الباحث القرآني

(p-١١٥١)قَوْلُهُ: ﴿ولَوْ تَرى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ المُرادُ بِالمُجْرِمِينَ هُمُ القائِلُونَ أئِذا ضَلَلْنا، والخِطابُ هُنا لِكُلِّ مَن يَصْلُحُ لَهُ، أوْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - . ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالمُجْرِمِينَ كُلُّ مُجْرِمٍ ويَدْخُلُ فِيهِ أُولَئِكَ القائِلُونَ دُخُولًا أوَّلِيًّا، ومَعْنى ﴿ناكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ مُطَأْطِئُوها حَياءً ونَدَمًا عَلى ما فَرَطَ مِنهم في الدُّنْيا مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ والعِصْيانِ لَهُ، ومَعْنى عِنْدَ رَبِّهِمْ: عِنْدَ مُحاسَبَتِهِ لَهم. قالَ الزَّجّاجُ: والمُخاطَبَةُ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مُخاطَبَةٌ لِأُمَّتِهِ، فالمَعْنى: ولَوْ تَرى يا مُحَمَّدُ مُنْكِرِي البَعْثِ يَوْمَ القِيامَةِ لَرَأيْتَ العَجَبَ ﴿رَبَّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا﴾ أيْ: يَقُولُونَ: رَبَّنا أبْصَرْنا الآنَ ما كُنّا نُكَذِّبُ بِهِ وسَمِعْنا ما كُنّا نُنْكِرُهُ، وقِيلَ: أبْصَرْنا صِدْقَ وعِيدِكم وسَمْعِنا تَصْدِيقَ رُسُلِكَ، فَهَؤُلاءِ أبْصَرُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعُهُمُ البَصَرُ، وسَمِعُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعُهُمُ السَّمْعُ ﴿فارْجِعْنا﴾ إلى الدُّنْيا نَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا كَما أمَرْتَنا ﴿إنّا مُوقِنُونَ﴾ أيْ: مُصَدِّقُونَ، وقِيلَ: مُصَدِّقُونَ بِالَّذِي جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، وصَفُوا أنْفُسَهم بِالإيقانِ الآنَ طَمَعًا فِيما طَلَبُوهُ مِن إرْجاعِهِمْ إلى الدُّنْيا، وأنّى لَهم ذَلِكَ فَقَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ فَإنَّهم ﴿ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] وقِيلَ: مَعْنى ﴿إنّا مُوقِنُونَ﴾ إنَّها قَدْ زالَتْ عَنْهُمُ الشُّكُوكُ الَّتِي كانَتْ تُخالِطُهم في الدُّنْيا لَمّا رَأوْا وسَمِعُوا ما سَمِعُوا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى ﴿أبْصَرْنا وسَمِعْنا﴾ صِرْنا مِمَّنْ يَسْمَعُ ويُبْصِرُ فَلا يَحْتاجُ إلى تَقْدِيرِ مَفْعُولٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ صالِحًا مَفْعُولًا لِ " نَعْمَلْ " كَما يَجُوزُ أنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وجَوابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أيْ: لَرَأيْتَ أمْرًا فَظِيعًا وهَوْلًا هائِلًا. ﴿ولَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها﴾ هَذا رَدٌّ عَلَيْهِمْ لَمّا طَلَبُوا الرَّجْعَةَ أيْ: لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسِ هُداها فَهَدَيْنا النّاسَ جَمِيعًا فَلَمْ يَكْفُرْ مِنهم أحَدٌ. قالَ النَّحّاسُ: في مَعْنى هَذا قَوْلانِ: أحَدُهُما أنَّهُ في الدُّنْيا، والآخَرُ أنَّهُ في الآخِرَةِ أيْ: ولَوْ شِئْنا لَرَدَدْناهم إلى الدُّنْيا ﴿ولَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ وجُمْلَةُ ﴿ولَوْ شِئْنا﴾ مُقَدَّرَةٌ بِقَوْلٍ مَعْطُوفٍ عَلى المُقَدَّرِ قَبْلَ قَوْلِهِ أبْصَرْنا أيْ: ونَقُولُ لَوْ شِئْنا، ومَعْنى ﴿ولَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي﴾ أيْ: نَفَذَ قَضائِي وقَدَرِي وسَبَقَتْ كَلِمَتِي ﴿لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ هَذا هو القَوْلُ الَّذِي وجَبَ مِنَ اللَّهِ وحَقَّ عَلى عِبادِهِ ونَفَذَ فِيهِ قَضاؤُهُ، فَكانَ مُقْتَضى هَذا القَوْلِ أنَّهُ لا يُعْطِي كُلَّ نَفْسٍ هُداها، وإنَّما قَضى عَلَيْهِمْ بِهَذا، لِأنَّهُ - سُبْحانَهُ - قَدْ عَلِمَ أنَّهم مِن أهْلِ الشَّقاوَةِ، وأنَّهم مِمَّنْ يَخْتارُ الضَّلالَةَ عَلى الهُدى. والفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكم هَذا﴾ لِتَرْتِيبِ الأمْرِ بِالذَّوْقِ عَلى ما قَبْلَهُ، والباءُ في ﴿بِما نَسِيتُمْ﴾ لِلسَّبَبِيَّةِ، وفِيهِ إشْعارٌ بِأنَّ تَعْذِيبَهم لَيْسَ لِمُجَرَّدِ سَبْقِ القَوْلِ المُتَقَدَّمِ، بَلْ بِذاكَ وهَذا. واخْتُلِفَ في النِّسْيانِ المَذْكُورِ هُنا، فَقِيلَ: هو النِّسْيانُ الحَقِيقِيُّ، وهو الَّذِي يَزُولُ عِنْدَهُ الذِّكْرُ، وقِيلَ: هو التَّرْكُ، والمَعْنى عَلى الأوَّلِ: أنَّهم لَمْ يَعْمَلُوا لِذَلِكَ اليَوْمِ، فَكانُوا كالنّاسِينَ لَهُ الَّذِينَ لا يَذْكُرُونَهُ. وعَلى الثّانِي لا بُدَّ مِن تَقْدِيرِ مُضافٍ قَبْلَ " لِقاءَ " أيْ: ذُوقُوا بِسَبَبِ تَرْكِكم لِما أمَرْتُكم بِهِ عَذابَ لِقاءِ يَوْمِكم هَذا، ورَجَّحَ الثّانِي المُبَرِّدُ وأنْشَدَ: ؎كَأنَّهُ خارِجٌ مِن جَنْبِ صَفْحَتِهِ سَفُّودُ شُرْبٍ نَسَوْهُ عِنْدَ مُفْتَأدِ أيْ: تَرَكُوهُ، وكَذا قالَ الضَّحّاكُ ويَحْيى بْنُ سَلّامٍ: إنَّ النِّسْيانَ هُنا بِمَعْنى التَّرْكِ. قالَ يَحْيى بْنُ سَلّامٍ: والمَعْنى: بِما تَرَكْتُمُ الإيمانَ بِالبَعْثِ في هَذا اليَوْمِ تَرَكْناكم مِنَ الخَيْرِ، وكَذا قالَ السُّدِّيُّ، وقالَ مُجاهِدٌ: تَرَكْناكم في العَذابِ. وقالَ مُقاتِلٌ: إذا دَخَلُوا النّارَ، قالَتْ لَهُمُ الخَزَنَةُ: ذُوقُوا العَذابَ بِما نَسِيتُمْ، واسْتَعارَ الذَّوْقَ لِلْإحْساسِ، ومِنهُ قَوْلُ طُفَيْلٍ: ؎فَذُوقُوا كَما ذُقْنا غَداةَ مَحَجَّةٍ ∗∗∗ مِنَ الغَيْظِ في أكْبادِنا والتَّحَوُّبِ وقَوْلُهُ: ﴿وذُوقُوا عَذابَ الخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ تَكْرِيرٌ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ أيْ: ذُوقُوا العَذابَ الدّائِمَ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ أبَدًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَهُ في الدُّنْيا مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي. قالَ الرّازِيُّ في تَفْسِيرِهِ: إنَّ اسْمَ الإشارَةِ في قَوْلِهِ: ﴿بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكم هَذا﴾ يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ أوْجُهٍ: أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى اللِّقاءِ، وأنْ يَكُونَ إشارَةً إلى اليَوْمِ، وأنْ يَكُونَ إشارَةً إلى العَذابِ. وجُمْلَةُ ﴿إنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنا﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ ما يَسْتَحِقُّ الهِدايَةَ إلى الإيمانِ، ومَن لا يَسْتَحِقُّها، والمَعْنى: إنَّما يُصَدِّقُ بِآياتِنا ويَنْتَفِعُ بِها ﴿الَّذِينَ إذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّدًا﴾ لا غَيْرُهم مِمَّنْ يُذَكَّرُ بِها أيْ: يُوعَظُ بِها ولا يَتَذَكَّرُ ولا يُؤْمِنُ بِها، ومَعْنى ﴿خَرُّوا سُجَّدًا﴾ سَقَطُوا عَلى وُجُوهِهِمْ ساجِدِينَ تَعْظِيمًا لِآياتِ اللَّهِ وخَوْفًا مِن سَطْوَتِهِ وعَذابِهِ ﴿وسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ أيْ: نَزَّهُوهُ عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيقُ بِهِ مُلْتَبِسِينَ بِحَمْدِهِ عَلى نِعَمِهِ الَّتِي أجَلُّها وأكْمَلُها الهِدايَةُ إلى الإيمانِ، والمَعْنى: قالُوا في سُجُودِهِمْ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، أوْ سُبْحانَ رَبِّيَ الأعْلى وبِحَمْدِهِ. وقالَ سُفْيانُ: المَعْنى صَلُّوا حَمْدًا لِرَبِّهِمْ، وجُمْلَةُ ﴿وهم لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ أيْ: حالَ كَوْنِهِمْ خاضِعِينَ لِلَّهِ، مُتَذَلِّلِينَ لَهُ غَيْرَ مُسْتَكْبِرِينَ عَلَيْهِ. ﴿تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ﴾ أيْ: تَرْتَفِعُ وتَنْبُو يُقالُ: جَفى الشَّيْءُ عَنِ الشَّيْءِ وتَجافى عَنْهُ: إذا لَمْ يَلْزَمْهُ ونَبا عَنْهُ، والمَضاجِعُ جَمْعُ المَضْجَعِ، وهو المَوْضِعُ الَّذِي يَضْطَجِعُ فِيهِ. قالَ الزَّجّاجُ والرُّمّانِيُّ: التَّجافِي والتَّجَفِّي إلى جِهَةِ فَوْقُ، وكَذَلِكَ هو في الصَّفْحِ عَنِ المُخْطِئِ في سَبٍّ ونَحْوِهِ، والجُنُوبُ جَمْعُ جَنْبٍ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ أيْ: مُتَجافِيَةً جُنُوبُهم عَنْ مَضاجِعِهِمْ، وهُمُ المُتَهَجِّدُونَ في اللَّيْلِ الَّذِينَ يَقُومُونَ لِلصَّلاةِ عَنِ الفِراشِ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ ومُجاهِدٌ وعَطاءٌ والجُمْهُورُ، والمُرادُ بِالصَّلاةِ صَلاةُ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ مِن غَيْرِ تَقْيِيدٍ. وقالَ قَتادَةُ وعِكْرِمَةُ: هو التَّنَفُّلُ ما (p-١١٥٢)بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ، وقِيلَ: صَلاةُ العِشاءِ فَقَطْ، وهو رِوايَةٌ عَنِ الحَسَنِ وعَطاءٍ. وقالَ الضَّحّاكُ: صَلاةُ العِشاءِ والصُّبْحِ في جَماعَةٍ، وقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يَقُومُونَ لِذِكْرِ اللَّهِ سَواءٌ كانَ في صَلاةٍ أوْ غَيْرِها ﴿يَدْعُونَ رَبَّهم خَوْفًا وطَمَعًا﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ أيْضًا مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي في جُنُوبِهِمْ، فَهي حالٌ بَعْدَ حالٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ الأُولى مُسْتَأْنَفَةً لِبَيانِ نَوْعٍ مِن أنْواعِ طاعاتِهِمْ، والمَعْنى: تَتَجافى جُنُوبُهم حالَ كَوْنِهِمْ داعِينَ رَبَّهم خَوْفًا مِن عَذابِهِ وطَمَعًا في رَحْمَتِهِ ﴿ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ أيْ: مِنَ الَّذِي رَزَقْناهم أوْ مِن رِزْقِهِمْ، وذَلِكَ الصَّدَقَةُ الواجِبَةُ، وقِيلَ: صَدَقَةُ النَّفْلِ، والأوْلى الحَمْلُ عَلى العُمُومِ، وانْتِصابُ خَوْفًا وطَمَعًا عَلى العِلَّةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرَيْنِ مُنْتَصِبَيْنِ بِمُقَدَّرٍ. ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ﴾ النَّكِرَةُ في سِياقِ النَّفْيِ تُفِيدُ العُمُومَ أيْ: لا تَعْلَمُ نَفْسٌ مِنَ النُّفُوسِ أيُّ نَفْسٍ كانَتْ ما أخَفاهُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - لِأُولَئِكَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهم مِمّا تَقَرُّ بِهِ أعْيُنُهم، قَرَأ الجُمْهُورُ " قُرَّةِ " بِالإفْرادِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ وأبُو هُرَيْرَةَ وأبُو الدَّرْداءِ " مِن قُرّاتِ " بِالجَمْعِ، وقَرَأ حَمْزَةُ " ما أُخْفِيَ " بِسُكُونِ الياءِ عَلى أنَّهُ فِعْلٌ مُضارِعٌ مُسْنَدٌ إلى اللَّهِ - سُبْحانَهُ -، وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِها فِعْلًا ماضِيًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ " ما نُخْفِي " بِالنُّونِ مَضْمُومَةً، وقَرَأ الأعْمَشُ " يُخْفِي " بِالتَّحْتِيَّةِ مَضْمُومَةً. قالَ الزَّجّاجُ في مَعْنى قِراءَةِ حَمْزَةَ أيْ: مِنهُ ما أخْفى اللَّهُ لَهم، وهي قِراءَةُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وما في مَوْضِعِ نَصْبٍ. ثُمَّ بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - أنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ أعْمالِهِمُ الصّالِحَةِ فَقالَ: ﴿جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أيْ: لِأجْلِ الجَزاءِ بِما كانُوا يَعْمَلُونَهُ في الدُّنْيا أوْ جُوزُوا جَزاءً بِذَلِكَ. ﴿أفَمَن كانَ مُؤْمِنًا كَمَن كانَ فاسِقًا﴾ الِاسْتِفْهامُ لِلْإنْكارِ أيْ: لَيْسَ المُؤْمِنُ كالفاسِقِ فَقَدْ ظَهَرَ ما بَيْنَهُما مِنَ التَّفاوُتِ، ولِهَذا قالَ: ﴿لا يَسْتَوُونَ﴾ فَفِيهِ زِيادَةُ تَصْرِيفٍ لِما أفادَهُ الإنْكارُ الَّذِي أفادَهُ الِاسْتِفْهامُ. قالَ الزَّجّاجُ: جَعَلَ الِاثْنَيْنِ جَماعَةً حَيْثُ قالَ: ﴿لا يَسْتَوُونَ﴾ لِأجْلِ مَعْنى مِن، وقِيلَ: لِكَوْنِ الِاثْنَيْنِ أقَلَّ الجَمْعِ، وسَيَأْتِي بَيانُ سَبَبِ نُزُولِها آخِرَ البَحْثِ. ثُمَّ بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - عاقِبَةَ حالِ الطّائِفَتَيْنِ وبَدَأ بِالمُؤْمِنِينَ فَقالَ: ﴿أمّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهم جَنّاتُ المَأْوى﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ " جَنّاتُ " بِالجَمْعِ، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ " جَنَّةُ المَأْوى " بِالإفْرادِ، والمَأْوى هو الَّذِي يَأْوُونَ إلَيْهِ، وأضافَ الجَنّاتِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ المَأْوى الحَقِيقِيَّ، وقِيلَ: المَأْوى جَنَّةٌ مِنَ الجَنّاتِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذا، ومَعْنى نُزُلًا أنَّها مُعَدَّةٌ لَهم عِنْدَ نُزُولِهِمْ، وهو في الأصْلِ ما يُعَدُّ لِلنّازِلِ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ كَما بَيَّناهُ في آلِ عِمْرانَ، وانْتِصابُهُ عَلى الحالِ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ " نُزْلًا " بِسُكُونِ الزّايِ، والباءُ في ﴿بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ لِلسَّبَبِيَّةِ أيْ: بِسَبَبِ ما كانُوا يَعْمَلُونَهُ، أوْ بِسَبَبِ عَمَلِهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ الفَرِيقَ الآخَرَ فَقالَ: ﴿وأمّا الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ أيْ: خَرَجُوا عَنْ طاعَةِ اللَّهِ وتَمَرَّدُوا عَلَيْهِ وعَلى رُسُلِهِ ﴿فَمَأْواهُمُ النّارُ﴾ أيْ: مَنزِلُهُمُ الَّذِي يَصِيرُونَ إلَيْهِ ويَسْتَقِرُّونَ فِيهِ هو النّارُ ﴿كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها أُعِيدُوا فِيها﴾ أيْ: إذا أرادُوا الخُرُوجَ مِنها رُدُّوا إلَيْها راغِمِينَ مُكْرَهِينَ، وقِيلَ: إذْ دَفَعَهُمُ اللَّهَبُ إلى أعْلاها رُدُّوا إلى مَواضِعِهِمْ ﴿وقِيلَ لَهم ذُوقُوا عَذابَ النّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ والقائِلُ لَهم هَذِهِ المَقالَةَ هو خَزَنَةُ جَهَنَّمَ مِنَ المَلائِكَةِ، أوِ القائِلُ لَهم هو اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -، وفي هَذا القَوْلِ لَهم حالَ كَوْنِهِمْ قَدْ صارُوا في النّارِ مِنَ الإغاظَةِ لَهم ما لا يَخْفى. ﴿ولَنُذِيقَنَّهم مِنَ العَذابِ الأدْنى﴾ وهو عَذابُ الدُّنْيا. قالَ الحَسَنُ، وأبُو العالِيَةِ، والضَّحّاكُ والنَّخَعِيُّ: هو مَصائِبُ الدُّنْيا وأسْقامُها، وقِيلَ: الحُدُودُ، وقِيلَ: القَتْلُ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وقِيلَ: سُنُونَ الجُوعِ بِمَكَّةَ، وقِيلَ: عَذابُ القَبْرِ، ولا مانِعَ مِنَ الحَمْلِ عَلى الجَمِيعِ ﴿دُونَ العَذابِ الأكْبَرِ﴾ وهو عَذابُ الآخِرَةِ ﴿لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ مِمّا هم فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ والمَعاصِي بِسَبَبِ ما يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ العَذابِ إلى الإيمانِ والطّاعَةِ ويَتُوبُونَ عَمّا كانُوا فِيهِ. وفِي هَذا التَّعْلِيلِ دَلِيلٌ عَلى ضَعْفِ قَوْلِ مَن قالَ: إنَّ العَذابَ الأدْنى هو عَذابُ القَبْرِ. ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أعْرَضَ عَنْها﴾ أيْ: لا أحَدَ أظْلَمُ مِنهُ لِكَوْنِهِ سَمِعَ مِن آياتِ اللَّهِ ما يُوجِبُ الإقْبالَ عَلى الإيمانِ والطّاعَةِ، فَجَعَلَ الإعْراضَ مَكانَ ذَلِكَ، والمَجِيءُ بِثُمَّ لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِبْعادِ ذَلِكَ، وأنَّهُ مِمّا يَنْبَغِي أنْ لا يَكُونَ. ﴿إنّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ أيْ: مِن أهْلِ الإجْرامِ عَلى العُمُومِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَن أعْرَضَ عَنْ آياتِ اللَّهِ دُخُولًا أوَّلِيًّا. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنّا نَسِيناكُمْ﴾ قالَ: تَرَكْناكم. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في شَأْنِ الصَّلَواتِ الخَمْسِ ﴿إنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنا الَّذِينَ إذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّدًا﴾ أيْ: أتَوْها وسَبَّحُوا أيْ: صَلُّوا بِأمْرِ رَبِّهِمْ ﴿وهم لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَنْ إتْيانِ الصَّلاةِ في الجَماعاتِ. وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ في كِتابِ الصَّلاةِ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ ﴿تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ﴾ نَزَلَتْ في انْتِظارِ الصَّلاةِ الَّتِي تُدْعى العَتَمَةَ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ في تارِيخِهِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قالَ: نَزَلَتْ في صَلاةِ العِشاءِ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: كانُوا لا يَنامُونَ حَتّى يُصَلُّوا العِشاءَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قالَ: كُنّا نَجْتَنِبُ الفَرْشَ قَبْلَ صَلاةِ العِشاءِ. وأخْرَجَ، عَبْدُ الرَّزّاقِ، في المُصَنَّفِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا قالَ: «ما رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - راقِدًا قَطُّ قَبْلَ العِشاءِ، ولا مُتَحَدِّثًا بَعْدَها، فَإنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في ذَلِكَ ﴿تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ﴾» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: ﴿تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ﴾ قالَ: هُمُ الَّذِينَ لا يَنامُونَ قَبْلَ العِشاءِ فَأثْنى عَلَيْهِمْ» . فَلَمّا ذَكَرَ ذَلِكَ جَعَلَ الرَّجُلُ يَعْتَزِلُ فِراشَهُ مَخافَةَ أنْ تَغْلِبَهُ عَيْنُهُ، فَوَقْتُها قَبْلَ أنْ يَنامَ الصَّغِيرُ ويَكْسَلَ الكَبِيرُ. (p-١١٥٣)وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ بِلالٍ قالَ: كُنّا نَجْلِسُ في المَسْجِدِ وناسٌ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يُصَلُّونَ بَعْدَ المَغْرِبِ العِشاءَ تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ. وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ وابْنُ عَدِيٍّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أنَسٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأبُو داوُدَ ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ أنَسٍ في قَوْلِهِ: ﴿تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ﴾ قالَ: كانُوا يَنْتَظِرُونَ ما بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ يُصَلُّونَ. وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ: «عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - في قَوْلِهِ: ﴿تَتَجافى جُنُوبُهُمْ﴾ قالَ: قِيامُ العَبْدِ مِنَ اللَّيْلِ» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ وابْنُ نَصْرٍ في كِتابِ الصَّلاةِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، وذَكَرَ حَدِيثًا، وأرْشَدَ فِيهِ إلى أنْواعٍ مِنَ الطّاعاتِ وقالَ فِيهِ «وصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَرَأ ﴿تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ﴾» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا في حَدِيثٍ قالَ فِيهِ «وصَلاةُ المَرْءِ في جَوْفِ اللَّيْلِ،» ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ، وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أنَسٍ في الآيَةِ قالَ: كانَ لا تَمُرُّ عَلَيْهِمْ لَيْلَةٌ إلّا أخَذُوا مِنها. وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ مِن طَرِيقِ أبِي عَبْدِ اللَّهِ الجَدَلِيِّ عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ عَنْ كَعْبٍ قالَ «إذا حُشِرَ النّاسُ نادى مُنادٍ: هَذا يَوْمُ الفَصْلِ، أيْنَ الَّذِينَ تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ ؟» الحَدِيثَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ يَقُولُ: تَتَجافى لِذِكْرِ اللَّهِ كُلَّما اسْتَيْقَظُوا ذَكَرُوا اللَّهَ، إمّا في الصَّلاةِ، وإمّا في القِيامِ أوْ قُعُودٍ، أوْ عَلى جُنُوبِهِمْ لا يَزالُونَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ عَرْشُ اللَّهِ عَلى الماءِ فاتَّخَذَ جَنَّةً لِنَفْسِهِ، ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَها أُخْرى، ثُمَّ أطْبَقَهُما بِلُؤْلُؤَةٍ واحِدَةٍ، ثُمَّ قالَ: ﴿ومِن دُونِهِما جَنَّتانِ﴾ [الرحمن: ٦٢] لَمْ يُعْلِمِ الخَلْقَ ما فِيهِما، وهي الَّتِي قالَ اللَّهُ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ﴾ تَأْتِيهِمْ مِنها كُلَّ يَوْمٍ تُحْفَةٌ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: إنَّهُ لَمَكْتُوبٌ في التَّوْراةِ: لَقَدْ «أعَدَّ اللَّهُ لِلَّذِينَ تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ» ما لَمْ تَرَ عَيْنٌ ولَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ ولَمْ يَخْطُرْ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ ولا يَعْلَمُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وإنَّهُ لَفي القُرْآنِ ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ﴾ . وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، قالَ اللَّهُ - تَعالى -: " أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ " قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: واقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ﴾» . وفِي البابِ أحادِيثُ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ، وهي مَعْرُوفَةٌ فَلا نُطَوِّلُ بِذِكْرِها. وأخْرَجَ أبُو الفَرَجِ الأصْبَهانِيُّ في كِتابِ الأغانِي والواحِدِيُّ وابْنُ عَدِيٍّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والخَطِيبُ وابْنُ عَساكِرَ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ الوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ: أنا أحَدُّ مِنكَ سِنانًا، وأنْشَطُ مِنكَ لِسانًا، وأمْلَأُ لِلْكَتِيبَةِ مِنكَ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ: اسْكُتْ فَإنَّما أنْتَ فاسِقٌ، فَنَزَلَتْ ﴿أفَمَن كانَ مُؤْمِنًا كَمَن كانَ فاسِقًا لا يَسْتَوُونَ﴾ يَعْنِي بِالمُؤْمِنِ: عَلِيًّا، وبِالفاسِقِ الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ والخَطِيبُ وابْنُ عَساكِرَ عَنْهُ في الآيَةِ نَحْوَهُ. ورُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ والسُّدِّيِّ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ مَنِيعٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَنُذِيقَنَّهم مِنَ العَذابِ الأدْنى﴾ قالَ: يَوْمَ بَدْرٍ ﴿دُونَ العَذابِ الأكْبَرِ﴾ قالَ: يَوْمَ القِيامَةِ ﴿لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ قالَ: لَعَلَّ مَن بَقِيَ مِنهم أنْ يَتُوبَ فَيَرْجِعَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في الآيَةِ قالَ: العَذابُ الأدْنى سُنُونَ أصابَتْهم ﴿لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ قالَ: يَتُوبُونَ. وأخْرَجَ مُسْلِمٌ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ المُسْنَدِ وأبُو عَوانَةَ في صَحِيحِهِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَنُذِيقَنَّهم مِنَ العَذابِ الأدْنى﴾ قالَ: مَصائِبُ الدُّنْيا، والرُّومُ، والبَطْشَةُ، والدُّخانُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قالَ: يَوْمُ بَدْرٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿مِنَ العَذابِ الأدْنى﴾ قالَ: الحُدُودُ ﴿لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ قالَ: يَتُوبُونَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَنِيعٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ. قالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَقُولُ: «ثَلاثٌ مَن فَعَلَهُنَّ فَقَدْ أجْرَمَ: مَن عَقَدَ لِواءً في غَيْرِ حَقٍّ، أوْ عَقَّ والِدَيْهِ، أوْ مَشى مَعَ ظالِمٍ لِيَنْصُرَهُ فَقَدْ أجْرَمَ» يَقُولُ اللَّهُ: ﴿إنّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ . قالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ إخْراجِهِ: هَذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب