الباحث القرآني
قَدِ اخْتُلِفَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ﴾ فَقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وقَتادَةُ وطاوُسٌ والحَسَنُ والسُّدِّيُّ: إنَّهُ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الأنْبِياءِ أنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهم بَعْضًا بِالإيمانِ، ويَأْمُرَ بَعْضُهم بَعْضًا بِذَلِكَ فَهَذا مَعْنى النُّصْرَةِ لَهُ والإيمانِ بِهِ، وهو ظاهِرُ الآيَةِ، فَحاصِلُهُ أنَّ اللَّهَ أخَذَ مِيثاقَ الأوَّلِ مِنَ الأنْبِياءِ أنْ يُؤْمِنَ بِما جاءَ بِهِ الآخِرُ ويَنْصُرَهُ وقالَ الكِسائِيُّ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى ﴿وإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ﴾ بِمَعْنى: وإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ مَعَ النَّبِيِّينَ، ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وقِيلَ: في الكَلامِ حَذْفٌ. والمَعْنى: وإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَتُعَلِّمُنَّ النّاسَ لَما جاءَكم مِن كِتابٍ وحِكْمَةٍ ولَتَأْخُذُنَّ عَلى النّاسِ أنْ يُؤْمِنُوا، ودَلَّ عَلى هَذا الحَذْفِ قَوْلُهُ: ﴿وأخَذْتُمْ عَلى ذَلِكم إصْرِي﴾ وما في قَوْلِهِ: ﴿لَما آتَيْتُكُمْ﴾ بِمَعْنى الَّذِي.
قالَ سِيبَوَيْهِ: سَألْتُ الخَلِيلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكم﴾ فَقالَ: ما بِمَعْنى الَّذِي. قالَ النَّحّاسُ: التَّقْدِيرُ في قَوْلِ الخَلِيلِ الَّذِي آتَيْتُكُمُوهُ ثُمَّ حُذِفَتِ الهاءُ لِطُولِ الِاسْمِ، واللّامُ لامُ الِابْتِداءِ، وبِهَذا قالَ الأخْفَشُ، وتَكُونُ ما في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، وخَبَرُها مِن كِتابٍ وحِكْمَةٍ.
وقَوْلُهُ: " ثُمَّ جاءَكم " وما بَعْدَهُ جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى الصِّلَةِ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ أيْ مُصَدِّقٌ بِهِ. وقالَ المُبَرِّدُ والزَّجّاجُ والكِسائِيُّ: ما شَرْطِيَّةٌ دَخَلَتْ عَلَيْها لامُ التَّحْقِيقِ، كَما تَدْخُلُ عَلى إنْ، " ولَتُؤْمِنُنَّ بِهِ " جَوابُ القَسَمِ الَّذِي هو أخْذُ المِيثاقِ، إذْ هو بِمَنزِلَةِ الِاسْتِحْلافِ كَما تَقُولُ: أخَذْتُ مِيثاقَكَ لَتَفْعَلَنَّ كَذا، وهو سادٌّ مَسَدَّ الجَزاءِ.
وقالَ الكِسائِيُّ: إنَّ الجَزاءَ قَوْلُهُ: فَمَن تَوَلّى. وقالَ في الكَشّافِ: إنَّ اللّامَ في قَوْلِهِ: ﴿لَما آتَيْتُكُمْ﴾ لامُ التَّوْطِئَةِ واللّامُ في قَوْلِهِ: لَتُؤْمِنُنَّ جَوابُ القَسَمِ، وما يَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ المُتَضَمِّنَةُ لِمَعْنى الشَّرْطِ، ولَتُؤْمِنُنَّ سادٌّ مَسَدَّ جَوابِ القَسَمِ والشَّرْطِ جَمِيعًا، وأنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنى لِلَّذِي آتَيْتُكُمُوهُ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ انْتَهى.
وقَرَأ حَمْزَةُ " لِما آتَيْتُكم " بِكَسْرِ اللّامِ وما بِمَعْنى الَّذِي وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِأخَذَ. وقَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ ( آتَيْناكم ) عَلى التَّعْظِيمِ.
وقَرَأ الباقُونَ ( آتَيْتُكم ) عَلى التَّوْحِيدِ، وقِيلَ: إنَّ ما في قِراءَةِ مَن قَرَأ بِكَسْرِ اللّامِ مَصْدَرِيَّةٌ. ومَعْناهُ: لِأجْلِ إيتائِي إيّاكم بَعْضَ الكِتابِ والحِكْمَةِ، ثُمَّ لِمَجِيءِ رَسُولٍ مُصَدِّقٍ لِما مَعَكم، واللّامُ لامُ التَّعْلِيلِ؛ أيْ: لِأجْلِ ذَلِكَ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ.
قَوْلُهُ: ( أقْرَرْتُمْ ) هو مِنَ الإقْرارِ. والإصْرُ في اللُّغَةِ: الثِّقْلُ، سُمِّيَ العَهْدُ إصْرًا لِما فِيهِ مِنَ التَّشْدِيدِ. والمَعْنى: وأخَذْتُمْ عَلى ذَلِكَ عَهْدِي.
قَوْلُهُ: ﴿قالُوا أقْرَرْنا﴾ جُمْلَةٌ اسْتِئْنافِيَّةٌ كَأنَّهُ قِيلَ: ماذا قالُوا عِنْدَ ذَلِكَ ؟ فَقِيلَ: قالُوا: أقْرَرْنا، وإنَّما لَمْ يَذْكُرْ أحَدُهُمُ الإصْرَ اكْتِفاءً بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: ﴿قالَ فاشْهَدُوا﴾ أيْ قالَ اللَّهُ سُبْحانَهُ فاشْهَدُوا؛ أيْ: لِيَشْهَدْ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ ﴿وأنا مَعَكم مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ أيْ: وأنا عَلى إقْرارِكم وشَهادَةِ بَعْضِكم عَلى بَعْضٍ مِنَ الشّاهِدِينَ. قَوْلُهُ: فَمَن تَوَلّى أيْ أعْرَضَ عَمّا ذُكِرَ بَعْدَ ذَلِكَ المِيثاقِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ أيِ: الخارِجُونَ عَنِ الطّاعَةِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبّاسٍ: إنَّ أصْحابَ عَبْدِ اللَّهِ يَقْرَءُونَ ( وإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَما آتَيْتُكم مِن كِتابٍ وحِكْمَةٍ ) ونَحْنُ نَقْرَأُ ﴿مِيثاقَ النَّبِيِّينَ﴾ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّما أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ عَلى قَوْمِهِمْ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ طاوُسٍ في الآيَةِ، قالَ: أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ أنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهم بَعْضًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ﴾ (p-٢٢٩)قالَ: هي خَطَأٌ مِنَ الكُتّابِ، وهي في قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا آدَمَ فَمَن بَعْدَهُ إلّا أخَذَ عَلَيْهِ العَهْدَ في مُحَمَّدٍ لَئِنْ بُعِثَ وهو حَيٌّ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ ولَيَنْصُرَنَّهُ ويَأْمُرُهُ فَيَأْخُذُ العَهْدَ عَلى قَوْمِهِ، ثُمَّ تَلا ﴿وإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ﴾ الآيَةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ في الآيَةِ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِن طَرِيقِ العَوْفِيِّ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿إصْرِي﴾ قالَ: عَهْدِي. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ فاشْهَدُوا﴾ يَقُولُ: فاشْهَدُوا عَلى أُمَمِكم بِذَلِكَ ﴿وأنا مَعَكم مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ عَلَيْكم وعَلَيْهِمْ ﴿فَمَن تَوَلّى﴾ عَنْكَ يا مُحَمَّدُ بَعْدَ هَذا العَهْدِ مِن جَمِيعِ الأُمَمِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ هُمُ العاصُونَ في الكُفْرِ.
{"ayahs_start":81,"ayahs":["وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ لَمَاۤ ءَاتَیۡتُكُم مِّن كِتَـٰبࣲ وَحِكۡمَةࣲ ثُمَّ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مُّصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَ ٰلِكُمۡ إِصۡرِیۖ قَالُوۤا۟ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ","فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"],"ayah":"وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ لَمَاۤ ءَاتَیۡتُكُم مِّن كِتَـٰبࣲ وَحِكۡمَةࣲ ثُمَّ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مُّصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَ ٰلِكُمۡ إِصۡرِیۖ قَالُوۤا۟ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق