الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ ذَهَبَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ " لا " مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، والمَعْنى: فَأُقْسِمُ، ويُؤَيِّدُ هَذا قَوْلُهُ بَعْدَ: ﴿وإنَّهُ لَقَسَمٌ﴾ وقالَ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: إنَّها لِلنَّفْيِ، وإنَّ المَنفِيَّ بِها مَحْذُوفٌ، وهو كَلامُ الكُفّارِ الجاحِدِينَ.
قالَ الفَرّاءُ: هي نَفْيٌ، والمَعْنى: لَيْسَ الأمْرُ كَما تَقُولُونَ.
ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقالَ: أُقْسِمُ. وضُعِّفَ هَذا بِأنَّ حَذْفَ اسْمِ لا وخَبَرِها غَيْرُ جائِزٍ، كَما قالَ أبُو حَيّانَ وغَيْرُهُ.
وقِيلَ إنَّها لامُ الِابْتِداءِ، والأصْلُ فَلَأُقْسِمُ فَأُشْبِعَتِ الفَتْحَةُ فَتَوَلَّدَ مِنها ألِفٌ، كَقَوْلِ الشّاعِرِ:
؎أعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ العَقْرابِ
وقَدْ قَرَأ هَكَذا " فَلَأُقْسِمُ " بِدُونِ ألِفٍ الحَسَنُ، وحُمَيْدٌ، وعِيسى بْنُ عُمَرَ، وعَلى هَذا القَوْلِ، وهَذِهِ القِراءَةِ يُقَدَّرُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: فَلَأنا أُقْسِمُ بِذَلِكَ.
وقِيلَ إنَّ " لا " هُنا بِمَعْنى (p-١٤٥١)" ألا " الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ، وهو بَعِيدٌ.
وقِيلَ " لا " هُنا عَلى ظاهِرِها، وإنَّها لِنَفْيِ القَسَمِ: أيْ فَلا أُقْسِمُ عَلى هَذا لِأنَّ الأمْرَ أوْضَحُ مِن ذَلِكَ.
وهَذا مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ مَعَ تَعْيِينِ المُقْسَمِ بِهِ والمُقْسَمِ عَلَيْهِ.
ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ مَساقِطِها، وهي مَغارِبُها كَذا قالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ.
وقالَ عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ: مَنازِلُها.
وقالَ الحَسَنُ: انْكِدارُها وانْتِثارُها يَوْمَ القِيامَةِ، وقالَ الضَّحّاكُ: هي الأنْواءُ الَّتِي كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا.
وقِيلَ المُرادُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ نُزُولُ القُرْآنِ نُجُومًا مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، وبِهِ قالَ السُّدِّيُّ وغَيْرُهُ، وحَكى الفَرّاءُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّ مَواقِعَ النُّجُومِ هو مُحْكَمُ القُرْآنِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ مَواقِعِ عَلى الجَمْعِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، والنَّخَعِيُّ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، ووَرْشٌ عَنْ يَعْقُوبَ " بِمَوْقِعِ " عَلى الإفْرادِ.
قالَ المُبَرِّدُ: " مَوْقِعِ " هاهُنا مَصْدَرٌ، فَهو يَصْلُحُ لِلْواحِدِ والجَمْعِ.
ثُمَّ أخْبَرَ سُبْحانَهُ عَنْ تَعْظِيمِ هَذا القَسَمِ وتَفْخِيمِهِ فَقالَ: ﴿وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ المُقْسَمِ بِهِ والمُقْسَمِ عَلَيْهِ، وقَوْلُهُ: ﴿لَوْ تَعْلَمُونَ﴾ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُزْأيِ الجُمْلَةِ المُعْتَرِضَةِ، فَهو اعْتِراضٌ في اعْتِراضٍ.
قالَ الفَرّاءُ، والزَّجّاجُ: هَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِمَواقِعِ النُّجُومِ نُزُولُ القُرْآنِ، والضَّمِيرُ في " إنَّهُ " عَلى القَسَمِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ " أُقْسِمُ "، والمَعْنى إنَّ القَسَمَ بِمَواقِعِ النُّجُومِ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ المُقْسَمَ عَلَيْهِ فَقالَ: ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ أيْ كَرَّمَهُ اللَّهُ وأعَزَّهُ ورَفَعَ قَدْرَهُ عَلى جَمِيعِ الكُتُبِ، وكَرَّمَهُ عَنْ أنْ يَكُونَ سِحْرًا أوْ كِهانَةً أوْ كَذِبًا، وقِيلَ إنَّهُ كَرِيمٌ لِما فِيهِ مِن كَرَمِ الأخْلاقِ ومَعالِي الأُمُورِ، وقِيلَ لِأنَّهُ يُكَرِّمُ حافِظَهُ ويُعَظِّمُ قارِئَهُ.
وحَكى الواحِدِيُّ عَنْ أهْلِ المَعانِي أنَّ وصْفَ القُرْآنِ بِالكَرِيمِ، لِأنَّ مِن شَأْنِهِ أنْ يُعْطِيَ الخَيْرَ الكَثِيرَ بِالدَّلائِلِ الَّتِي تُؤَدِّي إلى الحَقِّ في الدِّينِ.
قالَ الأزْهَرِيُّ: الكَرِيمُ اسْمٌ جامِعٌ لِما يُحْمَدُ، والقُرْآنُ كَرِيمٌ يُحْمَدُ لِما فِيهِ مِنَ الهُدى والبَيانِ والعِلْمِ والحِكْمَةِ.
﴿فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ﴾ أيْ مَسْتُورٍ مَصُونٍ، وقِيلَ مَحْفُوظٌ عَنِ الباطِلِ، وهو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ قالَهُ جَماعَةٌ، وقِيلَ هو كِتابٌ.
وقالَ عِكْرِمَةُ: هو التَّوْراةُ والإنْجِيلُ فِيهِما ذُكِرَ القُرْآنُ ومَن يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وقالَ السُّدِّيُّ: هو الزَّبُورُ.
وقالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ: هو المُصْحَفُ الَّذِي في أيْدِينا.
﴿لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ﴾ قالَ الواحِدِيُّ: أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ عائِدٌ إلى الكِتابِ المَكْنُونِ: أيْ لا يَمَسُّ الكِتابَ المَكْنُونَ إلّا المُطَهَّرُونَ، وهُمُ المَلائِكَةُ، وقِيلَ هُمُ المَلائِكَةُ والرُّسُلُ مِن بَنِي آدَمَ، ومَعْنى لا يَمَسُّهُ المَسَّ الحَقِيقِيَّ، وقِيلَ مَعْناهُ: لا يَنْزِلُ بِهِ إلّا المُطَهَّرُونَ، وقِيلَ مَعْناهُ: لا يَقْرَأُهُ، وعَلى كَوْنِ المُرادِ بِالكِتابِ المَكْنُونِ هو القُرْآنُ، فَقِيلَ ﴿لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ﴾ مِنَ الأحْداثِ والأنْجاسِ.
كَذا قالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ: وقالَ الكَلْبِيُّ المُطَهَّرُونَ مِنَ الشِّرْكِ.
وقالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ: المُطَهَّرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ والخَطايا.
وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ وغَيْرُهُ: مَعْنى ﴿لا يَمَسُّهُ﴾: لا يَقْرَؤُهُ إلّا المُطَهَّرُونَ أيْ إلّا المُوَحِّدُونَ. وقالَ الفَرّاءُ: لا يَجِدُ نَفْعَهُ وبَرَكَتَهُ إلّا المُطَهَّرُونَ، أيِ المُؤْمِنُونَ.
وقالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: لا يَعْرِفُ تَفْسِيرَهُ وتَأْوِيلَهُ إلّا مَن طَهَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الشِّرْكِ والنِّفاقِ.
وقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى مَنعِ المُحْدِثِ مِن مَسِّ المُصْحَفِ، وبِهِ قالَ عَلِيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وسَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ، وسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وعَطاءٌ، والزَّهْرِيُّ، والنَّخَعِيُّ، والحَكَمُ، وحَمّادٌ وجَماعَةٌ مِنَ الفُقَهاءِ مِنهم مالِكٌ، والشّافِعِيُّ.
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، والشَّعْبِيِّ وجَماعَةٍ مِنهم أبُو حَنِيفَةَ، أنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحَدِثِ مَسُّهُ، وقَدْ أوْضَحْنا ما هو الحَقُّ في هَذا في شَرْحِنا لِلْمُنْتَقى فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿المُطَهَّرُونَ﴾ بِتَخْفِيفِ الطّاءِ وتَشْدِيدِ الهاءِ مَفْتُوحَةً اسْمُ مَفْعُولٍ.
وقَرَأ سَلْمانُ الفارِسِيُّ بِكَسْرِ الهاءِ عَلى أنَّهُ اسْمُ فاعِلٍ: أيِ المُطَهِّرُونَ أنْفُسَهم.
وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عُمَرَ في رِوايَةٍ عَنْهُما، عِيسى بْنُ عُمَرَ بِسُكُونِ الطّاءِ وفَتْحِ الهاءِ خَفِيفَةً، اسْمَ مَفْعُولٍ مِن أطْهَرَ، وقَرَأ الحَسَنُ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ بِتَشْدِيدِ الطّاءِ وكَسْرِ الهاءِ وأصْلُهُ المُتَطَهِّرُونَ.
﴿تَنْزِيلٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ، وقُرِئَ بِالنَّصْبِ، فالرَّفْعُ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ أُخْرى لِ " قُرْآنٍ "، أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والنَّصْبُ عَلى الحالِ.
﴿أفَبِهَذا الحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ الإشارَةُ إلى القُرْآنِ المَنعُوتِ بِالنُّعُوتِ السّابِقَةِ، والمُدْهِنُ والمُداهِنُ المُنافِقُ.
كَذا قالَ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ.
وقالَ عَطاءٌ وغَيْرُهُ: هو الكَذّابُ.
وقالَ مُقاتِلُ بْنُ سُلَيْمانَ، وقَتادَةُ: مُدْهِنُونَ كافِرُونَ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿ودُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩]، وقالَ الضَّحّاكُ: مُدْهِنُونَ مُعْرِضُونَ، وقالَ مُجاهِدٌ: مُمالِئُونَ لِلْكُفّارِ عَلى الكُفْرِ، وقالَ أبُو كَيْسانَ: المُدْهِنُ الَّذِي لا يَعْقِلُ حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ ويَدْفَعُهُ بِالعِلَلِ.
والأوَّلُ أوْلى لِأنَّ أصْلَ المُدْهِنِ الَّذِي ظاهِرُهُ خِلافُ باطِنِهِ كَأنَّهُ يُشْبِهُ الدُّهْنَ في سُهُولَتِهِ.
قالَ المُؤَرِّجُ: المُدْهِنُ المُنافِقُ الَّذِي يَلِينُ لِيُخْفِيَ كُفْرَهُ، والإدْهانُ والمُداهَنَةُ: التَّكْذِيبُ والكُفْرُ والنِّفاقُ.
وأصْلُهُ اللِّينُ، وأنْ يُسِرَّ خِلافَ ما يُظْهِرُ، وقالَ في الكَشّافِ مُدْهِنُونَ: أيْ مُتَهاوِنُونَ بِهِ كَمَن يُدْهِنُ في الأمْرِ: أيْ يَلِينُ جانِبُهُ ولا يَتَصَلَّبُ فِيهِ تَهاوُنًا بِهِ انْتَهى.
قالَ الرّاغِبُ: والإدْهانُ في الأصْلِ مِثْلُ التَّدْهِينِ لَكِنْ جُعِلَ عِبارَةً عَنِ المُداراةِ والمُلايَنَةِ، وتَرْكِ الجِدِّ، كَما جُعِلَ التَّقْرِيدُ، وهو نَزْعُ القُرادِ عِبارَةً عَنْ ذَلِكَ، ويُؤَيِّدُ ما ذَكَرَهُ قَوْلُ أبِي قَيْسِ بْنِ الأسْلَتِ:
؎الحَزْمُ والقُوَّةُ خَيْرٌ مِنَ ال ∗∗∗ إدْهانِ والفَكَّةِ والهاعِ
﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ في الكَلامِ مُضافٌ مَحْذُوفٌ، كَما حَكاهُ الواحِدِيُّ عَنِ المُفَسِّرِينَ: أيْ تَجْعَلُونَ شُكْرَ رِزْقِكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ فَتَضَعُونَ التَّكْذِيبَ مَوْضِعَ الشُّكْرِ.
وقالَ الهَيْثَمُ: إنَّ أزْدَ شَنُوءَةَ يَقُولُونَ ما رُزِقَ فُلانٌ: أيْ ما شَكَرَ، وعَلى هَذِهِ اللُّغَةِ لا يَكُونُ في الآيَةِ مُضافٌ مَحْذُوفٌ بَلْ مَعْنى الرِّزْقِ الشُّكْرُ.
ووَجْهُ التَّعْبِيرِ بِالرِّزْقِ عَنِ الشُّكْرِ أنَّ الشُّكْرَ يَفِيضُ بِزِيادَةِ الرِّزْقِ فَيَكُونُ (p-١٤٥٢)الشُّكْرُ رِزْقًا تَعْبِيرًا بِالسَّبَبِ عَنِ المُسَبَّبِ، ومِمّا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُ الكُفّارِ إذا سَقاهُمُ اللَّهُ، وأنْزَلَ عَلَيْهِمُ المَطَرَ: سُقِينا بِنَوْءِ كَذا، ومُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا.
قالَ الأزْهَرِيُّ: مَعْنى الآيَةِ وتَجْعَلُونَ بَدَلَ شُكْرِكم رِزْقَكُمُ الَّذِي رَزَقَكُمُ اللَّهُ التَّكْذِيبَ بِأنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ الرَّزّاقِ.
وقَرَأ عَلِيٌّ، وابْنُ عَبّاسٍ وتَجْعَلُونَ شُكْرَكم وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّكْذِيبِ، وقَرَأ عَلِيٌّ، وعاصِمٌ في رِوايَةٍ عَنْهُ بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الكَذِبِ.
﴿فَلَوْلا إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ﴾ أيْ فَهَلّا إذا بَلَغَتِ الرُّوحُ أوِ النَّفْسُ الحُلْقُومَ عِنْدَ المَوْتِ، ولَمْ يَتَقَدَّمْ لَها ذِكْرٌ، لِأنَّ المَعْنى مَفْهُومٌ عِنْدَهم إذا جاءُوا بِمِثْلِ هَذِهِ العِبارَةِ، ومِنهُ قَوْلُ حاتِمِ طَيِّئٍ:
؎أمِاوِيَّ ما يُغْنِي الثَّراءُ عَنِ الفَتى ∗∗∗ إذا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وضاقَ بِها الصَّدْرُ
﴿وأنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾ إلى ما هو فِيهِ ذَلِكَ الَّذِي بَلَغَتْ نَفْسُهُ أوْ رُوحُهُ الحُلْقُومَ.
قالَ الزَّجّاجُ: وأنْتُمْ يا أهْلَ المَيِّتِ في تِلْكَ الحالِ تَرَوْنَ المَيِّتَ قَدْ صارَ إلى أنْ تَخْرُجَ نَفْسُهُ، والمَعْنى أنَّهم في تِلْكَ الحالِ لا يُمْكِنُهُمُ الدَّفْعُ عَنْهُ، ولا يَسْتَطِيعُونَ شَيْئًا يَنْفَعُهُ أوْ يُخَفِّفُ عَنْهُ ما هو فِيهِ.
﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنكُمْ﴾ أيْ بِالعِلْمِ والقُدْرَةِ والرُّؤْيَةِ، وقِيلَ أرادَ ورُسُلُنا الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ قَبْضَهُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنكم ﴿ولَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ أيْ لا تُدْرِكُونَ ذَلِكَ لِجَهْلِكم بِأنَّ اللَّهَ أقْرَبُ إلى عَبْدِهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ، أوْ لا تُبْصِرُونَ مَلائِكَةَ المَوْتِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ المَيِّتَ ويَتَوَلَّوْنَ قَبْضَهُ.
﴿فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ ﴿تَرْجِعُونَها﴾ يُقالُ دانَ السُّلْطانُ رَعِيَّتَهُ: إذا ساسَهم واسْتَعْبَدَهم.
قالَ الفَرّاءُ: دِنْتُهُ: مَلَكْتُهُ، وأنْشَدَ لِلْحُطَيْئَةِ:
؎لَقَدْ دِنْتِ أمْرَ بَنِيكِ حَتّى ∗∗∗ تَرَكْتِهِمْ أدَقَّ مِنَ الطَّحِينِ
أيْ مَلَكْتِ، ويُقالُ دانَهُ: إذا أذَلَّهُ واسْتَعْبَدَهُ، وقِيلَ مَعْنى مَدِينِينَ مُحاسَبِينَ، وقِيلَ مَجْزِيِّينَ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎ولَمْ يَبْقَ سِوى العُدْوا ∗∗∗ نِ دِنّاهم كَما دانُوا
والمَعْنى الأوَّلُ ألْصَقُ بِمَعْنى الآيَةِ: أيْ فَهَلّا إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْبُوبِينَ ومَمْلُوكِينَ تَرْجِعُونَها: أيِ النَّفْسَ الَّتِي قَدْ بَلَغَتِ الحُلْقُومَ إلى مَقَرِّها الَّذِي كانَتْ فِيهِ. ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ ولَنْ تَرْجِعُوها فَبَطَلَ زَعْمُكم أنَّكم غَيْرُ مَرْبُوبِينَ ولا مَمْلُوكِينَ، والعامِلُ في قَوْلِهِ " إذا بَلَغَتِ " هو قَوْلُهُ تُرْجِعُونَها، و" لَوْلا " الثّانِيَةُ تَأْكِيدٌ لِلْأُولى قالَ الفَرّاءُ: ورُبَّما أعادَتِ العَرَبُ الحَرْفَيْنِ ومَعْناهُما واحِدٌ.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ طَبَقاتِ الخَلْقِ عِنْدَ المَوْتِ وبَعْدَهُ فَقالَ: ﴿فَأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ﴾ أيِ السّابِقِينَ مِنَ الثَّلاثَةِ الأصْنافِ المُتَقَدِّمِ تَفْصِيلُ أحْوالِهِمْ ﴿فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ وجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ وقَرَأ الجُمْهُورُ رَوْحٌ بِفَتْحِ الرّاءِ، ومَعْناهُ الرّاحَةُ مِنَ الدُّنْيا والِاسْتِراحَةُ مِن أحْوالِهِمْ.
وقالَ الحَسَنُ: الرَّوْحُ الرَّحْمَةُ.
وقالَ مُجاهِدٌ: الرَّوْحُ الفَرَحُ وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وعائِشَةُ والحَسَنُ، وقَتادَةُ، ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ، والجَحْدَرِيُّ " فَرُوحٌ " بِضَمِّ الرّاءِ، ورُوِيَتْ هَذِهِ القِراءَةُ عَنْ يَعْقُوبَ، قِيلَ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ومُقاتِلٍ.
قالَ مُقاتِلٌ: هو الرِّزْقُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ، يُقالُ خَرَجْتُ أطْلُبُ رَيْحانَ اللَّهِ: أيْ رِزْقَهُ، ومِنهُ قَوْلُ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:
؎سَلامُ الإلَهِ ورَيْحانُهُ ∗∗∗ ورَحْمَتُهُ وسَماءٌ دَرَرْ
وقالَ قَتادَةُ: إنَّهُ الجَنَّةُ.
وقالَ الضَّحّاكُ: هو الرَّحْمَةُ.
وقالَ الحَسَنُ: هو الرَّيْحانُ المَعْرُوفُ الَّذِي يُشَمُّ.
قالَ قَتادَةُ، والرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: هَذا عِنْدَ المَوْتِ، والجَنَّةُ مَخْبُوءَةٌ لَهُ إلى أنْ يُبْعَثَ، وكَذا قالَ أبُو الجَوْزاءِ، وأبُو العالِيَةِ، ومَعْنى " وجَنَّةُ نَعِيمٍ " أنَّها ذاتُ تَنَعُّمٍ، وارْتِفاعُ " رَوْحٌ " وما بَعْدَهُ عَلى الِابْتِداءِ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ: أيْ فَلَهُ رَوْحٌ.
﴿وأمّا إنْ كانَ﴾ ذَلِكَ المُتَوَفّى ﴿مِن أصْحابِ اليَمِينِ﴾ وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وتَفْصِيلُ أحْوالِهِمْ وما أعَدَّهُ اللَّهُ لَهم مِنَ الجَزاءِ ﴿فَسَلامٌ لَكَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ﴾ أيْ لَسْتَ تَرى فِيهِمْ إلّا ما تُحِبُّ مِنَ السَّلامَةِ فَلا تَهْتَمَّ بِهِمْ فَإنَّهم يَسْلَمُونَ مِن عَذابِ اللَّهِ، وقِيلَ المَعْنى: سَلامٌ لَكَ مِنهم: أيْ أنْتَ سالِمٌ مِنَ الِاغْتِمامِ بِهِمْ، وقِيلَ المَعْنى: إنَّهم يَدْعُونَ لَكَ ويُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ، وقِيلَ إنَّهُ ﷺ يُحَيّى بِالسَّلامِ إكْرامًا، وقِيلَ هو إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ بِتَسْلِيمِ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ، وقِيلَ المَعْنى: سَلامٌ لَكَ يا صاحِبَ اليَمِينِ مِن إخْوانِكَ أصْحابِ اليَمِينِ.
﴿وأمّا إنْ كانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ﴾ أيِ المُكَذِّبِينَ بِالبَعْثِ الضّالِّينَ عَنِ الهُدى، وهم أصْحابُ الشِّمالِ المُتَقَدِّمُ ذِكْرُهم، وتَفْصِيلُ أحْوالِهِمْ ﴿فَنُزُلٌ مِن حَمِيمٍ﴾ أيْ فَلَهُ نُزُلٌ يُعَدُّ لِنُزُولِهِ مِن حَمِيمٍ، وهو الماءُ الَّذِي قَدْ تَناهَتْ حَرارَتُهُ، وذَلِكَ بَعْدَ أنْ يَأْكُلَ مِنَ الزَّقُّومِ كَما تَقَدَّمَ بَيانُهُ.
﴿وتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ يُقالُ أصْلاهُ النّارَ وصَلّاهُ: أيْ إذا جَعَلَهُ في النّارِ، وهو مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى المَفْعُولِ، أوْ إلى المَكانِ.
قالَ المُبَرِّدُ: وجَوابُ الشَّرْطِ في هَذِهِ الثَّلاثَةِ المَواضِعِ مَحْذُوفٌ والتَّقْدِيرُ: مَهْما يَكُنْ مِن شَيْءٍ فَرَوْحٌ إلَخْ.
وقالَ الأخْفَشُ: إنَّ الفاءَ في المَواضِعِ الثَّلاثَةِ هي جَوابُ " أمّا " وجَوابُ حَرْفِ الشَّرْطِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿وتَصْلِيَةُ﴾ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى " فَنُزُلٌ " .
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ عَنْهُ بِالجَرِّ عَطْفًا عَلى " حَمِيمٍ ": أيْ فَنُزُلٌ مِن حَمِيمٍ ومِن تَصْلِيَةِ جَحِيمٍ.
﴿إنَّ هَذا لَهو حَقُّ اليَقِينِ﴾ الإشارَةُ إلى ما ذُكِرَ في هَذِهِ السُّورَةِ، أوْ إلى المَذْكُورِ قَرِيبًا مِن أحْوالِ المُتَفَرِّقِينَ لَهو حَقُّ اليَقِينِ: أيْ مَحْضُ اليَقِينِ وخالِصُهُ، وإضافَةُ " حَقِّ " إلى " اليَقِينِ " مِن بابِ إضافَةِ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ.
قالَ المُبَرِّدُ: هو كَقَوْلِكَ عَيْنُ اليَقِينِ ومَحْضُ اليَقِينِ، هَذا عِنْدَ الكُوفِيِّينَ وجَوَّزُوا ذَلِكَ لِاخْتِلافِ اللَّفْظِ، وأمّا البَصْرِيُّونَ فَيَجْعَلُونَ المُضافَ إلَيْهِ مَحْذُوفًا، والتَّقْدِيرُ: حَقُّ الأمْرِ اليَقِينِ أوِ الخَبَرِ اليَقِينِ.
والفاءُ في ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها: أيْ نَزِّهْهُ عَمًّا لا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ، والباءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ: أيْ فَسَبِّحْ مُلْتَبِسًا باسِمِ رَبِّكَ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ.
وقِيلَ المَعْنى: فَصَلِّ بِذِكْرِ رَبِّكَ، وقِيلَ الباءُ زائِدَةٌ، والِاسْمُ بِمَعْنى الذّاتِ.
وقِيلَ هي لِلتَّعْدِيَةِ لِأنَّ سَبِّحْ يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ تارَةً ويَتَعَدّى بِالحَرْفِ أُخْرى، والأوَّلُ أوْلى.
(p-١٤٥٣)وقَدْ أخْرَجَ النَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أنْزِلَ القُرْآنُ في لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ السَّماءِ العُلْيا إلى السَّماءِ الدُّنْيا جُمْلَةً واحِدَةً، ثُمَّ فُرِّقَ في السِّنِينَ، وفي لَفْظٍ: ثُمَّ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ الدُّنْيا إلى الأرْضِ نُجُومًا، ثُمَّ قَرَأ ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ قالَ القُرْآنُ ﴿وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ قالَ: القُرْآنُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: نُجُومُ القُرْآنِ حِينَ يَنْزِلُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ في المَعْرِفَةِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا ﴿لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ﴾ قالَ: الكِتابُ المُنَزَّلُ في السَّماءِ لا يَمَسُّهُ إلّا المَلائِكَةُ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ أنَسٍ ﴿لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ﴾ قالَ: المَلائِكَةُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عَلْقَمَةَ قالَ: أتَيْنا سَلْمانَ الفارِسِيَّ فَخَرَجَ عَلَيْنا مِن كَنِيفٍ، فَقُلْنا لَهُ: لَوْ تَوَضَّأْتَ يا أبا عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأْتَ عَلَيْنا سُورَةَ كَذا وكَذا، قالَ: إنَّما قالَ اللَّهُ ﴿فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ﴾ ﴿لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ﴾ وهو الَّذِي في السَّماءِ لا يَمَسُّهُ إلّا المَلائِكَةُ، ثُمَّ قَرَأ عَلَيْنا مِنَ القُرْآنِ ما شِئْنا.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ أبِي داوُدَ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أبِيهِ قالَ «فِي كِتابِ النَّبِيِّ ﷺ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: لا تَمَسَّ القُرْآنَ إلّا عَلى طُهْرٍ» .
وأخْرَجَهُ مالِكٌ في المُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرٍ.
وأخْرَجَهُ أبُو داوُدَ في المَراسِيلِ مِن حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قالَ: قَرَأ في صَحِيفَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ «ولا يَمَسَّ القُرْآنَ إلّا طاهِرٌ» وقَدْ أسْنَدَهُ الدّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وعُثْمانَ بْنِ أبِي العاصِ، وفي أسانِيدِها نَظَرٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ كانَ لا يَمَسُّ المُصْحَفَ إلّا مُتَوَضِّئًا.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ في المُصَنَّفِ وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ قالَ: كُنّا مَعَ سَلْمانَ فانْطَلَقَ إلى حاجَةٍ، فَتَوارى عَنّا ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنا، فَقُلْنا: لَوْ تَوَضَّأْتَ فَسَألْناكَ عَنْ أشْياءَ مِنَ القُرْآنِ، فَقالَ: سَلُونِي، فَإنِّي لَنْ أمَسَّهُ إنَّما يَمَسُّهُ المُطَهَّرُونَ ثُمَّ تَلا ﴿لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ﴾ .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لا يَمَسَّ القُرْآنَ إلّا طاهِرٌ» وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمّا بَعَثَهُ إلى اليَمَنِ كَتَبَ لَهُ في عَهْدِهِ: «أنْ لا يَمَسَّ القُرْآنَ إلّا طاهِرٌ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿أنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ قالَ: مُكَذِّبُونَ.
وأخْرَجَ مُسْلِمٌ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ «مُطِرَ النّاسُ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: أصْبَحَ مِنَ النّاسِ شاكِرٌ ومِنهم كافِرٌ، قالُوا: هَذِهِ رَحْمَةٌ وضَعَها اللَّهُ، وقالَ بَعْضُهم: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذا وكَذا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ حَتّى بَلَغَ ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾» وأصْلُ الحَدِيثِ بِدُونِ ذِكْرِ أنَّهُ سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ ثابِتٌ في الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ ومِن حَدِيثِ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ.
وفِي البابِ أحادِيثُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ مَنِيعٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والضِّياءُ في المُخْتارَةِ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «فِي قَوْلِهِ: ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ قالَ: شُكْرَكم، تَقُولُونَ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا وكَذا وبِنَجْمِ كَذا وكَذا» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ في تارِيخِهِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «ما فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ القُرْآنِ إلّا آياتٍ يَسِيرَةً» .
قَوْلُهُ: ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ قالَ: شُكْرَكم.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأ " وتَجْعَلُونَ شُكْرَكم "» وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ في فَضائِلِهِ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَقْرَأُ " وتَجْعَلُونَ شُكْرَكم " قالَ: يَعْنِي الأنْواءَ وما مُطِرَ قَوْمٌ إلّا أصْبَحَ بَعْضُهم كافِرًا كانُوا يَقُولُونَ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا وكَذا، فَأنْزَلَ اللَّهُ وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ «عَنْ عَلِيٍّ أنَّهُ قَرَأ " وتَجْعَلُونَ شُكْرَكم " وقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُها كَذَلِكَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ قالَ: غَيْرَ مُحاسَبِينَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ في الزُّهْدِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ ﴿فَأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ﴾ الآيَةَ قالَ: هَذا لَهُ عِنْدَ المَوْتِ ﴿وجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ تُخَبَّأُ لَهُ الجَنَّةُ إلى يَوْمِ يُبْعَثُ ﴿وأمّا إنْ كانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ﴾ ﴿فَنُزُلٌ مِن حَمِيمٍ﴾ قالَ: هَذا عِنْدَ المَوْتِ ﴿وتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ قالَ: تُخَبَّأُ لَهُ الجَحِيمُ إلى يَوْمِ البَعْثِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَرَوْحٌ﴾ قالَ: رائِحَةٌ ﴿ورَيْحانٌ﴾ قالَ: اسْتِراحَةٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قالَ: يَعْنِي بِالرَّيْحانِ المُسْتَرِيحَ مِنَ الدُّنْيا ﴿وجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ يَقُولُ: مَغْفِرَةٌ ورَحْمَةٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ أيْضًا قالَ: الرَّيْحانُ الرِّزْقُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿فَسَلامٌ لَكَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ﴾ قالَ: تَأْتِيهِ المَلائِكَةُ بِالسَّلامِ مِن قِبَلِ اللَّهِ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ وتُخْبِرُهُ أنَّهُ مِن أصْحابِ اليَمِينِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا ﴿إنَّ هَذا لَهو حَقُّ اليَقِينِ﴾ قالَ: ما قَصَصْنا عَلَيْكَ في هَذِهِ السُّورَةِ.
وأخْرَجَ عَنْهُ أيْضًا ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾ قالَ: فَصَلِّ لِرَبِّكَ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وأحْمَدُ، وأبُو داوُدَ، وابْنُ حِبّانَ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ الجُهَنِيِّ قالَ «لَمّا نَزَلَتْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾ قالَ: اجْعَلُوها في رُكُوعِكم، فَلَمّا نَزَلَتْ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى﴾ قالَ: اجْعَلُوها في سُجُودِكم» .
{"ayahs_start":75,"ayahs":["۞ فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِمَوَ ٰقِعِ ٱلنُّجُومِ","وَإِنَّهُۥ لَقَسَمࣱ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِیمٌ","إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانࣱ كَرِیمࣱ","فِی كِتَـٰبࣲ مَّكۡنُونࣲ","لَّا یَمَسُّهُۥۤ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ","تَنزِیلࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","أَفَبِهَـٰذَا ٱلۡحَدِیثِ أَنتُم مُّدۡهِنُونَ","وَتَجۡعَلُونَ رِزۡقَكُمۡ أَنَّكُمۡ تُكَذِّبُونَ","فَلَوۡلَاۤ إِذَا بَلَغَتِ ٱلۡحُلۡقُومَ","وَأَنتُمۡ حِینَىِٕذࣲ تَنظُرُونَ","وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَیۡهِ مِنكُمۡ وَلَـٰكِن لَّا تُبۡصِرُونَ","فَلَوۡلَاۤ إِن كُنتُمۡ غَیۡرَ مَدِینِینَ","تَرۡجِعُونَهَاۤ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","فَأَمَّاۤ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِینَ","فَرَوۡحࣱ وَرَیۡحَانࣱ وَجَنَّتُ نَعِیمࣲ","وَأَمَّاۤ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ","فَسَلَـٰمࣱ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ","وَأَمَّاۤ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُكَذِّبِینَ ٱلضَّاۤلِّینَ","فَنُزُلࣱ مِّنۡ حَمِیمࣲ","وَتَصۡلِیَةُ جَحِیمٍ","إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلۡیَقِینِ","فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِیمِ"],"ayah":"فَلَوۡلَاۤ إِذَا بَلَغَتِ ٱلۡحُلۡقُومَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











