الباحث القرآني
لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - حالَ الكافِرِينَ أتْبَعَهُ بِحِكايَةِ حالِ عِبادِهِ الصّالِحِينَ، وجَعَلَهُ مِن جُمْلَةِ ما يُقالُ: لِلْكُفّارِ يَوْمَئِذٍ زِيادَةً لِحَسْرَتِهِمْ، وتَكْمِيلًا لِجَزَعِهِمْ، وتَتْمِيمًا لِما نَزَلَ بِهِمْ مِنَ البَلاءِ، وما شاهَدُوهُ مِنَ الشَّقاءِ، فَإذا رَأوْا ما أعَدَّهُ اللَّهُ لَهم مِن أنْواعِ العَذابِ، وما أعَدَّهُ لِأوْلِيائِهِ مِن أنْواعِ النَّعِيمِ، بَلَغَ ذَلِكَ مِن قُلُوبِهِمْ مَبْلَغًا عَظِيمًا، وزادَ في ضِيقِ صُدُورِهِمْ بِزِيادَةٍ لا يُقادَرُ قَدْرُها.
والمَعْنى إنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ في ذَلِكَ اليَوْمَ في شُغُلٍ بِما هم فِيهِ مِنَ اللَّذّاتِ الَّتِي هي ما لا عَيْنٌ رَأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ، عَنِ الِاهْتِمامِ بِأمْرِ الكُفّارِ، ومَصِيرُهم إلى النّارِ، وإنْ كانُوا مِن قَرابَتِهِمْ.
والأوْلى عَدَمُ تَخْصِيصِ الشُّغْلِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ.
وقالَ قَتادَةُ، ومُجاهِدٌ: شُغُلُهم ذَلِكَ اليَوْمَ بِافْتِضاضِ العَذارى. وقالَ وكِيعٌ: شُغُلُهم بِالسَّماعِ.
وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: بِزِيارَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وقِيلَ: شُغُلُهم كَوْنُهم ذَلِكَ اليَوْمَ في ضِيافَةِ اللَّهِ.
قَرَأ الكُوفِيُّونَ، وابْنُ عامِرٍ: شُغُلٍ بِضَمَّتَيْنِ. وقَرَأ الباقُونَ بِضَمِّ الشِّينِ وسُكُونِ الغَيْنِ: وهُما لُغَتانِ كَما قالَ الفَرّاءُ. وقَرَأ مُجاهِدٌ، وأبُو السِّماكِ بِفَتْحَتَيْنِ.
وقَرَأ يَزِيدُ النَّحْوِيُّ، وابْنُ هُبَيْرَةَ بِفَتْحِ الشِّينِ وسُكُونِ الغَيْنِ.
وقِراءَةُ الجُمْهُورِ فاكِهُونَ بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ إنَّ، ( وفي شُغُلٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِهِ، أوْ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّهُ خَبَرُ إنَّ وفاكِهُونَ خَبَرٌ ثانٍ.
وقَرَأ الأعْمَشُ وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ " فاكِهِينَ " بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ حالٌ، ( وفي شُغُلٍ ) هو الخَبَرُ.
وقَرَأ الحَسَنُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وأبُو حَيْوَةَ، وأبُو رَجاءٍ، وشَيْبَةُ، وقَتادَةُ، ومُجاهِدٌ " فَكِهُونَ " قالَ الفَرّاءُ: هُما لُغَتانِ كالفارِهِ، والفَرِهِ، والحاذِرِ، والحَذِرِ.
وقالَ الكِسائِيُّ، وأبُو عُبَيْدَةَ: الفاكِهُ: ذُو الفاكِهَةِ مِثْلُ تامِرٍ، ولابِنٍ، والفَكِهُ: المُتَفَكِّهُ والمُتَنَعِّمُ. وقالَ قَتادَةُ: الفَكِهُونَ: المُعْجَبُونَ.
وقالَ أبُو زَيْدٍ: يُقالُ: رَجُلٌ فَكِهٌ: إذا كانَ طَيِّبَ النَّفْسِ ضَحُوكًا.
وقالَ مُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ كَما قالَ قَتادَةُ.
وقالَ السُّدِّيُّ كَما قالَ الكِسائِيُّ.
﴿هم وأزْواجُهم في ظِلالٍ عَلى الأرائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيانِ كَيْفِيَّةِ شُغُلِهِمْ، وتَفَكُّهِهِمْ، وتَكْمِيلِها بِما يَزِيدُهم سُرُورًا، وبَهْجَةً مِن كَوْنِ أزْواجِهِمْ مَعَهم عَلى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ الِاتِّكاءِ عَلى الأرائِكِ، فالضَّمِيرُ وهو ( هم ) مُبْتَدَأٌ و( أزْواجُهم ) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ والخَبَرُ ( مُتَّكِئُونَ )، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ( هم ) تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ في " فاكِهُونَ " و( أزْواجُهم ) مَعْطُوفٌ عَلى ذَلِكَ الضَّمِيرِ، وارْتِفاعُ ( مُتَّكِئُونَ ) عَلى أنَّهُ خَبَّرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، و( ﴿فِي ظِلالٍ﴾ ) مُتَعَلِّقٌ بِهِ أوْ حالٌ، وكَذا ( ﴿عَلى الأرائِكِ﴾ ) وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ ﴿فِي ظِلالٍ﴾ هو الخَبَرُ و﴿عَلى الأرائِكِ﴾ مُسْتَأْنَفٌ.
قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿فِي ظِلالٍ﴾ بِكَسْرِ الظّاءِ وبِالألِفِ وهو جَمْعُ ظِلٍّ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وعَبْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، والأعْمَشُ، ويَحْيى بْنُ وثّابٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ " في ظُلَلٍ " بِضَمِّ الظّاءِ مِن غَيْرِ ألِفٍ جَمْعُ ظُلَّةٍ، وعَلى القِراءَتَيْنِ فالمُرادُ الفُرُشُ، والسُّتُورُ الَّتِي تُظَلِّلُهم كالخِيامِ، والحِجالِ، و( الأرائِكُ ) جَمْعُ أرِيكَةٍ، كَسَفائِنَ جَمْعِ سَفِينَةٍ، والمُرادُ بِها السُّرُرُ الَّتِي في الحِجالِ.
قالَ أحْمَدُ بْنُ يَحْيى ثَعْلَبٌ: الأرِيكَةُ لا يَكُونُ إلّا سَرِيرًا في قُبَّةٍ.
وقالَ مُقاتِلٌ: إنَّ المُرادَ بِالظِّلالِ أكْنانُ القُصُورِ.
وجُمْلَةُ ﴿لَهم فِيها فاكِهَةٌ﴾ مُبَيِّنَةٌ لِما يَتَمَتَّعُونَ بِهِ في الجَنَّةِ مِنَ المَآكِلِ والمَشارِبِ ونَحْوِها.
والمُرادُ فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِن كُلِّ نَوْعٍ مِن أنْواعِ الفَواكِهِ ﴿ولَهم ما يَدَّعُونَ﴾ ( ما ) هَذِهِ هي المَوْصُولَةُ والعائِدُ مَحْذُوفٌ، أوْ مَوْصُوفَةٌ أوْ مَصْدَرِيَّةٌ، و( يَدَّعُونَ ) مُضارِعُ ادَّعى.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: ( يَدَّعُونَ ) يَتَمَنَّوْنَ، والعَرَبُ تَقُولُ: ادْعُ عَلَيَّ ما شِئْتَ أيْ: تَمَنِّ، وفُلانٌ في خَيْرٍ ما يَدَّعِي، أيْ: ما يَتَمَنّى.
وقالَ الزَّجّاجُ هو مِنَ الدُّعاءِ أيْ: ما يَدْعُونَهُ أهْلُ الجَنَّةِ يَأْتِيهِمْ، مِن دَعَوْتُ غُلامِي، فَيَكُونُ الِافْتِعالُ بِمَعْنى الفِعْلِ كالِاحْتِمالِ بِمَعْنى الحَمْلِ والِارْتِحالِ بِمَعْنى الرَّحْلِ.
وقِيلَ: افْتَعَلَ بِمَعْنى تَفاعَلَ، أيْ: ما يَتَداعَوْنَهُ كَقَوْلِهِمُ ارْتَمَوْا، وتَرامَوْا.
وقِيلَ: المَعْنى: إنَّ مَنِ ادَّعى مِنهم شَيْئًا فَهو لَهُ، لِأنَّ اللَّهَ قَدْ (p-١٢٢٩)طَبَّعَهم عَلى أنْ لا يَدَّعِيَ أحَدٌ مِنهم شَيْئًا إلّا وهو يَحْسُنُ ويَجْمُلُ بِهِ أنْ يَدَّعِيَهُ، و( ما ) مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُها ( لَهم )، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى ما قَبْلَها.
وقُرِئَ " يَدْعُونَ " بِالتَّخْفِيفِ، ومَعْناها واضِحٌ.
قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: والوَقْفُ عَلى ( يَدَّعُونَ ) وقْفٌ حَسَنٌ.
ثُمَّ يَبْتَدِئُ سَلامٌ عَلى مَعْنى: لَهم سَلامٌ، وقِيلَ: إنَّ ( سَلامٌ ) هو خَبَرُ ( ما ) أيْ: مُسَلَّمٌ خالِصٌ، أوْ ذُو سَلامَةٍ.
وقالَ الزَّجّاجُ: ( سَلامٌ ) مَرْفُوعٌ عَلى البَدَلِ مِن ( ما ) أيْ: ولَهم أنْ يُسَلِّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وهَذا مُنى أهْلِ الجَنَّةِ، والأوْلى أنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: ﴿ولَهم ما يَدَّعُونَ﴾ عَلى العُمُومِ، وهَذا السَّلامُ يَدْخُلُ تَحْتَهُ دُخُولًا أوَّلِيًّا، ولا وجْهَ لِقَصْرِهِ عَلى نَوْعٍ خاصٍّ، وإنْ كانَ أشْرَفَ أنْواعِهِ تَحْقِيقًا لِمَعْنى العُمُومِ، ورِعايَةً لِما يَقْتَضِيهِ النَّظْمُ القُرْآنِيُّ.
وقِيلَ: إنَّ ( سَلامٌ ) مُرْتَفِعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أيْ: سَلامٌ يُقالُ لَهم قَوْلًا وقِيلَ: إنَّ ( سَلامٌ ) مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ النّاصِبُ لِ ( قَوْلًا ) أيْ: سَلامٌ يُقالُ لَهم قَوْلًا، وقِيلَ: خَبَرُهُ ( مِن رَبٍّ رَحِيمٍ )، وقِيلَ: التَّقْدِيرُ: سَلامُ عَلَيْكم، هَذا عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ. وقَرَأ أُبَيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وعِيسى " سَلامًا " بِالنَّصْبِ إمّا عَلى المَصْدَرِيَّةِ، أوْ عَلى الحالِيَّةِ بِمَعْنى خالِصًا، والسَّلامُ: إمّا مِنَ التَّحِيَّةِ، أوْ مِنَ السَّلامَةِ.
وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ " سَلْمٌ " كَأنَّهُ قالَ: سَلْمٌ لَهم لا يَتَنازَعُونَ فِيهِ، وانْتِصابُ ( قَوْلًا ) عَلى المَصْدَرِيَّةِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ عَلى مَعْنى: قالَ اللَّهُ لَهم ذَلِكَ قَوْلًا، أوْ يَقُولُهُ لَهم قَوْلًا، أوْ يُقالُ لَهم قَوْلًا: ﴿مِن رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ أيْ: مِن جِهَتِهِ، قِيلَ: يُرْسِلُ اللَّهُ سَحابَةً إلَيْهِمْ بِالسَّلامِ.
وقالَ مُقاتِلٌ: إنَّ المَلائِكَةَ تَدْخُلُ عَلى أهْلِ الجَنَّةِ مِن كُلِّ بابٍ يَقُولُونَ: سَلامٌ عَلَيْكم يا أهْلِ الجَنَّةِ مِن رَبٍّ رَحِيمٍ.
﴿وامْتازُوا اليَوْمَ أيُّها المُجْرِمُونَ﴾ هو عَلى إضْمارِ القَوْلِ مُقابِلَ ما قِيلَ لِلْمُؤْمِنِينَ أيْ: ويُقالُ لِلْمُجْرِمِينَ: امْتازُوا، أيِ: انْعَزِلُوا، مِن مازَهَ غَيْرَهُ، يُقالُ: مِزْتُ الشَّيْءَ مِنَ الشَّيْءِ: إذا عَزَلْتَهُ عَنْهُ ونَحَّيْتَهُ.
قالَ مُقاتِلٌ: مَعْناهُ اعْتَزِلُوا اليَوْمَ: يَعْنِي في الآخِرَةِ، مِنَ الصّالِحِينَ. وقالَ السُّدِّيُّ: كُونُوا عَلى حِدَةٍ. وقالَ الزَّجّاجُ: انْفَرِدُوا عَنِ المُؤْمِنِينَ. وقالَ قَتادَةُ: عُزِلُوا عَنْ كُلِّ خَيْرٍ. وقالَ الضَّحّاكُ: يَمْتازُ المُجْرِمُونَ بَعْضُهم مِن بَعْضٍ، فَيَمْتازُ اليَهُودُ فِرْقَةً، والنَّصارى فِرْقَةً، والمَجُوسُ فِرْقَةً، والصّابِئُونَ فِرْقَةً، وعَبَدَةُ الأوْثانِ فِرْقَةً.
وقالَ داوُدُ بْنُ الجَرّاحِ: يَمْتازُ المُسْلِمُونَ مِنَ المُجْرِمِينَ إلّا أصْحابَ الأهْواءِ، فَإنَّهم يَكُونُونَ مَعَ المُجْرِمِينَ.
ثُمَّ وبَّخَهُمُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - وقَرَّعَهم بِقَوْلِهِ: ﴿ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكم يابَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ﴾ وهَذا مِن جُمْلَةِ ما يُقالُ لَهم.
والعَهْدُ الوَصِيَّةُ أيْ: ألَمْ أُوصِكم، وأُبْلِغْكم عَلى ألْسُنِ رُسُلِي أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ، أيْ: لا تُطِيعُوهُ.
قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى ألَمْ أتَقَدَّمْ إلَيْكم عَلى لِسانِ الرُّسُلِ يا بَنِي آدَمَ. وقالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي الَّذِينَ أُمِرُوا بِالِاعْتِزالِ. قالَ الكِسائِيُّ: لا لِلنَّهْيِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالعَهْدِ هُنا: المِيثاقُ المَأْخُوذُ عَلَيْهِمْ حِينَ أُخْرِجُوا مِن ظَهْرِ آدَمَ، وقِيلَ: هو ما نَصَبَهُ اللَّهُ لَهم مِنَ الدَّلائِلِ العَقْلِيَّةِ الَّتِي في سَماواتِهِ وأرْضِهِ وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَها مِنَ النَّهْيِ عَنْ طاعَةِ الشَّيْطانِ، وقَبُولِ وسْوَسَتِهِ، وجُمْلَةُ ﴿وأنِ اعْبُدُونِي﴾ عَطْفٌ عَلى ( أنْ لا تَعْبُدُوا )، و( أنْ ) في المَوْضِعَيْنِ: هي المُفَسِّرَةُ لِلْعَهْدِ الَّذِي فِيهِ مَعْنى القَوْلِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً فِيهِما أيْ: لَمْ أعْهَدْ إلَيْكم بِأنْ لا تَعْبُدُوا بِأنِ اعْبُدُونِي، أوْ ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكم في تَرْكِ عِبادَةِ الشَّيْطانِ وفي عِبادَتِي ﴿هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ أيْ: عِبادَةُ اللَّهِ وتَوْحِيدُهُ، أوِ الإشارَةُ إلى دِينِ الإسْلامِ.
ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - عَداوَةَ الشَّيْطانِ لِبَنِي آدَمَ فَقالَ: ﴿ولَقَدْ أضَلَّ مِنكم جِبِلًّا كَثِيرًا﴾ اللّامُ هي المُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلتَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ أيْ: واللَّهِ لَقَدْ أضَلَّ إلَخْ.
قَرَأ نافِعٌ وعاصِمٌ جِبِلًّا بِكَسْرِ الجِيمِ والباءِ وتَشْدِيدِ اللّامِ وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ، والزُّهْرِيُّ، وابْنُ هُرْمُزَ بِضَمَّتَيْنِ مَعَ تَشْدِيدِ اللّامِ، وكَذَلِكَ قَرَأ الحَسَنُ، وعِيسى بْنُ عُمَرَ، والنَّضْرُ بْنُ أنَسٍ.
وقَرَأ أبُو يَحْيى، وحَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، والأشْهَبُ العُقَيْلِيُّ بِكَسْرِ الجِيمِ وإسْكانِ الباءِ وتَخْفِيفِ اللّامِ. قالَ النَّحّاسُ: وأبْيَنُها القِراءَةُ الأُولى.
والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ أنَّهم قَدْ قَرَءُوا جَمِيعًا: ﴿والجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ﴾ بِكَسْرِ الجِيمِ والباءِ وتَشْدِيدِ اللّامِ.
فَيَكُونُ ( جِبِلًّا ) جَمْعَ: جِبِلَّةٍ، واشْتِقاقُ الكُلِّ مِن جَبَلَ اللَّهُ الخَلْقَ أيْ: خَلَقَهم، ومَعْنى الآيَةِ: أنَّ الشَّيْطانَ قَدْ أغْوى خَلْقًا كَثِيرًا كَما قالَ مُجاهِدٌ.
وقالَ قَتادَةُ: جُمُوعًا كَثِيرَةً، وقالَ الكَلْبِيُّ: أُمَمًا كَثِيرَةً.
قالَ الثَّعْلَبِيُّ: والقِراءاتُ كُلُّها بِمَعْنى الخَلْقِ، وقُرِئَ " جِيلًا " بِالجِيمِ والياءِ التَّحْتِيَّةِ.
قالَ الضَّحّاكُ: الجِيلُ الواحِدُ عَشْرَةُ آلافٍ، والكَثِيرُ ما لا يُحْصِيهِ إلّا اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -، ورُوِيَتْ هَذِهِ القِراءَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ.
والهَمْزَةُ في قَوْلِهِ: ﴿أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ لِلتَّقْرِيعِ، والتَّوْبِيخِ، والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ المَقامُ كَما تَقَدَّمَ في نَظائِرِهِ أيْ: أتُشاهِدُونَ آثارَ العُقُوباتِ، أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ، أوْ أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ عَداوَةَ الشَّيْطانِ لَكم، أوْ أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ شَيْئًا أصْلًا قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ بِالخِطابِ. وقَرَأ طَلْحَةُ وعِيسى بِالغَيْبَةِ.
﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ أيْ: ويُقالُ لَهم عِنْدَ أنْ يَدْنُوا مِنَ النّارِ: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ بِها في الدُّنْيا عَلى ألْسِنَةِ الرُّسُلِ، والقائِلُ لَهُمُ المَلائِكَةُ.
ثُمَّ يَقُولُونَ لَهم: ﴿اصْلَوْها اليَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ أيْ: قاسُوا حَرَّها اليَوْمَ، وادْخُلُوها، وذُوقُوا أنْواعَ العَذابِ فِيها بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أيْ: بِسَبَبِ كُفْرِكم بِاللَّهِ في الدُّنْيا، وطاعَتِكم لِلشَّيْطانِ، وعِبادَتِكم لِلْأوْثانِ، وهَذا الأمْرُ أمْرُ تَنْكِيلٍ، وإهانَةٍ كَقَوْلِهِ: ﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾ [الدخان: ٤٩] .
﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ﴾ ( اليَوْمَ ) ظَرْفٌ لِما بَعْدَهُ، وقُرِئَ " يُخْتَمُ " عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، والنّائِبُ الجارُّ والمَجْرُورُ بَعْدَهُ.
قالَ المُفَسِّرُونَ: إنَّهم يُنْكِرُونَ الشِّرْكَ وتَكْذِيبَ الرُّسُلِ كَما في قَوْلِهِمْ: ﴿واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] فَيَخْتِمُ اللَّهُ عَلى أفْواهِهِمْ خَتْمًا لا يَقْدِرُونَ مَعَهُ عَلى الكَلامِ، وفي هَذا التِفاتٌ مِنَ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ لِلْإيذانِ بِأنَّ أفْعالَهُمُ القَبِيحَةَ مُسْتَدْعِيَةٌ لِلْإعْراضِ عَنْ خِطابِهِمْ، ثُمَّ قالَ: ﴿وتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أرْجُلُهم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أيْ: تَكَلَّمَتْ (p-١٢٣٠)أيْدِيهِمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَهُ، وشَهِدَتْ أرْجُلُهم عَلَيْهِمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.
قَرَأ الجُمْهُورُ تُكَلِّمُنا وتَشْهَدُ وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ " ولِتُكَلِّمَنا ولِتَشْهَدَ " بِلامِ كَيْ.
وقِيلَ: سَبَبُ الخَتْمِ عَلى أفْواهِهِمْ لِيَعْرِفَهم أهْلُ المَوْقِفِ. وقِيلَ: خُتِمَ عَلى أفْواهِهِمْ لِأجْلِ أنْ يَكُونَ الإقْرارُ مِن جَوارِحِهِمْ لِأنَّ شَهادَةَ غَيْرِ النّاطِقِ أبْلَغُ في الحُجَّةِ مِن شَهادَةِ النّاطِقِ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجِ الإعْجازِ. وقِيلَ: لِيَعْلَمُوا أنَّ أعْضاءَهُمُ الَّتِي كانَتْ أعْوانًا لَهم في مَعاصِي اللَّهِ صارَتْ شُهُودًا عَلَيْهِمْ، وجُعِلَ ما تَنْطِقُ بِهِ الأيْدِي كَلامًا، وإقْرارًا؛ لِأنَّها كانَتِ المُباشِرَةُ لِغالِبِ المَعاصِي، وجُعِلَ نُطْقُ الأرْجُلِ شَهادَةً؛ لِأنَّها حاضِرَةٌ عِنْدَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، وكَلامُ الفاعِلِ إقْرارٌ، وكَلامُ الحاضِرِ شَهادَةٌ، وهَذا اعْتِبارٌ بِالغالِبِ، وإلّا فالأرْجُلُ قَدْ تَكُونُ مُباشِرَةً لِلْمَعْصِيَةِ كَما تَكُونُ الأيْدِي مُباشِرَةً لَها.
﴿ولَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أعْيُنِهِمْ﴾ أيْ: أذْهَبْنا أعْيُنَهم وجَعَلْناها بِحَيْثُ لا يَبْدُو لَها شِقٌّ ولا جَفْنٌ.
قالَ الكِسائِيُّ: طَمَسَ يَطْمُسُ، ويَطْمِسُ، والمَطْمُوسُ، والطَّمِيسُ عِنْدَ أهْلِ اللُّغَةِ الَّذِي لَيْسَ في عَيْنَيْهِ شِقٌّ كَما في قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصارِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٠] ومَفْعُولُ المَشِيئَةِ مَحْذُوفٌ: أيْ: لَوْ نَشاءُ أنْ نَطْمِسَ عَلى أعْيُنِهِمْ لَطَمَسْنا.
قالَ السُّدِّيُّ، والحَسَنُ: المَعْنى لَتَرَكْناهم عُمْيًا يَتَرَدَّدُونَ لا يُبْصِرُونَ طَرِيقَ الهُدى، واخْتارَ هَذا ابْنُ جَرِيرٍ ﴿فاسْتَبَقُوا الصِّراطَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى لَطَمَسْنا أيْ: تَبادَرُوا إلى الطَّرِيقِ لِيَجُوزُوهُ ويَمْضُوا فِيهِ، و( الصِّراطَ ) مَنصُوبٌ بِنَزْعِ الخافِضِ أيْ: فاسْتَبَقُوا إلَيْهِ، وقالَ عَطاءٌ، ومُقاتِلٌ، وقَتادَةُ: المَعْنى لَوْ نَشاءُ لَفَقَأْنا أعْيُنَهم، وأعْمَيْناهم عَنْ غَيِّهِمْ.
وحَوَّلْنا أبْصارَهم مِنَ الضَّلالَةِ إلى الهُدى، فَأبْصَرُوا رُشْدَهم، واهْتَدَوْا، وتَبادَرُوا إلى طَرِيقِ الآخِرَةِ، ومَعْنى ﴿فَأنّى يُبْصِرُونَ﴾ أيْ: كَيْفَ يُبْصِرُونَ الطَّرِيقَ ويُحْسِنُونَ سُلُوكَهُ، ولا أبْصارَ لَهم.
وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ " فاسْتَبْقَوْا " عَلى صِيغَةِ الأمْرِ أيْ: فَيُقالُ لَهُمُ: اسْتَبِقُوا. وفي هَذا تَهْدِيدٌ لَهم.
ثُمَّ كَرَّرَ التَّهْدِيدَ لَهم فَقالَ: ﴿ولَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهم عَلى مَكانَتِهِمْ﴾ المَسْخُ تَبْدِيلُ الخِلْقَةِ إلى حَجَرٍ، أوْ غَيْرِهِ مِنَ الجَمادِ أوْ بَهِيمَةٍ، والمَكانَةُ المَكانُ أيْ: لَوْ شِئْنا لَبَدَّلْنا خَلْقَهم عَلى المَكانِ الَّذِي هم فِيهِ.
قِيلَ: والمَكانَةُ أخَصُّ مِنَ المَكانِ كالمُقامَةِ والمُقامِ.
قالَ الحَسَنُ أيْ: لَأقْعَدْناهم ﴿فَما اسْتَطاعُوا مُضِيًّا ولا يَرْجِعُونَ﴾ أيْ: لا يَقْدِرُونَ عَلى ذَهابٍ ولا مَجِيءٍ.
قالَ الحَسَنُ: فَلا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يَمْضُوا أمامَهم، ولا يَرْجِعُوا وراءَهم، وكَذَلِكَ الجَمادُ لا يَتَقَدَّمُ ولا يَتَأخَّرُ.
وقِيلَ: المَعْنى: لَوْ نَشاءُ لَأهْلَكْناهم في مَساكِنِهِمْ، وقِيلَ: لَمَسَخْناهم في المَكانِ الَّذِي فَعَلُوا فِيهِ المَعْصِيَةَ.
وقالَ يَحْيى بْنُ سَلامٍ: هَذا كُلُّهُ يَوْمَ القِيامَةِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿عَلى مَكانَتِهِمْ﴾ بِالإفْرادِ. وقَرَأ الحَسَنُ، والسُّلَمِيُّ، وزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ " مَكاناتِهِمْ " بِالجَمْعِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ مُضِيًّا بِضَمِّ المِيمِ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ " مَضِيًّا " بِفَتْحِها، ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ بِكَسْرِها ورُوِيَتْ هَذِهِ القِراءَةُ عَنِ الكِسائِيِّ.
قِيلَ: والمَعْنى: ولا يَسْتَطِيعُونَ رُجُوعًا، فَوُضِعَ الفِعْلُ مَوْضِعَ المَصْدَرِ لِمُراعاةِ الفاصِلَةِ، يُقالُ: مَضى يَمْضِي مُضِيًّا: إذا ذَهَبَ في الأرْضِ، ورَجَعَ يَرْجِعُ رُجُوعًا: إذا عادَ مِن حَيْثُ جاءَ.
﴿ومَن نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ في الخَلْقِ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ " نَنْكُسُهُ " بِفَتْحِ النُّونِ الأُولى وسُكُونِ الثّانِيَةِ وضَمِّ الكافِ مُخَفَّفَةً.
وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ بِضَمِّ النُّونِ الأُولى، وفَتْحِ الثّانِيَةِ وكَسْرِ الكافِ مُشَدَّدَةً.
والمَعْنى: مَن نُطِلْ عُمُرَهُ نُغَيِّرْ خَلْقَهُ، ونَجْعَلْهُ عَلى عَكْسِ ما كانَ عَلَيْهِ أوَّلًا مِنَ القُوَّةِ والطَّراوَةِ.
قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى مَن أطَلْنا عُمُرَهُ نَكَّسْنا خُلُقَهُ، فَصارَ بَدَلُ القُوَّةِ الضَّعْفَ، وبَدَلُ الشَّبابِ الهِرَمُ، ومِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ - سُبْحانَهُ -: ﴿ومِنكم مَن يُرَدُّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [الحج: ٥] وقَوْلُهُ ﴿ثُمَّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ﴾ [التين: ٥]، ومَعْنى ﴿أفَلا يَعْقِلُونَ﴾ أفَلا تَعْلَمُونَ بِعُقُولِكم أنَّ مَن قَدِرَ عَلى ذَلِكَ قَدِرَ عَلى البَعْثِ والنُّشُورِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ " يَعْقِلُونَ " بِالتَّحْتِيَّةِ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ ذَكْوانَ بِالفَوْقِيَّةِ عَلى الخِطابِ.
ولَمّا قالَ كُفّارُ مَكَّةَ: إنَّ القُرْآنَ شِعْرٌ، وإنَّ مُحَمَّدًا شاعِرٌ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ﴾ والمَعْنى: نَفْيُ كَوْنِ القُرْآنِ شِعْرًا، ثُمَّ نَفى أنْ يَكُونَ النَّبِيُّ شاعِرًا، فَقالَ: ﴿وما يَنْبَغِي لَهُ﴾ أيْ: لا يَصِحُّ لَهُ الشِّعْرُ، ولا يَتَأتّى مِنهُ، ولا يَسْهُلُ عَلَيْهِ لَوْ طَلَبَهُ، وأرادَ أنْ يَقُولَهُ: بَلْ كانَ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - إذا أرادَ أنْ يُنْشِدَ بَيْتًا قَدْ قالَهُ شاعِرٌ مُتَمَثِّلًا بِهِ كَسَرَ وزْنَهُ، فَإنَّهُ لَمّا أنْشَدَ بَيْتَ طَرَفَةَ بْنِ العَبْدِ المَشْهُورَ، وهو قَوْلُهُ:
؎سَتُبْدِي لَكَ الأيّامُ ما كُنْتَ جاهِلًا ويَأْتِيكَ بِالأخْبارِ مَن لَمْ تُزَوِّدِ
قالَ: ويَأْتِيكَ مَن لَمْ تُزَوِّدْهُ بِالأخْبارِ، وأنْشَدَ مَرَّةً أُخْرى قَوْلَ العَبّاسِ بْنِ مِرْداسٍ السُّلَمِيِّ:
؎أتَجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العُبَيْ ∗∗∗ دِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ والأقْرَعِ
فَقالَ: بَيْنَ الأقْرَعِ وعُيَيْنَةَ، وأنْشَدَ أيْضًا:
؎كَفى بِالإسْلامِ والشَّيْبِ لِلْمَرْءِ ناهِيًا
فَقالَ أبُو بَكْرٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّما قالَ الشّاعِرُ:
؎كَفى الشَّيْبُ والإسْلامُ لِلْمَرْءِ ناهِيًا
فَقالَ: أشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - ﴿وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ﴾ .
وقَدْ وقَعَ مِنهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - كَثِيرٌ مِن مِثْلِ هَذا.
قالَ الخَلِيلُ: كانَ الشِّعْرُ أحَبَّ إلى رَسُولِ اللَّهِ مِن كَثِيرٍ مِنَ الكَلامِ، ولَكِنْ لا يَتَأتّى مِنهُ اهـ.
ووَجْهُ عَدَمِ تَعْلِيمِهِ الشِّعْرَ وعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ التَّكْمِيلُ لِلْحُجَّةِ والدَّحْضُ لِلشُّبْهَةِ، كَما جَعَلَهُ اللَّهُ أُمِّيًّا لا يَقْرَأُ ولا يَكْتُبُ، وأمّا ما رُوِيَ عَنْهُ مِن قَوْلِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -:
؎هَلْ أنْتِ إلّا إصْبَعٌ دَمِيتِ ∗∗∗ وفي سَبِيلِ اللَّهِ ما لَقِيتِ
وقَوْلِهِ:
؎أنا النَّبِيُّ لا كَذِبْ ∗∗∗ أنا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ
ونَحْوِ ذَلِكَ، فَمِنَ الِاتِّفاقِ الوارِدِ مِن غَيْرِ قَصْدٍ كَما يَأْتِي ذَلِكَ في بَعْضِ آياتِ القُرْآنِ، ولَيْسَ بِشِعْرٍ ولا مُرادٌ بِهِ الشِّعْرَ، بَلِ اتَّفَقَ ذَلِكَ اتِّفاقًا كَما يَقَعُ في كَثِيرٍ مِن كَلامِ النّاسِ، فَإنَّهم قَدْ يَتَكَلَّمُونَ بِما لَوِ اعْتَبَرَهُ مُعْتَبِرٌ لَكانَ عَلى وزْنِ الشِّعْرِ، ولا يَعُدُّونَهُ شِعْرًا، وذَلِكَ كَقَوْلِهِ - تَعالى -: ﴿لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] وقَوْلِهِ: (p-١٢٣١)﴿وجِفانٍ كالجَوابِ وقُدُورٍ راسِياتٍ﴾ [سبأ: ١٣] عَلى أنَّهُ قَدْ قالَ الأخْفَشُ: إنَّ قَوْلَهُ:
؎أنا النَّبِيُّ لا كَذِبْ
لَيْسَ بِشِعْرٍ.
وقالَ الخَلِيلُ في كِتابِ العَيْنِ: إنَّ ما جاءَ مِنَ السَّجْعِ عَلى جُزْأيْنِ لا يَكُونُ شِعْرًا.
قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: والأظْهَرُ مِن حالِهِ أنَّهُ قالَ: لا كَذِبُ، بِرَفْعِ الباءِ مِن كَذِبٍ، وبِخَفْضِها مِن عَبْدِ المُطَّلِبِ.
قالَ النَّحّاسُ، قالَ بَعْضُهم: إنَّما الرِّوايَةُ بِالإعْرابِ، وإذا كانَتْ بِالإعْرابِ لَمْ يَكُنْ شِعْرًا، لِأنَّهُ إذا فَتَحَ الباءَ مِنَ الأوَّلِ أوْ ضَمَّهُما أوْ نَوَّنَها وكَسَرَ الباءَ مِنَ الثّانِي خَرَجَ عَنْ وزْنِ الشِّعْرِ.
وقِيلَ: إنَّ الضَّمِيرَ في ( لَهُ ) عائِدٌ إلى القُرْآنِ أيْ: وما يَنْبَغِي لِلْقُرْآنِ أنْ يَكُونَ شِعْرًا ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ﴾ أيْ: ما القُرْآنُ إلّا ذِكْرٌ مِنَ الأذْكارِ، ومَوْعِظَةٌ مِنَ المَواعِظِ ﴿وقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ أيْ: كِتابٌ مِن كُتُبِ اللَّهِ السَّماوِيَّةِ مُشْتَمِلٌ عَلى الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ.
﴿لِيُنْذِرَ مَن كانَ حَيًّا﴾ أيْ: لِيُنْذِرَ القُرْآنُ مَن كانَ حَيًّا أيْ: قَلْبُهُ صَحِيحٌ يَقْبَلُ الحَقَّ، ويَأْبى الباطِلَ، أوْ لِيُنْذِرَ الرَّسُولُ مَن كانَ حَيًّا.
قَرَأ الجُمْهُورُ بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ بِالفَوْقِيَّةِ، فَعَلى القِراءَةِ الأُولى المُرادُ القُرْآنُ، وعَلى الثّانِيَةِ المُرادُ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ﴿ويَحِقَّ القَوْلُ عَلى الكافِرِينَ﴾ أيْ: وتَجِبُ كَلِمَةُ العَذابِ عَلى المُصِرِّينَ عَلى الكُفْرِ المُمْتَنِعِينَ مِنَ الإيمانِ بِاللَّهِ، وبِرُسُلِهِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ﴾ قالَ: في افْتِضاضِ الأبْكارِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في الآيَةِ قالَ: شَغَلَهُمُ افْتِضاضُ العَذارى.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، وقَتادَةَ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: إنَّ المُؤْمِنَ كُلَّما أرادَ زَوْجَةً وجَدَها عَذْراءَ.
وقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا عَنْ أبِي سَعِيدٍ، مَرْفُوعًا عِنْدَ الطَّبَرانِيِّ في الصَّغِيرِ، وأبِي الشَّيْخِ في العَظَمَةِ.
ورُوِيَ أيْضًا نَحْوُهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا عِنْدَ الضِّياءِ المَقْدِسِيِّ في صِفَةِ الجَنَّةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ﴾ قالَ: ضَرْبُ الأوْتارِ.
قالَ أبُو حاتِمٍ: هَذا لَعَلَّهُ خَطَأٌ مِنَ المُسْتَمِعِ، وإنَّما هو افْتِضاضُ الأبْكارِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ قالَ: فاكِهُونَ فَرِحُونَ.
وأخْرَجَ ابْنُ ماجَهْ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا في صِفَةِ الجَنَّةِ، والبَزّارُ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والآجُرِّيُّ في الرُّؤْيَةِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «بَيْنا أهْلُ الجَنَّةِ في نَعِيمِهِمْ إذْ سَطَعَ لَهم نُورٌ، فَرَفَعُوا رُءُوسَهم فَإذا الرَّبُّ قَدْ أشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِن فَوْقِهِمْ، فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكم يا أهْلَ الجَنَّةِ، وذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ ﴿سَلامٌ قَوْلًا مِن رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ قالَ: فَيَنْظُرُ إلَيْهِمْ ويَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَلا يَلْتَفِتُونَ إلى شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ ما دامُوا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ حَتّى يَحْتَجِبَ عَنْهم ويَبْقى نُورُهُ وبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ في دِيارِهِمْ» قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: في إسْنادِهِ: نَظَرٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: إنَّ اللَّهَ هو يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، والنَّسائِيُّ، والبَزّارُ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا في التَّوْبَةِ واللَّفْظُ لَهُ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ «عَنْ أنَسٍ في قَوْلِهِ: ﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ﴾ قالَ: " كُنّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَضَحِكَ حَتّى بَدَتْ نَواجِذُهُ، قالَ: أتَدْرُونَ مِمّا ضَحِكْتُ ؟ قُلْنا: لا يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: مِن مُخاطَبَةِ العَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ: يا رَبِّ ألَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ ؟ فَيَقُولُ: بَلى، فَيَقُولُ: إنِّي لا أُجِيزُ عَلَيَّ إلّا شاهِدًا مِنِّي، فَيَقُولُ: كَفى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وبِالكِرامِ الكاتِبِينَ شُهُودًا، فَيُخْتَمُ عَلى فِيهِ ويُقالُ: لِأرْكانِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ بِأعْمالِهِ، ثُمَّ يُخَلّى بَيْنَهُ وبَيْنَ الكَلامِ، فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُناضِلُ» .
وأخْرَجَ مُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنْ أبِي سَعِيدٍ، وأبِي هُرَيْرَةُ قالا: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «يَلْقى العَبْدُ رَبَّهُ فَيَقُولُ اللَّهُ: قُلْ ألَمْ أُكْرِمْكَ، وأُسَوِّدْكَ، وأُزَوِّجْكَ، وأُسَخِّرْ لَكَ الخَيْلَ والإبِلَ، وأذَرْكَ تَرْأسُ وتَرْتَعُ ؟ فَيَقُولُ: بَلى أيْ رَبِّ، فَيَقُولُ: أفَظَنَنْتَ أنَّكَ مُلاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ: لا، فَيَقُولُ: إنِّي أنْساكَ كَما نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقى الثّانِيَ فَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَلْقى الثّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: آمَنتُ بِكَ وبِكِتابِكَ وبِرَسُولِكَ وصَلَّيْتُ وصُمْتُ وتَصَدَّقْتُ ويُثْنِي بِخَيْرٍ ما اسْتَطاعَ، فَيَقُولُ: ألا نَبْعَثُ شاهِدَنا عَلَيْكَ، فَيُفَكِّرُ في نَفْسِهِ: مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ ؟ فَيُخْتَمُ عَلى فِيهِ، ويُقالُ: لِفَخِذِهِ انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ، وفَمُهُ، وعِظامُهُ بِعَمَلِهِ ما كانَ وذَلِكَ لِيُعْذَرَ مِن نَفْسِهِ، وذَلِكَ المُنافِقُ، وذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ عَلَيْهِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن حَدِيثِ أبِي مُوسى نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أعْيُنِهِمْ﴾ قالَ: أعْمَيْناهم وأضْلَلْناهم عَنِ الهُدى ﴿فَأنّى يُبْصِرُونَ﴾ فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ﴾ قالَ: أهْلَكْناهم ﴿عَلى مَكانَتِهِمْ﴾ قالَ: في مَساكِنِهِمْ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ قالَ بَلَغَنِي أنَّهُ «قِيلَ: لِعائِشَةَ: هَلْ كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ ؟ قالَتْ: كانَ أبْغَضَ الحَدِيثِ إلَيْهِ، غَيْرَ أنَّهُ كانَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ أخِي بَنِي قَيْسٍ فَيَجْعَلُ أوَّلَهُ آخِرَهُ، يَقُولُ: ويَأْتِيكَ مَن لَمْ تُزَوِّدْ بِالأخْبارِ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: لَيْسَ هَكَذا، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: إنِّي واللَّهِ ما أنا بِشاعِرٍ ولا يَنْبَغِي لِي» وهَذا يَرُدُّ ما نَقَلْناهُ عَنِ الخَلِيلِ سابِقًا أنَّ الشِّعْرَ كانَ أحَبَّ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مِن كَثِيرٍ مِنَ الكَلامِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ عَنْها قالَتْ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - إذا اسْتَراثَ الخَبَرَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ طَرَفَةَ:
؎ويَأْتِيكَ بِالأخْبارِ مَن لَمْ تُزَوِّدِ
»
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَتَمَثَّلُ مِنَ الأشْعارِ:
؎ويَأْتِيكَ بِالأخْبارِ مَن لَمْ تُزَوِّدِ
»
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ «عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: ما جَمَعَ (p-١٢٣٢)رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بَيْتَ شِعْرٍ قَطُّ إلّا بَيْتًا واحِدًا:
؎تَفاءَلْ بِما تَهْوى يَكُنْ فَلَقَلَّما ∗∗∗ يُقالُ لِشَيْءٍ كانَ إلّا تَحَقَّقَ
قالَتْ عائِشَةُ: ولَمْ يَقُلْ: تَحَقُّقًا، لِئَلّا يُعْرِبَهُ فَيَصِيرَ شِعْرًا "»، وإسْنادُهُ هَكَذا: قالَ: أخْبَرَنا أبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الحافِظُ: يَعْنِي الحاكِمَ، حَدَّثَنا أبُو حَفْصِ بْنُ أحْمَدَ بْنِ نُعَيْمٍ، حَدَّثَنا أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلالٍ النَّحْوِيُّ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو الأنْصارِيُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ فَذَكَرَهُ.
وقَدْ سُئِلَ المِزِّيُّ عَنْ هَذا الحَدِيثِ فَقالَ: هو مُنْكَرٌ، ولَمْ يَعْرِفْ شَيْخَ الحاكِمِ، ولا الضَّرِيرَ.
{"ayahs_start":55,"ayahs":["إِنَّ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡیَوۡمَ فِی شُغُلࣲ فَـٰكِهُونَ","هُمۡ وَأَزۡوَ ٰجُهُمۡ فِی ظِلَـٰلٍ عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِ مُتَّكِـُٔونَ","لَهُمۡ فِیهَا فَـٰكِهَةࣱ وَلَهُم مَّا یَدَّعُونَ","سَلَـٰمࣱ قَوۡلࣰا مِّن رَّبࣲّ رَّحِیمࣲ","وَٱمۡتَـٰزُوا۟ ٱلۡیَوۡمَ أَیُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ","۞ أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَیۡكُمۡ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُوا۟ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ","وَأَنِ ٱعۡبُدُونِیۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ","وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلࣰّا كَثِیرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُوا۟ تَعۡقِلُونَ","هَـٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِی كُنتُمۡ تُوعَدُونَ","ٱصۡلَوۡهَا ٱلۡیَوۡمَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ","ٱلۡیَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰۤ أَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَاۤ أَیۡدِیهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ","وَلَوۡ نَشَاۤءُ لَطَمَسۡنَا عَلَىٰۤ أَعۡیُنِهِمۡ فَٱسۡتَبَقُوا۟ ٱلصِّرَ ٰطَ فَأَنَّىٰ یُبۡصِرُونَ","وَلَوۡ نَشَاۤءُ لَمَسَخۡنَـٰهُمۡ عَلَىٰ مَكَانَتِهِمۡ فَمَا ٱسۡتَطَـٰعُوا۟ مُضِیࣰّا وَلَا یَرۡجِعُونَ","وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِی ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا یَعۡقِلُونَ","وَمَا عَلَّمۡنَـٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا یَنۢبَغِی لَهُۥۤۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ وَقُرۡءَانࣱ مُّبِینࣱ","لِّیُنذِرَ مَن كَانَ حَیࣰّا وَیَحِقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ"],"ayah":"وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلࣰّا كَثِیرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُوا۟ تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق