الباحث القرآني
ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - بَعْضَ آياتِهِ الدّالَّةِ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ المُوجِبَةِ لِتَوْحِيدِهِ وصِدْقِ ما وعَدَ بِهِ مِنَ البَعْثِ، فَقالَ: ﴿ومِن آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ: خَلْقُهُما عَلى هَذِهِ الكَيْفِيَّةِ العَجِيبَةِ والصَّنْعَةِ الغَرِيبَةِ ﴿وما بَثَّ فِيهِما مِن دابَّةٍ﴾ يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلى خَلْقِ، ويَجُوزُ عَطْفُهُ عَلى السَّماواتِ، والدّابَّةُ اسْمٌ لِكُلِّ ما دَبَّ.
قالَ الفَرّاءُ: أرادَ ما بَثَّ في الأرْضِ دُونَ السَّماءِ كَقَوْلِهِ: ﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] وإنَّما يَخْرُجُ مِنَ المِلْحِ دُونَ العَذْبِ.
وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: تَقْدِيرُهُ وما بَثَّ في أحَدِهِما، فَحُذِفَ المُضافُ.
قالَ مُجاهِدٌ: يَدْخُلُ في هَذا المَلائِكَةُ والنّاسُ، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿ويَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [النمل: ٨]، ﴿وهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ﴾ أيْ: حَشْرِهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ ﴿إذا يَشاءُ قَدِيرٌ﴾ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِجَمْعِهِمْ لا بِقَدِيرٍ قالَ أبُو البَقاءِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي، وهو عَلى جَمْعِهِمْ قَدِيرٌ إذا يَشاءُ فَتَتَعَلَّقُ القُدْرَةُ بِالمَشِيئَةِ وهو مُحالٌ.
قالَ شِهابُ الدِّينِ: ولا أدْرِي ما وجْهُ كَوْنِهِ مُحالًا عَلى مَذْهَبِ أهْلِ السُّنَّةِ، فَإنْ كانَ يَقُولُ بِقَوْلِ المُعْتَزِلَةِ وهو أنَّ القُدْرَةَ تَتَعَلَّقُ بِما لَمْ (p-١٣٣٠)يَشَأِ اللَّهُ مَشى كَلامُهُ، ولَكِنَّهُ مَذْهَبٌ رَدِيءٌ لا يَجُوزُ اعْتِقادُهُ.
﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكم﴾ أيْ: ما أصابَكم مِنَ المَصائِبِ كائِنَةً ما كانَتْ فَبِسَبَبِ ما كَسَبَتْ أيْدِيكم مِنَ المَعاصِي.
قَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ " بِما كَسَبَتْ " بِغَيْرِ فاءٍ، وقَرَأ الباقُونَ بِالفاءِ، و" ما " في ﴿وما أصابَكُمْ﴾ هي الشَّرْطِيَّةُ، ولِهَذا دَخَلَتِ الفاءُ في جَوابِها عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ ولا يَجُوزُ حَذْفُها عِنْدَ سِيبَوَيْهِ والجُمْهُورِ، وجَوَّزَ الأخْفَشُ الحَذْفَ كَما في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ أطَعْتُمُوهم إنَّكم لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١] وقَوْلِ الشّاعِرِ:
؎مَن يَفْعَلِ الحَسَناتِ اللَّهُ يَشْكُرُها والشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلانِ
وقِيلَ: هي المَوْصُولَةُ فَيَكُونُ الحَذْفُ والإثْباتُ جائِزَيْنِ، والأوَّلُ أوْلى.
قالَ الزَّجّاجُ: إثْباتُ الفاءِ أجْوَدُ؛ لِأنَّ الفاءَ مُجازاةُ جَوابِ الشَّرْطِ، ومَن حَذَفَ الفاءَ فَعَلى أنَّ ما في مَعْنى الَّذِي، والمَعْنى: الَّذِي أصابَكم وقَعَ بِما كَسَبَتْ أيْدِيكم.
قالَ الحَسَنُ: المُصِيبَةُ هُنا الحُدُودُ عَلى المَعاصِي، والأوْلى الحَمْلُ عَلى العُمُومِ كَما يُفِيدُهُ وُقُوعُ النَّكِرَةِ في سِياقِ النَّفْيِ ودُخُولُ مِنَ الِاسْتِغْرِاقِيَّةِ عَلَيْها ﴿ويَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ مِنَ المَعاصِي الَّتِي يَفْعَلُها العِبادُ فَلا يُعاقِبُ عَلَيْها، فَمَعْنى الآيَةِ: أنَّهُ يُكَفِّرُ عَنِ العَبْدِ بِما يُصِيبُهُ مِنَ المَصائِبِ ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الذُّنُوبِ.
وقَدْ ثَبَتَتِ الأدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ أنَّ جَمِيعَ ما يُصابُ بِهِ الإنْسانُ في الدُّنْيا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أوْ يُكَفَّرُ عَنْهُ مِن ذُنُوبِهِ.
وقِيلَ: هَذِهِ الآيَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالكافِرِينَ عَلى مَعْنى: أنَّ ما يُصابُونَ بِهِ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُكَفِّرًا عَنْهم لِذَنْبٍ ولا مُحَصِّلًا لِصَوابٍ، وبِتَرْكِ عُقُوبَتِهِمْ عَنْ كَثِيرٍ مِن ذُنُوبِهِمْ فَلا يُعاجِلُهم في الدُّنْيا بَلْ يُمْهِلُهم إلى الدّارِ الآخِرَةِ.
والأوْلى حَمْلُ الآيَةِ عَلى العُمُومِ، والعَفْوُ يَصْدُقُ عَلى تَأْخِيرِ العُقُوبَةِ كَما يَصْدُقُ عَلى مَحْوِ الذَّنْبِ ورَفْعِ الخِطابِ بِهِ.
قالَ الواحِدِيُّ: وهَذِهِ أرْجى آيَةٍ في كِتابِ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ جَعَلَ ذُنُوبَ المُؤْمِنِينَ صِنْفَيْنِ: صِنْفٌ كَفَّرَهُ عَنْهم بِالمَصائِبِ، وصِنْفٌ عَفا عَنْهُ في الدُّنْيا وهو كَرِيمٌ لا يَرْجِعُ في عَفْوِهِ، فَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ مَعَ المُؤْمِنِينَ.
وأمّا الكافِرُ فَإنَّهُ لا يُعَجَّلُ لَهُ عُقُوبَةُ ذَنْبِهِ حَتّى يُوافى بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ.
﴿وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ في الأرْضِ﴾ أيْ: بِفائِتِينَ عَلَيْهِ هَرَبًا في الأرْضِ ولا في السَّماءِ لَوْ كانُوا فِيها بَلْ ما قَضاهُ عَلَيْهِمْ مِنَ المَصائِبِ واقِعٌ عَلَيْهِمْ نازِلٌ بِهِمْ ﴿وما لَكم مِن دُونِ اللَّهِ مِن ولِيٍّ﴾ يُوالِيكم فَيَمْنَعُ عَنْكم ما قَضاهُ اللَّهُ ولا نَصِيرٍ يَنْصُرُكم مِن عَذابِ اللَّهِ في الدُّنْيا ولا في الآخِرَةِ.
ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - آيَةً أُخْرى مِن آياتِهِ العَظِيمَةِ الدّالَّةِ عَلى تَوْحِيدِهِ وصِدْقِ ما وعَدَ بِهِ فَقالَ: ﴿ومِن آياتِهِ الجَوارِي﴾ قَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو " الجَوارِي " بِإثْباتِ الياءِ في الوَصْلِ، وأمّا في الوَقْفِ فَإثْباتُها عَلى الأصْلِ وحَذْفُها لِلتَّخْفِيفِ، وهي السُّفُنُ واحِدَتُها جارِيَةٌ أيْ: سائِرَةٌ ﴿فِي البَحْرِ كالأعْلامِ﴾ أيِ: الجِبالِ جَمْعُ عَلَمٍ وهو الجَبَلُ، ومِنهُ قَوْلُ الخَنْساءِ:
؎وإنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الهُداةُ بِهِ ∗∗∗ كَأنَّهُ عَلَمٌ في رَأْسِهِ نارُ
فَقالَ الخَلِيلُ: كُلُّ شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ عِنْدَ العَرَبِ فَهو عَلَمٌ. وقالَ مُجاهِدٌ: الأعْلامُ القُصُورُ واحِدُها عَلَمٌ.
﴿إنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ﴾ . قَرَأ الجُمْهُورُ بِهَمْزِ يَشَأْ وقَرَأ ورْشٌ عَنْ نافِعٍ بِلا هَمْزٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ الرِّيحَ بِالإفْرادِ، وقَرَأ نافِعٌ " الرِّياحَ " عَلى الجَمْعِ أيْ: يُسْكِنِ الرِّيحَ الَّتِي بِها السُّفُنُ فَيَظْلَلْنَ أيِ: السُّفُنُ رَواكِدَ أيْ: سَواكِنَ ثَوابِتَ ﴿عَلى ظَهْرِهِ﴾ البَحْرِ.
يُقالُ: رَكَدَ الماءُ رُكُودًا: سَكَنَ، وكَذَلِكَ رَكَدَتِ الرِّيحُ ورَكَدَتِ السَّفِينَةُ وكُلُّ ثابِتٍ في مَكانٍ فَهو راكِدٌ.
قَرَأ الجُمْهُورُ فَيَظْلَلْنَ بِفَتْحِ اللّامِ الأُولى، وقَرَأ قَتادَةُ بِكَسْرِها وهي لُغَةٌ قَلِيلَةٌ ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ الَّذِي ذُكِرَ مِن أمْرِ السُّفُنِ لَآياتٍ دَلالاتٍ عَظِيمَةٍ ﴿لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ أيْ: لِكُلِّ مَن كانَ كَثِيرَ الصَّبْرِ عَلى البَلْوى كَثِيرَ الشُّكْرِ عَلى النَّعْماءِ.
قالَ قُطْرُبٌ: الصَّبّارُ: الشَّكُورُ الَّذِي إذا أُعْطِيَ شَكَرَ وإذا ابْتُلِيَ صَبَرَ.
قالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:
؎فَكَمْ مِن مُنْعَمٍ عَلَيْهِ غَيْرِ شاكِرٍ ∗∗∗ وكَمْ مِن مُبْتَلًى غَيْرِ صابِرٍ
﴿أوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا﴾ مَعْطُوفٌ عَلى ﴿يُسْكِنِ﴾ أيْ: يُهْلِكُهُنَّ بِالغَرَقِ، والمُرادُ أهْلَكَهُنَّ بِما كَسَبُوا مِنَ الذُّنُوبِ.
وقِيلَ: بِما أشْرَكُوا.
والأوَّلُ أوْلى، فَإنَّهُ يُهْلِكُ في البَحْرِ المُشْرِكَ وغَيْرَ المُشْرِكِ، يُقالُ: أوْبَقَهُ أيْ: أهْلَكَهُ ﴿ويَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ مِن أهْلِها بِالتَّجاوُزِ عَنْ ذُنُوبِهِمْ فَيُنْجِيهِمْ مِنَ الغَرَقِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ يَعْفُ بِالجَزْمِ عَطْفًا عَلى جَوابِ الشَّرْطِ. قالَ القُشَيْرِيُّ: وفي هَذِهِ القِراءَةِ إشْكالٌ لِأنَّ المَعْنى: إنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَتَبْقى تِلْكَ السُّفُنُ رَواكِدَ أوْ يُهْلِكُها بِذُنُوبِ أهْلِها فَلا يَحْسُنُ عَطْفُ يَعْفُ عَلى هَذا؛ لِأنَّهُ يَصِيرُ المَعْنى: إنْ يَشَأْ يَعْفُ ولَيْسَ المَعْنى ذَلِكَ، بَلِ المَعْنى الإخْبارُ عَنِ العَفْوِ مِن غَيْرِ شَرْطِ المَشِيئَةِ فَهو إذَنْ عَطْفٌ عَلى المَجْزُومِ مِن حَيْثُ اللَّفْظُ لا مِن حَيْثُ المَعْنى، وقَدْ قَرَأ قَوْمٌ " ويَعْفُو " بِالرَّفْعِ وهي جَيِّدَةٌ في المَعْنى.
قالَ أبُو حَيّانَ: وما قالَهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ إذْ لَمْ يُفْهَمْ مَدْلُولُ التَّرْكِيبِ، والمَعْنى: إلّا أنَّهُ - تَعالى - أهْلَكَ ناسًا وأنْجى ناسًا عَلى طَرِيقِ العَفْوِ عَنْهم، وقَرَأ الأعْمَشُ " ويَعْفُو " بِالرَّفْعِ، وقَرَأ بَعْضُ أهْلِ المَدِينَةِ بِالنَّصْبِ بِإضْمارِ أنْ بَعْدَ الواوِ كَما في قَوْلِ النّابِغَةِ:
؎فَإنْ يَهْلِكْ أبُو قابُوسَ يَهْلِكْ رَبِيعُ ∗∗∗ النّاسِ والشَّهْرُ الحَرامُ
؎ونَأْخُذَ بَعْدَهُ بِذِنابِ عَيْشٍ ∗∗∗ أجِبِّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنامُ
بِنَصْبِ ونَأْخُذَ.
﴿ويَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ في آياتِنا ما لَهم مِن مَحِيصٍ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ بِنَصْبِ يَعْلَمَ قالَ الزَّجّاجُ: عَلى الصَّرْفِ، قالَ: ومَعْنى الصَّرْفِ صَرْفُ العَطْفِ عَلى اللَّفْظِ إلى العَطْفِ عَلى المَعْنى، قالَ: وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا لَمْ يَحْسُنْ عَطْفُ ويَعْلَمَ مَجْزُومًا عَلى ما قَبْلَهُ إذْ يَكُونُ المَعْنى: إنْ يَشَأْ بِعِلْمٍ عَدَلَ إلى العَطْفِ عَلى مَصْدَرِ الفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، ولا يَتَأتّى ذَلِكَ إلّا بِإضْمارِ أنْ لِتَكُونَ مَعَ الفِعْلِ في تَأْوِيلِ اسْمٍ، ومِن هَذا بَيْتا النّابِغَةِ المَذْكُورانِ قَرِيبًا، وكَما قالَ الزَّجّاجُ: قالَ المُبَرِّدُ وأبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: واعْتُرِضَ عَلى هَذا الوَجْهِ بِما لا طائِلَ تَحْتَهُ.
وقِيلَ: النَّصْبُ عَلى العَطْفِ عَلى تَعْلِيلِ مَحْذُوفٍ والتَّقْدِيرُ: لِيَنْتَقِمَ مِنهم ويَعْلَمَ.
واعْتَرَضَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّهُ تَرَتَّبَ عَلى الشَّرْطِ إهْلاكُ قَوْمٍ ونَجاةُ قَوْمٍ فَلا يَحْسُنُ تَقْدِيرُ لِيَنْتَقِمَ (p-١٣٣١)مِنهم.
وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ بِرَفْعِ " يَعْلَمَ " عَلى الِاسْتِئْنافِ وهي قِراءَةٌ ظاهِرَةُ المَعْنى واضِحَةُ اللَّفْظِ.
وقُرِئَ بِالجَزْمِ عَطْفًا عَلى المَجْزُومِ قَبْلَهُ عَلى مَعْنى: وإنْ يَشَأْ يَجْمَعْ بَيْنَ الإهْلاكِ والنَّجاةِ والتَّحْذِيرِ، ومَعْنى ﴿ما لَهم مِن مَحِيصٍ﴾ ما لَهم مِن فِرارٍ ولا مَهْرَبٍ، قالَهُ قُطْرُبٌ.
وقالَ السُّدِّيُّ: ما لَهم مِن مَلْجَأٍ، وهو مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِهِمْ حاصَ بِهِ البَعِيرُ حَيْصَةً: إذا رَمى بِهِ، ومِنهُ قَوْلُهم: فُلانٌ يَحِيصُ عَنِ الحَقِّ أيْ: يَمِيلُ عَنْهُ.
﴿فَما أُوتِيتُمْ مِن شَيْءٍ فَمَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ لَمّا ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - دَلائِلَ التَّوْحِيدِ ذَكَرَ التَّنْفِيرَ عَنِ الدُّنْيا أيْ: ما أُعْطِيتُمْ مِنَ الغِنى والسَّعَةِ في الرِّزْقِ فَإنَّما هو مَتاعٌ قَلِيلٌ في أيّامٍ قَلِيلَةٍ يَنْقَضِي ويَذْهَبُ.
ثُمَّ رَغَّبَهم في ثَوابِ الآخِرَةِ وما عِنْدَ اللَّهِ مِنَ النَّعِيمِ المُقِيمِ فَقالَ: ﴿وما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وأبْقى﴾ أيْ: ما عِنْدَ اللَّهِ مِن ثَوابِ الطّاعاتِ والجَزاءِ عَلَيْها بِالجَنّاتِ خَيْرٌ مِن مَتاعِ الدُّنْيا وأبْقى لِأنَّهُ دائِمٌ لا يَنْقَطِعُ، ومَتاعُ الدُّنْيا يَنْقَطِعُ بِسُرْعَةٍ.
ثُمَّ بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - لِمَن هَذا فَقالَ: ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ: صَدَقُوا وعَمِلُوا عَلى ما يُوجِبُهُ الإيمانُ ﴿وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أيْ: يُفَوِّضُونَ إلَيْهِ أُمُورَهم ويَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ في كُلِّ شُؤُونِهِمْ لا عَلى غَيْرِهِ.
﴿والَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ﴾ المَوْصُولُ في مَحَلِّ جَرٍّ مَعْطُوفٌ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا أوْ بَدَلًا مِنهُ أوْ في مَحَلِّ نَصْبٍ بِإضْمارِ: أعْنِي والأوَّلُ أوْلى، والمَعْنى: أنَّ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وأبْقى لِلَّذِينِ آمَنُوا ولِلَّذِينِ يَجْتَنِبُونَ.
والمُرادُ بِـ ﴿كَبائِرَ الإثْمِ﴾: الكَبائِرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وقَدْ قَدَّمْنا تَحْقِيقَها في سُورَةِ النِّساءِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ كَبائِرَ بِالجَمْعِ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ " كَبِيرَ " بِالإفْرادِ وهو يُفِيدُ مُفادَ الكَبائِرِ؛ لِأنَّ الإضافَةَ لِلْجِنْسِ كاللّامِ.
والفَواحِشُ: هي مِنَ الكَبائِرِ ولَكِنَّها مَعَ وصْفِ كَوْنِها فاحِشَةً كَأنَّها فَوْقَها، وذَلِكَ كالقَتْلِ والزِّنا ونَحْوِ ذَلِكَ. وقالَ مُقاتِلٌ: الفَواحِشُ مُوجِباتُ الحُدُودِ.
وقالَ السُّدِّيُّ: هي الزِّنا ﴿وإذا ما غَضِبُوا هم يَغْفِرُونَ﴾ أيْ: يَتَجاوَزُونَ عَنِ الذَّنْبِ الَّذِي أغْضَبَهم ويَكْظِمُونَ الغَيْظَ ويَحْمِلُونَ عَلى مَن ظَلَمَهم، وخُصَّ الغَضَبُ بِالغُفْرانِ لِأنَّ اسْتِيلاءَهُ عَلى طَبْعِ الإنْسانِ وغَلَبَتَهُ عَلَيْهِ شَدِيدَةٌ، فَلا يَغْفِرُ عِنْدَ سَوْرَةِ الغَضَبِ إلّا مَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ وخَصَّهُ بِمَزِيَّةِ الحِلْمِ، ولِهَذا أثْنى اللَّهُ - سُبْحانَهُ - عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ في آلِ عِمْرانَ ﴿والكاظِمِينَ الغَيْظَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] قالَ ابْنُ زَيْدٍ: جَعَلَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ صِنْفَيْنِ: صِنْفًا يَعْفُونَ عَنْ ظالِمِهِمْ فَبَدَأ بِذِكْرِهِمْ، وصِنْفًا يَنْتَصِرُونَ مِن ظالِمِهِمْ وهُمُ الَّذِينَ سَيَأْتِي ذِكْرُهم.
﴿والَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وأقامُوا الصَّلاةَ﴾ أيْ: أجابُوهُ إلى ما دَعاهم إلَيْهِ وأقامُوا ما أوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ مِن فَرِيضَةِ الصَّلاةِ.
قالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُمُ الأنْصارُ بِالمَدِينَةِ اسْتَجابُوا إلى الإيمانِ بِالرَّسُولِ حِينَ أنْفَذَ إلَيْهِمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنهم قَبْلَ الهِجْرَةِ، وأقامُوا الصَّلاةَ لِمَواقِيتِها بِشُرُوطِها وهَيْئاتِها ﴿وأمْرُهم شُورى بَيْنَهم﴾ أيْ: يَتَشاوَرُونَ فِيما بَيْنَهم ولا يَعْجَلُونَ ولا يَنْفَرِدُونَ بِالرَّأْيِ، والشُّورى مَصْدَرُ شاوَرْتُهُ مِثْلَ البُشْرى والذِّكْرى.
قالَ الضَّحّاكُ: هو تَشاوُرُهم حِينَ سَمِعُوا بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ووُرُودِ النُّقَباءِ إلَيْهِمْ حِينَ اجْتَمَعَ رَأْيُهم في دارِ أبِي أيُّوبَ عَلى الإيمانِ بِهِ والنُّصْرَةِ لَهُ.
وقِيلَ: المُرادُ تَشاوُرُهم في كُلِّ أمْرٍ يَعْرِضُ لَهم فَلا يَسْتَأْثِرُ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ بِرَأْيٍ، وما أحْسَنَ ما قالَهُ بَشّارُ بْنُ بُرْدٍ:
؎إذا بَلَغَ الرَّأْيُ المَشُورَةَ فِاسْتَعِنْ ∗∗∗ بِرَأْيِ نَصِيحٍ أوْ نَصِيحَةِ حازِمِ
؎ولا تَجْعَلِ الشُّورى عَلَيْكَ غَضاضَةً ∗∗∗ فَرِيشُ الحَوافِي قُوَّةٌ لِلْقَوادِمِ
وقَدْ كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يُشاوِرُ أصْحابَهُ في أُمُورِهِ، وأمَرَهُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - بِذَلِكَ فَقالَ ﴿وشاوِرْهم في الأمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] وقَدْ قَدَّمْنا في آلِ عِمْرانَ كَلامًا في الشُّورى ﴿ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ أيْ: يُنْفِقُونَهُ في سَبِيلِ الخَيْرِ ويَتَصَدَّقُونَ بِهِ عَلى المَحاوِيجِ.
ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - الطّائِفَةَ الَّتِي تَنْتَصِرُ مِمَّنْ ظَلَمَها فَقالَ: ﴿والَّذِينَ إذا أصابَهُمُ البَغْيُ هم يَنْتَصِرُونَ﴾ أيْ: أصابَهم بَغْيُ مَن بَغى عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - هَؤُلاءِ المُنْتَصِرِينَ في مَعْرِضِ المَدْحِ كَما ذَكَرَ المَغْفِرَةَ عِنْدَ الغَضَبِ في مَعْرِضِ المَدْحِ لِأنَّ التَّذَلُّلَ لِمَن بَغى لَيْسَ مِن صِفاتِ مَن جَعَلَ اللَّهُ لَهُ العِزَّةَ حَيْثُ قالَ ﴿ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨] فالِانْتِصارُ عِنْدَ البَغْيِ فَضِيلَةٌ، كَما أنَّ العَفْوَ عِنْدَ الغَضَبِ فَضِيلَةٌ.
قالَ النَّخَعِيُّ: كانُوا يَكْرَهُونَ أنْ يُذِلُّوا أنْفُسَهم فَيَجْتَرِئَ عَلَيْهِمُ السُّفَهاءُ.
ولَكِنَّ هَذا الِانْتِصارَ مَشْرُوطٌ بِالِاقْتِصارِ عَلى ما جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ وعَدَمِ مُجاوَزَتِهِ كَما بَيَّنَهُ - سُبْحانَهُ - عَقِبَ هَذا بِقَوْلِهِ: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ فَبَيَّنَ - سُبْحانَهُ - أنَّ العَدْلَ في الِانْتِصارِ هو الِاقْتِصارُ عَلى المُساواةِ، وظاهِرُ هَذا العُمُومُ.
وقالَ مُقاتِلٌ والشّافِعِيُّ وأبُو حَنِيفَةَ وسُفْيانُ: إنَّ هَذا خاصٌّ بِالمَجْرُوحِ يَنْتَقِمُ مِنَ الجارِحِ بِالقِصاصِ دُونَ غَيْرِهِ.
وقالَ مُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ: هو جَوابُ القَبِيحِ إذا قالَ أخْزاكَ اللَّهُ يَقُولُ أخْزاكَ اللَّهُ مِن غَيْرِ أنْ يَعْتَدِيَ، وتَسْمِيَةُ الجَزاءِ سَيِّئَةً إمّا لِكَوْنِها تَسُوءُ مَن وقَعَتْ عَلَيْهِ أوْ عَلى طَرِيقِ المُشاكَلَةِ لِتَشابُهِهِما في الصُّورَةِ.
ثُمَّ لَمّا بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - أنَّ جَزاءَ السَّيِّئَةِ بِمِثْلِها حَقٌّ جائِزٌ بَيَّنَ فَضِيلَةَ العَفْوِ فَقالَ: ﴿فَمَن عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلى اللَّهِ﴾ أيْ: مَن عَفا عَمَّنْ ظَلَمَهُ وأصْلَحَ بِالعَفْوِ بَيْنَهُ وبَيْنَ ظالِمِهِ أيْ: أنَّ اللَّهَ - سُبْحانَهُ - يَأْجُرُهُ عَلى ذَلِكَ، وأُبْهِمَ الأجْرُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وتَنْبِيهًا عَلى جَلالَتِهِ.
قالَ مُقاتِلٌ: فَكانَ العَفْوُ مِنَ الأعْمالِ الصّالِحَةِ، وقَدْ بَيَّنّا هَذا في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - خُرُوجَ الظَّلَمَةِ عَنْ مَحَبَّتِهِ الَّتِي هي سَبَبُ الفَوْزِ والنَّجاةِ فَقالَ: ﴿إنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾ أيِ: المُبْتَدِئِينَ بِالظُّلْمِ قالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي مَن يَبْدَأُ بِالظُّلْمِ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وقِيلَ: لا يُحِبُّ مَن يَتَعَدّى في الِاقْتِصاصِ ويُجاوِزُ الحَدَّ فِيهِ لِأنَّ المُجاوَزَةَ ظُلْمٌ.
﴿ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾ مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى المَفْعُولِ أيْ: بَعْدَ أنْ ظَلَمَهُ الظّالِمُ لَهُ، واللّامُ هي لامُ الِابْتِداءِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هي لامُ القَسَمِ، والأوَّلُ أوْلى. ومَن هي الشَّرْطِيَّةُ وجَوابُهُ ﴿فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِن سَبِيلٍ﴾ بِمُؤاخَذَةٍ وعُقُوبَةٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَن هي المَوْصُولَةُ ودَخَلَتِ الفاءُ في جَوابِها تَشْبِيهًا لِلْمَوْصُولَةِ بِالشَّرْطِيَّةِ، والأوَّلُ أوْلى.
ولَمّا نَفى - سُبْحانَهُ - السَّبِيلَ عَلى مَنِ (p-١٣٣٢)انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ بَيَّنَ مَن عَلَيْهِ السَّبِيلُ فَقالَ: ٤٢ ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ﴾ أيْ: يَتَعَدَّوْنَ عَلَيْهِمُ ابْتِداءً. كَذا قالَ الأكْثَرُ.
وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أيْ: يَظْلِمُونَهم بِالشِّرْكِ المُخالِفِ لِدِينِهِمْ ﴿ويَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ أيْ: يَعْمَلُونَ في النُّفُوسِ والأمْوالِ بِغَيْرِ الحَقِّ كَذا قالَ الأكْثَرُ.
وقالَ مُقاتِلٌ: بَغْيُهم: عَمَلُهم بِالمَعاصِي، وقِيلَ: يَتَكَبَّرُونَ ويَتَجَبَّرُونَ.
وقالَ أبُو مالِكٍ: هو ما يَرْجُوهُ أهْلُ مَكَّةَ أنْ يَكُونَ بِمَكَّةَ غَيْرُ الإسْلامِ دِينًا، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولَئِكَ إلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وهو مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ لَهم عَذابٌ ألِيمٌ أيْ: لَهم بِهَذا السَّبَبِ عَذابٌ شَدِيدُ الألَمِ.
ثُمَّ رَغَّبَ - سُبْحانَهُ - في الصَّبْرِ والعَفْوِ فَقالَ: ﴿ولَمَن صَبَرَ وغَفَرَ﴾ أيْ: صَبَرَ عَلى الأذى وغَفَرَ لِمَن ظَلَمَهُ ولَمْ يَنْتَصِرْ، والكَلامُ في هَذِهِ اللّامِ ومَن كالكَلامِ في ﴿ولَمَنِ انْتَصَرَ﴾، إنَّ ذَلِكَ الصَّبْرَ والمَغْفِرَةَ ﴿لَمِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ أيْ: أنَّ ذَلِكَ مِنهُ فَحُذِفَ لِظُهُورِهِ، كَما في قَوْلِهِمْ: " السَّمْنُ مَنَوانِ بِدِرْهَمٍ " .
قالَ مُقاتِلٌ: مِنَ الأُمُورِ الَّتِي أمَرَ اللَّهُ بِها، وقالُ الزَّجّاجُ: الصّابِرُ يُؤْتى بِصَبْرِهِ ثَوابًا، فالرَّغْبَةُ في الثَّوابِ أتَمُّ عَزْمًا. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: إنَّ هَذا كُلَّهُ مَنسُوخٌ بِالجِهادِ وأنَّهُ خاصٌّ بِالمُشْرِكِينَ.
وقالَ قَتادَةُ: إنَّهُ عامٌّ، وهو ظاهِرُ النَّظْمِ القُرْآنِيِّ ﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن ولِيٍّ مِن بَعْدِهِ﴾ أيْ: فَما لَهُ مِن أحَدٍ يَلِي هِدايَتَهُ ويَنْصُرُهُ، وظاهِرُ الآيَةِ العُمُومُ، وقِيلَ: هي خاصَّةٌ بِمَن أعْرَضَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ولَمْ يَعْمَلْ بِما دَعاهُ إلَيْهِ مِنَ الإيمانِ بِاللَّهِ والعَمَلِ بِما شَرَعَهُ، والأوَّلُ أوْلى.
وقَدْ أخْرَجَ أحْمَدُ وابْنُ راهَوَيْهِ وابْنُ مَنِيعٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وأبُو يَعْلى، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والحاكِمُ «عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: ألا أُخْبِرُكم بِأفْضَلِ آيَةٍ في كِتابِ اللَّهِ، حَدَّثَنا بِها رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكم ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ وسَأُفَسِّرُها لَكَ يا عَلِيُّ: ما أصابَكم مِن مَرَضٍ أوْ عُقُوبَةٍ أوْ بَلاءٍ في الدُّنْيا فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكم، واللَّهُ أكْرَمُ مِن أنْ يُثْنِيَ عَلَيْكُمُ العُقُوبَةَ في الآخِرَةِ، وما عَفا اللَّهُ عَنْهُ في الدُّنْيا، فاللَّهُ أكْرَمُ مِن أنْ يَعُودَ بَعْدَ عَفْوِهِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ عَنْ أبِي مُوسى أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «لا يُصِيبُ عَبْدًا نَكْبَةٌ فَما فَوْقَها أوْ دُونَها إلّا بِذَنْبٍ، وما يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أكْثَرُ، وقَرَأ ﴿وما أصابَكُمْ﴾ الآيَةَ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا في الكَفّاراتِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ أصْحابِهِ، وكانَ قَدِ ابْتُلِيَ في جَسَدِهِ، فَقالَ: إنّا لَنَبْتَئِسُ لَكَ لِما نَرى فِيكَ، قالَ: فَلا تَبْتَئِسْ لِما تَرى، فَإنَّ ما تَرى بِذَنْبٍ، وما يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أكْثَرُ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ ﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ﴾ إلى آخِرِها.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ أبِي سُفْيانَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَقُولُ: «ما مِن شَيْءٍ يُصِيبُ المُؤْمِنَ في جَسَدِهِ يُؤْذِيهِ إلّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهِ سَيِّئاتِهِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ البَراءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «ما عَثْرَةُ قَدَمٍ ولا اخْتِلاجُ عِرْقٍ ولا خَدْشُ عُودٍ إلّا بِما قَدَّمَتْ أيْدِيكم وما يَعْفُو اللَّهُ أكْثَرُ» .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ مِن طَرِيقِ عَطاءٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ﴾ قالَ: يَتَحَرَّكْنَ ولا يَجْرِينَ في البَحْرِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿رَواكِدَ﴾ قالَ: وُقُوفًا أوْ يُوبِقْهُنَّ قالَ: يُهْلِكْهُنَّ.
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ «عَنْ عائِشَةَ.
قالَتْ دَخَلَتْ عَلَيَّ زَيْنَبُ وعِنْدِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَأقْبَلَتْ عَلَيَّ فَسَبَّتْنِي، فَرَدَعَها النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَلَمْ تَنْتَهِ، فَقالَ لِي: سُبِّيها، فَسَبَبْتُها حَتّى جَفَّ رِيقُها في فَمِها، ووَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَتَهَلَّلُ سُرُورًا» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «المُسْتَبّانِ ما قالا مِن شَيْءٍ فَعَلى البادِئِ حَتّى يَعْتَدِيَ المَظْلُومُ ثُمَّ قَرَأ ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أمَرَ اللَّهِ مُنادِيًا يُنادِي ألا لِيَقُمْ مَن كانَ لَهُ عَلى اللَّهِ أجْرٌ، فَلا يَقُومُ إلّا مَن عَفا في الدُّنْيا وذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَمَن عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلى اللَّهِ﴾» .
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْ أنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «يُنادِي مُنادٍ مَن كانَ لَهُ أجْرٌ عَلى اللَّهِ فَلْيَدْخُلِ الجَنَّةَ، مَرَّتَيْنِ، فَيَقُومُ مَن عَفا عَنْ أخِيهِ، قالَ اللَّهُ: ﴿فَمَن عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلى اللَّهِ﴾» .
{"ayahs_start":29,"ayahs":["وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِیهِمَا مِن دَاۤبَّةࣲۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا یَشَاۤءُ قَدِیرࣱ","وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ","وَمَاۤ أَنتُم بِمُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرࣲ","وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِ ٱلۡجَوَارِ فِی ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَـٰمِ","إِن یَشَأۡ یُسۡكِنِ ٱلرِّیحَ فَیَظۡلَلۡنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهۡرِهِۦۤۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورٍ","أَوۡ یُوبِقۡهُنَّ بِمَا كَسَبُوا۟ وَیَعۡفُ عَن كَثِیرࣲ","وَیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ یُجَـٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِیصࣲ","فَمَاۤ أُوتِیتُم مِّن شَیۡءࣲ فَمَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ","وَٱلَّذِینَ یَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰۤىِٕرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَ ٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا۟ هُمۡ یَغۡفِرُونَ","وَٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَیۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ","وَٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡیُ هُمۡ یَنتَصِرُونَ","وَجَزَ ٰۤؤُا۟ سَیِّئَةࣲ سَیِّئَةࣱ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا عَلَیۡهِم مِّن سَبِیلٍ","إِنَّمَا ٱلسَّبِیلُ عَلَى ٱلَّذِینَ یَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَیَبۡغُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَ ٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡیُ هُمۡ یَنتَصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق