الباحث القرآني

(p-١٢٩٦)لَمّا ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - حالَ أصْحابِ النّارِ، وأنَّها حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ العَذابِ، وأنَّهم أصْحابُ النّارِ ذَكَرَ أحْوالَهم بَعْدَ دُخُولِ النّارِ فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ﴾ . قالَ الواحِدِيُّ قالَ المُفَسِّرُونَ: إنَّهم لَمّا رَأوْا أعْمالَهم ونَظَرُوا في كِتابِهِمْ وأُدْخِلُوا النّارَ ومَقَتُوا أنْفُسَهم بِسُوءِ صَنِيعِهِمْ ناداهم حِينَ عايَنُوا عَذابَ اللَّهِ مُنادٍ لَمَقْتُ اللَّهِ إيّاكم في الدُّنْيا إذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ فَتَكْفُرُونَ ﴿أكْبَرُ مِن مَقْتِكم أنْفُسَكُمْ﴾ اليَوْمَ. قالَ الأخْفَشُ: هَذِهِ اللّامُ في " لَمَقْتُ " هي لامُ الِابْتِداءِ أُوقِعَتْ بَعْدَ يُنادَوْنَ؛ لِأنَّ مَعْناهُ: يُقالُ لَهم، والنِّداءُ قَوْلٌ. قالَ الكَلْبِيُّ: يَقُولُ كُلُّ إنْسانٍ لِنَفْسِهِ مِن أهْلِ النّارِ: مَقَتُّكِ يا نَفْسُ، فَتَقُولُ المَلائِكَةُ لَهم وهم في النّارِ: لَمَقْتُ اللَّهِ إيّاكم في الدُّنْيا أشَدُّ مِن مَقْتِكم أنْفُسَكُمُ اليَوْمَ. وقالَ الحَسَنُ: يُعْطَوْنَ كِتابَهم، فَإذا نَظَرُوا إلى سَيِّئاتِهِمْ مَقَتُوا أنْفُسَهم، فَيُنادَوْنَ: لَمَقْتُ اللَّهِ إيّاكم في الدُّنْيا ﴿إذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ﴾ أكْبَرُ مِن مَقْتِكم أنْفُسَكم إذْ عايَنْتُمُ النّارَ، والظَّرْفُ في إذْ تُدْعَوْنَ مَنصُوبٌ بِمُقَدَّرٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ المَذْكُورُ أيْ: مَقْتِكم وقْتَ دُعائِكم، وقِيلَ: بِمَحْذُوفٍ هو اذْكُرُوا، وقِيلَ: بِالمَقْتِ المَذْكُورِ، والمَقْتُ أشَدُّ البُغْضِ. ثُمَّ أخْبَرَ - سُبْحانَهُ - عَمّا يَقُولُونَ في النّارِ فَقالَ: ﴿قالُوا رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ﴾ اثْنَتَيْنِ في المَوْضِعَيْنِ نَعْتانِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيْ: أمَتَّنا إماتَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وأحْيَيْتَنا إحْياءَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، والمُرادُ بِالإماتَتَيْنِ: أنَّهم كانُوا نُطَفًا لا حَياةَ لَهم في أصْلابِ آبائِهِمْ، ثُمَّ أماتَهم بَعْدَ أنْ صارُوا أحْياءً في الدُّنْيا، والمُرادُ بِالإحْياءَتَيْنِ: أنَّهُ أحْياهُمُ الحَياةَ الأُولى في الدُّنْيا، ثُمَّ أحْياهم عِنْدَ البَعْثِ، ومِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ: ﴿وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يُحْيِيكم﴾ [البقرة: ٢٨] وقِيلَ: مَعْنى الآيَةِ: أنَّهم أُمِيتُوا في الدُّنْيا عِنْدَ انْقِضاءِ آجالِهِمْ ثُمَّ أحْياهُمُ اللَّهُ في قُبُورِهِمْ لِلسُّؤالِ، ثُمَّ أُمِيتُوا ثُمَّ أحْياهُمُ اللَّهُ في الآخِرَةِ ووَجْهُ هَذا القَوْلِ: أنَّ المَوْتَ سَلْبُ الحَياةِ ولا حَياةَ لِلنُّطْفَةِ. ووَجْهُ القَوْلِ الأوَّلِ: أنَّ المَوْتَ قَدْ يُطْلَقُ عَلى عادِمِ الحَياةِ مِنَ الأصْلِ، وقَدْ ذَهَبَ إلى تَفْسِيرِ الأوَّلِ جُمْهُورُ السَّلَفِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: المُرادُ بِالآيَةِ: أنَّهُ خَلَقَهم في ظَهْرِ آدَمَ واسْتَخْرَجَهم وأحْياهم، وأخَذَ عَلَيْهِمُ المِيثاقَ، ثُمَّ أماتَهم ثُمَّ أحْياهم في الدُّنْيا ثُمَّ أماتَهم. ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - اعْتِرافَهم بَعْدَ أنْ صارُوا في النّارِ بِما كَذَّبُوا بِهِ في الدُّنْيا، فَقالَ حاكِيًا عَنْهم ﴿فاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا﴾ الَّتِي أسْلَفْناها في الدُّنْيا مِن تَكْذِيبِ الرُّسُلِ والإشْراكِ بِاللَّهِ وتَرْكِ تَوْحِيدِهِ، فاعْتَرَفُوا حَيْثُ لا يَنْفَعُهُمُ الِاعْتِرافُ، ونَدِمُوا حَيْثُ لا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ، وقَدْ جَعَلُوا اعْتِرافَهم هَذا مُقَدِّمَةً لِقَوْلِهِمْ ﴿فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ﴾ أيْ: هَلْ إلى خُرُوجٍ لَنا مِنَ النّارِ ورُجُوعٍ لَنا إلى الدُّنْيا مِن سَبِيلٍ، ومِثْلُ هَذا قَوْلُهُمُ الَّذِي حَكاهُ اللَّهُ عَنْهم ﴿فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤٤] وقَوْلُهُ: ﴿فارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحًا﴾ [السجدة: ١٢] وقَوْلُهُ: يا لَيْتَنا نُرَدُّ [الأنعام: ٢٧] الآيَةَ. ثُمَّ أجابَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ هَذا بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكم بِأنَّهُ إذا دُعِيَ اللَّهُ وحْدَهُ كَفَرْتُمْ﴾ أيْ: ذَلِكَ الَّذِي أنْتُمْ فِيهِ مِنَ العَذابِ بِسَبَبِ أنَّهُ إذا دُعِيَ اللَّهُ في الدُّنْيا وحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ كَفَرْتُمْ بِهِ وتَرَكْتُمْ تَوْحِيدَهُ وإنْ يُشْرَكْ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الأصْنامِ أوْ غَيْرِها تُؤْمِنُوا بِالإشْراكِ بِهِ وتُجِيبُوا الدّاعِيَ إلَيْهِ، فَبَيَّنَ - سُبْحانَهُ - لَهُمُ السَّبَبَ الباعِثَ عَلى عَدَمِ إجابَتِهِمْ إلى الخُرُوجِ مِنَ النّارِ، وهو ما كانُوا فِيهِ مِن تَرْكِ تَوْحِيدِ اللَّهَ وإشْراكِ غَيْرِهِ بِهِ في العِبادَةِ الَّتِي رَأْسُها الدُّعاءُ، ومَحَلُّ ذَلِكم الرَّفْعُ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ مَحْذُوفٌ أيِ: الأمْرُ ذَلِكم، أوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أيْ: ذَلِكُمُ العَذابُ الَّذِي أنْتُمْ فِيهِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وفي الكَلامِ حَذْفٌ، والتَّقْدِيرُ: فَأُجِيبُوا بِأنْ لا سَبِيلَ إلى الرَّدِّ، وذَلِكَ لِأنَّكم كُنْتُمْ إذا دُعِيَ اللَّهُ إلَخْ فالحُكْمُ لِلَّهِ وحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وهو الَّذِي حَكَمَ عَلَيْكم بِالخُلُودِ في النّارِ وعَدَمِ الخُرُوجِ مِنها والعَلِيِّ المُتَعالِي عَنْ أنْ يَكُونَ لَهُ مُماثِلٌ في ذاتِهِ ولا صِفاتِهِ، والكَبِيرِ الَّذِي كَبُرَ عَنْ أنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ أوْ صاحِبَةٌ أوْ ولَدٌ أوْ شَرِيكٌ. ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكم آياتِهِ﴾ أيْ: دَلائِلَ تَوْحِيدِهِ وعَلاماتِ قُدْرَتِهِ ﴿ويُنَزِّلُ لَكم مِنَ السَّماءِ رِزْقًا﴾ يَعْنِي: المَطَرَ فَإنَّهُ سَبَبُ الأرْزاقِ. جَمَعَ - سُبْحانَهُ - بَيْنَ إظْهارِ الآياتِ وإنْزالِ الأرْزاقِ؛ لِأنَّ بِإظْهارِ الآياتِ قِوامُ الأدْيانِ، وبِالأرْزاقِ قِوامُ الأبْدانِ، وهَذِهِ الآياتُ هي التَّكْوِينِيَّةُ الَّتِي جَعَلَها اللَّهُ - سُبْحانَهُ - في سَماواتِهِ وأرْضِهِ وما فِيهِما وما بَيْنَهُما. قَرَأ الجُمْهُورُ يُنَزِّلُ بِالتَّشْدِيدِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو بِالتَّخْفِيفِ. ﴿وما يَتَذَكَّرُ إلّا مَن يُنِيبُ﴾ أيْ: ما يَتَذَكَّرُ ويَتَّعِظُ بِتِلْكَ الآياتِ الباهِرَةِ فَيَسْتَدِلُّ بِها عَلى التَّوْحِيدِ وصِدْقِ الوَعْدِ والوَعِيدِ إلّا مَن يُنِيبُ أيْ: يَرْجِعُ إلى طاعَةِ اللَّهِ بِما يَسْتَفِيدُهُ مِنَ النَّظَرِ في آياتِ اللَّهِ. ثُمَّ لَمّا ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - ما نَصَبَهُ مِنَ الأدِلَّةِ عَلى التَّوْحِيدِ أمَرَ عِبادَهُ بِدُعائِهِ وإخْلاصِ الدِّينِ لَهُ فَقالَ: ﴿فادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أيْ: إذا كانَ الأمْرُ كَما ذُكِرَ مِن ذَلِكَ فادْعُوا اللَّهَ وحْدَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ العِبادَةَ الَّتِي أمَرَكم بِها ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ ذَلِكَ، فَلا تَلْتَفِتُوا إلى كَراهَتِهِمْ، ودَعُوهم يَمُوتُوا بِغَيْظِهِمْ ويَهْلِكُوا بِحَسْرَتِهِمْ. رَفِيعُ الدَّرَجاتِ وارْتِفاعُ رَفِيعِ الدَّرَجاتِ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ آخَرُ عَلى المُبْتَدَأِ المُتَقَدِّمِ أيْ: هو الَّذِي يُرِيكم آياتِهِ، وهو رَفِيعُ الدَّرَجاتِ، وكَذَلِكَ ذُو العَرْشِ خَبَرٌ ثالِثٌ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ رَفِيعُ الدَّرَجاتِ مُبْتَدَأً، وخَبَرُهُ ذُو العَرْشِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونا خَبَرَيْنِ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، ورَفِيعُ (p-١٢٩٧)صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ. والمَعْنى: رَفِيعُ الصِّفاتِ، أوْ رَفِيعُ دَرَجاتِ مَلائِكَتِهِ أيْ: مَعارِجِهِمْ، أوْ رَفِيعُ دَرَجاتِ أنْبِيائِهِ وأوْلِيائِهِ في الجَنَّةِ. وقالَ الكَلْبِيُّ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: رَفِيعُ السَّماواتِ السَّبْعِ، وعَلى هَذا الوَجْهِ يَكُونُ رَفِيعُ بِمَعْنى رافِعٍ، ومَعْنى ذُو العَرْشِ: مالِكُهُ وخالِقُهُ والمُتَصَرِّفُ فِيهِ، وذَلِكَ يَقْتَضِي عُلُوَّ شَأْنِهِ وعِظَمَ سُلْطانِهِ، ومَن كانَ كَذَلِكَ فَهو الَّذِي يَحِقُّ لَهُ العِبادَةُ ويَجِبُ لَهُ الإخْلاصُ، وجُمْلَةُ ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِن أمْرِهِ﴾ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّها خَبَرٌ آخَرُ لِلْمُبْتَدَأِ المُتَقَدِّمِ أوْ لِلْمُقَدَّرِ، ومَعْنى ذَلِكَ أنَّهُ - سُبْحانَهُ - يُلْقِي الوَحْيَ ﴿عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾، وسُمِّيَ الوَحْيُ رُوحًا؛ لِأنَّ النّاسَ يَحْيَوْنَ بِهِ مِن مَوْتِ الكُفْرِ، كَما تَحْيا الأبْدانُ بِالأرْواحِ وقَوْلُهُ: مِن أمْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِـ يُلْقِي، و" مِن " لِابْتِداءِ الغايَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ عَلى أنَّهُ حالٌ مِنَ الرُّوحِ، ومِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ - تَعالى -: ﴿وكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا﴾ [الشورى: ٥٢] وقِيلَ: الرُّوحُ جِبْرِيلُ كَما في قَوْلِهِ: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلى قَلْبِكَ﴾ [الشعراء: ١٩٣، ١٩٤] وقَوْلِهِ: ﴿نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ﴾ [النمل: ١٠٢]، وقَوْلِهِ: ﴿عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ هُمُ الأنْبِياءُ، ومَعْنى مِن أمْرِهِ مِن قَضائِهِ ﴿لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ " لِيُنْذِرَ " مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ ونَصَبَ اليَوْمَ، والفاعِلُ هو اللَّهُ - سُبْحانَهُ - أوِ الرَّسُولُ أوْ مَن يَشاءُ، والمُنْذَرُ بِهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لِيُنْذِرَ العَذابَ يَوْمَ التَّلاقِي. وقَرَأ أُبَيٌّ وجَماعَةٌ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ رَفَعَ اليَوْمَ عَلى الفاعِلِيَّةِ مَجازًا. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ " لِتُنْذِرَ " بِالفَوْقِيَّةِ عَلى أنَّ الفاعِلَ ضَمِيرُ المُخاطَبِ وهو الرَّسُولُ، أوْ ضَمِيرٌ يَرْجِعُ إلى الرُّوحِ لِأنَّهُ يَجُوزُ تَأْنِيثُها. وقَرَأ اليَمانِيُّ " لِيُنْذَرَ " عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، ورَفَعَ يَوْمَ عَلى النِّيابَةِ، ومَعْنى ﴿يَوْمَ التَّلاقِ﴾ يَوْمَ يَلْتَقِي أهْلُ السَّماواتِ والأرْضِ في المَحْشَرِ، وبِهِ قالَ قَتادَةُ. وقالَ أبُو العالِيَةِ ومُقاتِلٌ: يَوْمَ يَلْتَقِي العابِدُونَ والمَعْبُودُونَ، وقِيلَ: الظّالِمُ والمَظْلُومُ، وقِيلَ: الأوَّلُونَ والآخِرُونَ، وقِيلَ: جَزاءُ الأعْمالِ والعامِلُونَ. وقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ هم بارِزُونَ﴾ بَدَلٌ مِن ﴿يَوْمَ التَّلاقِ﴾ . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هو مُنْتَصِبٌ بِقَوْلِهِ: ﴿لا يَخْفى عَلى اللَّهِ﴾ وقِيلَ: مُنْتَصِبٌ بِإضْمارِ اذْكُرْ، والأوَّلُ أوْلى، ومَعْنى بارِزُونَ: خارِجُونَ مِن قُبُورِهِمْ لا يَسْتُرُهم شَيْءٌ، وجُمْلَةُ ﴿لا يَخْفى عَلى اللَّهِ مِنهم شَيْءٌ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِبُرُوزِهِمْ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن ضَمِيرِ بارِزُونَ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ خَبَرًا ثانِيًا لِلْمُبْتَدَأِ أيْ: لا يَخْفى عَلَيْهِ - سُبْحانَهُ - شَيْءٌ مِنهم ولا مِن أعْمالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوها في الدُّنْيا، وجُمْلَةُ ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوابٌ عَنْ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا يُقالُ عِنْدَ بُرُوزِ الخَلائِقِ في ذَلِكَ اليَوْمِ ؟ فَقِيلَ: يُقالُ لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ ؟ قالَ المُفَسِّرُونَ: إذا هَلَكَ كُلُّ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ، فَيَقُولُ الرَّبُّ - تَبارَكَ وتَعالى -: ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ﴾ يَعْنِي يَوْمَ القِيامَةِ فَلا يُجِيبُهُ أحَدٌ فَيُجِيبُ - تَعالى - نَفْسَهُ، فَيَقُولُ ﴿لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ قالَ الحَسَنُ: هو السّائِلُ - تَعالى - وهو المُجِيبُ حِينَ لا أحَدَ يُجِيبُهُ فَيُجِيبُ نَفْسَهُ، وقِيلَ: إنَّهُ - سُبْحانَهُ - يَأْمُرُ مُنادِيًا يُنادِي بِذَلِكَ، فَيَقُولُ أهْلُ المَحْشَرِ مُؤْمِنُهم وكافِرُهم: ﴿لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ وقِيلَ: إنَّهُ يُجِيبُ المُنادِيَ بِهَذا الجَوابِ أهْلُ الجَنَّةِ دُونَ أهْلِ النّارِ، وقِيلَ: هو حِكايَةٌ لِما يَنْطِقُ بِهِ لِسانُ الحالِ في ذَلِكَ اليَوْمِ لِانْقِطاعِ دَعاوى المُبْطِلِينَ، كَما في قَوْلِهِ - تَعالى -: ﴿وما أدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا والأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: ١٧ - ١٩] . وقَوْلُهُ: ﴿اليَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ اليَوْمَ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ مِن تَمامِ الجَوابِ عَلى القَوْلِ بِأنَّ المُجِيبَ هو اللَّهُ - سُبْحانَهُ - وأمّا عَلى القَوْلِ بِأنَّ المُجِيبَ هُمُ العِبادُ كُلُّهم أوْ بَعْضُهم فَهو مُسْتَأْنَفٌ لِبَيانِ ما يَقُولُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - بَعْدَ جَوابِهِمْ أيِ: اليَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ لا ظُلْمَ اليَوْمَ عَلى أحَدٍ مِنهم بِنَقْصٍ مِن ثَوابِهِ أوْ بِزِيادَةٍ في عِقابِهِ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ أيْ: سَرِيعٌ حِسابُهُ لِأنَّهُ - سُبْحانَهُ - لا يَحْتاجُ إلى تَفَكُّرٍ في ذَلِكَ كَما يَحْتاجُهُ غَيْرُهُ لِإحاطَةِ عِلْمِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ. ثُمَّ أمَرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - رَسُولَهُ بِإنْذارِ عِبادِهِ فَقالَ ﴿وأنْذِرْهم يَوْمَ الآزِفَةِ﴾ أيْ: يَوْمَ القِيامَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقُرْبِها، يُقالُ: أزِفَ فُلانٌ أيْ: قَرُبَ يَأْزَفُ أزَفًا، ومِنهُ قَوْلُ النّابِغَةِ: ؎أزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أنَّ رِكابَنا لَمّا تَزَلْ بِرِكابِنا وكَأنَّ قَدْ ومِنهُ قَوْلُهُ - تَعالى -: ﴿أزِفَتِ الآزِفَةُ﴾ [النجم: ٥٧] أيْ: قَرُبَتِ السّاعَةُ، وقِيلَ: إنَّ يَوْمَ الآزِفَةِ هو يَوْمُ حُضُورِ المَوْتِ، والأوَّلُ أوْلى. قالَ الزَّجّاجُ: وقِيلَ لَها: آزِفَةٌ لِأنَّها قَرِيبَةٌ وإنِ اسْتَبْعَدَ النّاسُ أمْرَها، وما هو كائِنٌ فَهو قَرِيبٌ ﴿إذِ القُلُوبُ لَدى الحَناجِرِ كاظِمِينَ﴾ وذَلِكَ أنَّها تَزُولُ عَنْ مَواضِعِها مِنَ الخَوْفِ حَتّى تَصِيرَ إلى الحَنْجَرَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ﴾ [الأحزاب: ١٠] كاظِمِينَ مَغْمُومِينَ مَكْرُوبِينَ مُمْتَلِئِينَ غَمًّا. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: إذْ قُلُوبُ النّاسِ لَدى الحَناجِرِ في حالِ كَظْمِهِمْ. قالَ قَتادَةُ: وقَعَتْ قُلُوبُهم في الحَناجِرِ مِنَ المَخافَةِ، فَهي لا تَخْرُجُ ولا تَعُودُ في أمْكِنَتِها. وقِيلَ: هو إخْبارٌ عَنْ نِهايَةِ الجَزَعِ، وإنَّما قالَ كاظِمِينَ بِاعْتِبارِ أهْلِ القُلُوبِ؛ لِأنَّ المَعْنى: إذْ قُلُوبُ النّاسِ لَدى حَناجِرِهِمْ، فَيَكُونُ حالًا مِنهم. وقِيلَ: حالًا مِنَ القُلُوبِ، وجُمِعَ الحالُ مِنها جَمْعَ العُقَلاءِ لِأنَّهُ أُسْنِدَ إلَيْها ما يُسْنَدُ إلى العُقَلاءِ، فَجُمِعَتْ جَمْعَهُ. ثُمَّ بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - أنَّهُ لا يَنْفَعُ الكافِرِينَ في ذَلِكَ اليَوْمِ أحَدٌ فَقالَ: ﴿ما لِلظّالِمِينَ مِن حَمِيمٍ﴾ أيْ: قَرِيبٍ يَنْفَعُهم ﴿ولا شَفِيعٍ يُطاعُ﴾ في شَفاعَتِهِ لَهم، ومَحَلُّ يُطاعُ الجَرُّ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِشَفِيعٍ. ثُمَّ وصَفَ - سُبْحانَهُ - شُمُولَ عِلْمِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ وإنْ كانَ في غايَةِ الخَفاءِ فَقالَ: ﴿يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعْيُنِ﴾ وهي مُسارَقَةُ النَّظَرِ إلى ما لا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ، والجُمْلَةُ خَبَرٌ آخَرُ لِقَوْلِهِ: هو الَّذِي يُرِيكم قالَ المُؤَرِّجُ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ أيْ: يَعْلَمُ الأعْيُنَ الخائِنَةَ. وقالَ قَتادَةُ: ﴿خائِنَةَ الأعْيُنِ﴾: الهَمْزُ بِالعَيْنِ فِيما لا يُحِبُّ اللَّهُ. وقالَ الضَّحّاكُ: هو قَوْلُ الإنْسانِ ما رَأيْتُ وقَدْ رَأى، ورَأيْتُ وما رَأى. وقالَ (p-١٢٩٨)سُفْيانُ: هي النَّظْرَةُ بَعْدَ النَّظْرَةِ. والأوَّلُ أوْلى، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ. ﴿وما تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ مِنَ الضَّمائِرِ وتُسِرُّهُ مِن مَعاصِي اللَّهِ. ﴿واللَّهُ يَقْضِي بِالحَقِّ﴾ فَيُجازِي كُلَّ أحَدٍ بِما يَسْتَحِقُّهُ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ. والَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ أيْ: تَعْبُدُونَهم مِن دُونِ اللَّهِ ﴿لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ لِأنَّهم لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا ولا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ. قَرَأ الجُمْهُورُ " يَدْعُونَ " بِالتَّحْتِيَّةِ يَعْنِي: الظّالِمِينَ، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ، وقَرَأ نافِعٌ وشَيْبَةُ وهِشامٌ بِالفَوْقِيَّةِ عَلى الخِطابِ لَهم ﴿إنَّ اللَّهَ هو السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ فَلا يَخْفى عَلَيْهِ مِنَ المَسْمُوعاتِ والمُبْصَراتِ خافِيَةٌ. وقَدْ أخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ﴾ قالَ: هي مِثْلُ الَّتِي في البَقَرَةِ ﴿وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يُحْيِيكم﴾ [البقرة: ٢٨] كانُوا أمْواتًا في صُلْبِ آبائِهِمْ ثُمَّ أخْرَجَهم فَأحْياهم ثُمَّ أماتَهم ثُمَّ يُحْيِيهِمْ بَعْدَ المَوْتِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: كُنْتُمْ تُرابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَكم، فَهَذِهِ مِيتَةٌ، ثُمَّ أحْياكم فَخَلَقَكم فَهَذِهِ حَياةٌ، ثُمَّ يُمِيتُكم فَتَرْجِعُونَ إلى القُبُورِ فَهَذِهِ مِيتَةٌ أُخْرى، ثُمَّ يَبْعَثُكم يَوْمَ القِيامَةِ فَهَذِهِ حَياةٌ، فَهُما مَوْتَتانِ وحَياتانِ كَقَوْلِهِ: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكم﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: يَوْمَ التَّلاقِ قالَ: يَوْمَ القِيامَةِ يَلْتَقِي فِيهِ آدَمُ وآخِرُ ولَدِهِ. وأخْرَجَ عَنْهُ أيْضًا قالَ: يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ الآزِفَةِ، ونَحْوُ هَذا مِن أسْماءِ يَوْمِ القِيامَةِ عَظَّمَهُ اللَّهُ وحَذَّرَهُ عِبادَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ عَنْهُ أيْضًا قالَ: يُنادِي مُنادٍ بَيْنَ يَدَيِ السّاعَةِ: يا أيُّها النّاسُ أتَتْكُمُ السّاعَةُ، فَيَسْمَعُها الأحْياءُ والأمْواتُ، ويَنْزِلُ اللَّهُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا فَيَقُولُ: ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في البَعْثِ والدَّيْلَمِيُّ عَنْ أبِي سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مِثْلَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ " يَجْمَعُ اللَّهُ الخَلْقَ يَوْمَ القِيامَةِ بِصَعِيدٍ واحِدٍ بِأرْضٍ بَيْضاءَ كَأنَّها سَبِيكَةُ فِضَّةٍ لَمْ يُعْصَ اللَّهُ فِيها قَطُّ، فَأوَّلُ ما يَتَكَلَّمُ أنْ يُنادِيَ مُنادٍ ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ ﴿اليَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ اليَوْمَ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ فَأوَّلُ ما يُبْدَأُ بِهِ مِنَ الخُصُوماتِ الدِّماءُ " . وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ قالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ في القَوْمِ فَتَمُرُّ بِهِمُ المَرْأةُ فَيُرِيهِمْ أنَّهُ يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْها، وإذا غَفَلُوا لَحَظَ إلَيْها، وإذا نَظَرُوا غَضَّ بَصَرَهُ عَنْها، وقَدِ اطَّلَعَ اللَّهُ مِن قَلْبِهِ أنَّهُ ودَّ أنْ يَنْظُرَ إلى عَوْرَتِها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: إذا نَظَرَ إلَيْها يُرِيدُ الخِيانَةَ أمْ لا ﴿وما تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ قالَ: إذا قَدَرَ عَلَيْها أيَزْنِي بِها أمْ لا ؟ ألا أُخْبِرُكم بِالَّتِي تَلِيها ﴿واللَّهُ يَقْضِي بِالحَقِّ﴾ قادِرٌ عَلى أنْ يَجْزِيَ بِالحَسَنَةِ الحَسَنَةَ وبِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ. وأخْرَجَ أبُو داوُدَ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعْدٍ قالَ: «لَمّا كانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أمَّنَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - النّاسَ إلّا أرْبَعَةَ نَفَرٍ وامْرَأتَيْنِ، وقالَ: اقْتُلُوهم وإنْ وجَدْتُمُوهم مُتَعَلِّقِينَ بِأسْتارِ الكَعْبَةِ، مِنهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أبِي سَرْحٍ، فاخْتَبَأ عِنْدَ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، فَلَمّا دَعا رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - النّاسَ إلى البَيْعَةِ جاءَ بِهِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ بايِعْ عَبْدَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبى بَيْعَتَهُ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلى أصْحابِهِ فَقالَ: أما كانَ فِيكم رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُولُ إلى هَذا حِينَ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ ؟ فَقالُوا: ما يُدْرِينا يا رَسُولَ اللَّهِ ما في نَفْسِكَ، هَلّا أوْمَأْتَ إلَيْنا بِعَيْنِكَ ؟ فَقالَ: إنَّهُ لا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أنْ يَكُونَ لَهُ خائِنَةُ الأعْيُنِ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب