الباحث القرآني

(p-١٤٥٧)قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ تَرى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ العامِلُ في الظَّرْفِ مُضْمَرٌ وهو: " اذْكُرْ "، أوْ: " كَرِيمٌ "، أوْ: " فَيُضاعِفَهُ "، أوِ العامِلُ في " لَهم " وهو الِاسْتِقْرارُ، والخِطابُ لِكُلِّ مَن يَصْلُحُ لَهُ، وقَوْلُهُ: ﴿يَسْعى نُورُهُمْ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن مَفْعُولِ " تَرى "، والنُّورُ هو الضِّياءُ الَّذِي يُرى ﴿بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ﴾ وذَلِكَ عَلى الصِّراطِ يَوْمَ القِيامَةِ، وهو دَلِيلُهم إلى الجَنَّةِ. قالَ قَتادَةُ: إنَّ المُؤْمِنَ يُضِيءُ لَهُ نُورٌ كَما بَيْنَ عَدَنَ إلى صَنْعاءَ، حَتّى إنَّ مِنَ المُؤْمِنِينَ مَن لا يُضِيءُ لَهُ نُورُهُ إلّا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ. وقالَ الضَّحّاكُ، ومُقاتِلٌ: وبِأيْمانِهِمْ كُتُبُهُمُ الَّتِي أُعْطُوها، فَكُتُبُهم بِأيْمانِهِمْ، ونُورُهم بَيْنَ أيْدِيهِمْ. قالَ الفَرّاءُ: الباءُ بِمَعْنى في: أيْ في أيْمانِهِمْ، أوْ بِمَعْنى عَنْ. قالَ الضَّحّاكُ أيْضًا: نُورُهم هُداهم وبِأيْمانِهِمْ كُتُبُهم، واخْتارَ هَذا ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: أيْ يَسْعى إيمانُهم وعَمَلُهُمُ الصّالِحُ بَيْنَ أيْدِيهِمْ، وفي أيْمانِهِمْ كُتُبُ أعْمالِهِمْ، قَرَأ الجُمْهُورُ بِأيْمانِهِمْ جَمْعُ يَمِينٍ. وقَرَأ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السّاعِدِيُّ، وأبُو حَيْوَةَ " بِإيمانِهِمْ " بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّ المُرادَ بِالإيمانِ ضِدُّ الكُفْرِ، وقِيلَ هو القُرْآنُ، والجارُّ والمَجْرُورُ في المَوْضِعَيْنِ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن نُورِهِمْ: أيْ كائِنًا بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ ﴿بُشْراكُمُ اليَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها﴾ بُشْراكم مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ " جَنّاتٌ " عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ: أيْ دُخُولِ جَنّاتٍ، والجُمْلَةُ مَقُولُ قَوْلٍ مُقَدَّرٍ: أيْ يُقالُ لَهم هَذا، والقائِلُ لَهم هُمُ المَلائِكَةُ. قالَ مَكِّيٌّ: وأجازَ الفَرّاءُ نَصْبَ " جَنّاتٌ " عَلى الحالِ، ويَكُونُ " اليَوْمَ " خَبَرَ " بُشْراكم " وهَذا بَعِيدٌ جِدًّا ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ حالٌ مُقَدَّرَةٌ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ إلى النُّورِ والبُشْرى، وهو مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ ﴿هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ أيْ لا يُقادَرُ قَدْرُهُ حَتّى كَأنَّهُ لا فَوْزَ غَيْرُهُ، ولا اعْتِدادَ بِما سِواهُ. ﴿يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ والمُنافِقاتُ﴾ " يَوْمَ " بَدَلٌ مِن " يَوْمَ " الأوَّلِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ العامِلُ فِيهِ " الفَوْزُ العَظِيمُ "، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ: أيِ اذْكُرْ ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ اللّامُ لِلتَّبْلِيغِ كَنَظائِرِها. قَرَأ الجُمْهُورُ انْظُرُونا أمْرًا بِوَصْلِ الهَمْزَةِ وضَمِّ الظاءِ مِنَ النَّظَرِ بِمَعْنى الِانْتِظارِ أيْ: انْتَظِرُونا، يَقُولُونَ ذَلِكَ لَمّا رَأوُا المُؤْمِنِينَ يُسْرَعُ بِهِمْ إلى الجَنَّةِ. وقَرَأ الأعْمَشُ، وحَمْزَةُ، ويَحْيى بْنُ وثّابٍ بِقَطْعِ الهَمْزَةِ وكَسْرِ الظّاءِ مِنَ الإنْظارِ: أيْ أمْهِلُونا وأخْبِرُونا، يُقالُ أنَظَرْتُهُ واسْتَنْظَرْتُهُ: أيْ أمْهَلْتُهُ واسْتَمْهَلْتُهُ. قالَ الفَرّاءُ: تَقُولُ العَرَبُ أنْظِرْنِي: أيِ انْتَظِرْنِي، وأنْشَدَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ: ؎أبا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْنا وأنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ اليَقِينا وقِيلَ مَعْنى " انْظُرُونا ": انْظُرُوا إلَيْنا، لِأنَّهم إذا نَظَرُوا إلَيْهِمُ اسْتَقْبَلُوهم بِوُجُوهِهِمْ فَيَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهِمْ ﴿نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾ أيْ نَسْتَضِيءُ مِنهُ، والقَبَسُ: الشُّعْلَةُ مِنَ النّارِ والسِّراجُ، فَلَمّا قالُوا ذَلِكَ ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وراءَكُمْ﴾ أيْ قالَ لَهُمُ المُؤْمِنُونَ أوِ المَلائِكَةُ زَجْرًا لَهم وتَهَكُّمًا بِهِمْ: أيِ ارْجِعُوا وراءَكم إلى المَوْضِعِ الَّذِي أخَذْنا مِنهُ النُّورَ ﴿فالتَمِسُوا نُورًا﴾ أيِ اطْلُبُوا هُنالِكَ نُورًا لِأنْفُسِكم، فَإنَّهُ مِن هُنالِكَ يُقْتَبَسُ، وقِيلَ المَعْنى: ارْجِعُوا إلى الدُّنْيا فالتَمِسُوا النُّورَ بِما التَمَسْناهُ بِهِ مِنَ الإيمانِ والأعْمالِ الصّالِحَةِ، وقِيلَ أرادُوا بِالنُّورِ ما وراءَهم مِنَ الظُّلْمَةِ تَهَكُّمًا بِهِمْ ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهم بِسُورٍ﴾ السُّورُ: هو الحاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، والمُرادُ بِهِ هُنا الحاجِزُ بَيْنَ الجَنَّةِ والنّارِ، أوْ بَيْنَ أهْلِ الجَنَّةِ وأهْلِ النّارِ. قالَ الكِسائِيُّ: والباءُ في ﴿بِسُورٍ﴾ زائِدَةٌ. ثُمَّ وصَفَ سُبْحانَهُ السُّورَ المَذْكُورَ فَقالَ: ﴿لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ أيْ باطِنُ ذَلِكَ السُّورِ. وهُوَ الجانِبُ الَّذِي يَلِي أهْلَ الجَنَّةِ فِيهِ الرَّحْمَةُ وهي الجَنَّةُ وظاهِرُهُ وهو الجانِبُ الَّذِي يَلِي أهْلَ النّارِ ﴿مِن قِبَلِهِ العَذابُ﴾ أيْ مِن جِهَتِهِ عَذابُ جَهَنَّمَ، وقِيلَ إنَّ المُؤْمِنِينَ يَسْبِقُونَهم فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ. والمُنافِقُونَ يَحْصُلُونَ في العَذابِ وبَيْنَهُمُ السُّورُ، وقِيلَ إنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي في باطِنِهِ نُورُ المُؤْمِنِينَ، والعَذابُ الَّذِي في ظاهِرِهِ ظُلْمَةُ المُنافِقِينَ. ولِما ضُرِبَ بِالسُّورِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ والمُنافِقِينَ أخْبَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ عَمّا قالَهُ المُنافِقُونَ إذْ ذاكَ فَقالَ: ﴿يُنادُونَهم ألَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ أيْ مُوافِقِينَ لَكم في الظّاهِرِ نُصَلِّي بِصَلاتِكم في مَساجِدِكم ونَعْمَلُ بِأعْمالِ الإسْلامِ مِثْلَكم، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالَ المُنافِقُونَ بَعْدَ ضَرْبِ السُّورِ بَيْنَهم وبَيْنَ المُؤْمِنِينَ ؟ فَقالَ: يُنادُونَهم، ثُمَّ أخْبَرَ سُبْحانَهُ عَمّا أجابَهم بِهِ المُؤْمِنُونَ فَقالَ: ﴿قالُوا بَلى﴾ أيْ كُنْتُمْ مَعَنا في الظّاهِرِ ﴿ولَكِنَّكم فَتَنْتُمْ أنْفُسَكم﴾ بِالنِّفاقِ وإبِطانِ الكُفْرِ. قالَ مُجاهِدٌ أهْلَكْتُمُوها بِالنِّفاقِ، وقِيلَ بِالشَّهَواتِ واللَّذّاتِ ﴿وتَرَبَّصْتُمْ﴾ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وبِمَن مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ حَوادِثَ الدَّهْرِ، وقِيلَ تَرَبَّصْتُمْ بِالتَّوْبَةِ، والأوَّلُ أوْلى وارْتَبْتُمْ أيْ شَكَكْتُمْ في أمْرِ الدِّينِ ولَمْ تُصَدِّقُوا ما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ ولا بِالمُعْجِزاتِ الظّاهِرَةِ ﴿وغَرَّتْكُمُ الأمانِيُّ﴾ الباطِلَةُ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ التَّرَبُّصِ، وقِيلَ هو طُولُ الأمَلِ، وقِيلَ ما كانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ مِن ضَعْفِ المُؤْمِنِينَ. وقالَ قَتادَةُ: " الأمانِيُّ " هُنا غُرُورُ الشَّيْطانِ. وقِيلَ الدُّنْيا، وقِيلَ هو طَمَعُهم في المَغْفِرَةِ، وكُلُّ هَذِهِ الأشْياءِ تَدْخُلُ في مُسَمّى الأمانِيِّ ﴿حَتّى جاءَ أمْرُ اللَّهِ﴾ وهو المَوْتُ، وقِيلَ نَصْرُهُ سُبْحانَهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ . وقالَ قَتادَةُ: هو إلْقاؤُهم في النّارِ ﴿وغَرَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ الغَرُورُ بِفَتْحِ الغَيْنِ، وهو صِفَةٌ عَلى فَعُولٍ، والمُرادُ بِهِ الشَّيْطانُ: أيْ خَدَعَكم بِحِلْمِ اللَّهِ وإمْهالِهِ الشَّيْطانُ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ، ومُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْفَعِ، وسِماكُ بْنُ حَرْبٍ بِضَمِّها وهو مَصْدَرٌ. ﴿فاليَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكم فِدْيَةٌ﴾ تَفْدُونَ بِها أنْفُسَكم مِنَ النّارِ أيُّها المُنافِقُونَ ﴿ولا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بِاللَّهِ ظاهِرًا وباطِنًا ﴿مَأْواكُمُ النّارُ﴾ أيْ مَنزِلُكُمُ الَّذِي تَأْوُونَ (p-١٤٥٨)إلَيْهِ النّارُ ﴿هِيَ مَوْلاكُمْ﴾ أيْ هي أوْلى بِكم، والمَوْلى في الأصْلِ مَن يَتَوَلّى مَصالِحَ الإنْسانِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ في مَن يُلازِمُهُ، وقِيلَ مَعْنى مَوْلاكم: مَكانُكم عَنْ قُرْبٍ، مِنَ الوَلِيِّ وهو القَرِيبُ. وقِيلَ إنَّ اللَّهَ يُرَكِّبُ في النّارِ الحَياةَ والعَقْلَ، فَهي تَتَمَيَّزُ غَيْظًا عَلى الكُفّارِ، وقِيلَ المَعْنى: هي ناصِرُكم عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِ الشّاعِرِ: ؎تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وجِيعُ ﴿وبِئْسَ المَصِيرُ﴾ الَّذِي تَصِيرُونَ إلَيْهِ وهو النّارُ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﴿يَسْعى نُورُهم بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ قالَ: يُؤْتَوْنَ نُورَهم عَلى قَدْرِ أعْمالِهِمْ يَمُرُّونَ عَلى الصِّراطِ، مِنهم مَن نُورُهُ مِثْلُ الجَبَلِ ومِنهم مَن نُورُهُ مِثْلُ النَّخْلَةِ، وأدْناهم نُورًا مَن نُورُهُ عَلى إبْهامِهِ يُطْفَأُ مَرَّةً ويُوقَدُ أُخْرى. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: بَيْنَما النّاسُ في ظُلْمَةٍ إذْ بَعَثَ اللَّهُ نُورًا، فَلَمّا رَأى المُؤْمِنُونَ النُّورَ تَوَجَّهُوا نَحْوَهُ، وكانَ النُّورُ دَلِيلَهم مِنَ اللَّهِ إلى الجَنَّةِ، فَلَمّا رَأى المُنافِقُونَ المُؤْمِنِينَ قَدِ انْطَلَقُوا إلى النُّورِ تَبِعُوهم، فَأظْلَمَ اللَّهُ عَلى المُنافِقِينَ، فَقالُوا حِينَئِذٍ ﴿انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾ فَإنّا كُنّا مَعَكم في الدُّنْيا، قالَ المُؤْمِنُونَ: ﴿ارْجِعُوا وراءَكُمْ﴾ مِن حَيْثُ جِئْتُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ ﴿فالتَمِسُوا﴾ هُنالِكَ النُّورَ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ يَدْعُو النّاسَ يَوْمَ القِيامَةِ بِأُمَّهاتِهِمْ سَتْرًا مِنهُ عَلى عِبادِهِ، وأمّا عِنْدَ الصِّراطِ فَإنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ مُؤْمِنٍ نُورًا وكُلَّ مُنافِقٍ نُورًا، فَإذا اسْتَوَوْا عَلى الصِّراطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ، فَقالَ المُنافِقُونَ ﴿انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾ وقالَ المُؤْمِنُونَ ﴿رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا﴾ فَلا يَذْكُرُ عِنْدَ ذَلِكَ أحَدٌ أحَدًا» وفي البابِ أحادِيثُ وآثارٌ. وأخْرَجَ عَبَدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ: أنَّهُ كانَ عَلى سُورِ بَيْتِ المَقْدِسِ فَبَكى، فَقِيلَ لَهُ ما يُبْكِيكَ ؟ فَقالَ: هاهُنا أخْبَرَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ رَأى جَهَنَّمَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ قالَ: إنَّ السُّورَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ في القُرْآنِ ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهم بِسُورٍ﴾ هو السُّورُ الَّذِي بِبَيْتِ المَقْدِسِ الشَّرْقِيِّ ﴿باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ المَسْجِدُ ﴿وظاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذابُ﴾ يَعْنِي وادِي جَهَنَّمَ وما يَلِيهِ. ولا يَخْفاكَ أنَّ تَفْسِيرَ السُّورِ المَذْكُورِ في القُرْآنِ في هَذِهِ الآيَةِ بِهَذا السُّورِ الكائِنِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ فِيهِ مِنَ الإشْكالِ ما لا يَدْفَعُهُ مَقالٌ، ولا سِيَّما بَعْدَ زِيادَةِ قَوْلِهِ: " باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ " المَسْجِدُ، فَإنَّ هَذا غَيْرُ ما سِيقَتْ لَهُ الآيَةُ وغَيْرُ ما دَلَّتْ عَلَيْهِ، وأيْنَ يَقَعُ بَيْتُ المَقْدِسِ أوْ سُورُهُ بِالنِّسْبَةِ إلى السُّورِ الحاجِزِ بَيْنَ فَرِيقَيِ المُؤْمِنِينَ والمُنافِقِينَ، وأيُّ مَعْنًى لِذِكْرِ مَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ هاهُنا، فَإنْ كانَ المُرادُ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ يَنْزِعُ سُورَ بَيْتِ المَقْدِسِ، ويَجْعَلُهُ في الدّارِ الآخِرَةِ سُورًا مَضْرُوبًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ والمُنافِقِينَ، فَما مَعْنى تَفْسِيرِ باطِنِ السُّورِ وما فِيهِ مِنَ الرَّحْمَةِ بِالمَسْجِدِ، وإنْ كانَ المُرادُ أنَّ اللَّهَ يَسُوقُ فَرِيقَيِ المُؤْمِنِينَ والمُنافِقِينَ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ فَيَجْعَلُ المُؤْمِنِينَ داخِلَ السُّوَرِ في المَسْجِدِ ويَجْعَلُ المُنافِقِينَ خارِجَهُ، فَهم إذْ ذاكَ عَلى الصِّراطِ وفي طَرِيقِ الجَنَّةِ ولَيْسُوا بِبَيْتِ المَقْدِسِ، فَإنْ كانَ مِثْلُ هَذا التَّفْسِيرِ ثابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَبِلْناهُ وآمَنّا بِهِ، وإلّا فَلا كَرامَةَ ولا قَبُولَ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَكِنَّكم فَتَنْتُمْ أنْفُسَكُمْ﴾ قالَ: بِالشَّهَواتِ واللَّذّاتِ ﴿وتَرَبَّصْتُمْ﴾ قالَ: بِالتَّوْبَةِ ﴿وغَرَّتْكُمُ الأمانِيُّ حَتّى جاءَ أمْرُ اللَّهِ﴾ قالَ: المَوْتُ ﴿وغَرَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ﴾ قالَ: الشَّيْطانُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب