الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ﴿كُلُّ الطَّعامِ﴾ أيِ المَطْعُومِ، والحِلُّ مَصْدَرٌ يَسْتَوِي فِيهِ المُفْرَدُ والجَمْعُ والمُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ، وهو الحَلالُ وإسْرائِيلُ هو يَعْقُوبُ كَما تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ. ومَعْنى الآيَةِ: أنَّ كُلَّ المَطْعُوماتِ كانَتْ حَلالًا لِبَنِي يَعْقُوبَ، لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنها إلّا ما حَرَّمَ إسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ.
وسَيَأْتِي بَيانُ ما هو الَّذِي حَرَّمَهُ عَلى نَفْسِهِ، وهَذا الِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلٌ مِنِ اسْمِ كانَ. وقَوْلُهُ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: كانَ حِلًّا أيْ: أنَّ كُلَّ المَطْعُوماتِ كانَتْ حَلالًا ﴿مِن قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ﴾ أيْ: كانَ ما عَدا المُسْتَثْنى حَلالًا لَهم ﴿مِن قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ﴾ مُشْتَمِلَةٌ عَلى تَحْرِيمِ ما حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ لِظُلْمِهِمْ، وفِيهِ رَدٌّ عَلى اليَهُودِ لَمّا أنْكَرُوا ما قَصَّهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ عَلى رَسُولِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مِن أنَّ سَبَبَ ما حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هو ظُلْمُهم وبَغْيُهم كَما في قَوْلِهِ: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهم﴾ [النساء: ١٦٠] الآيَةَ.
وقَوْلُهُ: ﴿وعَلى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ومِنَ البَقَرِ والغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ جَزَيْناهم بِبَغْيِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٤٦] وقالُوا: إنَّها مَرْحَمَةٌ عَلى مَن قَبْلَهم مِنَ الأنْبِياءِ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ تَكْذِيبَ ما قَصَّهُ اللَّهُ عَلى نَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في كِتابِهِ العَزِيزِ، ثُمَّ أمَرَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِأنْ يُحاجَّهم بِكِتابِهِمْ ويَجْعَلَ بَيْنَهُ وبَيْنَهم حُكْمًا ما أنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لا ما أنْزَلَهُ عَلَيْهِ فَقالَ ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فاتْلُوها إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ حَتّى تَعْلَمُوا صِدْقَ ما قَصَّهُ اللَّهُ في القُرْآنِ مِن أنَّهُ لَمْ يُحَرَّمْ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ شَيْءٌ مِن قَبْلِ نُزُولِ التَّوْراةِ إلّا ما حَرَّمَهُ يَعْقُوبُ عَلى نَفْسِهِ. وفي هَذا مِنَ الإنْصافِ لِلْخُصُومِ ما لا يُقادِرُ قَدْرَهُ ولا يَبْلُغُ مَداهُ.
ثُمَّ قالَ: ﴿فَمَنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ الكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ أيْ: مِن بَعْدِ إحْضارِ التَّوْراةِ وتِلاوَتِها ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ أيْ: المُفَرِّطُونَ في الظُّلْمِ المُتَبالِغُونَ فِيهِ فَإنَّهُ لا أظْلَمَ مِمَّنْ حُوكِمَ إلى كِتابِهِ وما يَعْتَقِدُهُ شَرْعًا صَحِيحًا. ثُمَّ جادَلَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ مُفْتَرِيًا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ، ثُمَّ لَمّا كانَ ما يَفْتَرُونَهُ مِنَ الكَذِبِ بَعْدَ قِيامِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِكِتابِهِمْ باطِلًا مَدْفُوعًا، وكانَ ما قَصَّهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ في القُرْآنِ وصَدَّقَتْهُ التَّوْراةُ صَحِيحًا صادِقًا، وكانَ ثُبُوتُ هَذا الصِّدْقِ بِالبُرْهانِ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الخَصْمُ دَفْعَهُ، أمَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ نَبِيَّهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ بِأنْ يُنادِيَ بِصِدْقِ اللَّهِ بَعْدَ أنْ سَجَّلَ عَلَيْهِمُ الكَذِبَ، فَقالَ: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فاتَّبِعُوا مِلَّةَ إبْراهِيمَ﴾ أيْ: مِلَّةَ الإسْلامِ الَّتِي أنا عَلَيْها، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ مَعْنى الحَنِيفِ، وكَأنَّهُ قالَ لَهم: إذا تَبَيَّنَ لَكم صِدْقِي وصِدْقُ ما جِئْتُ بِهِ فادْخُلُوا في دِينِي، فَإنَّ مِن جُمْلَةِ ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ ﴿ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنهُ﴾ [آل عمران: ٨٥] .
وقَدْ أخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ اليَهُودَ قالُوا لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: فَأخْبِرْنا ما حَرَّمَ إسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ ؟ قالَ: كانَ يَسْكُنُ البَدْوَ فاشْتَكى عِرْقَ النَّساءِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلائِمُهُ إلّا تَحْرِيمَ الإبِلِ وألْبانِها فَلِذَلِكَ حَرَمَّها، قالُوا: صَدَقْتَ» وذَكَرَ الحَدِيثَ. وأخْرَجَهُ أيْضًا أحْمَدُ والنَّسائِيُّ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: العِرْقُ أجِدُهُ عِرْقَ النَّساءِ، فَكانَ يَبِيتُ لَهُ زِقٌّ يَعْنِي صِياحٌ، فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إنْ شَفاهُ أنْ لا يَأْكُلَ لَحْمًا فِيهِ عِرْقٌ، فَحَرَّمَتْهُ اليَهُودُ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ في تارِيخِهِ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مِن قَوْلِهِ ما أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ سابِقًا عَنْهُ مَرْفُوعًا.
وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: الَّذِي حَرَّمَ إسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ زائِدَتا الكَبِدِ والكُلْيَتانِ والشَّحْمَ إلّا ما كانَ عَلى الظَّهْرِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ قالَ: قالَتِ اليَهُودُ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: نَزَلَتِ التَّوْراةُ بِتَحْرِيمِ الَّذِي حَرَّمَ إسْرائِيلُ، فَقالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فاتْلُوها إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ وكَذَبُوا لَيْسَ في التَّوْراةِ.
{"ayahs_start":93,"ayahs":["۞ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلࣰّا لِّبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَ ٰۤءِیلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَاۤ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ","قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُوا۟ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰهِیمَ حَنِیفࣰاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ"],"ayah":"۞ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلࣰّا لِّبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَ ٰۤءِیلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَاۤ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











