الباحث القرآني

لَمّا كانَتْ قُرَيْشٌ وقَبائِلُ مِنَ العَرَبِ يَزْعُمُونَ أنَّ المَلائِكَةَ بَناتُ اللَّهِ أمَرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - رَسُولَهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِاسْتِفْتائِهِمْ عَلى طَرِيقَةِ التَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ، فَقالَ: ﴿فاسْتَفْتِهِمْ﴾ يا مُحَمَّدُ: أيِ: اسْتَخْبِرْهم ﴿ألِرَبِّكَ البَناتُ ولَهُمُ البَنُونَ﴾ أيْ: كَيْفَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ عَلى تَقْدِيرِ صِدْقٍ ما زَعَمُوهُ مِنَ الكَذِبِ أدْنى الجِنْسَيْنِ وأوْضَعَهُما وهو الإناثُ، ولَهم أعْلاهُما وأرْفَعَهُما وهُمُ الذُّكُورُ، وهَلْ هَذا إلّا حَيْفٌ في القِسْمَةِ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ وسُوءِ إدْراكِهِمْ ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿ألَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الأُنْثى تِلْكَ إذًا قِسْمَةٌ ضِيزى﴾ [النجم: ٢١، ٢٢] . ثُمَّ زادَ في تَوْبِيخِهِمْ وتَقْرِيعِهِمْ فَقالَ: ﴿أمْ خَلَقْنا المَلائِكَةَ إناثًا وهم شاهِدُونَ﴾ فَأضْرَبَ عَنِ الكَلامِ الأوَّلِ إلى ما هو أشَدُّ مِنهُ في التَّبْكِيتِ والتَّهَكُّمِ بِهِمْ أيْ: كَيْفَ جَعَلُوهم إناثًا وهم لَمْ يَحْضُرُوا عِنْدَ خَلْقِنا لَهم، وهَذا كَقَوْلِهِ: ﴿وجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هم عِبادُ الرَّحْمَنِ إناثًا أشَهِدُوا خَلْقَهم﴾ [الزخرف: ١٩] فَبَيَّنَ - سُبْحانَهُ - أنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لا يُعْلَمُ إلّا بِالمُشاهَدَةِ ولَمْ يَشْهَدُوا، ولا دَلَّ دَلِيلٌ عَلى قَوْلِهِمْ مِنَ السَّمْعِ، ولا هو مِمّا يُدْرَكُ بِالعَقْلِ حَتّى يَنْسُبُوا إدْراكَهُ إلى عُقُولِهِمْ. ثُمَّ أخْبَرَ - سُبْحانَهُ - عَنْ كَذِبِهِمْ فَقالَ: ﴿ألا إنَّهم مِن إفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ولَدَ اللَّهُ وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ فَبَيَّنَ - سُبْحانَهُ - أنَّ قَوْلَهم هَذا هو مِنَ الإفْكِ والِافْتِراءِ مِن دُونِ دَلِيلٍ ولا شُبْهَةِ دَلِيلٍ فَإنَّهُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ. قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿ولَدَ اللَّهُ﴾ فِعْلًا ماضِيًا مُسْنَدًا إلى اللَّهِ. وقُرِئَ بِإضافَةِ ولَدٍ إلى اللَّهِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ: يَقُولُونَ المَلائِكَةُ ولَدُ اللَّهِ، والوَلَدُ بِمَعْنى مَفْعُولٍ يَسْتَوِي فِيهِ المُفْرَدُ والمُثَنّى والمَجْمُوعُ والمُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ. ثُمَّ كَرَّرَ - سُبْحانَهُ - تَقْرِيعَهم وتَوْبِيخَهم فَقالَ: ﴿أصْطَفى البَناتِ عَلى البَنِينَ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّها لِلِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ، وقَدْ حُذِفَ مَعَها هَمْزَةُ الوَصْلِ اسْتِغْناءً بِهِ عَنْها. وقَرَأ نافِعٌ في رِوايَةٍ عَنْهُ وأبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ، والأعْمَشُ بِهَمْزَةِ وصْلٍ تَثْبُتُ ابْتِداءً وتَسْقُطُ دَرْجًا، ويَكُونُ الِاسْتِفْهامُ مَنوِيًّا قالَهُ الفَرّاءُ. وحُذِفَ حَرْفُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنَ المَقامِ، أوْ عَلى أنِ اصْطَفى وما بَعْدَهُ بَدَلٌ مِنَ الجُمْلَةِ المَحْكِيَّةِ بِالقَوْلِ. وعَلى تَقْدِيرِ عَدَمِ الِاسْتِفْهامِ والبَدَلِ. فَقَدْ حَكى جَماعَةٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ مِنهُمُ الفَرّاءُ أنَّ التَّوْبِيخَ يَكُونُ بِاسْتِفْهامٍ وبِغَيْرِ اسْتِفْهامٍ كَما في قَوْلِهِ: ﴿أذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكم في حَياتِكُمُ الدُّنْيا﴾ [الأحقاف: ٢٠] وقِيلَ: هو عَلى إضْمارِ القَوْلِ. ﴿ما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ جُمْلَتانِ اسْتِفْهامِيَّتانِ لَيْسَ لِأحَدِهِما تَعَلُّقٌ بِالأُخْرى مِن حَيْثُ الإعْرابِ: اسْتَفْهِمْهم أوَّلًا عَمّا اسْتَقَرَّ لَهم وثَبَتَ اسْتِفْهامٌ بِإنْكارٍ، وثانِيًا اسْتِفْهامُ تَعَجُّبٍ مِن هَذا الحُكْمِ الَّذِي حَكَمُوا بِهِ، والمَعْنى أيُّ شَيْءٍ ثَبَتَ لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ لِلَّهِ بِالبَناتِ وهُمُ القِسْمُ الَّذِي تَكْرَهُونَهُ، ولَكم بِالبَنِينَ وهُمُ القِسْمُ الَّذِي تُحِبُّونَهُ ؟ . ﴿أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ أيْ: تَتَذَكَّرُونَ فَحُذِفَتْ إحْدى التّاءَيْنِ، والمَعْنى: ألا تَعْتَبِرُونَ وتَتَفَكَّرُونَ فَتَتَذَكَّرُونَ بُطْلانَ قَوْلِكم. ﴿أمْ لَكم سُلْطانٌ مُبِينٌ﴾ أيْ: حُجَّةٌ واضِحَةٌ ظاهِرَةٌ عَلى هَذا الَّذِي تَقُولُونَهُ، وهو إضْرابٌ عَنْ تَوْبِيخٍ إلى تَوْبِيخٍ وانْتِقالٌ مِن تَقْرِيعٍ إلى تَقْرِيعٍ. ﴿فَأْتُوا بِكِتابِكم إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أيْ: فَأْتُوا بِحُجَّتِكُمُ الواضِحَةِ عَلى هَذا إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فِيما تَقُولُونَهُ، أوْ فَأْتُوا بِالكُتّابِ الَّذِي يَنْطِقُ لَكم بِالحُجَّةِ ويَشْتَمِلُ عَلَيْها. ﴿وجَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا﴾ قالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: إنَّ المُرادَ بِالجِنَّةِ هُنا المَلائِكَةُ، قِيلَ: لَهم جِنَّةٌ لِأنَّهم لا يُرَوْنَ. وقالَ مُجاهِدٌ: هم بَطْنٌ مِن بُطُونِ المَلائِكَةِ يُقالُ لَهُمُ: الجِنَّةُ. وقالَ أبُو مالِكٍ: إنَّما قِيلَ لَهُمُ الجِنَّةُ لِأنَّهم خُزّانٌ عَلى الجِنانِ. والنَّسَبُ الصِّهْرُ. قالَ قَتادَةُ والكَلْبِيُّ: قالُوا لَعَنَهُمُ اللَّهُ: إنِ اللَّهَ صاهَرَ الجِنَّ فَكانَتِ المَلائِكَةُ مِن أوْلادِهِمْ، قالا: والقائِلُ بِهَذِهِ المَقالَةِ اليَهُودُ. وقالَ مُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ ومُقاتِلٌ: إنَّ القائِلَ بِذَلِكَ كِنانَةُ وخُزاعَةُ قالُوا: إنَّ اللَّهَ خَطَبَ إلى ساداتِ الجِنِّ فَزَوَّجُوهُ مِن سَرَواتِ بَناتِهِمْ، فالمَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ مِن سَرَواتِ بَناتِ الجِنِّ. وقالَ الحَسَنُ: أشْرَكُوا الشَّيْطانَ في عِبادَةِ اللَّهِ، فَهو النَّسَبُ الَّذِي جَعَلُوهُ. ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إنَّهم لَمُحْضَرُونَ﴾ أيْ: عَلِمُوا أنَّ هَؤُلاءِ الكُفّارَ الَّذِينَ قالُوا هَذا القَوْلَ يُحْضَرُونَ النّارَ ويُعَذَّبُونَ فِيها. وقِيلَ: عَلِمَتِ الجِنَّةُ أنَّهم (p-١٢٥٣)أنْفُسَهم يَحْضُرُونَ لِلْحِسابِ. والأوَّلُ أوْلى، لِأنَّ الإحْضارَ إذا أُطْلِقَ فالمُرادُ العَذابُ. وقِيلَ: المَعْنى: ولَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ أنَّهم لَمُحْضَرُونَ إلى الجَنَّةِ. ثُمَّ نَزَّهَ - سُبْحانَهُ - نَفْسَهُ فَقالَ: ﴿سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ أوْ هو حِكايَةٌ لِتَنْزِيهِ المُلْكِ لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - عَمّا وصَفَهُ بِهِ المُشْرِكُونَ. والِاسْتِثْناءُ في قَوْلِهِ: ﴿إلّا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾ مُنْقَطِعٌ، والتَّقْدِيرُ: لَكِنَّ عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ بَرِيئُونَ عَنْ أنْ يَصِفُوا اللَّهَ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ. وقَدْ قُرِئَ بِفَتْحِ اللّامِ وكَسْرِها ومَعْناهُما ما بَيَّناهُ قَرِيبًا. وقِيلَ: هو اسْتِثْناءٌ مِنَ المَحْضَرِينَ أيْ: إنَّهم يُحْضَرُونَ النّارَ إلّا مَن أخْلَصَ، فَيَكُونُ مُتَّصِلًا لا مُنْقَطِعًا، وعَلى هَذا تَكُونُ جُمْلَةُ التَّسْبِيحِ مُعْتَرِضَةً. ثُمَّ خاطَبَ الكُفّارَ عَلى العُمُومِ أوْ كُفّارَ مَكَّةَ عَلى الخُصُوصِ فَقالَ: ﴿فَإنَّكم وما تَعْبُدُونَ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ﴾ أيْ: فَإنَّكم وآلِهَتَكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَسْتُمْ بِفاتِنِينَ عَلى اللَّهِ بِإفْسادِ عِبادِهِ وإضْلالِهِمْ، و" عَلى " مُتَعَلِّقَةٌ بِـ: " فاتِنِينَ "، والواوُ في ﴿وما تَعْبُدُونَ﴾ إمّا لِلْعَطْفِ عَلى اسْمِ إنَّ، أوْ هو بِمَعْنى مَعَ، وما مَوْصُولَةٌ أوْ مَصْدَرِيَّةٌ أيْ: فَإنَّكم والَّذِي تَعْبُدُونَ، أوْ وعِبادَتَكم، ومَعْنى " فاتِنِينَ " مُضِلِّينَ، يُقالُ: فَتَنْتُ الرَّجُلَ وأفْتَنْتُهُ، ويُقالُ: فَتَنَهُ عَنِ الشَّيْءِ وبِالشَّيْءِ كَما يُقالُ: أضَلَّهُ عَلى الشَّيْءِ وأضَلَّهُ بِهِ. قالَ الفَرّاءُ: أهْلُ الحِجازِ يَقُولُونَ: فَتَنْتُهُ، وأهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ: أفْتَنْتُهُ، ويُقالُ: فَتَنَ فُلانٌ عَلى فُلانٍ امْرَأتَهُ أيْ: أفْسَدَها عَلَيْهِ، فالفِتْنَةُ هُنا بِمَعْنى الإضْلالِ والإفْسادِ. قالَ مُقاتِلٌ: يَقُولُ: ما أنْتُمْ بِمُضِلِّينَ أحَدًا بِآلِهَتِكم إلّا مَن قَدَرَ اللَّهُ لَهُ أنْ يَصْلى الجَحِيمَ، و" ما " في وما أنْتُمْ نافِيَةٌ وأنْتُمْ خِطابٌ لَهم ولِمَن يَعْبُدُونَهُ عَلى التَّغْلِيبِ. قالَ الزَّجّاجُ: أهْلُ التَّفْسِيرِ مُجْمِعُونَ فِيما عَلِمْتُ أنَّ المَعْنى: ما أنْتُمْ بِمُضِلِّينَ أحَدًا إلّا مَن قَدَّرَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - عَلَيْهِ أنْ يَضِلَّ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎فَرَدَّ بِفِتْنَتِهِ كَيْدَهُ عَلَيْهِ وكانَ لَنا فاتِنًا أيْ مُضِلًّا. ﴿إلّا مَن هو صالِي الجَحِيمِ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ ( صالِ ) بِكَسْرِ اللّامِ؛ لِأنَّهُ مَنقُوصٌ مُضافٌ حُذِفَتِ الياءُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ وحُمِلَ عَلى لَفْظِ ( مَن )، وأُفْرِدَ كَما أُفْرِدَ ( هو ) . وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ بِضَمِّ اللّامِ مَعَ واوٍ بَعْدَها، ورُوِيَ عَنْهُما أنَّهُما قَرَأا بِضَمِّ اللّامِ بِدُونِ واوٍ. فَأمّا مَعَ الواوِ فَعَلى أنَّهُ جَمْعُ سَلامَةٍ بِالواوِ حَمْلًا عَلى مَعْنى مَن، وحُذِفَتْ نُونُ الجَمْعِ لِلْإضافَةِ، وأمّا بِدُونِ الواوِ فَيَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ جَمْعًا، وإنَّما حُذِفَتِ الواوُ خَطًّا كَما حُذِفَتْ لَفْظًا، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مُفْرَدًا، وحَقُّهُ عَلى هَذا كَسْرُ اللّامِ. قالَ النَّحّاسُ: وجَماعَةُ أهْلِ التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَحْنٌ لِأنَّهُ لا يَجُوزُ: هَذا قاضِ المَدِينَةِ، والمَعْنى: أنَّ الكُفّارَ وما يَعْبُدُونَهُ لا يَقْدِرُونَ عَلى إضْلالِ أحَدٍ مِن عِبادِ اللَّهِ إلّا مَن هو مِن أهْلِ النّارِ وهُمُ المُصِرُّونَ عَلى الكُفْرِ، وإنَّما يُصِرُّ عَلى الكُفْرِ مَن سَبَقَ القَضاءُ عَلَيْهِ بِالشَّقاوَةِ، وإنَّهُ مِمَّنْ يَصْلى النّارَ أيْ: يَدْخُلُها. ثُمَّ قالَ المَلائِكَةُ مُخْبِرِينَ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - كَما حَكاهُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - عَنْهم. ﴿وما مِنّا إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾ وفي الكَلامِ حَذْفٌ، والتَّقْدِيرُ: وما مَنّا أحَدٌ، أوْ: وما مِنّا مَلَكٌ إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ في عِبادَةِ اللَّهِ. وقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وما مَنّا إلّا مَن لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ، رَجَّحَ البَصْرِيُّونَ التَّقْدِيرَ الأوَّلَ، ورَجَّحَ الكُوفِيُّونَ الثّانِيَ. قالَ الزَّجّاجُ: هَذا قَوْلُ المَلائِكَةِ وفِيهِ مُضْمَرٌ. المَعْنى وما مِنّا مَلَكٌ إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ. ثُمَّ قالُوا: ﴿وإنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ﴾ أيْ: في مَواقِفِ الطّاعَةِ. قالَ قَتادَةُ: هُمُ المَلائِكَةُ صَفُّوا أقْدامَهم. وقالَ الكَلْبِيُّ: صُفُوفُ المَلائِكَةِ في السَّماءِ كَصُفُوفِ أهْلِ الدُّنْيا في الأرْضِ. ﴿وإنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ﴾ أيِ: المُنَزِّهُونَ لِلَّهِ المُقَدِّسُونَ لَهُ عَمّا أضافَهُ إلَيْهِ المُشْرِكُونَ، وقِيلَ: المُصَلُّونَ، وقِيلَ: المُرادُ بِقَوْلِهِمُ المُسَبِّحُونَ مَجْمُوعُ التَّسْبِيحِ بِاللِّسانِ وبِالصَّلاةِ، والمَقْصُودُ أنَّ هَذِهِ الصِّفاتِ هي صِفاتُ المَلائِكَةِ، ولَيْسُوا كَما وصَفَهم بِهِ الكُفّارُ مِن أنَّهم بَناتُ اللَّهِ. ﴿وإنْ كانُوا لَيَقُولُونَ﴾ هَذا رُجُوعٌ إلى الإخْبارِ عَنِ المُشْرِكِينَ أيْ: كانُوا قَبْلَ المَبْعَثِ المُحَمَّدِيِّ إذا عَيُّوا بِالجَهْلِ قالُوا. ﴿لَوْ أنَّ عِنْدَنا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ﴾ أيْ: كِتابًا مِن كُتُبِ الأوَّلِينَ كالتَّوْراةِ والإنْجِيلِ. ﴿لَكُنّا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾ أيْ: لَأخْلَصْنا العِبادَةَ لَهُ ولَمْ نَكْفُرْ بِهِ، وإنَّ في قَوْلِهِ: وإنْ كانُوا هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وفِيها ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ، واللّامُ هي الفارِقَةُ بَيْنَها وبَيْنَ النّافِيَةِ أيْ: وإنَّ الشَّأْنَ كانَ كَفّارُ العَرَبِ لَيَقُولُونَ إلَخْ. والفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فَكَفَرُوا بِهِ﴾ هي الفَصِيحَةُ الدّالَّةُ عَلى مَحْذُوفٍ مُقَدَّرٍ في الكَلامِ. قالَ الفَرّاءُ: تَقْدِيرُهُ فَجاءَهم مُحَمَّدٌ بِالذِّكْرِ فَكَفَرُوا بِهِ، وهَذا عَلى طَرِيقِ التَّعَجُّبِ مِنهم ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ أيْ: عاقِبَةَ كُفْرِهِمْ ومَغَبَّتَهُ، وفي هَذا تَهْدِيدٌ لَهم شَدِيدٌ. وجُمْلَةُ ﴿ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنا المُرْسَلِينَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِلْوَعِيدِ، والمُرادُ بِالكَلِمَةِ ما وعَدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّصْرِ والظَّفَرِ عَلى الكُفّارِ. قالَ مُقاتِلٌ: عَنى بِالكَلِمَةِ قَوْلَهُ - سُبْحانَهُ -: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١] . وقالَ الفَرّاءُ: سَبَقَتْ كَلِمَتُنا بِالسَّعادَةِ لَهم. والأُولى تَفْسِيرُ هَذِهِ الكَلِمَةِ بِما هو مَذْكُورٌ هُنا، فَإنَّهُ قالَ: ﴿إنَّهم لَهُمُ المَنصُورُونَ وإنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ فَهَذِهِ الكَلِمَةُ المَذْكُورَةُ سابِقًا وهَذا تَفْسِيرٌ لَها، والمُرادُ بِجُنْدِ اللَّهِ حِزْبُهُ وهُمُ الرُّسُلُ وأتْباعُهم. قالَ الشَّيْبانِيُّ: جاءَ هُنا عَلى الجَمْعِ: يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ مِن أجْلِ أنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، وهَذا الوَعْدُ لَهم بِالنَّصْرِ والغَلَبَةِ لا يُنافِيهِ انْهِزامُهم في بَعْضِ المَواطِنِ وغَلَبَةُ الكُفّارِ لَهم، فَإنَّ الغالِبَ في كُلِّ مَوْطِنٍ هو انْتِصارُهم عَلى الأعْداءِ وغَلَبَتُهُ لَهم، فَخَرَجَ الكَلامُ مَخْرَجَ الغالِبِ، عَلى أنَّ العاقِبَةَ المَحْمُودَةَ لَهم عَلى كُلِّ حالٍ وفي كُلِّ مَوْطِنٍ كَما قالَ - سُبْحانَهُ -: ﴿والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨] . ثُمَّ أمَرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - رَسُولَهُ بِالإعْراضِ عَنْهم والإغْماضِ عَمّا يَصْدُرُ مِنهم مِنَ الجَهالاتِ والضَّلالاتِ فَقالَ: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهم حَتّى حِينٍ﴾ أيْ: أعْرِضْ عَنْهم إلى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ -، وهي مُدَّةُ الكَفِّ عَنِ القِتالِ. قالَ السُّدِّيُّ ومُجاهِدٌ: حَتّى نَأْمُرَكَ بِالقِتالِ. وقالَ قَتادَةُ: إلى المَوْتِ، وقِيلَ: إلى يَوْمِ بَدْرٍ، وقِيلَ: إلى يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ، وقِيلَ: هَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. ﴿وأبْصِرْهم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ أيْ: وأبْصِرْهم إذا نَزَلَ بِهِمُ العَذابُ بِالقَتْلِ (p-١٢٥٤)والأسْرِ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ حِينَ لا يَنْفَعُهُمُ الإبْصارُ، وعَبَّرَ بِالإبْصارِ عَنْ قُرْبِ الأمْرِ أيْ: فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ عَنْ قَرِيبٍ. وقِيلَ: المَعْنى: فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ العَذابَ يَوْمَ القِيامَةِ. ثُمَّ هَدَّدَهم بِقَوْلِهِ - سُبْحانَهُ -: ﴿أفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ كانُوا يَقُولُونَ مِن فَرْطِ تَكْذِيبِهِمْ: مَتى هَذا العَذابُ ؟ . ﴿فَإذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ﴾ أيْ: إذا نَزَلَ عَذابُ اللَّهِ لَهم بِفَنائِهِمْ، والسّاحَةُ في اللُّغَةِ: فِناءُ الدّارِ الواسِعِ. قالَ الفَرّاءُ: نَزَلَ بِساحَتِهِمْ ونَزَلَ بِهِمْ سَواءٌ. قالَ الزَّجّاجُ: وكانَ عَذابُ هَؤُلاءِ بِالقَتْلِ، قِيلَ: المُرادُ بِهِ نُزُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِساحَتِهِمْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ. قَرَأ الجُمْهُورُ نَزَلَ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، والجارُّ والمَجْرُورُ قائِمٌ مُقامَ الفاعِلِ ﴿فَساءَ صَباحُ المُنْذَرِينَ﴾ أيْ: بِئْسَ صَباحُ الَّذِينَ أُنْذِرُوا بِالعَذابِ والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ أيْ: صَباحُهم. وخَصَّ الصَّباحَ بِالذِّكْرِ لِأنَّ العَذابَ كانَ يَأْتِيهِمْ فِيهِ. ثُمَّ كَرَّرَ - سُبْحانَهُ - ما سَبَقَ تَأْكِيدًا لِلْوَعْدِ بِالعَذابِ فَقالَ: ﴿وتَوَلَّ عَنْهم حَتّى حِينٍ وأبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ وحَذَفَ مَفْعُولَ " أبْصِرْ " هاهُنا وذَكَرَهُ أوَّلًا إمّا لِدَلالَةِ الأوَّلِ عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ هُنا اخْتِصارًا، أوْ قَصْدًا إلى التَّعْمِيمِ لِلْإيذانِ بِأنَّ ما يُبْصِرُهُ مِن أنْواعِ عَذابِهِمْ لا يُحِيطُ بِهِ الوَصْفُ. وقِيلَ: هَذِهِ الجُمْلَةُ المُرادُ بِها أحْوالُ القِيامَةِ، والجُمْلَةُ الأُولى المُرادُ بِها عَذابُهم في الدُّنْيا، وعَلى هَذا فَلا يَكُونُ مِن بابِ التَّأْكِيدِ، بَلْ مِن بابِ التَّأْسِيسِ. ثُمَّ نَزَّهَ - سُبْحانَهُ - نَفْسَهُ عَنْ قَبِيحِ ما يَصْدُرُ مِنهم فَقالَ: ﴿سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ العِزَّةُ الغَلَبَةُ والقُوَّةُ، والمُرادُ تَنْزِيهُهُ عَنْ كُلِّ ما يَصِفُونَهُ بِهِ مِمّا لا يَلِيقُ بِجَنابِهِ الشَّرِيفِ، و( رَبِّ العِزَّةِ ) بَدَلٌ مِن رَبِّكَ. ثُمَّ ذَكَرَ ما يَدُلُّ عَلى تَشْرِيفِ رُسُلِهِ وتَكْرِيمِهِمْ فَقالَ: ﴿وسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ﴾ أيِ: الَّذِينَ أرْسَلَهم إلى عِبادِهِ وبَلَّغُوا رِسالاتِهِ، وهو مِنَ السَّلامِ الَّذِي هو التَّحِيَّةُ، وقِيلَ: مَعْناهُ: أمْنٌ لَهم وسَلامَةٌ مِنَ المَكارِهِ. ﴿والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ إرْشادٌ لِعِبادِهِ إلى حَمْدِهِ عَلى إرْسالِ رُسُلِهِ إلَيْهِمْ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ، وتَعْلِيمٌ لَهم كَيْفَ يَصْنَعُونَ عِنْدَ إنْعامِهِ عَلَيْهِمْ وما يُثْنُونَ عَلَيْهِ بِهِ، وقِيلَ: إنَّهُ الحَمْدُ عَلى هَلاكِ المُشْرِكِينَ ونَصْرِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمْ، والأوْلى أنَّهُ حَمْدٌ لِلَّهِ - سُبْحانَهُ - عَلى كُلِّ ما أنْعَمَ بِهِ عَلى خَلْقِهِ أجْمَعِينَ كَما يُفِيدُهُ حَذْفُ المَحْمُودِ عَلَيْهِ، فَإنَّ حَذْفَهُ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ كَما تَقَرَّرَ في عِلْمِ المَعانِي، والحَمْدُ هو الثَّناءُ الجَمِيلُ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا﴾ قالَ: زَعَمَ أعْداءُ اللَّهِ أنَّهُ - تَبارَكَ وتَعالى - هو وإبْلِيسُ أخَوانِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ ﴿فَإنَّكم وما تَعْبُدُونَ﴾ قالَ: فَإنَّكم يا مَعْشَرَ المُشْرِكِينَ وما تَعْبُدُونَ: يَعْنِي الآلِهَةَ ﴿ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ﴾ قالَ: بِمُضِلِّينَ ﴿إلّا مَن هو صالِي الجَحِيمِ﴾ يَقُولُ: إلّا مَن سَبَقَ في عِلْمِي أنَّهُ سَيَصْلى الجَحِيمَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ يَقُولُ: إنَّكم لا تَضِلُّونَ أنْتُمْ ولا أُضِلُّ مِنكم إلّا مَن قَضَيْتُ عَلَيْهِ أنَّهُ صالِ الجَحِيمِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: لا تُفْتَنُونَ إلّا مَن هو صالِ الجَحِيمِ. وأخْرَجَ، عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿وما مِنّا إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾ قالَ المَلائِكَةُ: ﴿وإنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ﴾ قالَ المَلائِكَةُ: ﴿وإنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ﴾ قالَ: المَلائِكَةُ. وأخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ في كِتابِ الصَّلاةِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - «ما في السَّماءِ مَوْضِعُ قَدَمٍ إلّا عَلَيْهِ مَلَكٌ ساجِدٌ أوْ قائِمٌ، وذَلِكَ قَوْلُ المَلائِكَةِ ﴿وما مِنّا إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وإنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ﴾» وأخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وابْنُ عَساكِرَ عَنِ العَلاءِ بْنِ سَعْدٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ يَوْمًا لِأصْحابِهِ أطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لَها أنْ تَئِطَّ، لَيْسَ فِيها مَوْضِعُ قَدَمٍ إلّا عَلَيْهِ مَلَكٌ راكِعٌ أوْ ساجِدٌ، ثُمَّ قَرَأ ﴿وإنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ وإنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ﴾» . وأخْرَجَ، عَبْدُ الرَّزّاقِ، والفِرْيابِيُّ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: " إنَّ مِنَ السَّماواتِ لَسَماءٌ ما فِيها مَوْضِعُ شِبْرٍ إلّا وعَلَيْهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ أوْ قَدَماهُ قائِمًا أوْ ساجِدًا، ثُمَّ قَرَأ ﴿وإنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ وإنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ﴾ " . وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ وأسْمَعُ ما لا تَسْمَعُونَ، إنَّ السَّماءَ أطَّتْ وحُقَّ لَها أنْ تَئِطَّ، ما فِيها مَوْضِعُ أرْبَعِ أصابِعَ إلّا ومَلَكٌ واضِعٌ جَبْهَتَهُ ساجِدًا لِلَّهِ» وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ وغَيْرِهِ «أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أمَرَ الصَّحابَةَ أنْ يَصُفُّوا كَما تَصُفُّ المَلائِكَةَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَقالُوا: وكَيْفَ تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ: يُقِيمُونَ الصُّفُوفَ المُقَدَّمَةَ ويَتَراصُّونَ في الصَّفِّ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿لَوْ أنَّ عِنْدَنا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ﴾ قالَ: لَمّا جاءَ المُشْرِكِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ ذِكْرُ الأوَّلِينَ وعِلْمُ الآخِرِينَ كَفَرُوا بِالكِتابِ ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ . وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ أنَسٍ قالَ: " «صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - خَيْبَرَ وقَدْ خَرَجُوا بِالمَساحِي، فَلَمّا نَظَرُوا إلَيْهِ قالُوا: مُحَمَّدٌ والخَمِيسُ، فَقالَ: اللَّهُ أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنّا إذا نَزَلْنا بِساحَةِ قَوْمٍ فَساءَ صَباحُ المُنْذِرِينَ» . الحَدِيثُ. وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «إذا سَلَّمْتُمْ عَلى المُرْسَلِينَ فَسَلِّمُوا عَلَيَّ فَإنَّما أنا بَشَرٌ مِنَ المُرْسَلِينَ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طَرِيقِ أبِي العَوّامِ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ بِأطْوَلَ مِنهُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأبُو يَعْلى، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أنَّهُ كانَ إذا أرادَ أنْ يُسَلِّمَ مِن صَلاتِهِ قالَ: ﴿سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «كُنّا نَعْرِفُ انْصِرافَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مِنَ الصَّلاةِ بِقَوْلِهِ: ﴿سُبْحانَ رَبِّكَ﴾ إلى (p-١٢٥٥)آخِرِ الآيَةِ» . وأخْرَجَ الخَطِيبُ نَحْوَهُ مِن حَدِيثِ أبِي سَعِيدٍ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ «مَن قالَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ: ﴿سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ ثَلاثَ مَرّاتٍ، فَقَدِ اكْتالَ بِالمِكْيالِ الأوْفى مِنَ الأجْرِ» . وأخْرَجَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ في تَرْغِيبِهِ مِن طَرِيقِ الأصْبَغِ بْنِ نُباتَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ نَحْوَهُ. وإلى هُنا انْتَهى الجُزْءُ الثّالِثُ مِن هَذا التَّفْسِيرِ المُبارَكِ بِمَعُونَةِ اللَّهِ، المَقْبُولِ بِفَضْلِ اللَّهِ، بِقَلَمِ مُصَنِّفِهِ الحَقِيرِ " مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّوْكانِيِّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُما "، في نَهارِ الخَمِيسِ الحادِي والعِشْرِينَ مِن شَهْرِ مُحَرَّمٍ الحَرامِ مِن شُهُورٍ سَنَةِ تِسْعٍ وعِشْرِينَ ومِائَتَيْنِ وألْفٍ مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، حامِدًا لِلَّهِ شاكِرًا لَهُ مُصَلِّيًا مُسَلِّمًا عَلى رَسُولِهِ وآلِهِ، ويَتْلُوهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَفْسِيرُ سُورَةِ ص. انْتَهى سَماعُ هَذا الجُزْءِ عَلى مُؤَلِّفِهِ حَفِظَهُ اللَّهُ في يَوْمِ الِاثْنَيْنِ غُرَّةَ شَهْرِ جَمادى الآخِرَةِ سَنَةَ ١٢٣٩ ه. كَتَبَهُ يَحْيى بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكانِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب