الباحث القرآني

قَوْلُهُ: هَذا قالَ الزَّجّاجُ: هَذا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيِ الأمْرُ هَذا فَيُوقَفُ عَلى هَذا. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وهَذا وقْفٌ حَسَنٌ ثُمَّ يَبْتَدِئُ ﴿وإنَّ لِلطّاغِينَ﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ( هَذا ) مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أيْ: هَذا كَما ذُكِرَ، أوْ هَذا ذُكِرَ. ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - ما لِأهْلِ الشَّرِّ بَعْدَ أنْ ذَكَرَ ما لِأهْلِ الخَيْرِ فَقالَ: ﴿وإنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ أيِ: الَّذِينَ طَغَوْا عَلى اللَّهِ وكَذَّبُوا رُسُلَهُ ﴿لَشَرَّ مَآبٍ﴾ لَشَرَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ إلَيْهِ. ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها﴾ وانْتِصابُ ( جَهَنَّمَ ) عَلى أنَّها بَدَلٌ مِن " شَرَّ مَآبٍ "، أوْ مَنصُوبَةٌ بِـ: أعْنِي، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَطْفَ بَيانٍ عَلى قَوْلِ البَعْضِ كَما سَلَفَ قَرِيبًا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى الِاشْتِغالِ أيْ: يَصْلَوْنَ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها، ومَعْنى يَصْلَوْنَها يَدْخُلُونَها، وهو في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِيَّةِ ﴿فَبِئْسَ المِهادُ﴾ أيْ: بِئْسَ ما مَهَّدُوا لِأنْفُسِهِمْ، وهو الفِراشُ، مَأْخُوذٌ مِن مَهْدِ الصَّبِيِّ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالمَهْدِ المَوْضِعَ، والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ أيْ: بِئْسَ المِهادُ هي، كَما في قَوْلِهِ: ﴿لَهم مِن جَهَنَّمَ مِهادٌ﴾ [الأعراف: ٤١] شَبَّهَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - ما تَحْتَهم مِن نارِ جَهَنَّمَ بِالمِهادِ. ﴿هَذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وغَسّاقٌ﴾ وهَذا في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ وخَبَرُهُ حَمِيمٌ، وغَسّاقٌ عَلى التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ أيْ: هَذا حَمِيمٌ وغَسّاقٌ فَلْيَذُوقُوهُ. قالَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ: تَقْدِيرُ الآيَةِ: هَذا حَمِيمٌ وغَسّاقٌ فَلْيَذُوقُوهُ: أوْ يُقالُ لَهم في ذَلِكَ اليَوْمِ هَذِهِ المَقالَةُ. والحَمِيمُ الماءُ الحارُّ الَّذِي قَدِ انْتَهى حَرُّهُ، والغَسّاقُ ما سالَ مِن جُلُودِ أهْلِ النّارِ مِنَ القَيْحِ والصَّدِيدِ، مِن قَوْلِهِمْ: غَسَقَتْ عَيْنُهُ إذا انْصَبَّتْ، والغَسَقانُ الِانْصِبابُ. قالَ النَّحّاسُ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: الأمْرَ هَذا، وارْتِفاعُ ( حَمِيمٌ وغَسّاقٌ ) عَلى أنَّهُما خَبَرانِ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ: هو حَمِيمٌ وغَسّاقٌ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإضْمارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ ما بَعْدَهُ أيْ: لِيَذُوقُوا هَذا فَلْيَذُوقُوهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ( حَمِيمٌ ) مُرْتَفِعٌ عَلى الِابْتِداءِ وخَبَرُهُ مُقَدَّرٌ قَبْلَهُ أيْ: مِنهُ حَمِيمٌ ومِنهُ غَسّاقٌ، ومِثْلُهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎حَتّى ما إذا أضاءَ البَرْقُ في غَلَسٍ وغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ ومَخْضُودُ أيْ: مِنهُ مَلْوِيٌّ ومِنهُ مَخْضُودٌ، وقِيلَ: الغَسّاقُ ما قَتَلَ بِبَرْدِهِ، ومِنهُ قِيلَ لِلَّيْلِ: غاسِقٌ، لِأنَّهُ أبْرَدُ مِنَ النَّهارِ، وقِيلَ: هو الزَّمْهَرِيرُ، وقِيلَ: الغَسّاقُ المُنْتِنُ، وقِيلَ: الغَسّاقُ عَيْنٌ في جَهَنَّمَ يَسِيلُ مِنهُ كُلُّ ذَوْبِ حَيَّةٍ وعَقْرَبٍ. وقالَ قَتادَةُ: هو ما يُسِيلُ مِن فُرُوجِ النِّساءِ الزَّوانِي ومِن نَتَنِ لُحُومِ الكَفَرَةِ وجُلُودِهِمْ وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هو عُصارَةُ أهْلِ النّارِ. وقالَ السُّدِّيُّ: الغَسّاقُ الَّذِي يَسِيلُ مِن دُمُوعِ أهْلِ النّارِ يَسْقُونَهُ مَعَ الحَمِيمِ، وكَذا قالَ ابْنُ زَيْدٍ. وقالَ مُجاهِدٌ ومُقاتِلٌ: هو الثَّلْجُ البارِدُ الَّذِي قَدِ انْتَهى بَرْدُهُ، وتَفْسِيرُ الغَسّاقِ بِالبارِدِ أنْسَبُ بِما تَقْتَضِيهِ لُغَةُ العَرَبِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎إذا ما تَذَكَّرْتُ الحَياةَ وطِيبَها ∗∗∗ إلَيَّ جَرى دَمْعٌ مِنَ اللَّيْلِ غاسِقُ أيْ: بارِدٌ، وأنْسَبُ أيْضًا بِمُقابَلَةِ الحَمِيمِ. وقَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ وأهْلُ البَصْرَةِ وبَعْضُ الكُوفِيِّينَ بِتَخْفِيفِ السِّينِ مِن " غَسّاقٌ " وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ، والأعْمَشُ، وحَمْزَةُ بِالتَّشْدِيدِ، وهُما لُغَتانِ بِمَعْنًى واحِدٍ كَما قالَ الأخْفَشُ. وقِيلَ: مَعْناهُما مُخْتَلِفٌ، فَمَن خَفَّفَ فَهو اسْمٌ مِثْلُ عَذابٍ وجَوابٍ وصَوابٍ، ومَن شَدَّدَ قالَ: هو اسْمُ فاعِلٍ لِلْمُبالَغَةِ نَحْوَ ضَرّابٍ وقَتّالٍ. ﴿وآخَرُ مِن شَكْلِهِ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ وآخَرُ مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وأُخَرُ بِضَمِّ الهَمْزَةِ عَلى أنَّهُ جَمْعٌ، وأنْكَرَ قِراءَةَ الجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ: ( أزْواجٌ )، وأنْكَرَ عاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو وقالَ: لَوْ كانَتْ كَما قَرَأ لِقالَ: مِن شَكْلِها، وارْتِفاعُ ( آخَرُ ) عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ ( أزْواجٌ )، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ( مِن شَكْلِهِ ) خَبَرًا مُقَدَّمًا و( أزْواجٌ ) مُبْتَدَأً مُؤَخَّرًا والجُمْلَةُ خَبَرُ " آخَرُ "، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرَ " آخَرُ " مُقَدَّرًا أيْ: وآخَرُ لَهم، و﴿مِن شَكْلِهِ أزْواجٌ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، ومَعْنى الآيَةِ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ: وعَذابٌ آخَرُ أوْ مَذُوقٌ آخَرُ، أوْ نَوْعٌ آخَرُ مِن شَكْلِ ذَلِكَ المَذُوقِ أوِ النَّوْعِ الأوَّلِ. والشَّكْلُ: المَثَلُ، وعَلى القِراءَةِ الثّانِيَةِ يَكُونُ مَعْنى الآيَةِ ومَذُوقاتٌ أُخَرُ، أوْ أنْواعٌ أُخَرُ مِن شَكْلِ ذَلِكَ المَذُوقِ، أوِ النَّوْعِ المُتَقَدِّمِ، وإفْرادُ الضَّمِيرِ في شَكْلِهِ عَلى تَأْوِيلِ المَذْكُورِ أيْ: مِن شَكْلِ المَذْكُورِ، ومَعْنى أزْواجٌ أجْناسٌ وأنْواعٌ وأشْباهٌ. وحاصِلُ مَعْنى الآيَةِ: أنَّ لِأهْلِ النّارِ حَمِيمًا وغَسّاقًا وأنْواعًا مِنَ العَذابِ مِن مِثْلِ الحَمِيمِ والغَسّاقِ. قالَ الواحِدِيُّ: قالَ المُفَسِّرُونَ: هو الزَّمْهَرِيرُ، ولا يُتِمُّ هَذا الَّذِي حَكاهُ عَنِ المُفَسِّرِينَ إلّا عَلى تَقْدِيرِ أنَّ الزَّمْهَرِيرَ أنْواعٌ مُخْتَلِفَةٌ وأجْناسٌ مُتَفاوِتَةٌ لِيُطابِقَ مَعْنى أزْواجٍ، أوْ عَلى تَقْدِيرِ أنَّ لِكُلِّ فَرْدٍ مِن أهْلِ النّارِ زَمْهَرِيرًا. (p-١٢٧٠)﴿هَذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ﴾ الفَوْجُ الجَماعَةُ، والِاقْتِحامُ الدُّخُولُ، وهَذا حِكايَةٌ لِقَوْلِ المَلائِكَةِ الَّذِينَ هم خَزَنَةُ النّارِ وذَلِكَ أنَّ القادَةَ والرُّؤَساءَ إذا دَخَلُوا النّارَ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَهُمُ الأتْباعُ، قالَتِ الخَزَنَةُ لِلْقادَةِ: هَذا فَوْجٌ، يَعْنُونَ الأتْباعَ " مُقْتَحِمٌ مَعَكم " أيْ: داخِلٌ مَعَكم إلى النّارِ، وقَوْلُهُ: ﴿لا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾ مِن قَوْلِ القادَةِ والرُّؤَساءِ لَمّا قالَتْ لَهُمُ الخَزَنَةُ ذَلِكَ قالُوا: لا مَرْحَبًا بِهِمْ، أيْ: لا اتَّسَعَتْ مُنازِلُهم في النّارِ، والرَّحْبُ: السَّعَةُ، والمَعْنى: لا كَرامَةَ لَهم، وهَذا إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - بِانْقِطاعِ المَوَدَّةِ بَيْنَ الكُفّارِ، وأنَّ المَوَدَّةَ الَّتِي كانَتْ بَيْنَهم تَصِيرُ عَداوَةً. وجُمْلَةُ: ( لا مَرْحَبًا بِهِمْ ) دُعائِيَّةٌ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ، أوْ صِفَةٌ لِلْفَوْجِ، أوْ حالٌ مِنهُ أوْ بِتَقْدِيرِ القَوْلِ أيْ: مَقُولًا في حَقِّهِمْ: لا مَرْحَبًا بِهِمْ، وقِيلَ: إنَّها مِن تَمامِ قَوْلِ الخَزَنَةِ. والأوَّلُ أوْلى كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ جَوابُ الأتْباعِ الآتِي، وجُمْلَةُ ﴿إنَّهم صالُوا النّارِ﴾ تَعْلِيلٌ مِن جِهَةِ القائِلِينَ: لا مَرْحَبًا بِهِمْ، أيْ: إنَّهم صالُو النّارِ كَما صَلِيناها ومُسْتَحِقُّونَ لَها كَما اسْتَحَقَّيْناها. وجُمْلَةُ ﴿قالُوا بَلْ أنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكم﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوابُ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ أيْ: قالَ الأتْباعُ عِنْدَ سَماعِ ما قالَهُ الرُّؤَساءُ لَهم حالُ بَلْ أنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكم أيْ: لا كَرامَةَ لَكم، ثُمَّ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿أنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا﴾ أيْ: أنْتُمْ قَدَّمْتُمُ العَذابَ أوِ الصَّلْيَ لَنا وأوْقَعْتُمُونا فِيهِ ودَعَوْتُمُونا إلَيْهِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ لَنا مِن أنَّ الحَقَّ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ وأنَّ الأنْبِياءَ غَيْرُ صادِقِينَ فِيما جاءُوا بِهِ ﴿فَبِئْسَ القَرارُ﴾ أيْ: بِئْسَ المَقَرُّ جَهَنَّمُ لَنا ولَكم. ثُمَّ حَكى عَنِ الأتْباعِ أيْضًا أنَّهم أرْدَفُوا هَذا القَوْلَ بِقَوْلٍ آخَرَ، وهو ﴿قالُوا رَبَّنا مَن قَدَّمَ لَنا هَذا فَزِدْهُ عَذابًا ضِعْفًا في النّارِ﴾ أيْ: زِدْهُ عَذابًا ذا ضِعْفٍ، والضِّعْفُ بِأنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ، ومَعْنى ( مَن قَدَّمَ لَنا هَذا ) مَن دَعانا إلَيْهِ وسَوَّغَهُ لَنا. قالَ الفَرّاءُ: المَعْنى مَن سَوَّغَ لَنا هَذا وسَنَّهُ، وقِيلَ: مَعْناهُ: قَدَّمَ لَنا هَذا العَذابَ بِدُعائِهِ إيّانا إلى الكُفْرِ فَزِدْهُ عَذابًا ضِعْفًا في النّارِ أيْ: عَذابًا بِكُفْرِهِ وعَذابًا بِدُعائِهِ إيّانا، فَصارَ ذَلِكَ ضِعْفًا، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ - سُبْحانَهُ -: ﴿رَبَّنا هَؤُلاءِ أضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النّارِ﴾ [الأعراف: ٣٨] وقَوْلُهُ: ﴿رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العَذابِ﴾ [الأحزاب: ٦٨] وقِيلَ: المُرادُ بِالضِّعْفِ هُنا الحَيّاتُ والعَقارِبُ. ﴿وقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنّا نَعُدُّهم مِنَ الأشْرارِ﴾ قِيلَ: هو مِن قَوْلِ الرُّؤَساءِ، وقِيلَ: مِن قَوْلِ الطّاغِينَ المَذْكُورِينَ سابِقًا. قالَ الكَلْبِيُّ: يَنْظُرُونَ في النّارِ فَلا يَرَوْنَ مَن كانَ يُخالِفُهم مِنَ المُؤْمِنِينَ مَعَهم فِيها، فَعِنْدَ ذَلِكَ قالُوا: ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنّا نَعُدُّهم مِنَ الأشْرارِ. وقِيلَ: يَعْنُونَ فُقَراءَ المُؤْمِنِينَ كَعَمّارٍ وخَبّابٍ وصُهَيْبٍ وبِلالٍ وسالِمٍ وسَلْمانَ. وقِيلَ: أرادُوا أصْحابَ مُحَمَّدٍ عَلى العُمُومِ. ﴿أتَّخَذْناهم سِخْرِيًّا أمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصارُ﴾ قالَ مُجاهِدٌ: المَعْنى أتَّخَذْناهم سِخْرِيًّا في الدُّنْيا فَأخْطَأْنا أمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصارُ فَلَمْ نَعْلَمْ مَكانَهم ؟ والإنْكارُ المَفْهُومُ مِنَ الِاسْتِفْهامِ مُتَوَجِّهٌ إلى كُلِّ واحِدٍ مِنَ الأمْرَيْنِ. قالَ الحَسَنُ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلُوا: اتَّخَذُوهم سِخْرِيًّا، وزاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصارُ. قالَ الفَرّاءُ: والِاسْتِفْهامُ هُنا بِمَعْنى التَّوْبِيخِ والتَّعَجُّبِ. قَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وابْنُ كَثِيرٍ، والأعْمَشُ بِحَذْفِ هَمْزَةِ ( أتَّخَذْناهم ) في الوَصْلِ، وهَذِهِ القِراءَةُ تَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ الكَلامُ خَبَرًا مَحْضًا، وتَكُونُ الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ صِفَةً ثانِيَةً لِ: ( رِجالًا )، وأنْ يَكُونَ المُرادُ الِاسْتِفْهامَ، وحُذِفَتْ أداتُهُ لِدَلالَةِ ( أمْ ) عَلَيْها، فَتَكُونُ أمْ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ مُنْقَطِعَةً بِمَعْنى بَلْ والهَمْزَةِ أيْ: بَلْ زاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصارُ عَلى مَعْنى تَوْبِيخِ أنْفُسِهِمْ عَلى الِاسْتِسْخارِ، ثُمَّ الإضْرابِ والِانْتِقالِ مِنهُ إلى التَّوْبِيخِ عَلى الِازْدِراءِ والتَّحْقِيرِ، وعَلى الثّانِي ( أمْ ) هي المُتَّصِلَةُ. وقَرَأ الباقُونَ بِهَمْزَةِ اسْتِفْهامٍ سَقَطَتْ لِأجْلِها هَمْزَةُ الوَصْلِ، ولا مَحَلَّ لِلْجُمْلَةِ حِينَئِذٍ وفِيهِ التَّوْبِيخُ لِأنْفُسِهِمْ عَلى الأمْرَيْنِ جَمِيعًا لِأنَّ ( أمْ ) عَلى هَذِهِ القِراءَةِ هي لِلتَّسْوِيَةِ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ ونافِعٌ وشَيْبَةُ والمُفَضَّلُ وهُبَيْرَةُ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ، والأعْمَشُ، وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ " سُخْرِيًّا " بِضَمِّ السِّينِ، وقَرَأ الباقُونَ بِكَسْرِها: قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: مَن كَسَرَ جَعَلَهُ مِنَ الهَزْءِ، ومَن ضَمَّ جَعَلَهُ مِنَ التَّسْخِيرِ. والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: إنَّ ذَلِكَ إلى ما تَقَدَّمَ مِن حِكايَةِ حالِهِمْ، وخَبَرُ إنَّ قَوْلُهُ: لَحَقٌّ أيْ: لَواقِعٌ ثابِتٌ في الدّارِ الآخِرَةِ لا يَخْتَلِفُ البَتَّةَ، و﴿تَخاصُمُ أهْلِ النّارِ﴾ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والجُمْلَةُ بَيانٌ لِذَلِكَ، وقِيلَ: بَيانٌ لِ: " حَقٌّ "، وقِيلَ: بَدَلٌ مِنهُ، وقِيلَ: بَدَلٌ مِن مَحَلِّ ذَلِكَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وهَذا عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ بِرَفْعِ ( تُخاصُمُ )، والمَعْنى: إنَّ ذَلِكَ الَّذِي حَكاهُ اللَّهُ عَنْهم لَحَقٌّ لا بُدَّ أنْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ، وهو تَخاصُمُ أهْلِ النّارِ فِيها في النّارِ، وما قالَتْهُ الرُّؤَساءُ لِلْأتْباعِ، وما قالَتْهُ الأتْباعُ لَهم. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ بِنَصْبِ " تَخاصُمُ " عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِن ذَلِكَ أوْ بِإضْمارِ أعْنِي. وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ تَخاصُمُ بِصِيغَةِ الفِعْلِ الماضِي فَتَكُونُ جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً. ثُمَّ أمَرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - رَسُولَهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أنْ يَقُولَ قَوْلًا جامِعًا بَيْنَ التَّخْوِيفِ والإرْشادِ إلى التَّوْحِيدِ فَقالَ: ﴿قُلْ إنَّما أنا مُنْذِرٌ﴾ أيْ: مُخَوِّفٌ لَكم مِن عِقابِ اللَّهِ وعَذابِهِ ﴿وما مِن إلَهٍ﴾ يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ ﴿إلّا اللَّهُ الواحِدُ﴾ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ القَهّارُ لِكُلِّ شَيْءٍ سِواهُ. ﴿رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما﴾ مِنَ المَخْلُوقاتِ العَزِيزُ الَّذِي لا يُغالِبُهُ مُغالِبٌ الغَفّارُ لِمَن أطاعَهُ، وقِيلَ: مَعْنى العَزِيزُ المَنِيعُ الَّذِي لا مِثْلَ لَهُ، ومَعْنى الغَفّارُ السَّتّارُ لِذُنُوبِ خَلْقِهِ. ثُمَّ أمَرَهُ - سُبْحانَهُ - أنْ يُبالِغَ في إنْذارِهِمْ ويُبَيِّنُ لَهم عِظَمَ الأمْرِ وجَلالَتَهُ فَقالَ: ﴿قُلْ هو نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ أيْ: ما أنْذَرْتُكم بِهِ مِنَ العِقابِ وما بَيَّنْتُهُ لَكم مِنَ التَّوْحِيدِ هو خَبَرٌ عَظِيمٌ ونَبَأٌ جَلِيلٌ، مِن شَأْنِهِ العِنايَةُ بِهِ والتَّعْظِيمُ لَهُ (p-١٢٧١)وعَدَمُ الِاسْتِخْفافِ بِهِ، ومِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ: ﴿عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإ العَظِيمِ﴾ [النبأ: ١، ٢] . وقالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ ومُقاتِلٌ: هو القُرْآنُ، فَإنَّهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ لِأنَّهُ كَلامُ اللَّهِ. قالَ الزَّجّاجُ: قُلِ النَّبَأ الَّذِي أنْبَأْتُكم بِهِ عَنِ اللَّهِ نَبَأٌ عَظِيمٌ: يَعْنِي ما أنْبَأهم بِهِ مِن قِصَصِ الأوَّلِينَ دَلِيلٌ عَلى نُبُوَّتِهِ، وذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى صِدْقِهِ ونُبُوَّتِهِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إلّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ. وجُمْلَةُ ﴿أنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ تَوْبِيخٌ لَهم وتَقْرِيعٌ لِكَوْنِهِمْ أعْرَضُوا عَنْهُ ولَمْ يَتَفَكَّرُوا فِيهِ فَيَعْلَمُوا صِدْقَهُ ويَسْتَدِلُّوا بِهِ عَلى ما أنْكَرُوهُ مِنَ البَعْثِ. وقَوْلُهُ: ﴿ما كانَ لِيَ مِن عِلْمٍ بِالمَلَإ الأعْلى﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِتَقْرِيرِ أنَّهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، والمَلَأُ الأعْلى هُمُ المَلائِكَةُ ﴿إذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ أيْ: وقْتَ اخْتِصامِهِمْ، فَقَوْلُهُ: ﴿أنْتَ الأعْلى﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( عِلْمٍ ) عَلى تَضْمِينِهِ مَعْنى الإحاطَةِ، وقَوْلُهُ: ( إذْ يَخْتَصِمُونَ ) مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ أيْ: ما كانَ لِي فِيما سَبَقَ عِلْمٌ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ بِحالِ المَلَأِ الأعْلى وقْتَ اخْتِصامِهِمْ، والضَّمِيرُ في ( يَخْتَصِمُونَ ) راجِعٌ إلى المَلَأِ الأعْلى، والخُصُومَةُ الكائِنَةُ بَيْنَهم هي في أمْرِ آدَمَ كَما يُفِيدُهُ ما سَيَأْتِي قَرِيبًا. وجُمْلَةُ ﴿إنْ يُوحى إلَيَّ إلّا أنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ اخْتِصامِهِمُ المُجْمَلِ وبَيْنَ تَفْصِيلِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ﴾ [ص: ٧١] . والمَعْنى: ما يُوحى إلَيَّ إلّا إنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ. قالَ الفَرّاءُ: المَعْنى ما يُوحى إلَيَّ إلّا أنَّنِي نَذِيرٌ مُبِينٌ أُبَيِّنُ لَكم ما تَأْتُونَ مِنَ الفَرائِضِ والسُّنَنِ وما تَدَعُونَ مِنَ الحَرامِ والمَعْصِيَةِ. قالَ: كَأنَّكَ قُلْتَ: ما يُوحى إلَيَّ إلّا الإنْذارُ. قالَ النَّحّاسُ: ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ بِمَعْنى ما يُوحى إلَيَّ إلّا لِأنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ. قَرَأ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ ( أنَّما ) عَلى أنَّها وما في حَيِّزِها في مَحَلِّ رَفْعٍ لِقِيامِها مَقامَ الفاعِلِ أيْ: ما يُوحى إلَيَّ إلّا الإنْذارُ، أوْ إلّا كَوْنِي نَذِيرًا مُبِينًا، أوْ في مَحَلِّ نَصْبٍ، أوْ جَرٍّ بَعْدَ إسْقاطِ لامِ العِلَّةِ، والقائِمُ مَقامَ الفاعِلِ عَلى هَذا الجارُّ والمَجْرُورُ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ؛ لِأنَّ في الوَحْيِ مَعْنى القَوْلِ، وهي القائِمَةُ مَقامَ الفاعِلِ عَلى سَبِيلِ الحِكايَةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: ما يُوحى إلَيَّ إلّا هَذِهِ الجُمْلَةُ المُتَضَمِّنَةُ لِهَذا الإخْبارِ، وهو أنْ أقُولَ لَكم: إنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ. وقِيلَ: إنَّ الضَّمِيرَ في ( يَخْتَصِمُونَ ) عائِدٌ إلى قُرَيْشٍ، يَعْنِي قَوْلَ مَن قالَ مِنهُمُ: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ، والمَعْنى: ما كانَ لِي عِلْمٌ بِالمَلائِكَةِ إذْ تَخْتَصِمُ فِيهِمْ قُرَيْشٌ، والأوَّلُ أوْلى. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وغَسّاقٌ﴾ قالَ: الزَّمْهَرِيرُ ﴿وآخَرُ مِن شَكْلِهِ﴾ قالَ: مِن نَحْوِهِ ﴿أزْواجٌ﴾ قالَ: ألْوانٌ مِنَ العَذابِ. وأخْرَجَ أحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ حِبّانَ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «لَوْ أنَّ دَلْوًا مِن غَسّاقٍ يُهَراقُ في الدُّنْيا لَأنْتَنَ أهْلُ الدُّنْيا» . قالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْراجِهِ: لا نَعْرِفُهُ إلّا مِن حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ. قُلْتُ: ورِشْدِينُ فِيهِ مَقالٌ مَعْرُوفٌ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَزِدْهُ عَذابًا ضِعْفًا في النّارِ﴾ قالَ: أفاعِي وحَيّاتٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿بِالمَلَإ الأعْلى﴾ قالَ: المَلائِكَةُ حِينَ شُووِرُوا في خَلْقِ آدَمَ فاخْتَصَمُوا فِيهِ، وقالُوا: لا تَجْعَلْ في الأرْضِ خَلِيفَةً. وأخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ في كِتابِ الصَّلاةِ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿ما كانَ لِيَ مِن عِلْمٍ بِالمَلَإ الأعْلى إذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ قالَ: هي الخُصُومَةُ في شَأْنِ آدَمَ حَيْثُ قالُوا ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البقرة: ٣٠] . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ وابْنُ نَصْرٍ في كِتابِ الصَّلاةِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «أتانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي في أحْسَنِ صُورَةٍ، أحْسَبُهُ قالَ: في المَنامِ، قالَ: يا مُحَمَّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأعْلى ؟ قُلْتُ: لا، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتّى وجَدْتُ بَرْدَها بَيْنَ ثَدْيَيَّ أوْ في نَحْرِي، فَعَلِمْتُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ، ثُمَّ قالَ لِي: يا مُحَمَّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأعْلى ؟ قُلْتُ: نَعَمْ في الكَفّاراتِ، والكَفّاراتُ: المُكْثُ في المَساجِدِ بَعْدَ الصَّلَواتِ، والمَشْيُ عَلى الأقْدامِ إلى الجَماعاتِ، وإبْلاغُ الوُضُوءِ في المَكارِهِ» الحَدِيثَ. وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن حَدِيثِ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ نَحْوَهُ بِأطْوَلَ مِنهُ، وقالَ: «وإسْباغُ الوُضُوءِ في السَّبَراتِ» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن حَدِيثِ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ نَحْوَهُ بِأخْصَرَ مِنهُ. وأخْرَجا أيْضًا مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ، وفي البابِ أحادِيثُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب