الباحث القرآني

وهي مَكِّيَّةٌ. قالَ القُرْطُبِيُّ: كُلُّها في قَوْلِ الحَسَنِ، وعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وعِكْرِمَةَ، وعَطاءٍ، وجابِرٍ. قالَ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ إلّا آيَةً مِنها، وهي قَوْلُهُ: يَسْألُهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ الآيَةَ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ومُقاتِلٌ هي مَدَنِيَّةٌ كُلُّها، والأوَّلُ أصَحُّ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ ما أخْرَجَهُ النَّحّاسُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الرَّحْمَنِ بِمَكَّةَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: أُنْزِلَ بِمَكَّةَ سُورَةُ الرَّحْمَنِ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: نَزَلَتْ سُورَةُ " ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ القُرْآنَ﴾ " بِمَكَّةَ. وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ قالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ قالَتْ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ وهو يُصَلِّي نَحْوَ الرُّكْنِ قَبْلَ أنْ يَصْدَعَ بِما يُؤْمَرُ والمُشْرِكُونَ يَسْمَعُونَ فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» . ويُؤَيِّدُ القَوْلَ الثّانِيَ ما أخْرَجَهُ ابْنُ الضُّرَيْسِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الرَّحْمَنِ بِالمَدِينَةِ، ويُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَ القَوْلَيْنِ بِأنَّهُ نَزَلَ بَعْضُها بِمَكَّةَ وبَعْضُها بِالمَدِينَةِ. وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى أصْحابِهِ فَقَرَأ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِن أوَّلِها إلى آخِرِها فَسَكَتُوا، فَقالَ: ما لِي أراكم سُكُوتًا لَقَدْ قَرَأْتُها عَلى الجِنِّ لَيْلَةَ الجِنِّ، فَكانُوا أحْسَنَ مَرْدُودًا مِنكم كُلَّما أتَيْتُ عَلى قَوْلِهِ: فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالُوا: لا شَيْءَ مِن نِعَمِكَ رَبَّنا نُكَذِّبُ فَلَكَ الحَمْدُ» قالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ (p-١٤٣٣)إخْراجِهِ: هَذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلّا مِن حَدِيثِ الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وحُكِيَ عَنِ الإمامِ أحْمَدَ أنَّهُ كانَ يَسْتَنْكِرُ رِوايَتَهُ عَنْ زُهَيْرٍ. وقالَ البَزّارُ: لا نَعْرِفُهُ يُرْوى إلّا مِن هَذا الوَجْهِ. وأخْرَجَهُ البَزّارُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والدّارَقُطْنِيُّ في الأفْرادِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والخَطِيبُ في تارِيخِهِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وصَحَّحَ السُّيُوطِيُّ إسْنادَهُ. وقالَ البَزّارُ: لا نَعْلَمُهُ يُرْوى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إلّا مِن هَذا الوَجْهِ بِهَذا الإسْنادِ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ عَلِيٍّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لِكُلِّ شَيْءٍ عَرُوسٌ، وعَرُوسُ القُرْآنِ الرَّحْمَنُ» . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ ﴿الرَّحْمَنُ﴾ ﴿عَلَّمَ القُرْآنَ﴾ ارْتِفاعُ " الرَّحْمَنُ " عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ وما بَعْدَهُ مِنَ الأفْعالِ أخْبارٌ لَهُ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أيِ اللَّهُ الرَّحْمَنُ. قالَ الزَّجّاجُ: مَعْنى عَلَّمَ القُرْآنَ يَسَّرَهُ. قالَ الكَلْبِيُّ: عَلَّمَ القُرْآنَ مُحَمَّدًا وعَلَّمَهُ مُحَمَّدٌ أُمَّتَهُ، وقِيلَ جَعَلَهُ عَلامَةً لِما تَعَبَّدَ النّاسَ بِهِ، قِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ جَوابًا لِأهْلِ مَكَّةَ حِينَ قالُوا إنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، وقِيلَ جَوابًا لِقَوْلِهِمْ: وما الرَّحْمَنُ ؟ ولَمّا كانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ لِتَعْدادِ نِعَمِهِ الَّتِي أنْعَمَ بِها عَلى عِبادِهِ قَدَّمَ النِّعْمَةَ الَّتِي هي أجْلُّها قَدْرًا وأكْثَرُها نَفْعًا وأتَمُّها فائِدَةً وأعْظَمُها عائِدَةً، وهي نِعْمَةُ تَعْلِيمِ القُرْآنِ، فَإنَّها مَدارُ سَعادَةِ الدّارَيْنِ، وقُطْبُ رَحى الخَيْرَيْنِ، وعِمادُ الأمْرَيْنِ. ثُمَّ امْتَنَّ بَعْدَ هَذِهِ النِّعْمَةِ بِنِعْمَةِ الخَلْقِ الَّتِي هي مَناطُ كُلِّ الأُمُورِ ومَرْجِعُ جَمِيعِ الأشْياءِ فَقالَ: خَلَقَ الإنْسانَ ثُمَّ امْتَنَّ ثالِثًا بِتَعْلِيمِهِ البَيانَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ التَّفاهُمُ ويَدُورُ عَلَيْهِ التَّخاطُبُ وتَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَصالِحُ المَعاشِ والمَعادِ؛ لِأنَّهُ لا يُمْكِنُ إبْرازُ ما في الضَّمائِرِ ولا إظْهارُ ما يَدُورُ في الخَلَدِ إلّا بِهِ. قالَ قَتادَةُ، والحَسَنُ: المُرادُ بِالإنْسانِ هاهُنا مُحَمَّدٌ ﷺ، وبِالبَيانِ الحَلالُ مِنَ الحَرامِ، والهُدى مِنَ الضَّلالِ، وهو بَعِيدٌ. وقالَ الضَّحّاكُ: البَيانُ الخَيْرُ والشَّرُّ. وقالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ: هو ما يَنْفَعُهُ مِمّا يَضُرُّهُ. وقِيلَ: البَيانُ الكِتابَةُ بِالقَلَمِ. والأوْلى حَمْلُ الإنْسانِ عَلى الجِنْسِ، وحَمْلُ البَيانِ عَلى تَعْلِيمِ كُلِّ قَوْمٍ لِسانَهُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُونَ بِهِ. ﴿الشَّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ﴾ أيْ يَجْرِيانِ بِحِسابٍ ومَنازِلَ لا يَعْدُوانِها، ويَدُلّانِ بِذَلِكَ عَلى عَدَدِ الشُّهُورِ والسِّنِينَ. قالَ قَتادَةُ، وأبُو مالِكٍ: يَجْرِيانِ بِحُسْبانٍ في مَنازِلِهِمْ لا يَعْدُوانِها ولا يَحِيدانِ عَنْها. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ، وابْنُ كَيْسانَ: يَعْنِي أنَّ بِهِما تُحْسَبُ الأوْقاتُ والآجالُ والأعْمالُ. ولَوْلا اللَّيْلُ والنَّهارُ والشَّمْسُ والقَمَرُ لَمْ يَدْرِ أحَدٌ كَيْفَ يَحْسُبُ، لِأنَّ الدَّهْرَ يَكُونُ كُلُّهُ لَيْلًا أوْ نَهارًا. وقالَ الضَّحّاكُ: مَعْنى بِحُسْبانٍ: بِقَدَرٍ. وقالَ مُجاهِدٌ: بِحُسْبانٍ كَحُسْبانِ الرَّحى: يَعْنِي قُطْبَهُما الَّذِي يَدُورانِ عَلَيْهِ. قالَ الأخْفَشُ: الحُسْبانُ جَماعَةُ الحِسابِ مِثْلُ شُهُبٍ وشُهْبانٍ. وأمّا الحُسْبانُ بِالضَّمِّ فَهو العَذابُ كَما مَضى في سُورَةِ الكَهْفِ. " والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدانِ " النَّجْمُ ما لا ساقَ لَهُ مِنَ النَّباتِ، والشَّجَرُ ما لَهُ ساقٌ. قالَ الشّاعِرُ: ؎لَقَدْ أنْجَمَ القاعُ الكَثِيرُ عِضاهُهُ وتَمَّ بِهِ حَيّا تَمِيمٍ ووائِلِ وقالَ زُهَيْرٌ: ؎مُكَلَّلٍ بِأُصُولِ النَّجْمِ تَنْسُجُهُ ∗∗∗ رِيحُ الجَنُوبِ لِضاحِي مائِهِ حُبُكُ والمُرادُ بِسُجُودِهِما انْقِيادُهُما لِلَّهِ تَعالى انْقِيادَ السّاجِدِينَ مِنَ المُكَلَّفِينَ. وقالَ الفَرّاءُ: سُجُودُهُما أنَّهُما يَسْتَقْبِلانِ الشَّمْسَ إذا طَلَعَتْ، ثُمَّ يَمِيلانِ مَعَها حِينَ يَنْكَسِرُ الفَيْءُ. وقالَ الزَّجّاجُ: سُجُودُهُما دَوَرانُ الظِّلِّ مَعَهُما، كَما في قَوْلِهِ: يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ [النحل: ٤٨] وقالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ: المُرادُ بِالنَّجْمِ نَجْمُ السَّماءِ وسُجُودُهُ طُلُوعُهُ، ورَجَّحَ هَذا ابْنُ جَرِيرٍ. وقِيلَ سُجُودُهُ أُفُولُهُ، وسُجُودُ الشَّجَرِ: تَمْكِينُها مِنَ الِاجْتِناءِ لِثِمارِها. قالَ النَّحّاسُ: أصْلُ السُّجُودِ الِاسْتِسْلامُ والِانْقِيادُ لِلَّهِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ والَّتِي قَبْلَها خَبَرانِ آخَرانِ لِلرَّحْمَنِ، وتُرِكَ الرّابِطُ فِيهِما لِظُهُورِهِ كَأنَّهُ قِيلَ: الشَّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانِهِ والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدانِ لَهُ. ﴿والسَّماءَ رَفَعَها﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ بِنَصْبِ السَّماءِ عَلى الِاشْتِغالِ. وقَرَأ أبُو السِّماكِ بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ، والمَعْنى: أنَّهُ جَعَلَ السَّماءَ مَرْفُوعَةً فَوْقَ الأرْضِ ﴿ووَضَعَ المِيزانَ﴾ المُرادُ بِالمِيزانِ العَدْلُ: أيْ وضَعَ في الأرْضِ العَدْلَ الَّذِي أمَرَ بِهِ كَذا قالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ وغَيْرُهم. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى أنَّهُ أمَرَنا بِالعَدْلِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ: قَوْلُهُ: ﴿ألّا تَطْغَوْا في المِيزانِ﴾ أيْ لا تُجاوِزُوا العَدْلَ. وقالَ الحَسَنُ، والضَّحّاكُ: المُرادُ بِهِ آلَةُ الوَزْنِ لِيُتَوَصَّلَ بِها إلى الإنْصافِ والِانْتِصافِ. وقِيلَ المِيزانُ القُرْآنُ لِأنَّ فِيهِ بَيانُ ما يُحْتاجُ إلَيْهِ، وبِهِ قالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ، والأوَّلُ أوْلى. ثُمَّ أمَرَ سُبْحانَهُ بِإقامَةِ العَدْلِ بَعْدَ إخْبارِهِ لِلْعِبادِ بِأنَّهُ وضَعَهُ لَهم فَقالَ: ﴿وأقِيمُوا الوَزْنَ بِالقِسْطِ﴾ أيْ قَوِّمُوا وزْنَكم بِالعَدْلِ، وقِيلَ المَعْنى: أقِيمُوا لِسانَ المِيزانِ بِالعَدْلِ، وقِيلَ المَعْنى: أنَّهُ وضَعَ المِيزانَ في الآخِرَةِ لِوَزْنِ الأعْمالِ، وأنْ في قَوْلِهِ: ألّا تَطْغَوْا مَصْدَرِيَّةٌ: أيْ لِئَلّا تَطْغَوْا، و" لا " نافِيَةٌ: أيْ وضَعَ المِيزانَ لِئَلّا تَطْغَوْا، وقِيلَ هي مُفَسِّرَةٌ، لِأنَّ في الوَضْعِ مَعْنى القَوْلِ، والطُّغْيانُ مُجاوَزَةُ الحَدِّ، فَمَن قالَ: المِيزانُ العَدْلُ، قالَ طُغْيانُهُ الجَوْرُ ومَن قالَ: المِيزانُ الآلَةُ الَّتِي يُوزَنُ بِها، قالَ (p-١٤٣٤)طُغْيانُهُ البَخْسُ ﴿ولا تُخْسِرُوا المِيزانَ﴾ أيْ لا تَنْقُصُوهُ. أمَرَ سُبْحانَهُ أوَّلًا بِالتَّسْوِيَةِ، ثُمَّ نَهى عَنِ الطُّغْيانِ الَّذِي هو المُجاوَزَةُ لِلْحَدِّ بِالزِّيادَةِ، ثُمَّ نَهى عَنِ الخُسْرانِ الَّذِي هو النَّقْصُ والبَخْسُ. قَرَأ الجُمْهُورُ " تُخْسِرُوا " بِضَمِّ التّاءِ وكَسْرِ السِّينِ مِن أخْسَرَ، وقَرَأ بِلالُ بْنُ أبِي بَرْزَةَ، وأبانُ بْنُ عُثْمانَ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِفَتْحِ التّاءِ والسِّينِ مِن خَسِرَ، وهُما لُغَتانِ: يُقالُ أخْسَرْتُ المِيزانَ وخَسَرْتُهُ. ثُمَّ لَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ أنَّهُ رَفَعَ السَّماءَ ذَكَرَ أنَّهُ وضَعَ الأرْضَ فَقالَ: ﴿والأرْضَ وضَعَها لِلْأنامِ﴾ أيْ بَسَطَها عَلى الماءِ لِجَمِيعِ الخَلْقِ مِمّا لَهُ رُوحٌ وحَياةٌ، ولا وجْهَ لِتَخْصِيصِ الأنامِ بِالإنْسِ والجِنِّ. قَرَأ الجُمْهُورُ بِنَصْبِ " الأرْضَ " عَلى الِاشْتِغالِ، وقَرَأ أبُو السِّماكِ بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ. وجُمْلَةُ فِيها فاكِهَةٌ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى أنَّها حالٌ مِنَ الأرْضِ مُقَدَّرَةٌ، وقِيلَ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ مَضْمُونِ الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها، والمُرادُ بِها كُلُّ ما يُتَفَكَّهُ بِهِ مِن أنْواعِ الثِّمارِ. ثُمَّ أفْرَدَ سُبْحانَهُ النَّخْلَ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ ومَزِيدِ فائِدَتِهِ عَلى سائِرِ الفَواكِهِ فَقالَ: ﴿والنَّخْلُ ذاتُ الأكْمامِ﴾ الأكْمامُ جَمْعُ كِمٍّ بِالكَسْرِ، وهو وِعاءُ التَّمْرِ. قالَ الجَوْهَرِيُّ: والكِمُّ بِالكَسْرِ والكِمامَةُ وِعاءُ الطَّلْعِ وغِطاءُ التَّنُّورِ، والجَمْعُ كِمامٌ وأكِمَّةٌ وأكْمامٌ. قالَ الحَسَنُ: ذاتُ الأكْمامِ: أيْ ذاتُ اللِّيفِ، فَإنَّ النَّخْلَةَ تُكَمَّمُ بِاللِّيفِ وكِمامُها لِيفُها، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: ذاتُ الطَّلْعِ قَبْلَ أنْ يَتَفَتَّقَ. وقالَ عِكْرِمَةُ: ذاتُ الأحْمالِ. ﴿والحَبُّ ذُو العَصْفِ والرَّيْحانُ﴾ الحَبُّ هو جَمِيعُ ما يُقْتاتُ مِنَ الحُبُوبِ. والعَصْفُ: قالَ السُّدِّيُّ، والفَرّاءُ: هو بَقْلُ الزَّرْعِ، وهو أوَّلُ ما يَنْبُتُ بِهِ. قالَ ابْنُ كَيْسانَ: يَبْدُو أوَّلًا ورَقًا، وهو العَصْفُ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ ساقٌ، ثُمَّ يُحَدِثُ اللَّهُ فِيهِ أكْمامًا، ثُمَّ يُحْدِثُ في الأكْمامِ الحَبَّ. قالَ الفَرّاءُ: والعَرَبُ تَقُولُ خَرَجْنا نَعْصِفُ الزَّرْعَ: إذا قَطَعُوا مِنهُ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَ، وكَذا قالَ في الصِّحاحِ. وقالَ الحَسَنُ: العَصْفُ التِّبْنُ، وقالَ مُجاهِدٌ: هو ورَقُ الشَّجَرِ والزَّرْعِ. وقِيلَ هو ورَقُ الزَّرْعِ الأخْضَرِ إذا قُطِعَ رَأسُهُ ويَبِسَ، ومِنهُ قَوْلُهُ: كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل: ٥] وقِيلَ هو الزَّرْعُ الكَثِيرُ، يُقالُ قَدْ أعْصَفَ الزَّرْعُ ومَكانٌ مُعْصِفٌ: أيْ كَثِيرُ الزَّرْعِ، ومِنهُ قَوْلُ أبِي قَيْسِ بْنِ الأسْلَتِ: ؎إذا جُمادى مَنَعَتْ قَطْرَها ∗∗∗ زانَ جِنانِي عَطَنٌ مُعْصِفُ والرَّيْحانُ الوَرَقُ في قَوْلِ الأكْثَرِ. وقالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ، وابْنُ زَيْدٍ: إنَّهُ الرَّيْحانُ الَّذِي يُشَمُّ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، هو ما قامَ عَلى ساقٍ. وقالَ الكَلْبِيُّ: إنَّ العَصْفَ هو الوَرَقُ الَّذِي لا يُؤْكَلُ، والرَّيْحانُ هو الحَبُّ المَأْكُولُ. وقالَ الفَرّاءُ أيْضًا: العَصْفُ: المَأْكُولُ مِنَ الزَّرْعِ، والرَّيْحانُ ما لا يُؤْكَلُ، وقِيلَ الرَّيْحانُ كُلُّ بَقْلَةٍ طَيِّبَةِ الرِّيحِ. قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: يُقالُ شَيْءٌ رَيْحانِيٌّ ورُوحانِيٌّ: أيْ لَهُ رُوحٌ: وقالَ في الصِّحاحِ: الرَّيْحانُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ، والرَّيْحانُ الرِّزْقُ، تَقُولُ: خَرَجْتُ أبْتَغِي رَيْحانَ اللَّهِ. قالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ: ؎سَلامُ الإلَهِ ورَيْحانُهُ ∗∗∗ ورَحْمَتُهُ وسَماءٌ دَرَرْ وقِيلَ العَصْفُ رِزْقُ البَهائِمِ، والرَّيْحانُ رِزْقُ النّاسِ. قَرَأ الجُمْهُورُ " والحَبُّ ذُو العَصْفِ والرَّيْحانُ " بِرَفْعِ الثَّلاثَةِ عَطْفًا عَلى " فاكِهَةٌ " . وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وأبُو حَيْوَةَ، والمُغِيرَةُ بِنَصْبِهِما عَطْفًا عَلى " الأرْضَ " أوْ عَلى إضْمارِ فِعْلٍ: أيْ وخَلَقَ الحَبَّ ذا العَصْفِ والرَّيْحانَ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ " والرَّيْحانِ " بِالجَرِّ عَطْفًا عَلى العَصْفِ. ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ الخِطابُ لِلْجِنِّ والإنْسِ، لِأنَّ لَفْظَ الأنامِ يَعُمُّهُما وغَيْرَهُما، ثُمَّ خَصَّصَ بِهَذا الخِطابِ مَن يَعْقِلُ. وبِهَذا قالَ الجُمْهُورُ مِنَ المُفَسِّرِينَ: ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيما سَيَأْتِي: " ﴿سَنَفْرُغُ لَكم أيُّها الثَّقَلانِ﴾ " ويَدُلُّ عَلى هَذا ما قَدَّمْنا في فاتِحَةِ هَذِهِ السُّورَةِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأها عَلى الجِنِّ والإنْسِ، وقِيلَ الخِطابُ لِلْإنْسِ، وثَنّاهُ عَلى قاعِدَةِ العَرَبِ في خِطابِ الواحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ كَما قَدَّمْنا في قَوْلِهِ: ألْقِيا في جَهَنَّمَ [ق: ٢٤] والآلاءُ النِّعَمُ. قالَ القُرْطُبِيُّ: وهو قَوْلُ جَمِيعِ المُفَسِّرِينَ، واحِدُها إلًى مِثْلُ مِعًى وعَصًا. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: إنَّها القُدْرَةُ: أيْ فَبِأيِّ قُدْرَةِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، وبِهِ قالَ الكَلْبِيُّ. وكَرَّرَ سُبْحانَهُ هَذِهِ الآيَةَ في هَذِهِ السُّورَةِ تَقْرِيرًا لِلنِّعْمَةِ وتَأْكِيدًا لِلتَّذْكِيرِ بِها عَلى عادَةِ العَرَبِ في الِاتِّساعِ. قالَ القُتَيْبِيُّ: إنَّ اللَّهَ عَدَّدَ في هَذِهِ السُّورَةِ نَعْماءَهُ، وذَكَّرَ خَلْقَهُ آلاءَهُ، ثُمَّ أتْبَعَ كُلَّ خَلَّةٍ وضَعَها بِهَذِهِ الآيَةِ وجَعَلَها فاصِلَةً بَيْنَ كُلِّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّهَهم عَلى النِّعَمِ ويُقْرِرَهم بِها كَما تَقُولُ لِمَن تَتابَعَ لَهُ إحْسانُكَ، وهو يَكْفُرُهُ: ألَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأغْنَيْتُكَ ؟ أفَتُنْكِرُ هَذا ؟ ألَمْ تَكُنْ خامِلًا فَعَزَّزْتُكَ ؟ أفَتُنْكِرُ هَذا ؟ ألَمْ تَكُنْ راجِلًا فَحَمَلْتُكَ ؟ أفَتُنْكِرُ هَذا ؟ والتَّكْرِيرُ حَسَنٌ في مِثْلِ هَذا، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎لا تَقْتُلِي رَجُلًا إنْ كُنْتِ مُسْلِمَةً ∗∗∗ إيّاكِ مِن دَمِهِ إيّاكِ إيّاكِ قالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: التَّكْرِيرُ طَرْدٌ لِلْغَفْلَةِ وتَأْكِيدٌ لِلْحُجَّةِ. ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن صَلْصالٍ كالفَخّارِ﴾ لَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ خَلْقَ العالَمِ الكَبِيرِ، وهو السَّماءُ والأرْضُ وما فِيهِما ذَكَرَ خَلْقَ العالَمِ الصَّغِيرِ، والمُرادُ بِالإنْسانِ هُنا آدَمُ. قالَ القُرْطُبِيُّ: بِاتِّفاقٍ مِن أهْلِ التَّأْوِيلِ، ولا يَبْعُدُ أنْ يُرادَ الجِنْسُ لِأنَّ بَنِي آدَمَ مَخْلُوقُونَ في ضِمْنِ خَلْقِ أبِيهِمْ آدَمَ، والصَّلْصالُ الطِّينُ اليابِسُ الَّذِي يُسْمَعُ لَهُ صَلْصَلَةٌ، وقِيلَ هو طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ، وقِيلَ هو الطِّينُ المُنْتِنُ يُقالُ: صَلَّ اللَّحْمُ وأصَلَّ: إذا أنْتَنَ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ في سُورَةِ الحِجْرِ، والفَخّارُ الخَزَفُ الَّذِي طُبِخَ بِالنّارِ، والمَعْنى: أنَّهُ خَلَقَ الإنْسانَ مِن طِينٍ يُشْبِهُ في يُبْسِهُ الخَزَفَ. ﴿وخَلَقَ الجانَّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ﴾ يَعْنِي خَلَقَ أبا الجِنِّ أوْ جِنْسَ الجِنِّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ، والمارِجُ اللَّهَبُ الصّافِي مِنَ النّارِ، وقِيلَ الخالِصُ مِنها، وقِيلَ لِسانُها الَّذِي يَكُونُ في طَرَفِها إذا التَهَبَتْ، وقالَ اللَّيْثُ: المارِجُ الشُّعْلَةُ الصّادِعَةُ ذاتُ اللَّهَبِ الشَّدِيدِ. قالَ المُبَرِّدُ: المارِجُ النّارُ المُرْسَلَةُ الَّتِي لا تُمْنَعُ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: المارِجُ خَلْطُ النّارِ، مِن مَرَجَ: إذا اخْتَلَطَ واضْطَرَبَ. قالَ الجَوْهَرِيُّ: مارِجٌ مِن نارٍ، نارٌ لا دُخانَ لَها خُلِقَ مِنها الجانَّ. فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فَإنَّهُ أنْعَمَ عَلَيْكُما في تَضاعِيفِ خَلْقِكُما مِن ذَلِكَ بِنِعَمٍ لا تُحْصى. ﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ " رَبُّ " (p-١٤٣٥)بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أيْ هو رَبُّ المَشْرِقَيْنِ والمَغْرِبَيْنِ، وقِيلَ مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ مَرَجَ البَحْرَيْنِ وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ، والأوَّلُ أوْلى، والمُرادُ بِالمُشْرِقَيْنِ مَشْرِقا الشِّتاءِ والصَّيْفِ، وبِالمَغْرِبَيْنِ مَغْرِباهُما. ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ فَإنَّ في ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ ما لا يُحْصى ولا يَتَيَسَّرُ - لِمَن أنْصَفَ مِن نَفْسِهِ - تَكْذِيبُ فَرْدٍ مِن أفْرادِهِ. ﴿مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ﴾ المَرْجُ التَّخْلِيَةُ والإرْسالُ، يُقالُ: مَرَجْتُ الدّابَّةَ: إذا أرْسَلْتُها، وأصْلُهُ الإهْمالُ كَما تَمْرُجُ الدّابَّةُ في المَرْعى، والمَعْنى: أنَّهُ أرْسَلَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما. يَلْتَقِيانِ: أيْ يَتَجاوَرانِ لا فَصْلَ بَيْنَهُما في مَرْأى العَيْنِ ومَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَخْتَلِطا، ولِهَذا قالَ: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ أيْ حاجِزٌ يَحْجِزُ بَيْنَهُما لا يَبْغِيانِ أيْ لا يَبْغِي أحَدُهُما عَلى الآخَرِ بِأنْ يَدْخُلَ فِيهِ ويَخْتَلِطَ بِهِ. قالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ: هَما بَحْرُ فارِسَ والرُّومِ. وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هَمّا البَحْرُ المالِحُ والأنْهارُ العَذْبَةُ، وقِيلَ بَحْرُ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، وقِيلَ بَحْرُ اللُّؤْلُؤِ والمَرْجانِ، وقِيلَ بَحْرُ السَّماءِ وبَحْرُ الأرْضِ. قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَلْتَقِيانِ في كُلِّ عامٍ، وقِيلَ يَلْتَقِي طَرَفاهُما. وقَوْلُهُ: يَلْتَقِيانِ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِنَ " البَحْرَيْنِ " . وجُمْلَةُ " بَيْنِهِما بَرْزَخٌ " يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً، وأنْ تَكُونَ حالًا. ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ فَإنَّ هَذِهِ الآيَةَ وأمْثالَها لا يَتَيَسَّرُ تَكْذِيبُها بِحالٍ. ﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ . قَرَأ الجُمْهُورُ " يَخْرُجُ " بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الرّاءِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وقَرَأ نافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الرّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، واللُّؤْلُؤُ: الدُّرُّ، والمَرْجانُ: الخَرَزُ الأحْمَرُ المَعْرُوفُ. وقالَ الفَرّاءُ: اللُّؤْلُؤُ العِظامُ، والمَرْجانُ ما صَغُرَ. قالَ الواحِدِيُّ: وهو قَوْلُ جَمِيعِ أهْلِ اللُّغَةِ. وقالَ مُقاتِلٌ، والسُّدِّيُّ، ومُجاهِدٌ: اللُّؤْلُؤُ صِغارُهُ، والمَرْجانُ كِبارُهُ، وقالَ: يَخْرُجُ مِنهُما وإنَّما يَخْرُجُ ذَلِكَ مِنَ المالِحِ لا مِنَ العَذْبِ لِأنَّهُ إذا خَرَجَ مِن أحَدِهِما فَقَدْ خَرَجَ مِنهُما، كَذا قالَ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: هو مِن بابِ حَذْفِ المُضافِ: أيْ مِن أحَدِهِما كَقَوْلِهِ: عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [ الزُّخْرُفِ: ] وقالَ الأخْفَشُ: زَعَمَ قَوْمٌ أنَّهُ يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ مِنَ العَذْبِ، وقِيلَ هُما بَحْرانِ يَخْرُجُ مِن أحَدِهِما اللُّؤْلُؤُ، ومِنَ الآخَرِ المَرْجانُ، وقِيلَ هُما بَحْرُ السَّماءِ وبَحْرُ الأرْضِ، فَإذا وقَعَ ماءُ السَّماءِ في صَدَفِ البَحْرِ انْعَقَدَ لُؤْلُؤًا فَصارَ خارِجًا مِنهُما. ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ فَإنَّ في ذَلِكَ مِنَ الآياتِ ما لا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ تَكْذِيبَهُ ولا يَقْدِرُ عَلى إنْكارِهِ. " ﴿ولَهُ الجَوارِي المُنْشَآتُ في البَحْرِ كالأعْلامِ﴾ " المُرادُ بِالجِوارِي: السُّفُنُ الجارِيَةُ في البَحْرِ، و" المُنْشَآتُ ": المَرْفُوعاتُ الَّتِي رُفِعَ بَعْضُ خَشَبِها عَلى بَعْضٍ ورُكِّبَ حَتّى ارْتَفَعَتْ وطالَتْ حَتّى صارَتْ في البَحْرِ كالأعْلامِ وهي الجِبالُ، والعَلَمُ: الجَبَلُ الطَّوِيلُ. وقالَ قَتادَةُ: المُنْشَآتُ المَخْلُوقاتُ لِلْجَرْيِ. وقالَ الأخْفَشُ: المُنْشَآتُ المُجْرَياتُ، وقَدْ مَضى بَيانُ الكَلامِ في هَذا في سُورَةِ الشُّورى. قَرَأ الجُمْهُورُ الجِوارِ بِكَسْرِ الرّاءِ وحَذْفِ الياءِ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، والحَسَنُ، وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ عَنْهُ بِرَفْعِ الرّاءِ تَناسِيًا لِلْحَذْفِ، وقَرَأ يَعْقُوبُ بِإثْباتِ الياءِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ " المُنْشَآتُ " بِفَتْحِ الشِّينِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، وأبُو بَكْرٍ في رِوايَةٍ عَنْهُ بِكَسْرِ الشِّينِ. " فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ " فَإنَّ ذَلِكَ مِنَ الوُضُوحِ والظُّهُورِ بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ تَكْذِيبُهُ ولا إنْكارُهُ. وقَدْ أخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: " ﴿الشَّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ﴾ " قالَ: بِحِسابٍ ومَنازِلَ يُرْسَلانِ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ " ﴿والأرْضَ وضَعَها لِلْأنامِ﴾ " قالَ: لِلنّاسِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: لِلْخَلْقِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ رُوحٌ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا " ﴿والنَّخْلُ ذاتُ الأكْمامِ﴾ " قالَ: أوْعِيَةُ الطَّلْعِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: " ﴿والحَبُّ ذُو العَصْفِ﴾ " قالَ: التِّبْنُ " والرَّيْحانُ " قالَ خُضْرَةُ الزَّرْعِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: " العَصْفُ " ورَقُ الزَّرْعِ إذا يَبِسَ " والرَّيْحانُ " ما أنْبَتَتِ الأرْضُ مِنَ الرَّيْحانِ الَّذِي يُشَمُّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: " العَصْفُ " الزَّرْعُ أوَّلَ ما يَخْرُجُ بَقْلًا والرَّيْحانُ حِينَ يَسْتَوِي عَلى سُوقِهِ ولَمْ يُسَنْبِلْ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: كُلُّ رَيْحانٍ في القُرْآنِ فَهو رِزْقٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا " فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ " قالَ: يَعْنِي بِأيِّ نِعْمَةِ اللَّهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: يَعْنِي الجِنَّ والإنْسَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ أيْضًا مِن مارِجٍ مِن نارٍ قالَ: مِن لَهَبِ النّارِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: خالِصُ النّارِ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ﴾ قالَ: لِلشَّمْسِ مَطْلِعٌ في الشِّتاءِ، ومَغْرِبٌ في الشِّتاءِ، ومَطْلِعٌ في الصَّيْفِ، ومَغْرِبٌ في الصَّيْفِ غَيْرُ مَطْلِعِها في الشِّتاءِ وغَيْرُ مَغْرِبِها في الشِّتاءِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: مُشْرِقُ الفَجْرِ ومُشْرِقُ الشَّفَقِ، ومَغْرِبُ الشَّمْسِ ومَغْرِبُ الشَّفَقِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ﴾ قالَ: أرْسَلَ البَحْرَيْنِ " بَيْنَهُما بَرْزَخٌ " قالَ: حاجِزٌ لا يَبْغِيانِ لا يَخْتَلِطانِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: بَحْرُ السَّماءِ وبَحْرُ الأرْضِ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قالَ: بَيْنَهُما مِنَ البُعْدِ ما لا يَبْغِي كُلُّ واحِدٍ مِنهُما عَلى صاحِبِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ قالَ: إذا مَطَرَتِ السَّماءُ فَتَحَتِ الأصْدافُ في البَحْرِ أفْواهَها فَما وقَعَ فِيها مِن قَطْرِ السَّماءِ فَهو اللُّؤْلُؤُ. (p-١٤٣٦)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: المَرْجانُ عِظامُ اللُّؤْلُؤِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: اللُّؤْلُؤُ: ما عَظُمَ مِنهُ، والمَرْجانُ: اللُّؤْلُؤُ الصِّغارُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، والفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: المَرْجانُ الخَرَزُ الأحْمَرُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب