الباحث القرآني
هَذا مِن تَمامِ القِصَّةِ السّابِقَةِ، والمُرادُ بِالسُّوءِ: القَبِيحُ الَّذِي يَسُوءُ بِهِ، أوْ يَظْلِمُ نَفْسَهُ بِفِعْلِ مَعْصِيَةٍ مِنَ المَعاصِي أوْ ذَنْبٍ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي لا تَتَعَدّى إلى غَيْرِهِ ( ﴿ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ﴾ ) يَطْلُبُ مِنهُ أنْ يَغْفِرَ لَهُ ما قارَفَهُ مِنَ الذَّنْبِ ( ﴿يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا﴾ ) لِذَنْبِهِ ( رَحِيمًا ) بِهِ، وفِيهِ تَرْغِيبٌ لِمَن وقَعَ مِنهُ السَّرَقَ مِن بَنِي أُبَيْرِقٍ أنْ يَتُوبَ إلى اللَّهِ ويَسْتَغْفِرَهُ، وأنَّهُ غَفُورٌ لِمَن يَسْتَغْفِرُهُ رَحِيمٌ بِهِ.
وقالَ الضَّحّاكُ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في شَأْنِ وحْشِيٍّ قاتِلِ حَمْزَةَ، أشْرَكَ بِاللَّهِ وقَتَلَ حَمْزَةَ، ثُمَّ جاءَ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وقالَ: هَلْ لِي مِن تَوْبَةٍ ؟ فَنَزَلَتْ، وعَلى كُلِّ حالٍ فالِاعْتِبارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، فَهي لِكُلِّ عَبْدٍ مِن عِبادِ اللَّهِ أذْنَبَ ذَنْبًا ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ سُبْحانَهُ.
قَوْلُهُ: ( ﴿ومَن يَكْسِبْ إثْمًا﴾ ) مِنَ الآثامِ بِذَنْبٍ يَذْنِبُهُ ﴿فَإنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ﴾ أيْ: عاقِبَتُهُ عائِدَةٌ عَلَيْهِ، والكَسْبُ ما يَجُرُّ بِهِ الإنْسانُ إلى نَفْسِهِ نَفْعًا أوْ يَدْفَعُ بِهِ ضَرَرًا، ولِهَذا لا يُسَمّى فِعْلُ الرَّبِّ كَسْبًا، قالَهُ القُرْطُبِيُّ. ﴿ومَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أوْ إثْمًا﴾ قِيلَ: هُما بِمَعْنًى واحِدٍ كُرِّرَ لِلتَّأْكِيدِ، وقالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّ الخَطِيئَةَ تَكُونُ عَنْ عَمْدٍ وعَنْ غَيْرِ عَمْدٍ، والإثْمُ لا يَكُونُ إلّا عَنْ عَمْدٍ، وقِيلَ: الخَطِيئَةُ الصَّغِيرَةُ، والإثْمُ: الكَبِيرَةُ، قَوْلُهُ: ( ﴿ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا﴾ ) تَوْحِيدُ الضَّمِيرِ لِكَوْنِ العَطْفِ بِـ ( أوْ ) أوْ لِتَغْلِيبِ الإثْمِ عَلى الخَطِيئَةِ، وقِيلَ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلى الكَسْبِ.
قَوْلُهُ: ﴿فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا﴾ لَمّا كانَتِ الذُّنُوبُ لازِمَةً لِفاعِلِها كانَتْ كالثِّقْلِ الَّذِي يُحْمَلُ، ومِثْلُهُ ﴿ولَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ﴾ [العنكبوت: ١٣] والبُهْتانُ مَأْخُوذٌ (p-٣٢٩)مِنَ البُهْتِ، وهو الكَذِبُ عَلى البَرِيءِ بِما يَنْبَهِتُ لَهُ ويَتَحَيَّرُ مِنهُ، يُقالُ: بَهَتَهُ بَهْتًا وبُهْتانًا: إذا قالَ عَلَيْهِ ما لَمْ يَقُلْ، ويُقالُ: بَهِتَ الرَّجُلُ - بِالكَسْرِ - إذا دَهِشَ وتَحَيَّرَ وبَهُتَ بِالضَّمِّ، ومِنهُ ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ [البقرة: ٢٥٨] والإثْمُ المُبِينُ: الواضِحُ.
قَوْلُهُ: ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ ورَحْمَتُهُ﴾ خِطابٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، والمُرادُ بِهَذا الفَضْلِ والرَّحْمَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ أنَّهُ نُبِّهَ عَلى الحَقِّ في قِصَّةِ بَنِي أُبَيْرِقٍ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِما النُّبُوَّةُ والعِصْمَةُ ( ﴿لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنهُمْ﴾ ) أيْ: مِنَ الجَماعَةِ الَّذِينَ عَضَّدُوا بَنِي أُبَيْرِقٍ، كَما تَقَدَّمَ أنْ يُضِلُّوكَ عَنِ الحَقِّ وما يُضِلُّونَ إلّا أنْفُسَهم؛ لِأنَّ وبالَ ذَلِكَ عائِدٌ عَلَيْهِمْ وما يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ؛ لِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ هو عاصِمُكَ مِنَ النّاسِ، ولِأنَّكَ عَمِلْتَ بِالظّاهِرِ ولا ضَرَرَ عَلَيْكَ في الحُكْمِ بِهِ قَبْلَ نُزُولِ الوَحْيِ، والجارُّ والمَجْرُورُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى المَصْدَرِيَّةِ؛ أيْ: وما يَضُرُّونَكَ شَيْئًا مِنَ الضَّرَرِ.
قَوْلُهُ: ﴿وأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتابَ﴾ قِيلَ: هَذا ابْتِداءُ كَلامٍ، وقِيلَ الواوُ لِلْحالِ؛ أيْ: وما يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ حالَ إنْزالِ اللَّهِ عَلَيْكَ الكِتابَ والحِكْمَةَ، أوْ مَعَ إنْزالِ اللَّهِ ذَلِكَ عَلَيْكَ، قَوْلُهُ: ﴿وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى ( أنْزَلَ ) أيْ: عَلَّمَكَ بِالوَحْيِ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ مِن قَبْلُ ﴿وكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ إذْ لا فَضْلَ أعْظَمُ مِنَ النُّبُوَّةِ ونُزُولِ الوَحْيِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ الآيَةَ، قالَ: أخْبَرَ اللَّهُ عِبادَهُ بِحِلْمِهِ وعَفْوِهِ وكَرَمِهِ وسِعَةِ رَحْمَتِهِ ومَغْفِرَتِهِ، فَمَن أذْنَبَ ذَنَبًا صَغِيرًا كانَ أوْ كَبِيرًا ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ولَوْ كانَتْ ذُنُوبُهُ أعْظَمَ مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ والجِبالِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: مَن قَرَأ هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِن سُورَةِ النِّساءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ ﴿ولَوْ أنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾ [النساء: ٦٤] الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ قالَ: عَلَّمَهُ اللَّهُ بَيانَ الدُّنْيا والآخِرَةِ بَيَّنَ حَلالَهُ وحَرامَهُ لِيَحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلى خَلْقِهِ. وأخْرَجَ أيْضًا عَنِ الضَّحّاكِ قالَ: عَلَّمَهُ الخَيْرَ والشَّرَّ، وقَدْ ورَدَ في قَبُولِ الِاسْتِغْفارِ، وأنَّهُ يَمْحُو الذَّنْبَ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ مُدَوَّنَةٌ في كُتُبِ السُّنَّةِ.
{"ayahs_start":110,"ayahs":["وَمَن یَعۡمَلۡ سُوۤءًا أَوۡ یَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ یَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ یَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا","وَمَن یَكۡسِبۡ إِثۡمࣰا فَإِنَّمَا یَكۡسِبُهُۥ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا","وَمَن یَكۡسِبۡ خَطِیۤـَٔةً أَوۡ إِثۡمࣰا ثُمَّ یَرۡمِ بِهِۦ بَرِیۤـࣰٔا فَقَدِ ٱحۡتَمَلَ بُهۡتَـٰنࣰا وَإِثۡمࣰا مُّبِینࣰا","وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُمۡ أَن یُضِلُّوكَ وَمَا یُضِلُّونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا یَضُرُّونَكَ مِن شَیۡءࣲۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكَ عَظِیمࣰا"],"ayah":"وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُمۡ أَن یُضِلُّوكَ وَمَا یُضِلُّونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا یَضُرُّونَكَ مِن شَیۡءࣲۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكَ عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق