الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعْرابِ﴾ هُمُ المَذْكُورُونَ سابِقًا ( سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) قالَ عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ أبِي لَيْلى، وعَطاءٌ الخُراسانِيُّ: هم فارِسُ، وقالَ كَعْبٌ، والحَسَنُ: هُمُ الرُّومُ.
ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أيْضًا أنَّهُ قالَ: هم فارِسُ والرُّومُ.
وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هم هَوازِنُ، وثَقِيفٌ.
وقالَ عِكْرِمَةُ: هَوازِنُ.
وقالَ قَتادَةُ: هَوازِنُ، وغَطَفانُ يَوْمَ حُنَيْنٍ.
وقالَ الزُّهْرِيُّ، ومُقاتِلٌ: هم بَنُو حَنِيفَةَ أهْلُ اليَمامَةِ أصْحابُ مُسَيْلِمَةَ.
وحَكى هَذا القَوْلَ الواحِدِيُّ، عَنْ أكْثَرِ المُفَسِّرِينَ ( تُقاتِلُونَهم أوْ يُسْلِمُونَ ) أيْ يَكُونُ أحَدُ الأمْرَيْنِ: إمّا المُقاتَلَةُ، أوِ الإسْلامُ لا ثالِثَ لَهُما، وهَذا حُكْمُ الكُفّارِ الَّذِينَ لا تُؤْخَذُ مِنهُمُ الجِزْيَةُ.
قالَ الزَّجّاجُ: التَّقْدِيرُ أوْ هم يُسْلِمُونَ، وفي قِراءَةِ أُبَيٍّ ( أوْ يُسْلِمُوا ) أيْ: حَتّى يُسْلِمُوا، ( فَإنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أجْرًا حَسَنًا )، وهو الغَنِيمَةُ في الدُّنْيا والجَنَّةُ في الآخِرَةِ، ( وإنْ تَتَوَلَّوْا ) أيْ تُعْرِضُوا ( كَما تَوَلَّيْتُمْ مِن قَبْلُ ) وذَلِكَ عامَ الحُدَيْبِيَةِ ( يُعَذِّبْكم عَذابًا ألِيمًا ) بِالقَتْلِ، والأسْرِ، والقَهْرِ في الدُّنْيا، وبِعَذابِ النّارِ في الآخِرَةِ لِتَضاعُفِ جُرْمِكم.
لَيْسَ عَلى الأعْمى حَرَجٌ ولا عَلى الأعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلى المَرِيضِ حَرَجٌ أيْ لَيْسَ عَلى هَؤُلاءِ المَعْذُورِينَ بِهَذِهِ الأعْذارِ حَرَجٌ في التَّخَلُّفِ عَنِ الغَزْوِ لِعَدَمِ اسْتِطاعَتِهِمْ.
قالَ مُقاتِلٌ: عَذَرَ اللَّهُ أهْلَ الزَّمانَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ المَسِيرِ إلى الحُدَيْبِيَةِ بِهَذِهِ الآيَةِ، والحَرَجُ: الإثْمُ، ( ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ) فِيما أمَراهُ بِهِ ونَهَياهُ عَنْهُ ( يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ ) قَرَأ الجُمْهُورُ ( يُدْخِلْهُ ) بِالتَّحْتِيَّةِ، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو حاتِمٍ، وأبُو عُبَيْدٍ، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ بِالنُّونِ، ( ومَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذابًا ألِيمًا ) أيْ ومَن يُعْرِضْ عَنِ الطّاعَةِ يُعَذِّبْهُ اللَّهُ عَذابًا شَدِيدَ الألَمِ.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ الَّذِينَ أخْلَصُوا نِيّاتِهِمْ وشَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوانِ، فَقالَ: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) أيْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وقْتَ تِلْكَ البَيْعَةِ، وهي بَيْعَةُ الرِّضْوانِ، وكانَتْ بِالحُدَيْبِيَةِ، والعامِلُ في ( تَحْتَ ) إمّا ( يُبايِعُونَكَ )، أوْ مَحْذُوفٌ عَلى أنَّهُ حالٌ مِنَ المَفْعُولِ، وهَذِهِ الشَّجَرَةُ المَذْكُورَةُ هي شَجَرَةٌ كانَتْ بِالحُدَيْبِيَةِ وقِيلَ: سِدْرَةٌ، وكانَتِ البَيْعَةُ عَلى أنْ يُقاتِلُوا قُرَيْشًا ولا يَفِرُّوا.
ورُوِيَ أنَّهُ بايَعَهم عَلى المَوْتِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ عَدَدِ أهْلِ هَذِهِ البَيْعَةِ قَرِيبًا، والقِصَّةُ مَبْسُوطَةٌ في كُتُبِ الحَدِيثِ والسِّيَرِ فَعَلِمَ ما في قُلُوبِهِمْ مَعْطُوفٌ عَلى ( يُبايِعُونَكَ ) .
قالَ الفَرّاءُ: أيْ: عَلِمَ ما في قُلُوبِهِمْ مِنَ الصِّدْقِ والوَفاءِ.
وقالَ قَتادَةُ، وابْنُ جُرَيْجٍ: مِنَ الرِّضا بِأمْرِ البَيْعَةِ عَلى أنْ لا يَفِرُّوا.
وقالَ مُقاتِلٌ: مِن كَراهَةِ البَيْعَةِ عَلى المَوْتِ فَأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ مَعْطُوفٌ عَلى رَضِيَ، والسَّكِينَةُ: الطُّمَأْنِينَةُ وسُكُونُ النَّفْسِ كَما تَقَدَّمَ، وقِيلَ: الصَّبْرُ وأثابَهم فَتْحًا قَرِيبًا هو فَتْحُ خَيْبَرَ عِنْدَ انْصِرافِهِمْ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ.
قالَهُ قَتادَةُ، وابْنُ أبِي لَيْلى، وغَيْرُهُما، وقِيلَ: فَتْحُ مَكَّةَ، والأوَّلُ أوْلى.
﴿ومَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها﴾ أيْ وأثابَكم مَغانِمَ كَثِيرَةً، أوْ وآتاكم، وهي غَنائِمُ خَيْبَرَ، والِالتِفاتُ لِتَشْرِيفِهِمْ بِالخِطابِ ﴿وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ أيْ: غالِبًا مُصْدِرًا أفْعالَهُ وأقْوالَهُ عَلى أُسْلُوبِ الحِكْمَةِ.
﴿وعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها﴾ في هَذا وعْدٌ مِنهُ سُبْحانَهُ لِعِبادِهِ المُؤْمِنِينَ بِما سَيَفْتَحُهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الغَنائِمِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ يَأْخُذُونَها في أوْقاتِها الَّتِي قُدِّرَ وُقُوعُها فِيها فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ أيْ: غَنائِمَ خَيْبَرَ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وغَيْرُهُ، وقِيلَ: صُلْحُ الحُدَيْبِيَةِ ﴿وكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ﴾ أيْ وكَفَّ أيْدِيَ قُرَيْشٍ عَنْكم يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ بِالصُّلْحِ، وقِيلَ: كَفَّ أيْدِيَ أهْلِ خَيْبَرَ وأنْصارِهِمْ عَنْ قِتالِكم وقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ.
وقالَ قَتادَةُ: كَفَّ أيْدِيَ اليَهُودِ عَنِ المَدِينَةِ بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - إلى الحُدَيْبِيَةِ وخَيْبَرَ، ورَجَّحَ هَذا ابْنُ جَرِيرٍ، قالَ: لِأنَّ كَفَّ أيْدِي النّاسِ بِالحُدَيْبِيَةِ مَذْكُورٌ في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهم عَنْكم﴾ وقِيلَ: ( كَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكم ): يَعْنِي عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ الفَزارِيَّ، وعَوْفَ بْنَ مالِكٍ النَّضْرِيَّ، ومَن كانَ مَعَهُما، إذْ جاءُوا لِيَنْصُرُوا أهْلَ خَيْبَرَ عِنْدَ حِصارِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - لَهم ﴿ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ اللّامُ يَجُوزُ أنْ تَتَعَلَّقَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ بَعْدَهُ: أيْ: فَعَلَ ما فَعَلَ مِنَ التَّعْجِيلِ والكَفِّ لِتَكُونَ آيَةً، أوْ عَلى عِلَّةٍ مَحْذُوفَةٍ، تَقْدِيرُها وعَدَ فَعَجَّلَ وكَفَّ، لِتَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ ولِتَكُونَ آيَةً.
وقِيلَ: إنَّ الواوَ مَزِيدَةٌ واللّامُ لِتَعْلِيلِ ما قَبْلَهُ: أيْ وكَفَّ لِتَكُونَ، والمَعْنى: ذَلِكَ الكَفُّ آيَةٌ يُعْلَمُ بِها صِدْقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - في جَمِيعِ ما يَعِدُكم بِهِ، ( ويَهْدِيَكم صِراطًا مُسْتَقِيمًا ) أيْ يَزِيدَكم بِتِلْكَ الآيَةِ هُدًى، أوْ يُثَبِّتَكم عَلى الهِدايَةِ إلى طَرِيقِ الحَقِّ.
( وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها ) مَعْطُوفٌ عَلى ( هَذِهِ ): أيْ: (p-١٣٨٥)فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ المَغانِمَ، ومَغانِمَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها، وهي الفُتُوحُ الَّتِي فَتَحَها اللَّهُ عَلى المُسْلِمِينَ مِن بَعْدُ كَفارِسَ، والرُّومِ، ونَحْوِهِما، كَذا قالَ الحَسَنُ، ومُقاتِلٌ، وابْنُ أبِي لَيْلى.
وقالَ الضَّحّاكُ، وابْنُ زَيْدٍ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ: هي خَيْبَرُ وعَدَها اللَّهُ نَبِيَّهُ قَبْلَ أنْ يَفْتَحَها ولَمْ يَكُونُوا يَرْجُونَها.
وقالَ قَتادَةُ: فَتْحُ مَكَّةَ. وقالَ عِكْرِمَةُ: حُنَيْنٌ. والأوَّلُ أوْلى
قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها صِفَةٌ ثانِيَةٌ ( لِأُخْرى ) .
قالَ الفَرّاءُ: أحاطَ اللَّهُ بِها لَكم حَتّى تَفْتَحُوها وتَأْخُذُوها، والمَعْنى، أنَّهُ أعَدَّها لَهم وجَعَلَها كالشَّيْءِ الَّذِي قَدْ أُحِيطَ بِهِ مِن جَمِيعِ جَوانِبِهِ، فَهو مَحْصُورٌ لا يَفُوتُ مِنهُ شَيْءٌ، فَهم وإنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْها في الحالِ فَهي مَحْبُوسَةٌ لَهم لا تَفُوتُهم، وقِيلَ مَعْنى ( أحاطَ ): عَلِمَ أنَّها سَتَكُونُ لَهم وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ولا تَخْتَصُّ قُدْرَتُهُ بِبَعْضِ المَقْدُوراتِ دُونَ بَعْضٍ.
( ﴿ولَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبارَ﴾ ) قالَ قَتادَةُ يَعْنِي كُفّارَ قُرَيْشٍ ٧٣ بِالحُدَيْبِيَةِ، وقِيلَ: أسَدٌ، وغَطَفانُ الَّذِينَ أرادُوا نَصْرَ أهْلِ خَيْبَرَ، والأوَّلُ أوْلى، ثُمَّ لا يَجِدُونَ ولِيًّا يُوالِيهِمْ عَلى قِتالِكم ولا نَصِيرًا يَنْصُرُهم عَلَيْكم.
( ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ﴾ ) أيْ: طَرِيقَتَهُ وعادَتَهُ الَّتِي قَدْ مَضَتْ في الأُمَمِ مِن نَصْرِ أوْلِيائِهِ عَلى أعْدائِهِ، وانْتِصابُ ( سُنَّةَ ) عَلى المَصْدَرِيَّةِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أيْ: بَيَّنَ اللَّهُ سُنَّةَ اللَّهِ، أوْ هو مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ المُتَقَدِّمَةِ ( ﴿ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ ) أيْ: لَنْ تَجِدَ لَها تَغْيِيرًا، بَلْ هي مُسْتَمِرَّةٌ ثابِتَةٌ.
﴿وهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهم عَنْكم وأيْدِيَكم عَنْهم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أنْ أظْفَرَكم عَلَيْهِمْ﴾ أيْ: كَفَّ أيْدِيَ المُشْرِكِينَ عَنِ المُسْلِمِينَ وأيْدِيَ المُسْلِمِينَ عَنِ المُشْرِكِينَ لَمّا جاءُوا يَصُدُّونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ومَن مَعَهُ عَنِ البَيْتِ عامَ الحُدَيْبِيَةِ، وهي المُرادُ بِبَطْنِ مَكَّةَ.
وقِيلَ: إنَّ ثَمانِينَ رَجُلًا مِن أهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مِن قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَأخَذَهُمُ المُسْلِمُونَ، ثُمَّ تَرَكُوهم.
وفِي الرِّوايَةِ اخْتِلافٌ سَيَأْتِي بَيانُهُ آخِرَ البَحْثِ إنْ شاءَ اللَّهُ وكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرًا لا يَخْفى عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ شَيْءٌ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ( أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) يَقُولُ: فارِسَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُمُ الأكْرادُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: فارِسَ والرُّومَ.
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قالَ: هَوازِنَ وبَنِي حَنِيفَةَ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، قالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: «كُنْتُ أكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وإنِّي لَواضِعٌ القَلَمَ عَلى أُذُنِي إذْ أُمِرَ بِالقِتالِ إذْ جاءَ أعْمى، فَقالَ: كَيْفَ لِي وأنا ذاهِبُ البَصَرِ ؟ فَنَزَلَتْ لَيْسَ عَلى الأعْمى حَرَجٌ الآيَةَ. قالَ هَذا في الجِهادِ، ولَيْسَ عَلَيْهِمْ مِن جِهادٍ إذا لَمْ يُطِيقُوا» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قالَ: «بَيْنا نَحْنُ قائِلُونَ إذْ نادى مُنادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: أيُّها النّاسُ، البَيْعَةَ البَيْعَةَ، نَزَلَ رُوحُ القُدُسِ، فَثُرْنا إلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وهو تَحْتَ شَجَرَةِ سَمُرَةَ فَبايَعْناهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ فَبايَعَ لِعُثْمانَ إحْدى يَدَيْهِ عَلى الأُخْرى، فَقالَ النّاسُ هَنِيئًا لِابْنِ عَفّانَ يَطُوفُ بِالبَيْتِ ونَحْنُ هاهُنا، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: لَوْ مَكَثَ كَذا وكَذا سَنَةً ما طافَ حَتّى أطُوفَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في المُصَنَّفِ عَنْ نافِعٍ قالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ أنَّ ناسًا يَأْتُونَ الشَّجَرَةَ الَّتِي بُويِعَ تَحْتَها فَأمَرَ بِها فَقُطِعَتْ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قالَ: «بايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قِيلَ: عَلى أيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبايِعُونَهُ يَوْمَئِذٍ ؟ قالَ: عَلى المَوْتِ» .
وأخْرَجَ مُسْلِمٌ، وغَيْرُهُ، عَنْ جابِرٍ قالَ: بايَعْناهُ عَلى أنْ لا نَفِرَّ ولَمْ نُبايِعْهُ عَلى المَوْتِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «لا يَدْخُلُ النّارَ أحَدٌ مِمَّنْ بايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» .
وأخْرَجَ مُسْلِمٌ، مِن حَدِيثِهِ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ( فَأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) قالَ: إنَّما أُنْزِلَتِ السَّكِينَةُ عَلى مَن عُلِمَ مِنهُ الوَفاءُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ، ( فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ ) يَعْنِي الفَتْحَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا ( فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ ) يَعْنِي خَيْبَرَ ( وكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكم ) يَعْنِي أهْلَ مَكَّةَ أنْ يَسْتَحِلُّوا حَرَمَ اللَّهِ ويُسْتَحَلَّ بِكم وأنْتُمْ حُرُمٌ.
( ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ) قالَ: سُنَّةً لِمَن بَعْدَكم.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ( وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها ) قالَ: هَذِهِ الفُتُوحُ الَّتِي تُفْتَحُ إلى اليَوْمِ، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا ( وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها ) قالَ: هي خَيْبَرُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، ومُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ، عَنْ أنَسٍ قالَ: «لَمّا كانَ يَوْمُ الحُدَيْبِيَةِ، هَبَطَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وأصْحابِهِ ثَمانُونَ رَجُلًا مِن أهْلِ مَكَّةَ في السِّلاحِ مِن قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ يُرِيدُونَ غِرَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، فَدَعا عَلَيْهِمْ فَأُخِذُوا فَعَفا عَنْهم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿وهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهم عَنْكم وأيْدِيَكم عَنْهم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أنْ أظْفَرَكم عَلَيْهِمْ﴾» وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وغَيْرِهِ: أنَّها نَزَلَتْ في نَفَرٍ أسَرَهم سَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والنَّسائِيُّ، والحاكِمُ، وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ في سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ «أنَّ ثَلاثِينَ شابًّا مِنَ المُشْرِكِينَ خَرَجُوا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ عَلى المُسْلِمِينَ في السِّلاحِ فَثارُوا في وُجُوهِهِمْ، فَدَعا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَأخَذَ اللَّهُ بِأسْماعِهِمْ، ولَفْظُ الحاكِمِ: بِأبْصارِهِمْ، فَقامَ إلَيْهِمُ المُسْلِمُونَ، فَأخَذُوهم، فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: هَلْ جِئْتُمْ في عَهْدِ أحَدٍ، أوْ هَلْ جَعَلَ لَكم أحَدٌ أمانًا ؟ فَقالُوا: لا، فَخَلّى سَبِيلَهم»، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
{"ayahs_start":16,"ayahs":["قُل لِّلۡمُخَلَّفِینَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُو۟لِی بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ تُقَـٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ یُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِیعُوا۟ یُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنࣰاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡا۟ كَمَا تَوَلَّیۡتُم مِّن قَبۡلُ یُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا","لَّیۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِیضِ حَرَجࣱۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ یُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ وَمَن یَتَوَلَّ یُعَذِّبۡهُ عَذَابًا أَلِیمࣰا","۞ لَّقَدۡ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ یُبَایِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ عَلَیۡهِمۡ وَأَثَـٰبَهُمۡ فَتۡحࣰا قَرِیبࣰا","وَمَغَانِمَ كَثِیرَةࣰ یَأۡخُذُونَهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا","وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِیرَةࣰ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَـٰذِهِۦ وَكَفَّ أَیۡدِیَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَایَةࣰ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ وَیَهۡدِیَكُمۡ صِرَ ٰطࣰا مُّسۡتَقِیمࣰا","وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُوا۟ عَلَیۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣰا","وَلَوۡ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوَلَّوُا۟ ٱلۡأَدۡبَـٰرَ ثُمَّ لَا یَجِدُونَ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرࣰا","سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰا","وَهُوَ ٱلَّذِی كَفَّ أَیۡدِیَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَیۡدِیَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَیۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرًا"],"ayah":"قُل لِّلۡمُخَلَّفِینَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُو۟لِی بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ تُقَـٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ یُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِیعُوا۟ یُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنࣰاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡا۟ كَمَا تَوَلَّیۡتُم مِّن قَبۡلُ یُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق