الباحث القرآني

هَذا كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَقِبَ ذِكْرِ ما لا يَنْفَعُ الكُفّارَ. قَوْلُهُ: ﴿لَنْ تَنالُوا البِرَّ﴾ يُقالُ: نالَنِي مِن فُلانٍ مَعْرُوفٌ يَنالُنِي؛ أيْ: وصَلَ إلَيَّ، والنَّوالُ: العَطاءُ مِن قَوْلِكَ نَوَّلْتُهُ تَنْوِيلًا أعْطَيْتُهُ. والبِرُّ: العَمَلُ الصّالِحُ وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ وعَطاءٌ ومُجاهِدٌ وعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ والسُّدِّيُّ: هو الجَنَّةُ، فَمَعْنى الآيَةِ، لَنْ تَنالُوا العَمَلَ الصّالِحَ أوِ الجَنَّةَ؛ أيْ: تَصِلُوا إلى ذَلِكَ وتَبْلُغُوا إلَيْهِ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ؛ أيْ: حَتّى تَكُونَ نَفَقَتُكم مِن أمْوالِكُمُ الَّتِي تُحِبُّونَها، و( مِن ) تَبْعِيضِيَّةٌ، ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ ( حَتّى تُنْفِقُوا بَعْضَ ما (p-٢٣١)تُحِبُّونَ ) وقِيلَ: بَيانِيَّةٌ ( وما ) مَوْصُولَةٌ أوْ مَوْصُوفَةٌ، والمُرادُ النَّفَقَةُ في سَبِيلِ الخَيْرِ مِن صَدَقَةٍ أوْ غَيْرِها مِنَ الطّاعاتِ، وقِيلَ: المُرادُ الزَّكاةُ المَفْرُوضَةُ. وقَوْلُهُ: مِن شَيْءٍ بَيانٌ لِقَوْلِهِ: ما تُنْفِقُوا أيْ: ما تُنْفِقُوا مِن أيِّ شَيْءٍ سَواءً كانَ طَيِّبًا أوْ خَبِيثًا ﴿فَإنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ وما شَرْطِيَّةٌ جازِمَةٌ. وقَوْلُهُ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ تَعْلِيلٌ لِجَوابِ الشَّرْطِ واقِعٌ مَوْقِعَهُ. وقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ أنَسٍ ( أنَّ أبا طَلْحَةَ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ أتى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أحَبَّ أمْوالِي إلَيَّ بَيْرَحاءُ، وإنَّها صَدَقَةٌ ) الحَدِيثَ. وقَدْ رُوِيَ بِألْفاظٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبَزّارُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: حَضَرَتْنِي هَذِهِ الآيَةُ ﴿لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ﴾ فَذَكَرْتُ ما أعْطانِي اللَّهُ فَلَمْ أجِدْ شَيْئًا أحَبَّ إلَيَّ مِن مَرْجانَةَ جارِيَةٍ لِي رُومِيَّةٍ فَقُلْتُ: هي حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ فَلَوْ أنِّي أعُودُ في شَيْءٍ جَعَلْتُهُ لِلَّهِ لَنَكَحْتُها فَأنْكَحْتُها نافِعًا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّهُ كَتَبَ إلى أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ أنْ يَبْتاعَ لَهُ جارِيَةً مِن سَبْيِ جَلُولاءَ، فَدَعا بِها عُمَرُ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ﴾ فَأعْتَقَها عُمَرُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ: إنَّها لَمّا نَزَلَتِ الآيَةُ جاءَ زَيْدُ بْنُ حارِثَةَ بِفَرَسٍ لَهُ يُقالُ لَهُ سُبُلٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِنها، فَقالَ: هي صَدَقَةٌ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَنْ تَنالُوا البِرَّ﴾ قالَ: الجَنَّةَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ والسُّدِّيِّ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مَسْرُوقٍ مِثْلَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب