الباحث القرآني
وهي مَكِّيَّةٌ كُلُّها في قَوْلِ الحَسَنِ، وجابِرٍ، وعِكْرِمَةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ الزُّبَيْرِ أنَّها نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ أنَّهُما قالا: إلّا آيَةً مِنها، وهي قَوْلُهُ: ( ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ ) إلى ( ﴿أيّامَ اللَّهِ﴾ ) [الجاثية: ١٤] فَإنَّها نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ في عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ كَما سَيَأْتِي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ: حم قَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في هَذِهِ الفاتِحَةِ وفي إعْرابِها في فاتِحَةِ سُورَةِ غافِرٍ وما بَعْدَها، فَإنْ جُعِلَ اسْمًا لِلسُّورَةِ فَمَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أوْ مُبْتَدَأٌ، وإنْ جُعِلَ حُرُوفًا مَسْرُودَةً عَلى نَمَطِ التَّعْدِيدِ فَلا مَحَلَّ لَهُ.
وقَوْلُهُ: ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ﴾ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ خَبَرٌ ثانٍ، وعَلى الوَجْهِ الثّانِي خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وعَلى الوَجْهِ الثّالِثِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أوْ مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ ﴿مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ .
ثُمَّ أخْبَرَ - سُبْحانَهُ - بِما يَدُلُّ عَلى قُدْرَتِهِ الباهِرَةِ فَقالَ: ﴿إنَّ في السَّماواتِ والأرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: فِيها نَفْسِها فَإنَّها مِن فُنُونِ (p-١٣٥٦)الآياتِ أوْ في خَلْقِها.
قالَ الزَّجّاجُ: ويَدُلُّ عَلى أنَّ المَعْنى في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ قَوْلُهُ: ﴿وفِي خَلْقِكُمْ﴾ أيْ: في خَلْقِكم أنْفُسِكم عَلى أطْوارٍ مُخْتَلِفَةٍ.
قالَ مُقاتِلٌ: مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ إلى أنْ يَصِيرَ إنْسانًا ﴿وما يَبُثُّ مِن دابَّةٍ آياتٌ﴾ أيْ: وفي خَلْقٍ ما يَبُثُّ مِن دابَّةٍ، وارْتِفاعُ آياتٍ عَلى أنَّها مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وخَبَرُهُ الظَّرْفُ قَبْلَهُ، وبِالرَّفْعِ قَرَأ الجُمْهُورُ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ( آياتٍ ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى اسْمِ إنَّ، والخَبَرُ قَوْلُهُ: ﴿وفِي خَلْقِكُمْ﴾ كَأنَّهُ قِيلَ: وإنَّ في خَلْقِكم وما يَبُثُّ مِن دابَّةٍ آياتٍ، أوْ عَلى أنَّها تَأْكِيدٌ لِآياتٍ الأُولى.
وقَرَأ الجُمْهُورُ أيْضًا آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بِالرَّفْعِ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِنَصْبِها مَعَ اتِّفاقِهِمْ عَلى الجَرِّ في اخْتِلافِ، أمّا جَرُّ اخْتِلافِ فَهو عَلى تَقْدِيرِ حَرْفِ الجَرِّ أيْ: " و" في اخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ آياتٌ، فَمَن رَفَعَ ( آياتٌ ) فَعَلى أنَّها مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُها: في اخْتِلافِ، وأمّا النَّصْبُ فَهو مِن بابِ العَطْفِ عَلى مَعْمُولَيْ عامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
قالَ الفَرّاءُ: الرَّفْعُ عَلى الِاسْتِئْنافِ بَعْدَ إنَّ، تَقُولُ العَرَبُ: إنَّ لِي عَلَيْكَ مالًا وعَلى أخِيكَ مالٌ، يَنْصِبُونَ الثّانِي ويَرْفَعُونَهُ ولِلنُّحاةِ في هَذا المَوْضِعِ كَلامٌ طَوِيلٌ.
والبَحْثُ في مَسْألَةِ العَطْفِ عَلى مَعْمُولَيْ عامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وحُجَجُ المُجَوِّزِينَ لَهُ وجَواباتُ المانِعِينَ لَهُ مُقَرَّرٌ في عِلْمِ النَّحْوِ مَبْسُوطٌ في مُطَوَّلاتِهِ.
ومَعْنى ﴿وما يَبُثُّ مِن دابَّةٍ﴾ ما يُفَرِّقُهُ ويَنْشُرُهُ.
﴿واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ تَعاقُبُهُما أوْ تَفاوُتُهُما في الطُّولِ والقِصَرِ، وقَوْلُهُ: ﴿وما أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِن رِزْقٍ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى ( اخْتِلافِ )، والرِّزْقُ المَطَرُ؛ لِأنَّهُ سَبَبٌ لِكُلِّ ما يَرْزُقُ اللَّهُ العِبادَ بِهِ، وإحْياءُ الأرْضِ: إخْراجُ نَباتِها، ومَوْتُها خُلُوُّها عَنِ النَّباتِ " و" مَعْنى ﴿تَصْرِيفِ الرِّياحِ﴾ أنَّها تَهُبُّ تارَةً مِن جِهَةٍ، وتارَةً مِن أُخْرى، وتارَةً تَكُونُ حارَّةً وتارَةً تَكُونُ بارِدَةً، وتارَةً نافِعَةً وتارَةً ضارَّةً.
﴿تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ﴾ أيْ: هَذِهِ الآياتُ المَذْكُورَةُ هي حُجَجُ اللَّهِ وبَراهِينُهُ، ومَحَلُّ: ( نَتْلُوها عَلَيْكَ ) النَّصْبُ عَلى الحالِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّهُ خَبَرُ اسْمِ الإشارَةِ، وآياتُ اللَّهِ بَيانٌ لَهُ أوْ بَدَلٌ مِنهُ، وقَوْلُهُ: ( بِالحَقِّ ) حالٌ مِن فاعِلِ ( نَتْلُو )، أوْ مِن مَفْعُولِهِ أيْ: مُحِقِّينَ، أوْ مُلْتَبِسَةٌ بِالحَقِّ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، فَتَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الفِعْلِ ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وآياتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ: بَعْدَ حَدِيثِ اللَّهِ وبَعْدَ آياتِهِ، وقِيلَ: إنَّ المَقْصُودَ: فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ آياتِ اللَّهِ، وذِكْرُ الِاسْمِ الشَّرِيفِ لَيْسَ إلّا لِقَصْدِ تَعْظِيمِ الآياتِ، فَيَكُونُ مِن بابِ: أعْجَبَنِي زَيْدٌ، وكَرَمُهُ.
وقِيلَ: المُرادُ بَعْدَ حَدِيثِ اللَّهِ، وهو القُرْآنُ كَما في قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ﴾ [الزمر: ٢٣] وهو المُرادُ بِالآياتِ، والعَطْفُ لِمُجَرَّدِ التَّغايُرِ العُنْوانِيِّ.
قَرَأ الجُمْهُورُ " تُؤْمِنُونَ " بِالفَوْقِيَّةِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ بِالتَّحْتِيَّةِ.
والمَعْنى: يُؤْمِنُونَ بِأيِّ حَدِيثٍ، وإنَّما قُدِّمَ عَلَيْهِ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ لَهُ صَدْرُ الكَلامِ.
﴿ويْلٌ لِكُلِّ أفّاكٍ أثِيمٍ﴾ أيْ: لِكُلِّ كَذّابٍ كَثِيرِ الإثْمِ مُرْتَكِبٍ لِما يُوجِبُهُ، والوَيْلُ وادٍ في جَهَنَّمَ.
ثُمَّ وصَفَ هَذا الأفّاكَ بِصِفَةٍ أُخْرى فَقالَ: ﴿يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ﴾ وقِيلَ: إنَّ ( يَسْمَعُ ) في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، وقِيلَ: اسْتِئْنافٌ، والأوَّلُ أوْلى، وقَوْلُهُ: ( تُتْلى عَلَيْهِ ) في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، ثُمَّ يُصِرُّ عَلى كُفْرِهِ، ويُقِيمُ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ حالَ كَوْنِهِ مُسْتَكْبِرًا أيْ: يَتَمادى عَلى كُفْرِهِ مُتَعَظِّمًا في نَفْسِهِ عَنِ الِانْقِيادِ لِلْحَقِّ، والإصْرارُ مَأْخُوذٌ مِن إصْرارِ الحِمارِ عَلى العانَةِ، وهو أنْ يَنْحَنِيَ عَلَيْها صارًّا أُذُنَيْهِ.
قالَ مُقاتِلٌ: إذا سَمِعَ مِن آياتِ القُرْآنِ شَيْئًا اتَّخَذَها هُزُوًا، وجُمْلَةُ ﴿كَأنْ لَمْ يَسْمَعْها﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ أوْ مُسْتَأْنَفَةٌ، و" أنْ " هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، واسْمُها ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ هَذا مِن بابِ التَّهَكُّمِ أيْ: فَبَشِّرْهُ عَلى إصْرارِهِ واسْتِكْبارِهِ وعَدَمِ اسْتِماعِهِ إلى الآياتِ بِعَذابٍ شَدِيدِ الألَمِ.
﴿وإذا عَلِمَ مِن آياتِنا شَيْئًا﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ: ( عَلِمَ ) بِفَتْحِ العَيْنِ وكَسْرِ اللّامِ مُخَفَّفَةً عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ. وقَرَأ قَتادَةُ ومَطَرٌ الوَرّاقُ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ.
والمَعْنى: أنَّهُ إذا وصَلَ إلَيْهِ عِلْمُ شَيْءٍ مِن آياتِ اللَّهِ اتَّخَذَها أيِ: الآياتِ هُزُوًا، وقِيلَ: الضَّمِيرُ في ( اتَّخَذَها ) عائِدٌ إلى شَيْئًا؛ لِأنَّهُ عِبارَةٌ عَنِ الآياتِ، والأوَّلُ أوْلى.
والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولَئِكَ إلى كُلِّ أفّاكٍ مُتَّصِفٍ بِتِلْكَ الصِّفاتِ لَهم عَذابٌ مُهِينٌ بِسَبَبِ ما فَعَلُوا مِنَ الإصْرارِ، والِاسْتِكْبارِ عَنْ سَماعِ آياتِ اللَّهِ، واتِّخاذِها هُزُوًا، والعَذابُ المُهِينُ هو المُشْتَمِلُ عَلى الإذْلالِ والفَضِيحَةِ.
( ﴿مِن ورائِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ ) أيْ: مِن وراءِ ما هم فِيهِ مِنَ التَّعَزُّزِ بِالدُّنْيا والتَّكَبُّرِ عَنِ الحَقِّ جَهَنَّمُ، فَإنَّها مِن قُدّامِهِمْ لِأنَّهم مُتَوَجِّهُونَ إلَيْها، وعَبَّرَ بِالوَراءِ عَنِ القُدّامِ، كَقَوْلِهِ: مِن ورائِهِ جَهَنَّمُ [إبراهيم: ١٦] وقَوْلِ الشّاعِرِ:
؎ألَيْسَ ورائِي إنْ تَراخَتْ مَنِيَّتِي
وقِيلَ: جَعَلَها بِاعْتِبارِ إعْراضِهِمْ عَنْها كَأنَّها خَلْفَهم ﴿ولا يُغْنِي عَنْهم ما كَسَبُوا شَيْئًا﴾ أيْ: لا يَدْفَعُ عَنْهم ما كَسَبُوا مِن أمْوالِهِمْ وأوْلادِهِمْ شَيْئًا مِن عَذابِ اللَّهِ، ولا يَنْفَعُهم بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ النَّفْعِ ﴿ولا ما اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى ما كَسَبُوا أيْ: ولا يُغْنِي عَنْهم ما اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ مِنَ الأصْنامِ، و" ما " في المَوْضِعَيْنِ إمّا مَصْدَرِيَّةٌ، أوْ مَوْصُولَةٌ، وزِيادَةُ " لا " في الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ لِلتَّأْكِيدِ ﴿ولَهم عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ في جَهَنَّمَ الَّتِي هي مِن ورائِهِمْ.
( هَذا هُدًى ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مِن مُبْتَدَأٍ، وخَبَرٍ يَعْنِي: هَذا القُرْآنُ هُدًى لِلْمُهْتَدِينَ بِهِ ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ﴾ القُرْآنِيَّةِ ﴿لَهم عَذابٌ مِن رِجْزٍ ألِيمٌ﴾ الرِّجْزُ أشَدُّ العَذابِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ ( ألِيمٍ ) بِالجَرِّ صِفَةً لِلرِّجْزِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وحَفْصٌ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ بِالرَّفْعِ صِفَةً لِعَذابٍ.
﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ البَحْرَ﴾ أيْ: جَعَلَهُ عَلى صِفَةٍ تَتَمَكَّنُونَ بِها مِنَ الرُّكُوبِ عَلَيْهِ ﴿لِتَجْرِيَ الفُلْكُ فِيهِ بِأمْرِهِ﴾ أيْ: بِإذْنِهِ وإقْدارِهِ لَكم ﴿ولِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾ بِالتِّجارَةِ تارَةً، والغَوْصِ لِلدُّرِّ، والمُعالَجَةِ لِلصَّيْدِ، وغَيْرِ ذَلِكَ ﴿ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ أيْ: لِكَيْ تَشْكُرُوا النِّعَمَ الَّتِي تَحْصُلُ لَكم بِسَبَبِ هَذا التَّسْخِيرِ لِلْبَحْرِ.
﴿وسَخَّرَ لَكم ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ جَمِيعًا مِنهُ﴾ أيْ: سَخَّرَ لِعِبادِهِ ما خَلَقَهُ في سَماواتِهِ وأرْضِهِ (p-١٣٥٧)مِمّا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصالِحُهم وتَقُومُ بِهِ مَعايِشُهم.
ومِمّا سَخَّرَهُ لَهم مِن مَخْلُوقاتِ السَّماواتِ: الشَّمْسُ، والقَمَرُ، والنُّجُومُ النَّيِّراتُ، والمَطَرُ، والسَّحابُ، والرِّياحُ، وانْتِصابُ " جَمِيعًا " عَلى الحالِ مِن ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ، أوْ تَأْكِيدٌ لَهُ، وقَوْلُهُ: مِنهُ يَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ هو صِفَةٌ لِ " جَمِيعًا " أيْ: كائِنَةٌ مِنهُ، ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ " سَخَّرَ "، ويَجُوزَ أنْ يَكُونَ حالًا مِن " ما في السَّماواتِ "، أوْ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
والمَعْنى: أنَّ كُلَّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنهُ لِعِبادِهِ إنَّ في ذَلِكَ المَذْكُورِ مِنَ التَّسْخِيرِ ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ وخَصَّ المُتَفَكِّرِينَ لِأنَّهُ لا يَنْتَفِعُ بِها إلّا مَن تَفَكَّرَ فِيها، فَإنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنَ التَّفَكُّرِ إلى الِاسْتِدْلالِ بِها عَلى التَّوْحِيدِ.
﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا﴾ أيْ: قُلْ لَهُمُ اغْفِرُوا يَغْفِرُوا ﴿لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللَّهِ﴾ وقِيلَ: هو عَلى حَذْفِ اللّامِ، والتَّقْدِيرُ: قُلْ لَهم لِيَغْفِرُوا.
والمَعْنى: قُلْ لَهم يَتَجاوَزُوا عَنِ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ وقائِعَ اللَّهِ بِأعْدائِهِ أيْ: لا يَتَوَقَّعُونَها، ومَعْنى الرَّجاءِ هُنا الخَوْفُ، وقِيلَ: هو عَلى مَعْناهُ الحَقِيقِيِّ.
والمَعْنى: لا يَرْجُونَ ثَوابَهُ في الأوْقاتِ الَّتِي وقَّتَها اللَّهُ لِثَوابِ المُؤْمِنِينَ، والأوَّلُ أوْلى.
والأيّامُ يُعَبَّرُ بِها عَنِ الوَقائِعِ كَما تَقَدَّمَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿وذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] قالَ مُقاتِلٌ: لا يَخْشَوْنَ مِثْلَ عَذابِ اللَّهِ لِلْأُمَمِ الخالِيَةِ، وذَلِكَ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِهِ فَلا يَخافُونَ عِقابَهُ.
وقِيلَ: المَعْنى: لا يَأْمُلُونَ نَصْرَ اللَّهِ لِأوْلِيائِهِ، وإيقاعَهُ بِأعْدائِهِ، وقِيلَ: لا يَخافُونَ البَعْثَ.
قِيلَ: والآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ ﴿لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ قَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ " لِنَجْزِيَ " بِالنُّونِ أيْ: لِنَجْزِيَ نَحْنُ.
وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ بِالتَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ أيْ: لِيَجْزِيَ اللَّهُ.
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، وعاصِمٌ، بِالتَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مَعَ نَصْبِ " قَوْمًا "، فَقِيلَ: النّائِبُ عَنِ الفاعِلِ مَصْدَرُ الفِعْلِ أيْ: لِيُجْزى الجَزاءُ قَوْمًا، وقِيلَ: إنَّ النّائِبَ الجارُّ والمَجْرُورُ كَما في قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎ولَوْ ولَدَتْ فَقِيرَةٌ جَرْوَ كَلْبٍ ∗∗∗ لَسُبَّ بِذَلِكَ الجَرْوِ الكِلابا
وقَدْ أجازَ ذَلِكَ الأخْفَشُ، والكُوفِيُّونَ، ومَنَعَهُ البَصْرِيُّونَ، والجُمْلَةُ لِتَعْلِيلِ الأمْرِ بِالمَغْفِرَةِ، والمُرادُ بِالقَوْمِ: المُؤْمِنُونَ، أُمِرُوا بِالمَغْفِرَةِ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ بِما كَسَبُوا في الدُّنْيا مِنَ الأعْمالِ الحَسَنَةِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها الصَّبْرُ عَلى أذِيَّةِ الكُفّارِ، والإغْضاءُ عَنْهم بِكَظْمِ الغَيْظِ، واحْتِمالُ المَكْرُوهِ.
وقِيلَ: المَعْنى: لِيَجْزِيَ الكُفّارَ بِما عَمِلُوا مِنَ السَّيِّئاتِ كَأنَّهُ قالَ: لا تُكافِئُوهم أنْتُمْ لِنُكافِئَهم نَحْنُ، والأوَّلُ أوْلى.
ثُمَّ ذَكَرَ المُؤْمِنِينَ وأعْمالَهم والمُشْرِكِينَ وأعْمالَهم فَقالَ: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَن أساءَ فَعَلَيْها﴾ والمَعْنى: أنَّ عَمَلَ كُلِّ طائِفَةٍ مِن إحْسانٍ أوْ إساءَةٍ لِعامِلِهِ لا يَتَجاوَزُهُ إلى غَيْرِهِ وفِيهِ تَرْغِيبٌ وتَهْدِيدٌ ﴿ثُمَّ إلى رَبِّكم تُرْجَعُونَ﴾ فَيُجازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ إنْ كانَ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وإنْ كانَ شَرًّا فَشَرٌّ.
وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، والفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ مِن طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ( ﴿جَمِيعًا مِنهُ﴾ ) قالَ: مِنهُ النُّورُ والشَّمْسُ والقَمَرُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: كُلُّ شَيْءٍ هو مِنَ اللَّهِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنْ طاوُسٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ فَسَألَهُ: مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ ؟ قالَ: مِنَ الماءِ والنُّورِ والظُّلْمَةِ والهَواءِ والتُّرابِ، قالَ: فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلاءِ ؟ قالَ: لا أدْرِي.
ثُمَّ أتى الرَّجُلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَسَألَهُ فَقالَ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَأتى ابْنَ عَبّاسٍ فَسَألَهُ مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ ؟ فَقالَ: مِنَ الماءِ والنُّورِ والظُّلْمَةِ والرِّيحِ والتُّرابِ، قالَ فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلاءِ ؟ فَقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ ﴿وسَخَّرَ لَكم ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ جَمِيعًا مِنهُ﴾ فَقالَ الرَّجُلُ: ما كانَ لِيَأْتِيَ بِهَذا إلّا رَجُلٌ مِن أهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ: عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا﴾ الآيَةَ، قالَ: كانَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يُعْرِضُ عَنِ المُشْرِكِينَ إذا آذَوْهُ، وكانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ ويُكَذِّبُونَهُ، فَأمَرَهُ اللَّهُ أنْ يُقاتِلَ المُشْرِكِينَ كافَّةً، فَكانَ هَذا مِنَ المَنسُوخِ.
﴿ولَقَدْ آتَيْنا بَنِي إسْرائِيلَ الكِتابَ والحُكْمَ والنُّبُوَّةَ ورَزَقْناهم مِنَ الطَّيِّباتِ وفَضَّلْناهم عَلى العالَمِينَ﴾ ﴿وآتَيْناهم بَيِّناتٍ مِنَ الأمْرِ فَما اخْتَلَفُوا إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهم إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهم يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ﴿ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فاتَّبِعْها ولا تَتَّبِعْ أهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿إنَّهم لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وإنَّ الظّالِمِينَ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ واللَّهُ ولِيُّ المُتَّقِينَ﴾ ﴿هَذا بَصائِرُ لِلنّاسِ وهُدًى ورَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ ﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أنْ نَجْعَلَهم كالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهم ومَماتُهم ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ ﴿وخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ ولِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ ﴿أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ وأضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ وجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿وقالُوا ما هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا نَمُوتُ ونَحْيا وما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ وما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ إنْ هم إلّا يَظُنُّونَ﴾ ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهم إلّا أنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يَجْمَعُكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾
قَوْلُهُ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا بَنِي إسْرائِيلَ الكِتابَ والحُكْمَ والنُّبُوَّةَ﴾ المُرادُ بِالكِتابِ التَّوْراةُ، وبِالحُكْمِ الفَهْمُ والفِقْهُ الَّذِي يَكُونُ بِهِما الحُكْمُ بَيْنَ النّاسِ وفَصْلُ خُصُوماتِهِمْ، وبِالنُّبُوَّةِ مَن بَعَثَهُ اللَّهُ مِنَ الأنْبِياءِ فِيهِمْ ﴿ورَزَقْناهم مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ أيِ: المُسْتَلَذّاتِ الَّتِي أحَلَّها اللَّهُ لَهم، ومِن ذَلِكَ المَنُّ والسَّلْوى ﴿وفَضَّلْناهم عَلى العالَمِينَ﴾ مِن أهْلِ زَمانِهِمْ حَيْثُ آتَيْناهم ما لَمْ نُؤْتِ مَن عَداهم مِن فَلْقِ البَحْرِ ونَحْوِهِ.
وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ هَذا في سُورَةِ الدُّخانِ.
﴿وآتَيْناهم بَيِّناتٍ مِنَ الأمْرِ﴾ أيْ: شَرائِعَ واضِحاتٍ في الحَلالِ والحَرامِ، أوْ مُعْجِزاتٍ ظاهِراتٍ، وقِيلَ: العِلْمَ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وشَواهِدَ نُبُوَّتِهِ، وتَعْيِينَ مُهاجَرِهِ ﴿فَما اخْتَلَفُوا إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ﴾ أيْ: فَما وقَعَ الِاخْتِلافُ بَيْنَهم في ذَلِكَ الأمْرِ إلّا بَعْدَ مَجِيءِ العِلْمِ إلَيْهِمْ بِبَيانِهِ، وإيضاحِ مَعْناهُ، فَجَعَلُوا ما يُوجِبُ (p-١٣٥٨)زَوالَ الخِلافِ مُوجِبًا لِثُبُوتِهِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالعِلْمِ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، فَإنَّهُ آمَنَ بِهِ بَعْضُهم وكَفَرَ بَعْضُهم، وقِيلَ: نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، فاخْتَلَفُوا فِيها حَسَدًا وبَغْيًا، وقِيلَ: بَغْيًا مِن بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ بِطَلَبِ الرِّئاسَةِ ﴿إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهم يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ مِن أمْرِ الدِّينِ، فَيُجازِي المُحْسِنَ بِإحْسانِهِ والمُسِيءَ بِإساءَتِهِ.
﴿ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ﴾ الشَّرِيعَةُ في اللُّغَةِ المَذْهَبُ.
والمِلَّةُ والمِنهاجُ ويُقالُ: لِمَشْرَعَةِ الماءِ وهي مَوْرِدُ شارِبِيهِ شَرِيعَةٌ، ومِنهُ الشّارِعُ لِأنَّهُ طَرِيقٌ إلى المَقْصِدِ، فالمُرادُ بِالشَّرِيعَةِ هُنا ما شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبادِهِ مِنَ الدِّينِ، والجَمْعُ شَرائِعُ أيْ: جَعَلْناكَ يا مُحَمَّدُ عَلى مِنهاجٍ واضِحٍ مِن أمْرِ الدِّينِ يُوصِلُكَ إلى الحَقِّ فاتَّبِعْها فاعْمَلْ بِأحْكامِها في أُمَّتِكَ ﴿ولا تَتَّبِعْ أهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ تَوْحِيدَ اللَّهِ وشَرائِعَهُ لِعِبادِهِ، وهم كُفّارُ قُرَيْشٍ ومَن وافَقَهم.
﴿إنَّهم لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ أيْ: لا يَدْفَعُونَ عَنْكَ شَيْئًا مِمّا أرادَهُ اللَّهُ بِكَ إنِ اتَّبَعْتَ أهْواءَهم ﴿وإنَّ الظّالِمِينَ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ أيْ: أنْصارٌ يَنْصُرُ بَعْضُهم بَعْضًا قالَ ابْنُ زَيْدٍ: إنَّ المُنافِقِينَ أوْلِياءُ اليَهُودِ ﴿واللَّهُ ولِيُّ المُتَّقِينَ﴾ أيْ: ناصِرُهم، والمُرادُ بِالمُتَّقِينَ الَّذِينَ اتَّقَوُا الشِّرْكَ والمَعاصِيَ.
والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: هَذا، إلى القُرْآنِ، أوْ إلى اتِّباعِ الشَّرِيعَةِ، وهو مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ " بَصائِرُ لِلنّاسِ " أيْ: بَراهِينُ، ودَلائِلُ لَهم فِيما يَحْتاجُونَ إلَيْهِ مِن أحْكامِ الدِّينِ، جَعَلَ ذَلِكَ بِمَنزِلَةِ البَصائِرِ في القُلُوبِ وقُرِئَ " هَذِهِ بَصائِرُ " أيْ: هَذِهِ الآياتُ؛ لِأنَّ القُرْآنَ بِمَعْناها كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎سائِلْ بَنِي أسَدٍ ما هَذِهِ الصَّوْتُ
لِأنَّ الصَّوْتَ بِمَعْنى الصَّيْحَةِ، ( وهُدًى ) أيْ: رُشْدٌ، وطَرِيقٌ يُؤَدِّي إلى الجَنَّةِ لِمَن عَمِلَ بِهِ، ورَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ في الآخِرَةِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أيْ: مِن شَأْنِهِمُ الإيقانُ وعَدَمُ الشَّكِّ والتَّزَلْزُلِ بِالشُّبَهِ.
﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ﴾ " أمْ " هي المُنْقَطِعَةُ المُقَدَّرَةُ بِبَلْ والهَمْزَةِ، وما فِيها مِن مَعْنى بَلْ لِلِانْتِقالِ مِنَ البَيانِ الأوَّلِ إلى الثّانِي، والهَمْزَةُ لِإنْكارِ الحُسْبانِ، والِاجْتِراحُ الِاكْتِسابِ، ومِنهُ الجَوارِحُ، وقَدْ تَقَدَّمَ في المائِدَةِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ تَبايُنِ حالَيِ المُسِيئِينَ، والمُحْسِنِينَ، وهو مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿أنْ نَجْعَلَهم كالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ أيْ: نُسَوِّي بَيْنَهم مَعَ اجْتِراحِهُمُ السَّيِّئاتِ، وبَيْنَ أهْلِ الحَسَناتِ ﴿سَواءً مَحْياهم ومَماتُهُمْ﴾ في دارِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ، كَلّا لا يَسْتَوُونَ، فَإنَّ حالَ أهْلِ السَّعادَةِ فِيهِما غَيْرُ حالِ أهْلِ الشَّقاوَةِ.
وقِيلَ: المُرادُ إنْكارُ أنْ يَسْتَوُوا في المَماتِ كَما اسْتَوَوْا في الحَياةِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ " سَواءٌ " بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، والمُبْتَدَأُ " مَحْياهم ومَماتُهم "، والمَعْنى: إنْكارُ حُسْبانِهِمْ أنَّ مَحْياهم ومَماتَهم سَواءٌ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ سَواءً بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في الجارِّ والمَجْرُورِ في قَوْلِهِ ( كالَّذِينِ آمَنُوا )، أوْ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِ " حَسِبَ "، واخْتارَ قِراءَةَ النَّصْبِ أبُو عُبَيْدٍ، وقالَ مَعْناهُ: نَجْعَلُهم سَواءً، وقَرَأ الأعْمَشُ، وعِيسى بْنُ عُمَرَ " مَماتَهم " بِالنَّصْبِ عَلى مَعْنى سَواءً في مَحْياهم ومَماتِهِمْ، فَلَمّا سَقَطَ الخافِضُ انْتَصَبَ، أوْ عَلى البَدَلِ مِن مَفْعُولِ نَجْعَلُهم بَدَلُ اشْتِمالٍ ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ أيْ: ساءَ حُكْمُهم هَذا الَّذِي حَكَمُوا بِهِ.
﴿وخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ﴾ أيْ: بِالحَقِّ المُقْتَضِي لِلْعَدْلِ بَيْنَ العِبادِ، ومَحَلُّ " بِالحَقِّ " النَّصْبُ عَلى الحالِ مِنَ الفاعِلِ، أوْ مِنَ المَفْعُولِ، أوِ الباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وقَوْلُهُ: ﴿ولِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَلى الحَقِّ؛ لِأنَّ كُلًّا مِنهُما سَبَبٌ، فَعَطَفَ السَّبَبَ عَلى السَّبَبِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ لِيَدُلَّ بِهِما عَلى قُدْرَتِهِ ولِتُجْزى، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اللّامُ لِلصَّيْرُورَةِ وهم لا يُظْلَمُونَ أيِ: النُّفُوسُ المَدْلُولُ عَلَيْها بِكُلِّ نَفْسٍ لا يُظْلَمُونَ بِنَقْصِ ثَوابٍ أوْ زِيادَةِ عِقابٍ.
ثُمَّ عَجِبَ - سُبْحانَهُ - مِن حالِ الكُفّارِ، فَقالَ: ﴿أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾ قالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ: ذَلِكَ الكافِرُ اتَّخَذَ دِينَهُ ما يَهْواهُ فَلا يَهْوى شَيْئًا إلّا رَكِبَهُ، وقالَ عِكْرِمَةُ: يَعْبُدُ ما يَهْواهُ أوْ يَسْتَحْسِنُهُ، فَإذا اسْتَحْسَنَ شَيْئًا وهَواهُ اتَّخَذَهُ إلَهًا.
قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كانَ أحَدُهم يَعْبُدُ الحَجَرَ، فَإذا رَأى ما هو أحْسَنُ مِنهُ رَمى بِهِ وعَبَدَ الآخَرَ ﴿وأضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ﴾ أيْ: عَلى عِلْمٍ قَدْ عَلِمَهُ، وقِيلَ: المَعْنى: أضَلَّهُ عَنِ الثَّوابِ عَلى عِلْمٍ مِنهُ بِأنَّهُ لا يَسْتَحِقُّهُ، وقالَ مُقاتِلٌ: عَلى عِلْمٍ مِنهُ أنَّهُ ضالٌّ لِأنَّهُ يَعْلَمُ أنَّ الصَّنَمَ لا يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ.
قالَ الزَّجّاجُ: عَلى سُوءٍ في عِلْمِهِ أنَّهُ ضالٌّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَهُ، ومَحَلُّ " عَلى عِلْمٍ " النَّصْبُ عَلى الحالِ مِنَ الفاعِلِ، أوِ المَفْعُولِ ﴿وخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ﴾ أيْ: طَبَعَ عَلى سَمْعِهِ حَتّى لا يَسْمَعَ الوَعْظَ، وطَبَعَ عَلى قَلْبِهِ حَتّى لا يَفْقَهَ الهُدى ﴿وجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً﴾ أيْ: غِطاءً حَتّى لا يُبْصِرَ الرُّشْدَ.
قَرَأ الجُمْهُورُ ( غِشاوَةً ) بِالألْفِ مَعَ كَسْرِ الغَيْنِ.
وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ ( غَشْوَةً ) بِغَيْرِ ألْفٍ مَعَ فَتْحِ الغَيْنِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎لَئِنْ كُنْتِ ألْبَسْتِنِي غَشْوَةً ∗∗∗ لَقَدْ كُنْتُ أصْغَيْتُكِ الوُدَّ حِينًا
وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، والأعْمَشُ كَقِراءَةِ الجُمْهُورِ مَعَ فَتْحِ الغَيْنِ وهي لُغَةُ رَبِيعَةَ.
وقَرَأ الحَسَنُ، وعِكْرِمَةُ بِضَمِّها وهي لُغَةُ عُكْلٍ ﴿فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ﴾ أيْ: مِن بَعْدِ إضْلالِ اللَّهِ لَهُ أفَلا تَذَكَّرُونَ تَذَكُّرَ اعْتِبارٍ حَتّى تَعْلَمُوا حَقِيقَةَ الحالِ.
ثُمَّ بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - بَعْضَ جَهالاتِهِمْ وضَلالاتِهِمْ فَقالَ: ﴿وقالُوا ما هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا﴾ أيْ: ما الحَياةُ إلّا الحَياةُ الَّتِي نَحْنُ فِيها ﴿نَمُوتُ ونَحْيا﴾ أيْ: يُصِيبُنا المَوْتُ والحَياةُ فِيها، ولَيْسَ وراءَ ذَلِكَ حَياةٌ، وقِيلَ: نَمُوتُ نَحْنُ ويَحْيا فِيها أوْلادُنا، وقِيلَ: نَكُونُ نُطَفًا مَيِّتَةً، ثُمَّ نَصِيرُ أحْياءً.
وقِيلَ: في الآيَةِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ أيْ: نَحْيا ونَمُوتُ وكَذا قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وعَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَمُرادُهم بِهَذِهِ المَقالَةِ إنْكارُ البَعْثِ، وتَكْذِيبُ الآخِرَةِ ﴿وما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ﴾ أيْ: إلّا مُرُورُ الأيّامِ واللَّيالِي قالَ مُجاهِدٌ: يَعْنِي السِّنِينَ والأيّامَ. وقالَ قَتادَةُ: إلّا العُمْرُ، والمَعْنى واحِدٌ. وقالَ قُطْرُبٌ: المَعْنى وما يُهْلِكُنا إلّا المَوْتُ. وقالَ عِكْرِمَةُ: وما يُهْلِكُنا إلّا اللَّهُ.
﴿وما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ﴾ (p-١٣٥٩)أيْ: ما قالُوا هَذِهِ المَقالَةَ إلّا شاكِّينَ غَيْرَ عالِمِينَ بِالحَقِيقَةِ.
ثُمَّ بَيَّنَ كَوْنَ ذَلِكَ صادِرًا مِنهم لا عَنْ عِلْمٍ فَقالَ: ﴿إنْ هم إلّا يَظُنُّونَ﴾ أيْ: ما هم إلّا قَوْمٌ غايَةُ ما عِنْدَهُمُ الظَّنُّ فَما يَتَكَلَّمُونَ إلّا بِهِ، ولا يَسْتَنِدُونَ إلّا إلَيْهِ.
﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ﴾ أيْ: إذا تُلِيَتْ آياتُ القُرْآنِ عَلى المُشْرِكِينَ حالَ كَوْنِها بَيِّناتٍ واضِحاتٍ ظاهِرَةَ المَعْنى والدَّلالَةِ عَلى البَعْثِ ﴿ما كانَ حُجَّتَهم إلّا أنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أنّا نُبْعَثُ بَعْدَ المَوْتِ أيْ: ما كانَ لَهم حُجَّةٌ ولا مُتَمَسَّكٌ إلّا هَذا القَوْلَ الباطِلَ الَّذِي لَيْسَ مِنَ الحُجَّةِ في شَيْءٍ، وإنَّما سَمّاهُ حُجَّةً تَهَكُّمًا بِهِمْ.
قَرَأ الجُمْهُورُ بِنَصْبِ " حُجَّتَهم " عَلى أنَّهُ خَبَرُ كانَ، واسْمُهُما ﴿إلّا أنْ قالُوا﴾ وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وعُبَيْدُ بْنُ عُمَرَ بِرَفْعِ " حُجَّتُهم " عَلى أنَّها اسْمُ كانَ.
ثُمَّ أمَرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - رَسُولَهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ، فَقالَ: ( ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ﴾ ) أيْ: في الدُّنْيا، ثُمَّ ( يُمِيتُكم ) عِنْدَ انْقِضاءِ آجالِكم ﴿ثُمَّ يَجْمَعُكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ لا رَيْبَ فِيهِ أيْ: في جَمْعِكم؛ لِأنَّ مَن قَدَرَ عَلى ابْتِداءِ الخَلْقِ قَدَرَ عَلى إعادَتِهِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ بِذَلِكَ، فَلِهَذا حَصَلَ مَعَهُمُ الشَّكُّ في البَعْثِ، وجاءُوا في دَفْعِهِ بِما هو أوْهَنُ مِن بَيْتِ العَنْكَبُوتِ، ولَوْ نَظَرُوا حَقَّ النَّظَرِ لَحَصَلُوا عَلى العِلْمِ اليَقِينِ، وانْدَفَعَ عَنْهُمُ الرَّيْبُ وأراحُوا أنْفُسَهم مِن ورْطَةِ الشَّكِّ والحَيْرَةِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ﴾ يَقُولُ: عَلى هُدًى مِن أمْرِ دِينِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿سَواءً مَحْياهم ومَماتُهُمْ﴾ قالَ: المُؤْمِنُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ مُؤْمِنٌ، والكافِرُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ كافِرٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾ قالَ: ذاكَ الكافِرُ اتَّخَذَ دِينَهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ولا بُرْهانٍ ﴿وأضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ﴾ يَقُولُ: أضَلَّهُ في سابِقِ عِلْمِهِ.
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قالَ: كانَ الرَّجُلُ مِنَ العَرَبِ يَعْبُدُ الحَجَرَ، فَإذا وجَدَ أحْسَنَ مِنهُ أخَذَهُ وألْقى الآخَرَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: " كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ إنَّما يُهْلِكُنا اللَّيْلُ والنَّهارُ، فَقالَ اللَّهُ في كِتابِهِ: ﴿وقالُوا ما هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا نَمُوتُ ونَحْيا وما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ﴾ قالَ اللَّهُ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وأنا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهارَ " .
وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - «يَقُولُ: قالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وأنا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهارَ "» .
{"ayahs_start":16,"ayahs":["وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقۡنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَفَضَّلۡنَـٰهُمۡ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ","وَءَاتَیۡنَـٰهُم بَیِّنَـٰتࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوۤا۟ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ یَقۡضِی بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فِیمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ","ثُمَّ جَعَلۡنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِیعَةࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ","إِنَّهُمۡ لَن یُغۡنُوا۟ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَیۡـࣰٔاۚ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۖ وَٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلۡمُتَّقِینَ","هَـٰذَا بَصَـٰۤىِٕرُ لِلنَّاسِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ","أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِینَ ٱجۡتَرَحُوا۟ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَوَاۤءࣰ مَّحۡیَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ","وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَلِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ","أَفَرَءَیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمࣲ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَـٰوَةࣰ فَمَن یَهۡدِیهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ","وَقَالُوا۟ مَا هِیَ إِلَّا حَیَاتُنَا ٱلدُّنۡیَا نَمُوتُ وَنَحۡیَا وَمَا یُهۡلِكُنَاۤ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَ ٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ","وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُنَا بَیِّنَـٰتࣲ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمۡ إِلَّاۤ أَن قَالُوا۟ ٱئۡتُوا۟ بِـَٔابَاۤىِٕنَاۤ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","قُلِ ٱللَّهُ یُحۡیِیكُمۡ ثُمَّ یُمِیتُكُمۡ ثُمَّ یَجۡمَعُكُمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ لَا رَیۡبَ فِیهِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ","وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَیَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ یَوۡمَىِٕذࣲ یَخۡسَرُ ٱلۡمُبۡطِلُونَ"],"ayah":"وَقَالُوا۟ مَا هِیَ إِلَّا حَیَاتُنَا ٱلدُّنۡیَا نَمُوتُ وَنَحۡیَا وَمَا یُهۡلِكُنَاۤ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَ ٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق