الباحث القرآني

(p-١٣٦٧)قَوْلُهُ: ﴿واذْكُرْ أخا عادٍ﴾ أيْ واذْكُرْ يا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ أخا عادٍ، وهو هُودُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَباحٍ كانَ أخاهم في النَّسَبِ، لا في الدِّينِ، وقَوْلُهُ: ﴿إذْ أنْذَرَ قَوْمَهُ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنهُ: أيْ: وقْتَ إنْذارِهِ إيّاهم بِالأحْقافِ وهي دِيارُ عادٍ جَمْعُ حِقْفٍ، وهو الرَّمْلُ العَظِيمُ المُسْتَطِيلُ المُعْوَجُّ قالَهُ الخَلِيلُ وغَيْرُهُ، وكانُوا قَهَرُوا أهْلَ الأرْضِ بِقُوَّتِهِمْ، والمَعْنى أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ أمَرَهُ أنْ يَذْكُرَ لِقَوْمِهِ قِصَّتَهم لِيَتَّعِظُوا ويَخافُوا، وقِيلَ أمَرَهُ بِأنْ يَتَذَكَّرَ في نَفْسِهِ قِصَّتَهم مَعَ هُودٍ لِيَقْتَدِيَ بِهِ ويَهُونَ عَلَيْهِ تَكْذِيبُ قَوْمِهِ. قالَ عَطاءٌ: الأحْقافُ رِمالُ بِلادِ الشَّحْرِ. وقالَ مُقاتِلٌ: هي بِاليَمَنِ في حَضْرَمَوْتَ وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هي رِمالٌ مَبْسُوطَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ كَهَيْئَةِ الجِبالِ، ولَمْ تَبْلُغْ أنْ تَكُونَ جِبالًا ﴿وقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ﴾ أيْ وقَدْ مَضَتِ الرُّسُلُ مِن قَبْلِهِ ومِن بَعْدِهِ كَذا قالَ الفَرّاءُ، وغَيْرُهُ. وفِي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ( ﴿مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ﴾ )، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ إنْذارِ هُودٍ وبَيْنَ قَوْلِهِ لِقَوْمِهِ: ﴿إنِّي أخافُ عَلَيْكم﴾ والأوَّلُ أوْلى. والمَعْنى: أعْلَمَهم أنَّ الرُّسُلَ الَّذِينَ بُعِثُوا قَبْلَهُ والَّذِينَ سَيُبْعَثُونَ بَعْدَهُ كُلُّهم مُنْذِرُونَ نَحْوَ إنْذارِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى كَلامِ هُودٍ لِقَوْمِهِ، فَقالَ حاكِيًا عَنْهُ ﴿إنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ وقِيلَ: إنَّ جَعْلَ تِلْكَ الجُمْلَةِ اعْتِراضِيَّةً أوْلى بِالمَقامِ وأوْفَقُ بِالمَعْنى. ﴿قالُوا أجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا﴾ أيْ لِتَصْرِفَنا عَنْ عِبادَتِها، وقِيلَ: لِتُزِيلَنا، وقِيلَ: لِتَمْنَعَنا، والمَعْنى مُتَقارِبٌ، ومِنهُ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ: ؎إنْ تَكُ عَنْ حُسْنِ الصَّنِيعَةِ مَأْفُو كًا فَفي آخَرِينَ قَدْ أُفِكُوا يَقُولُ: إنْ لَمْ تُوَفَّقْ لِلْإحْسانِ فَأنْتَ في قَوْمٍ قَدْ صُرِفُوا عَنْ ذَلِكَ ﴿فَأْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ مِنَ العَذابِ العَظِيمِ ﴿إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ في وعْدِكَ لَنا بِهِ. ﴿قالَ إنَّما العِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ: إنَّما العِلْمُ بِوَقْتِ مَجِيئِهِ عِنْدَ اللَّهِ لا عِنْدِي ﴿وأُبَلِّغُكم ما أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ إلَيْكم مِن رَبِّكم مِنَ الإنْذارِ والإعْذارِ، فَأمّا العِلْمُ بِوَقْتِ مَجِيءِ العَذابِ فَما أوْحاهُ إلَيَّ ﴿ولَكِنِّي أراكم قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ حَيْثُ بَقِيتُمْ مُصِرِّينَ عَلى كُفْرِكم ولَمْ تَهْتَدُوا بِما جِئْتُكم بِهِ، بَلِ اقْتَرَحْتُمْ عَلَيَّ ما لَيْسَ مِن وظائِفِ الرُّسُلِ. ٢٣ - ﴿فَلَمّا رَأوْهُ عارِضًا﴾ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلى ( ما ) في قَوْلِهِ: ( بِما تَعِدُنا ) . وقالَ المُبَرِّدُ، والزَّجّاجُ: الضَّمِيرُ في ( رَأوْهُ ) يَعُودُ إلى غَيْرِ مَذْكُورٍ وبَيَّنَهُ قَوْلُهُ: ( عارِضًا ) فالضَّمِيرُ يَعُودُ إلى السَّحابِ: أيْ فَلَمّا رَأوُا السَّحابَ عارِضًا، فَ ( عارِضًا ) نُصِبَ عَلى التَّكْرِيرِ: يَعْنِي التَّفْسِيرَ، وسُمِّيَ السَّحابُ عارِضًا لِأنَّهُ يَبْدُو في عَرْضِ السَّماءِ. قالَ الجَوْهَرِيُّ: العارِضُ السَّحابُ يَعْتَرِضُ في الأُفُقِ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾ وانْتِصابُ ( عارِضًا ) عَلى الحالِ أوِ التَّمْيِيزِ ﴿مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ﴾ أيْ: مُتَوَجِّهًا نَحْوَ أوْدِيَتِهِمْ. قالَ المُفَسِّرُونَ: كانَتْ عادٌ قَدْ حُبِسَ عَنْهُمُ المَطَرُ أيّامًا، فَساقَ اللَّهُ إلَيْهِمْ سَحابَةً سَوْداءَ، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ مِن وادٍ لَهم: يُقالُ لَهُ المَعْتَبُ، فَلَمّا رَأوْهُ مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمُ اسْتَبْشَرُوا، و﴿قالُوا هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾ أيْ: غَيْمٌ فِيهِ مَطَرٌ، وقَوْلُهُ: ﴿مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ﴾ صِفَةٌ لِ ( عارِضٌ ) لِأنَّ إضافَتَهُ لَفْظِيَّةٌ لا مَعْنَوِيَّةٌ، فَصَحَّ وصْفُ النَّكِرَةِ بِهِ، وهَكَذا مُمْطِرُنا، فَلَمّا قالُوا ذَلِكَ أجابَ عَلَيْهِمْ هُودٌ، فَقالَ: ﴿بَلْ هو ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ﴾ يَعْنِي مِنَ العَذابِ حَيْثُ قالُوا: ﴿فَأْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ وقَوْلُهُ: ( رِيحٌ ) بَدَلٌ مِن ( ما )، أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وجُمْلَةُ ﴿فِيها عَذابٌ ألِيمٌ﴾ صِفَةٌ لِ ( رِيحٌ )، والرِّيحُ الَّتِي عُذِّبُوا بِها نَشَأتْ مِن ذَلِكَ السَّحابِ الَّذِي رَأوْهُ. ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأمْرِ رَبِّها﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ صِفَةٌ ثانِيَةٌ لِ ( رِيحٌ ): أيْ تُهْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ مَرَّتْ بِهِ مِن نُفُوسِ عادٍ وأمْوالِها، والتَّدْمِيرُ: الإهْلاكُ، وكَذا الدَّمارُ، وقُرِئَ ( يَدْمُرُ ) بِالتَّحْتِيَّةِ مَفْتُوحَةً وسُكُونِ الدّالِ وضَمِّ المِيمِ ورَفْعِ ( كُلُّ ) عَلى الفاعِلِيَّةِ مِن دَمَرَ دَمارًا، ومَعْنى ( بِأمْرِ رَبِّها ) أنَّ ذَلِكَ بِقَضائِهِ وقَدَرِهِ ﴿فَأصْبَحُوا لا يُرى إلّا مَساكِنُهُمْ﴾ أيْ لا تَرى أنْتَ يا مُحَمَّدُ أوْ كُلُّ مَن يَصْلُحُ لِلرُّؤْيَةِ إلّا مَساكِنَهم بَعْدَ ذَهابِ أنْفُسِهِمْ وأمْوالِهِمْ. قَرَأ الجُمْهُورُ ( لا تَرى ) بِالفَوْقِيَّةِ عَلى الخِطابِ، ونَصْبِ ( مَساكِنَهم ) . وقَرَأ حَمْزَةُ، وعاصِمٌ بِالتَّحْتِيَّةِ مَضْمُومَةً مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ورَفْعِ ( مَساكِنُهم ) . قالَ سِيبَوَيْهِ: مَعْناهُ لا يُرى أشْخاصُهم إلّا مَساكِنُهم، واخْتارَ أبُو عُبَيْدٍ، وأبُو حاتِمٍ القِراءَةَ الثّانِيَةَ. قالَ الكِسائِيُّ، والزَّجّاجُ: مَعْناها لا يُرى شَيْءٌ إلّا مَساكِنُهم فَهي مَحْمُولَةٌ عَلى المَعْنى كَما تَقُولُ: ما قامَ إلّا هِنْدٌ، والمَعْنى: ما قامَ أحَدٌ إلّا هِنْدٌ، وفي الكَلامِ حَذْفٌ، والتَّقْدِيرُ: فَجاءَتْهُمُ الرِّيحُ فَدَمَّرَتْهم فَأصْبَحُوا لا يُرى إلّا مَساكِنُهم ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ﴾ أيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الجَزاءِ نَجْزِي هَؤُلاءِ، وقَدْ مَرَّ بَيانُ هَذِهِ القِصَّةِ في سُورَةِ الأعْرافِ. ﴿ولَقَدْ مَكَّنّاهم فِيما إنْ مَكَّنّاكم فِيهِ﴾ قالَ المُبَرِّدُ: ( ما ) في قَوْلِهِ ( فِيما ) بِمَنزِلَةِ الَّذِي، و( إنْ ) بِمَنزِلَةِ ما: يَعْنِي النّافِيَةَ، وتَقْدِيرُهُ: ولَقَدْ مَكَّنّاهم في الَّذِي ما مَكَّنّاكم فِيهِ مِنَ المالِ، وطُولِ العُمْرِ، وقُوَّةِ الأبْدانِ، وقِيلَ: ( إنْ ) زائِدَةٌ وتَقْدِيرُهُ: ولَقَدْ مَكَّنّاهم فِيما مَكَّنّاكم فِيهِ، وبِهِ قالَ القُتَيْبِيُّ، ومِثْلُهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎فَما إنْ طِبْنَ جُبْنٌ ولَكِنْ ∗∗∗ مَنايانا ودَوْلَةُ آخَرِينا والأوَّلُ أوْلى لِأنَّهُ أبْلَغُ في التَّوْبِيخِ لِكُفّارِ قُرَيْشٍ وأمْثالِهِمْ ﴿وجَعَلْنا لَهم سَمْعًا وأبْصارًا وأفْئِدَةً﴾ أيْ: إنَّهم أعْرَضُوا عَنْ قَبُولِ الحُجَّةِ والتَّذَكُّرِ مَعَ ما أعْطاهُمُ اللَّهُ مِنَ الحَواسِّ الَّتِي بِها تُدْرَكُ الأدِلَّةُ، ولِهَذا قالَ: ﴿فَما أغْنى عَنْهم سَمْعُهم ولا أبْصارُهم ولا أفْئِدَتُهم مِن شَيْءٍ﴾ أيْ فَما نَفَعَهم ما أعْطاهُمُ اللَّهُ مِن ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَوَصَّلُوا بِهِ إلى التَّوْحِيدِ وصِحَّةِ الوَعْدِ والوَعِيدِ، وقَدْ قَدَّمْنا مِنَ الكَلامِ عَلى وجْهِ إفْرادِ السَّمْعِ وجَمْعِ البَصَرِ ما يُغْنِي عَنِ الإعادَةِ، و( مِن ) في ( مِن شَيْءٍ ) زائِدَةٌ، والتَّقْدِيرُ: فَما أغْنى عَنْهم شَيْءٌ مِنَ الإغْناءِ ولا نَفَعَهم بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ النَّفْعِ (p-١٣٦٨)﴿إذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِأغْنى، وفِيها مَعْنى التَّعْلِيلِ: أيْ لِأنَّهم كانُوا يَجْحَدُونَ ﴿وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أيْ أحاطَ بِهُمُ العَذابُ الَّذِي كانُوا يَسْتَعْجِلُونَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِهْزاءِ حَيْثُ قالُوا ﴿فَأْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ . ﴿ولَقَدْ أهْلَكْنا ما حَوْلَكم مِنَ القُرى﴾ الخِطابُ لِأهْلِ مَكَّةَ، والمُرادُ بِما حَوْلَهم مِنَ القُرى قُرى ثَمُودٍ، وقُرى لُوطٍ ونَحْوُهُما مِمّا كانَ مُجاوِرًا لِبِلادِ الحِجازِ، وكانَتْ أخْبارُهم مُتَواتِرَةً عِنْدَهم ﴿وصَرَّفْنا الآياتِ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ أيْ بَيَّنّا الحُجَجَ ونَوَّعْناها لِكَيْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ فَلَمْ يَرْجِعُوا. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ أنَّهُ لَمْ يَنْصُرْهم مِن عَذابِ اللَّهِ ناصِرٌ فَقالَ: ﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبانًا آلِهَةً﴾ أيْ فَهَلّا نَصَرَهم آلِهَتُهُمُ الَّتِي تَقَرَّبُوا بِها بِزَعْمِهِمْ إلى اللَّهِ لِتَشْفَعَ لَهم حَيْثُ قالُوا ﴿هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ ومَنَعَتْهم مِنَ الهَلاكِ الواقِعِ بِهِمْ. قالَ الكِسائِيُّ: القُرْبانُ كُلُّ ما يُتَقَرَّبُ بِهِ إلى اللَّهِ مِن طاعَةٍ ونَسِيكَةٍ، والجَمْعُ قَرابِينُ كالرُّهْبانِ والرَّهابِينِ، وأحَدُ مَفْعُولَيِ ( اتَّخَذُوا ) ضَمِيرٌ راجِعٌ إلى المَوْصُولِ، والثّانِي ( آلِهَةً )، و( قُرْبانًا ) حالٌ، ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ ( قُرْبانًا ) مَفْعُولًا ثانِيًا، و( آلِهَةً ) بَدَلًا مِنهُ لِفَسادِ المَعْنى، وقِيلَ يَصِحُّ ذَلِكَ ولا يَفْسُدُ المَعْنى، ورَجَّحَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وأبُو البَقاءِ، وأبُو حَيّانَ، وأنْكَرَ أنْ يَكُونَ في المَعْنى فَسادٌ عَلى هَذا الوَجْهِ ﴿بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ﴾ أيْ غابُوا عَنْ نَصْرِهِمْ ولَمْ يَحْضُرُوا عِنْدَ الحاجَةِ إلَيْهِمْ، وقِيلَ بَلْ هَلَكُوا، وقِيلَ الضَّمِيرُ في ضَلُّوا راجِعٌ إلى الكُفّارِ: أيْ تَرَكُوا الأصْنامَ وتَبَرَّءُوا مِنها، والأوَّلُ أوْلى، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: وذَلِكَ إلى ضَلالِ آلِهَتِهِمْ. والمَعْنى: وذَلِكَ الضَّلالُ والضَّياعُ أثَرُ إفْكِهِمُ الَّذِي هو اتِّخاذُهم إيّاها آلِهَةً، وزَعْمِهِمْ أنَّها تُقَرِّبُهم إلى اللَّهِ. قَرَأ الجُمْهُورُ ( إفْكُهم ) بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الفاءِ مَصْدَرُ أفِكَ يَأْفِكُ إفْكًا: أيْ: كَذِبِهِمْ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ الزُّبَيْرِ، ومُجاهِدٌ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ والفاءِ والكافِ عَلى أنَّهُ فِعْلٌ: أيْ: ذَلِكَ القَوْلُ صَرَفَهم عَنِ التَّوْحِيدِ. وقَرَأ عِكْرِمَةُ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وتَشْدِيدِ الفاءِ: أيْ صَيَّرَهم آفِكِينَ. قالَ أبُو حاتِمٍ: يَعْنِي قَلَبَهم عَمّا كانُوا عَلَيْهِ مِنَ النَّعِيمِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قَرَأ بِالمَدِّ وكَسْرِ الفاءِ بِمَعْنى صارِفِهِمْ ﴿وما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى ( إفْكُهم ): أيْ وأثَرُ افْتِرائِهِمْ أوْ أثَرُ الَّذِي كانُوا يَفْتَرُونَهُ. والمَعْنى: وذَلِكَ إفْكُهم: أيْ: كَذِبُهُمُ الَّذِي كانُوا يَقُولُونَ إنَّها تُقَرِّبُهم إلى اللَّهِ وتَشْفَعُ لَهم ﴿وما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أيْ يَكْذِبُونَ أنَّها آلِهَةٌ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الأحْقافُ جَبَلٌ بِالشّامِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طُرُقٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾ قالَ: هو السَّحابُ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وغَيْرُهُما، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «ما رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مُسْتَجْمِعًا ضاحِكًا حَتّى أرى مِنهُ لَهَواتِهِ، إنَّما كانَ يَتَبَسَّمُ، وكانَ إذا رَأى غَيْمًا أوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ في وجْهِهِ، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، النّاسُ إذا رَأوُا الغَيْمَ فَرِحُوا أنْ يَكُونَ فِيهِ المَطَرُ. وأراكَ إذا رَأيْتَهُ عَرَفْتُ في وجْهِكَ الكَراهِيَةَ، قالَ: يا عائِشَةُ، وما يُؤَمِّنُنِي أنْ يَكُونَ فِيهِ عَذابٌ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وقَدْ رَأى قَوْمٌ العَذابَ، فَقالُوا: ﴿هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾» وأخْرَجَ مُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ عَنْها قالَتْ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - إذا عَصَفَتِ الرِّيحُ قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَيْرَها وخَيْرَ ما فِيها وخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ بِهِ، وأعُوذُ بِكَ مِن شَرِّها وشَرِّ ما فِيها وشَرِّ ما أُرْسِلَتْ بِهِ، فَإذا تَخَيَّلَتِ السَّماءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وخَرَجَ ودَخَلَ، وأقْبَلَ وأدْبَرَ، فَإذا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فَسَألْتُهُ، فَقالَ: لا أدْرِي، لَعَلَّهُ كَما قالَ قَوْمُ عادٍ ﴿هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ السَّحابِ، وأبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا رَأوْهُ عارِضًا مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ﴾ قالُوا غَيْمٌ فِيهِ مَطَرٌ، فَأوَّلَ ما عَرَفُوا أنَّهُ عَذابٌ، رَأوْا ما كانَ خارِجًا مِن رِجالِهِمْ ومَواشِيهِمْ تَطِيرُ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ مِثْلَ الرِّيشِ دَخَلُوا بُيُوتَهم وغَلَّقُوا أبْوابَهم، فَجاءَتِ الرِّيحُ فَفَتَحَتْ أبْوابَهم، ومالَتْ عَلَيْهِمْ بِالرَّمْلِ، فَكانُوا تَحْتَ الرَّمْلِ سَبْعَ لَيالٍ وثَمانِيَةَ أيّامٍ حُسُومًا لَهم أنِينٌ، ثُمَّ أمَرَ اللَّهُ الرِّيحَ فَكَشَفَتْ عَنْهُمُ الرَّمْلَ وطَرَحَتْهم في البَحْرِ، فَهو قَوْلُهُ: ﴿فَأصْبَحُوا لا يُرى إلّا مَساكِنُهُمْ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، والحاكِمُ، وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ما أرْسَلَ اللَّهُ عَلى عادٍ مِنَ الرِّيحِ إلّا قَدْرَ خاتَمِي هَذا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ مَكَّنّاهم فِيما إنْ مَكَّنّاكم فِيهِ﴾ يَقُولُ: لَمْ نُمَكِّنْكم. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: عادٌ مُكِّنُوا في الأرْضِ أفْضَلَ مِمّا مُكِّنَتْ فِيهِ هَذِهِ الأُمَّةُ، وكانُوا أشَدَّ قُوَّةً وأكْثَرَ أمْوالًا وأطْوَلَ أعْمارًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب