الباحث القرآني
( ابْتَغُوا ) اطْلُبُوا ( إلَيْهِ ) لا إلى غَيْرِهِ، و( الوَسِيلَةَ ) فَعِيلَةٌ مِن تَوَسَّلْتُ إلَيْهِ: إذا تَقَرَّبْتَ إلَيْهِ. قالَ عَنْتَرَةُ:
؎إنَّ الرِّجالَ لَهم إلَيْكِ وسِيلَةٌ إنْ يَأْخُذُوكِ تَكَحَّلِي وتَخَضَّبِي
وقالَ آخَرُ:
؎إذا غَفَلَ الواشُونَ عُدْنا لِوَصْلِنا ∗∗∗ وعادَ التَّصابِي بَيْنَنا والوَسائِلُ
فالوَسِيلَةُ: القُرْبَةُ الَّتِي يَنْبَغِي أنْ تُطْلَبَ، وبِهِ قالَ أبُو وائِلٍ والحَسَنُ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ والسُّدِّيُّ وابْنُ زَيْدٍ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعَطاءٍ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، قالَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ: وهَذا الَّذِي قالَهُ هَؤُلاءِ الأئِمَّةُ لا خِلافَ بَيْنِ المُفَسِّرِينَ فِيهِ، والوَسِيلَةُ أيْضًا دَرَجَةٌ في الجَنَّةِ مُخْتَصَّةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ.
وقَدْ ثَبَتَ في صَحِيحِ البُخارِيِّ مِن حَدِيثِ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّداءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التّامَّةِ والصَّلاةِ القائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ وابْعَثْهُ مَقامًا مَحْمُودًا الَّذِي وعَدْتَهُ، إلّا حَلَّتْ لَهُ الشَّفاعَةُ يَوْمَ القِيامَةِ» . وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «إذا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإنَّهُ مَن صَلّى عَلَيَّ صَلاةً صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا لِي الوَسِيلَةَ فَإنَّها مَنزِلَةٌ في الجَنَّةِ لا (p-٣٧١)تَنْبَغِي إلّا لِعَبْدٍ مِن عِبادِ اللَّهِ وأرْجُو أنْ أكُونَ أنا هو، فَمَن سَألَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفاعَةُ» وفي البابِ أحادِيثُ، وعَطْفُ ﴿وابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ﴾ عَلى ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ يُفِيدُ أنَّ الوَسِيلَةَ غَيْرُ التَّقْوى، وقِيلَ: هي التَّقْوى؛ لِأنَّها مَلاكُ الأمْرِ وكُلُّ الخَيْرِ، فَتَكُونُ الجُمْلَةُ الثّانِيَةُ عَلى هَذا مُفَسِّرَةٌ لِلْجُمْلَةِ الأُولى.
والظّاهِرُ أنَّ الوَسِيلَةَ الَّتِي هي القُرْبَةُ تَصْدُقَ عَلى التَّقْوى وعَلى غَيْرِها مِن خِصالِ الخَيْرِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ العِبادُ بِها إلى رَبِّهِمْ ﴿وجاهِدُوا في سَبِيلِهِ﴾ مَن لَمْ يَقْبَلْ دِينَهُ ( لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ ) .
قَوْلُهُ: ( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) كَلامٌ مُبْتَدَأٌ مَسُوقٌ لِزَجْرِ الكُفّارِ وتَرْغِيبِ المُسْلِمِينَ في امْتِثالِ أوامِرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ ﴿لَوْ أنَّ لَهم ما في الأرْضِ﴾ مِن أمْوالِها ومَنافِعِها، وقِيلَ: المُرادُ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهم لِيَكُونَ أشَدَّ تَهْوِيلًا، وإنْ كانَ الظّاهِرُ مِن ضَمِيرِ الجَمْعِ خِلافَ ذَلِكَ، و( جَمِيعًا ) تَأْكِيدٌ.
وقَوْلُهُ: ( ومِثْلَهُ ) عَطْفٌ عَلى ما في الأرْضِ، و( مَعَهُ ) في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ ( لِيَفْتَدُوا بِهِ ) لِيَجْعَلُوهُ فِدْيَةً لِأنْفُسِهِمْ، وأفْرَدَ الضَّمِيرَ إمّا لِكَوْنِهِ راجِعًا إلى المَذْكُورِ أوْ لِكَوْنِهِ بِمَنزِلَةِ اسْمِ الإشارَةِ؛ أيْ: لِيَفْتَدُوا بِذَلِكَ، و﴿مِن عَذابِ يَوْمِ القِيامَةِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِالفِعْلِ المَذْكُورِ ( ما تُقُبِّلَ مِنهم ) ذَلِكَ، وهَذا هو جَوابُ ( لَوْ ) .
قَوْلُهُ: ﴿يُرِيدُونَ أنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ﴾ هَذا اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ، كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ حالُهم فِيما هم فِيهِ مِن هَذا العَذابِ الألِيمِ ؟ فَقِيلَ: يُرِيدُونَ أنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ.
وقُرِئَ ( إنْ يُخْرَجُوا ) مِن أخْرَجَ، ويُضَعِّفُ هَذِهِ القِراءَةَ ﴿وما هم بِخارِجِينَ مِنها﴾ ومَحَلُّ هَذِهِ الجُمْلَةِ أعْنِي قَوْلَهُ: ( وما هم بِخارِجِينَ مِنها ) النَّصْبُ عَلى الحالِ، وقِيلَ: إنَّها جُمْلَةٌ اعْتِراضِيَّةٌ، وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ﴾ قالَ: الوَسِيلَةُ القُرْبَةُ.
وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ حُذَيْفَةَ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ﴾ قالَ: تَقَرَّبُوا إلى اللَّهِ بِطاعَتِهِ والعَمَلِ بِما يُرْضِيهِ. وأخْرَجَ مُسْلِمٌ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: يَخْرُجُ مِنَ النّارِ قَوْمٌ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، قالَ: يُرِيدُ الفَقِيرَ، فَقَلْتُ لِجابِرٍ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿يُرِيدُونَ أنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وما هم بِخارِجِينَ مِنها﴾ قالَ: اتْلُ أوَّلَ الآيَةِ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أنَّ لَهم ما في الأرْضِ جَمِيعًا ومِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ﴾ ألا إنَّهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ قالَ لِابْنِ عَبّاسٍ: تَزْعُمُ أنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وما هم بِخارِجِينَ مِنها﴾ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ويْحَكَ، اقْرَأْ ما فَوْقَها هَذِهِ لِلْكُفّارِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الكَشّافِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذا: إنَّهُ مِمّا لَفَّقَتْهُ المُجْبِرَةُ، ويا لِلَّهِ العَجَبُ مِن رَجُلٍ لا يُفَرِّقُ بَيْنَ أصَحِّ الصَّحِيحِ وبَيْنَ أكْذَبِ الكَذِبِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، يَتَعَرَّضُ لِلْكَلامِ عَلى ما لا يَعْرِفُهُ ولا يَدْرِي ما هو ؟ وقَدْ تَواتَرَتِ الأحادِيثُ تَواتُرًا لا يَخْفى عَلى مَن لَهُ أدْنى إلْمامٍ بِعِلْمِ الرِّوايَةِ بِأنَّ عُصاةَ المُوَحِّدِينَ يَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ، فَمَن أنْكَرَ هَذا فَلَيْسَ بِأهْلٍ لِلْمُناظَرَةِ؛ لِأنَّهُ أنْكَرَ ما هو مِن ضَرُورِيّاتِ الشَّرِيعَةِ، اللَّهُمَّ غَفْرًا.
{"ayahs_start":35,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوۤا۟ إِلَیۡهِ ٱلۡوَسِیلَةَ وَجَـٰهِدُوا۟ فِی سَبِیلِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ","إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِیَفۡتَدُوا۟ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","یُرِیدُونَ أَن یَخۡرُجُوا۟ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِینَ مِنۡهَاۖ وَلَهُمۡ عَذَابࣱ مُّقِیمࣱ"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِیَفۡتَدُوا۟ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق