الباحث القرآني
وهي مَكِّيَّةٌ، قالَ القُرْطُبِيُّ: في قَوْلِ الجَمِيعِ وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، والنَّحّاسُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتِ الطُّورُ بِمَكَّةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بِالطُّورِ» .
وأخْرَجَ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي إلى جَنْبِ البَيْتِ بِالطُّورِ وكِتابٍ مَسْطُورٍ» [ أيْ سُورَةِ الطُّورِ ] .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ: ﴿والطُّورِ﴾ قالَ الجَوْهَرِيُّ: هو الجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ (p-١٤١١)عَلَيْهِ مُوسى.
قالَ مُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ: الطُّورُ بِالسُّرْيانِيَّةِ الجَبَلُ، والمُرادُ بِهِ طُورُ سَيْناءَ.
قالَ مُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ: هُما طُورانِ: يُقالُ لِأحَدِهِما طُورُ سَيْناءَ، ولِلْآخَرِ طُورُ زَيْتا، لِأنَّهُما يُنْبِتانِ التِّينَ والزَّيْتُونَ.
وقِيلَ هو جَبَلُ مَدْيَنَ، وقِيلَ إنَّ الطُّورَ كُلُّ جَبَلٍ يُنْبِتُ، وما لا يُنْبِتُ فَلَيْسَ بِطُورٍ، أقْسَمَ سُبْحانَهُ بِهَذا الجَبَلِ تَشْرِيفًا لَهُ وتَكْرِيمًا.
﴿وكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ المَسْطُورُ: المَكْتُوبُ، والمُرادُ بِالكِتابِ القُرْآنُ وقِيلَ هو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، وقِيلَ جَمِيعُ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ، وقِيلَ ألْواحُ مُوسى، وقِيلَ ما تَكْتُبُهُ الحَفَظَةُ قالَهُ الفَرّاءُ وغَيْرُهُ، ومِثْلُهُ ﴿ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنشُورًا﴾ [الإسراء: ١٣] وقَوْلُهُ: ﴿وإذا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ [التكوير: ١٠] .
﴿فِي رَقٍّ مَنشُورٍ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَسْطُورٍ: أيْ مَكْتُوبٌ في رَقٍّ.
قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿فِي رَقٍّ﴾ بِفَتْحِ الرّاءِ، وقَرَأ أبُو السِّماكِ بِكَسْرِها.
قالَ الجَوْهَرِيُّ: الرَّقُّ بِالفَتْحِ ما يُكْتَبُ فِيهِ، وهو جِلْدٌ رَقِيقٌ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي رَقٍّ مَنشُورٍ﴾ قالَ المُبَرِّدُ: الرَّقُّ ما رَقَّ مِنَ الجِلْدِ لِيُكْتَبَ فِيهِ، والمَنشُورُ المَبْسُوطُ.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: وجَمْعُهُ رُقُوقٌ، ومِن هَذا قَوْلُ المُتَلَمِّسِ:
؎فَكَأنَّما هي مِن تَقادُمِ عَهْدِها رَقٌّ أُتِيحَ كِتابُها مَسْطُورُ
وأمّا الرِّقُّ بِالكَسْرِ فَهو المَمْلُوكُ، يُقالُ عَبْدُ رِقٍّ وعَبْدٌ مَرْقُوقٌ.
﴿والبَيْتِ المَعْمُورِ﴾ في السَّماءِ السّابِعَةِ.
وقِيلَ في سَماءِ الدُّنْيا، وقِيلَ هو الكَعْبَةُ، فَعَلى القَوْلَيْنِ الأوَّلَيْنِ يَكُونُ وصْفُهُ بِالعِمارَةِ بِاعْتِبارِ مَن يَدْخُلُ إلَيْهِ مِنَ المَلائِكَةِ ويَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ.
وعَلى القَوْلِ الثّالِثِ، يَكُونُ وصْفُهُ بِالعِمارَةِ حَقِيقَةً أوْ مَجازًا بِاعْتِبارِ كَثْرَةِ مَن يَتَعَبَّدُ فِيهِ مِن بَنِي آدَمَ.
﴿والسَّقْفِ المَرْفُوعِ﴾ يَعْنِي السَّماءَ سَمّاها سَقْفًا لِكَوْنِها كالسَّقْفِ لِلْأرْضِ، ومِنهُ قَوْلُهُ ﴿وجَعَلْنا السَّماءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ وقِيلَ هو العَرْشُ.
﴿والبَحْرِ المَسْجُورِ﴾ أيِ المُوقَدِ، مِنَ السَّجْرِ: وهو إيقادُ النّارِ في التَّنُّورِ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾ [التكوير: ٦] وقَدْ رُوِيَ أنَّ البِحارَ تُسَجَرُ يَوْمَ القِيامَةِ فَتَكُونُ نارًا، وقِيلَ المَسْجُورُ المَمْلُوءُ، قِيلَ إنَّهُ مِن أسْماءِ الأضْدادُ، يُقالُ بَحْرٌ مَسْجُورٌ: أيْ مَمْلُوءٌ، وبَحْرٌ مَسْجُورٌ: أيْ فارِغٌ، وقِيلَ المَسْجُورُ المَمْسُوكُ، ومِنهُ ساجُورُ الكَلْبِ؛ لِأنَّهُ يُمْسِكُهُ.
وقالَ أبُو العالِيَةِ: المَسْجُورُ الَّذِي ذَهَبَ ماؤُهُ، وقِيلَ المَسْجُورُ المَفْجُورُ، ومِنهُ ﴿وإذا البِحارُ فُجِّرَتْ﴾ [الانفطار: ٣] وقالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ: هو الَّذِي يَخْتَلِطُ فِيهِ العَذْبُ بِالمالِحِ.
والأوَّلُ أوْلى، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ، ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، والأخْفَشُ وغَيْرُهم.
﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ﴾ هَذا جَوابُ القَسَمِ: أيْ كائِنٌ لا مَحالَةَ لِمَن يَسْتَحِقُّهُ.
﴿ما لَهُ مِن دافِعٍ﴾ يَدْفَعُهُ ويَرُدُّهُ عَنْ أهْلِ النّارِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ خَبَرٌ ثانٍ لِإنَّ، أوْ صِفَةٌ لِواقِعٍ، ومِن مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ.
ووَجْهُ تَخْصِيصِ هَذِهِ الأُمُورِ بِالإقْسامِ بِها أنَّها عَظِيمَةٌ دالَّةٌ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ الرَّبّانِيَّةِ.
﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا﴾ العامِلُ في الظَّرْفِ: لَواقِعٌ أيْ إنَّهُ لَواقِعٌ في هَذا اليَوْمِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ العامِلُ فِيهِ " دافِعٍ " .
والمَوْرُ: الِاضْطِرابُ والحَرَكَةُ.
قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: مارَ الشَّيْءُ يَمُورُ مَوْرًا: إذا تَحَرَّكَ وجاءَ وذَهَبَ قالَهُ الأخْفَشُ، وأبُو عُبَيْدَةَ وأنْشَدا بَيْتَ الأعْشى:
؎كَأنَّ مِشْيَتَها مِن بَيْتِ جارَتِها ∗∗∗ مَشْيُ السَّحابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
ولَيْسَ في البَيْتِ ما يَدُلُّ عَلى ما قالاهُ إلّا إذا كانَتْ هَذِهِ المِشْيَةُ المَذْكُورَةُ في البَيْتِ يُطْلَقُ المَوْرُ عَلَيْها لُغَةً.
وقالَ الضَّحّاكُ: يَمُوجُ بَعْضُها في بَعْضٍ، وقالَ مُجاهِدٌ: تَدُورُ دَوْرًا، وقِيلَ تَجْرِي جَرْيًا، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎وما زالَتِ القَتْلى تَمُورُ دِماؤُها ∗∗∗ بِدِجْلَةَ حَتّى ماءَ دِجْلَةَ أشْكَلُ
ويُطْلَقُ المَوْرُ عَلى المَوْجِ، ومِنهُ ناقَةٌ مَوّارَةُ اليَدِ، أيْ سَرِيعَةٌ تَمُوجُ في مَشْيِها مَوْجًا، ومَعْنى الآيَةِ أنَّ العَذابَ يَقَعُ بِالعُصاةِ ولا يَدْفَعُهُ عَنْهم دافِعٌ في هَذا اليَوْمِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ السَّماءُ هَكَذا، وهو يَوْمُ القِيامَةِ.
وقِيلَ إنَّ السَّماءَ هاهُنا الفَلَكُ، ومَوْرُهُ: اضْطِرابُ نَظْمِهِ واخْتِلافُ سَيْرِهِ.
﴿وتَسِيرُ الجِبالُ سَيْرًا﴾ أيْ تَزُولُ عَنْ أماكِنِها وتَسِيرُ عَنْ مَواضِعِها كَسَيْرِ السَّحابِ وتَكُونُ هَباءً مُنْبَثًّا، قِيلَ ووَجْهُ تَأْكِيدِ الفِعْلَيْنِ بِالمَصْدَرِ الدَّلالَةُ عَلى غَرابَتِها وخُرُوجِهِما عَنِ المَعْهُودِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذا في سُورَةِ الكَهْفِ.
﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ويْلٌ كَلِمَةٌ تُقالُ لِلْهالِكِ، واسْمُ وادٍ في جَهَنَّمَ، وإنَّما دَخَلَتِ الفاءُ لِأنَّ في الكَلامِ مَعْنى المُجازاةِ: أيْ إذا وقَعَ ما ذُكِرَ مِن مَوْرِ السَّماءِ وسَيْرِ الجِبالِ فَوَيْلٌ لَهم.
ثُمَّ وصَفَ المُكَذِّبِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ هم في خَوْضٍ يَلْعَبُونَ﴾ أيْ في تَرَدُّدٍ في الباطِلِ وانْدِفاعٍ فِيهِ يَلْهُونَ لا يَذْكُرُونَ حِسابًا ولا يَخافُونَ عِقابًا.
والمَعْنى: أنَّهم يَخُوضُونَ في أمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالتَّكْذِيبِ والِاسْتِهْزاءِ، وقِيلَ يَخُوضُونَ في أسْبابِ الدُّنْيا ويُعْرِضُونَ عَنِ الآخِرَةِ.
﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ الدَّعُّ الدَّفْعُ بِعُنْفٍ وجَفْوَةٍ: يُقالُ دَعَعْتُهُ أدُعُّهُ دَعًّا: أيْ دَفَعْتُهُ، والمَعْنى: أنَّهم يُدْفَعُونَ إلى النّارِ دَفْعًا عَنِيفًا شَدِيدًا.
قالَ مُقاتِلٌ: تُغَلُّ أيْدِيهِمْ إلى أعْناقِهِمْ وتُجْمَعُ نَواصِيهِمْ إلى أقْدامِهِمْ، ثُمَّ يُدْفَعُونَ إلى جَهَنَّمَ دَفْعًا عَلى وُجُوهِهِمْ.
قَرَأ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ الدّالِ وتَشْدِيدِ العَيْنِ.
وقَرَأ عَلِيٌّ، والسُّلَمِيُّ، وأبُو رَجاءٍ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ بِسُكُونِ الدّالِ وتَخْفِيفِ العَيْنِ مَفْتُوحَةً: أيْ يُدْعَوْنَ إلى النّارِ مِنَ الدُّعاءِ.
ويَوْمَ إمّا بَدَلٌ مِن " يَوْمَ تَمُورُ ": أوْ مُتَعَلِّقٌ بِالقَوْلِ المُقَدَّرِ في الجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ. وهي ﴿هَذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ أيْ يُقالُ لَهم ذَلِكَ يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا أيْ: هَذِهِ النّارُ الَّتِي تُشاهِدُونَها هي النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِها في الدُّنْيا، والقائِلُ لَهم بِهَذِهِ المَقالَةِ هم خَزَنَةُ النّارِ.
ثُمَّ وبَّخَهم سُبْحانَهُ أوْ أمَرَ مَلائِكَتَهُ بِتَوْبِيخِهِمْ، فَقالَ: أفَسِحْرٌ هَذا الَّذِي تَرَوْنَ وتُشاهِدُونَ كَما كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِرُسُلِ اللَّهِ المُرْسَلَةِ ولِكُتُبِهِ المُنَزَّلَةِ، وقُدِّمَ الخَبَرُ هُنا عَلى المُبْتَدَأِ لِأنَّهُ الَّذِي وقَعَ الِاسْتِفْهامُ عَنْهُ وتَوَجَّهَ التَّوْبِيخُ إلَيْهِ ﴿أمْ أنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾ أيْ أمْ أنْتُمْ عُمْيٌ عَنْ هَذا كَما كُنْتُمْ عُمْيًا عَنِ الحَقِّ في الدُّنْيا.
﴿اصْلَوْها فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا﴾ أيْ إذا لَمْ يُمْكِنْكم إنْكارُها وتَحَقَّقْتُمْ أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسِحْرٍ ولَمْ يَكُنْ في أبْصارِكم خَلَلٌ، فالآنَ ادْخُلُوها وقاسُوا شِدَّتَها فاصْبِرُوا عَلى العَذابِ أوْ لا تَصْبِرُوا وافْعَلُوا ما شِئْتُمْ، فالأمْرانِ سَواءٌ عَلَيْكم في (p-١٤١٢)عَدَمِ النَّفْعِ، قِيلَ أيْضًا تَقُولُ لَهُمُ المَلائِكَةُ هَذا القَوْلَ، وسَواءٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أيِ الأمْرانِ سَواءٌ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأٌ والخَبَرُ مَحْذُوفٌ أيْ: سَواءٌ عَلَيْكُمُ الصَّبْرُ وعَدَمُهُ، وجُمْلَةُ ﴿إنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ تَعْلِيلٌ لِلِاسْتِواءِ، فَإنَّ الجَزاءَ بِالعَمَلِ إذا كانَ واقِعًا حَتْمًا كانَ الصَّبْرُ وعَدَمُهُ سَواءً.
﴿إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ ونَعِيمٍ﴾ لَمّا فَرَغَ سُبْحانَهُ مِن ذِكْرِ حالِ المُجْرِمِينَ ذَكَرَ حالَ المُتَّقِينَ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مِن جُمْلَةِ ما يُقالُ لِلْكُفّارِ زِيادَةً في غَمِّهِمْ وحَسْرَتِهِمْ، والتَّنْوِينُ في جَنّاتٍ ونَعِيمٍ لِلتَّفْخِيمِ.
﴿فاكِهِينَ بِما آتاهم رَبُّهُمْ﴾ يُقالُ رَجُلٌ فاكِهٌ: أيْ ذُو فاكِهَةٍ، كَما قِيلَ لابِنٌ وتامِرٌ.
والمَعْنى: أنَّهم ذَوُو فاكِهَةٍ مِن فَواكِهِ الجَنَّةِ، وقِيلَ ذَوُو نِعْمَةٍ وتَلَذُّذٍ بِما صارُوا فِيهِ مِمّا أعْطاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مِمّا لا عَيْنٌ رَأتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ مَعْنى هَذا.
قَرَأ الجُمْهُورُ فاكِهِينَ بِالألِفِ والنَّصْبِ عَلى الحالِ.
وقَرَأ خالِدٌ فاكِهُونَ بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ.
وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ فَكِهِينَ بِغَيْرِ ألِفٍ، والفَكِهُ: طَيِّبُ النَّفْسِ كَما تَقَدَّمَ في الدُّخانِ، ويُقالُ لِلْأشِرِ والبَطِرِ، ولا يُناسِبُ التَّفْسِيرُ بِهِ هُنا ﴿ووَقاهم رَبُّهم عَذابَ الجَحِيمِ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى آتاهم، أوْ عَلى خَبَرِ إنَّ، أوِ الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ بِإضْمارِ قَدْ.
﴿كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا﴾ أيْ يُقالُ لَهم ذَلِكَ، والهَنِيءُ: ما لا تَنْغِيصَ فِيهِ ولا نَكَدَ ولا كَدَرَ.
قالَ الزَّجّاجُ: أيْ لِيَهْنِئْكم ما صِرْتُمْ إلَيْهِ هَناءً، والمَعْنى: كُلُوا طَعامًا هَنِيئًا واشْرَبُوا شَرابًا هَنِيئًا، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَنِيئًا في سُورَةِ النِّساءِ، وقِيلَ مَعْنى هَنِيئًا: أنَّكم لا تَمُوتُونَ.
﴿مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ﴾ انْتِصابُهُ عَلى الحالِ مِن فاعِلِ كُلُوا، أوْ مِن مَفْعُولِ آتاهم، أوْ مِن مَفْعُولِ وقاهم، أوْ مِنَ الضَمِيرِ المُسْتَكِنِ في الظَّرْفِ، أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في فاكِهِينَ.
قَرَأ الجُمْهُورُ عَلى سُرُرٍ بِضَمِّ الرّاءِ الأُولى.
وقَرَأ أبُو السِّماكِ بِفَتْحِها، والسُّرُرُ جَمْعُ سَرِيرٍ.
والمَصْفُوفَةُ المُتَّصِلُ بَعْضُها بِبَعْضٍ حَتّى تَصِيرَ صَفًّا ﴿وزَوَّجْناهم بِحُورٍ عِينٍ﴾ أيْ قَرَنّاهم بِها.
قالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: تَقُولُ العَرَبُ زَوَّجْتُهُ امْرَأةً وتَزَوَّجْتُ بِامْرَأةٍ، ولَيْسَ مِن كَلامِ العَرَبِ زَوَّجْتُهُ بِامْرَأةٍ.
قالَ وقَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿وزَوَّجْناهم بِحُورٍ عِينٍ﴾ أيْ قَرَنّاهم بِهِنَّ.
وقالَ الفَرّاءُ: زَوَّجْتُهُ بِامْرَأةٍ، لُغَةُ أزْدِ شَنُوءَةَ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الحُورِ العِينِ في سُورَةِ الدُّخانِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ بِحُورٍ عِينٍ مِن غَيْرِ إضافَةٍ.
وقَرَأ عِكْرِمَةُ بِإضافَةِ الحُورِ إلى العِينِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿والطُّورِ﴾ قالَ: جَبَلٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الطُّورُ جَبَلٌ مِن جِبالِ الجَنَّةِ» وكَثِيرٌ ضَعِيفٌ جِدًّا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿فِي رَقٍّ مَنشُورٍ﴾ قالَ: في الكِتابِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «البَيْتُ المَعْمُورُ في السَّماءِ السّابِعَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلَيْهِ حَتّى تَقُومَ السّاعَةُ»، وفي الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ في حَدِيثِ الإسْراءِ بَعْدَ مُجاوَزَتِهِ إلى السَّماءِ السّابِعَةِ: «ثُمَّ رُفِعَ إلَيَّ البَيْتُ المَعْمُورُ، وإذا هو يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلَيْهِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ الأنْبارِيِّ في المَصاحِفِ عَنْ أبِي الطُّفَيْلِ أنَّ ابْنَ الكَوّاءِ سَألَ عَلِيًّا عَنِ البَيْتِ المَعْمُورِ فَقالَ: ذَلِكَ الضُّراحُ بَيْتٌ فَوْقَ سَبْعِ سَمَواتٍ تَحْتَ العَرْشِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ إلَيْهِ أبَدًا إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ورَفَعَهُ: قالَ: «إنَّ البَيْتَ المُعْمُورَ لَبِحِيالِ الكَعْبَةِ لَوْ سَقَطَ مِنهُ شَيْءٌ لَسَقَطَ عَلَيْها، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفًا ثُمَّ لا يَعُودُونَ إلَيْهِ» .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحْوَهُ، وضَعَّفَ إسْنادَهُ السُّيُوطِيُّ.
وأخْرَجَ ابْنُ راهَوَيْهِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ في قَوْلِهِ: ﴿والسَّقْفِ المَرْفُوعِ﴾ قالَ: السَّماءُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ في قَوْلِهِ: ﴿والبَحْرِ المَسْجُورِ﴾ قالَ: بَحْرٌ في السَّماءِ تَحْتَ العَرْشِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: المَسْجُورُ المَحْبُوسُ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ قالَ: المَسْجُورُ المُرْسَلُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا﴾ قالَ: تَحَرَّكُ، وفي قَوْلِهِ: يَوْمَ يُدَعُّونَ قالَ: يُدْفَعُونَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ قالَ: يُدْفَعُ في أعْناقِهِمْ حَتّى يَرِدُوا النّارَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا﴾ أيْ لا تَمُوتُونَ فِيها، فَعِنْدَها قالُوا: ﴿أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ﴾ ﴿إلّا مَوْتَتَنا الأُولى وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الصافات: ٥٩، ٥٨] .
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلطُّورِ","وَكِتَـٰبࣲ مَّسۡطُورࣲ","فِی رَقࣲّ مَّنشُورࣲ","وَٱلۡبَیۡتِ ٱلۡمَعۡمُورِ","وَٱلسَّقۡفِ ٱلۡمَرۡفُوعِ","وَٱلۡبَحۡرِ ٱلۡمَسۡجُورِ","إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَ ٰقِعࣱ","مَّا لَهُۥ مِن دَافِعࣲ","یَوۡمَ تَمُورُ ٱلسَّمَاۤءُ مَوۡرࣰا","وَتَسِیرُ ٱلۡجِبَالُ سَیۡرࣰا","فَوَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی خَوۡضࣲ یَلۡعَبُونَ","یَوۡمَ یُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا","هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِی كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ","أَفَسِحۡرٌ هَـٰذَاۤ أَمۡ أَنتُمۡ لَا تُبۡصِرُونَ","ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوۤا۟ أَوۡ لَا تَصۡبِرُوا۟ سَوَاۤءٌ عَلَیۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی جَنَّـٰتࣲ وَنَعِیمࣲ","فَـٰكِهِینَ بِمَاۤ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ وَوَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِیمِ","كُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ هَنِیۤـَٔۢا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","مُتَّكِـِٔینَ عَلَىٰ سُرُرࣲ مَّصۡفُوفَةࣲۖ وَزَوَّجۡنَـٰهُم بِحُورٍ عِینࣲ"],"ayah":"وَٱلۡبَیۡتِ ٱلۡمَعۡمُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق