّ والنَّوى، أعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، أنْتَ الأوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الباطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنّا الدَّيْنَ، وأغْنِنا مِنَ الفَقْرِ» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ مِن وجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا مِثْلَ هَذا في الأرْبَعَةِ الأسْماءِ المَذْكُورَةِ وتَفْسِيرِها. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وأبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا يَزالُ النّاسُ يَسْألُونَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى يَقُولُوا: هَذا اللَّهُ كانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، فَماذا كانَ قَبْلَ اللَّهِ ؟ فَإنْ قالُوا لَكم ذَلِكَ فَقُولُوا: هو الأوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، والآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وهو الظّاهِرُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وهو الباطِنُ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ، وهو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» . وأخْرَجَ أبُو داوُدَ عَنْ أبِي زُمَيْلٍ قالَ: سَألْتُ ابْنَ عَبّاسٍ فَقُلْتُ: ما شَيْءٌ أجِدُهُ في صَدْرِي، قالَ ما هو ؟ قُلْتُ: واللَّهِ لا أتَكَلَّمُ بِهِ، قالَ: فَقالَ لِي: أشَيْءٌ مِن شَكٍّ ؟ قالَ وضَحِكَ، قالَ: ما نَجا مِن ذَلِكَ أحَدٌ، قالَ حَتّى أنْزَلَ اللَّهُ ﴿فَإنْ كُنْتَ في شَكٍّ مِمّا أنْزَلْنا إلَيْكَ فاسْألِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتابَ مِن قَبْلِكَ﴾ الآيَةَ قالَ: وقالَ لِي: إذا وجَدْتَ في نَفْسِكَ شَيْئًا فَقُلْ: هو الأوَّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ مَعَكم أيْنَ ما كُنْتُمْ﴾ قالَ: عالِمٌ بِكم أيْنَما كُنْتُمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب