الباحث القرآني

الحُبُّ والمَحَبَّةُ مَيْلُ النَّفْسِ إلى الشَّيْءِ، يُقالُ: أحَبَّهُ فَهو مُحِبٌّ، وحَبَّهُ يَحِبُّهُ بِالكَسْرِ، فَهو مَحْبُوبٌ. قالَ الجَوْهَرِيُّ: وهَذا شاذٌّ، لِأنَّهُ لا يَأْتِي في المُضاعَفِ يَفْعِلُ بِالكَسْرِ. قالَ ابْنُ (p-٢١٤)الدِّهانِ: في حَبَّ لُغَتانِ حَبَّ وأحَبَّ، وأصْلُ حَبَّ في هَذا البابِ حَبَبَ كَطَرَقَ، وقَدْ فُسِّرَتِ المَحَبَّةُ لِلَّهِ سُبْحانَهُ بِإرادَةِ طاعَتِهِ. قالَ الأزْهَرِيُّ: مَحَبَّةُ العَبْدِ لِلَّهِ ورَسُولِهِ طاعَتُهُ لَهُما واتِّباعُهُ أمْرَهُما، ومَحَبَّةُ اللَّهِ لِلْعِبادِ إنْعامُهُ عَلَيْهِمْ بِالغُفْرانِ. وقَرَأ أبُو رَجاءٍ العُطارِدِيُّ فاتَّبَعُونِي بِفَتْحِ الباءِ. ورُوِيَ عَنْ أبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ أنَّهُ أدْغَمَ الرّاءَ مِن يَغْفِرْ في اللّامِ. قالَ النَّحّاسُ: لا يُجِيزُ الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ إدْغامَ الرّاءِ في اللّامِ، وأبُو عَمْرٍو أجَلُّ مَن أنْ يَغْلَطَ في هَذا، ولَعَلَّهُ كانَ يُخْفِي الحَرَكَةَ كَما يَفْعَلُ أشْياءَ كَثِيرَةً. قَوْلُهُ: ﴿قُلْ أطِيعُوا اللَّهَ والرَّسُولَ﴾ حَذْفُ المُتَعَلِّقِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ، أيْ: في جَمْعِ الأوامِرِ والنَّواهِي. قَوْلُهُ " فَإنْ تَوَلَّوْا " يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى فَيَكُونُ ماضِيًا. وقَوْلُهُ ﴿فَإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الكافِرِينَ﴾ نَفْيُ المَحَبَّةِ كِنايَةٌ عَنِ البُغْضِ والسُّخْطِ. ووَجْهُ الإظْهارِ في قَوْلِهِ: فَإنَّ اللَّهَ مَعَ كَوْنِ المَقامِ مَقامَ إضْمارٍ لِقَصْدِ التَّعْظِيمِ أوِ التَّعْمِيمِ. قَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ﴾ إلَخْ لَمّا فَرَغَ سُبْحانَهُ مِن بَيانِ أنَّ الدِّينَ المَرْضِيَّ هو الإسْلامُ، وأنَّ مُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ هو الرَّسُولُ الَّذِي لا يَصِحُّ لِأحَدٍ أنْ يُحِبَّ اللَّهَ إلّا بِاتِّباعِهِ، وأنَّ اخْتِلافَ أهْلِ الكِتابَيْنِ فِيهِ إنَّما هو لِمُجَرَّدِ البَغْيِ عَلَيْهِ والحَسَدِ لَهُ، شَرَعَ في تَقْرِيرِ رِسالَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وبَيَّنَ أنَّهُ مِن أهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ ومَعْدِنِ الرِّسالَةِ. والِاصْطِفاءُ الِاخْتِيارُ. قالَ الزَّجّاجُ: اخْتارَهم بِالنُّبُوَّةِ عَلى عالَمِي زَمانِهِمْ، وقِيلَ: إنَّ الكَلامَ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ؛ أيِ: اصْطَفى دِينَ آدَمَ إلَخْ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى تَفْسِيرِ العالَمِينَ، وتَخْصِيصُ آدَمَ بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّهُ أبُو البَشَرِ، وكَذَلِكَ نُوحٌ فَإنَّهُ آدَمُ الثّانِي، وأمّا آلُ إبْراهِيمَ فَلِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مِنهم مَعَ كَثْرَةِ الأنْبِياءِ مِنهم. وأمّا آلُ عِمْرانَ فَهم وإنْ كانُوا مِن آلِ إبْراهِيمَ، فَلَمّا كانَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِنهم كانَ لِتَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ وجْهٌ. وقِيلَ: المُرادُ بِآلِ إبْراهِيمَ إبْراهِيمُ نَفْسُهُ، وبِآلِ عِمْرانَ عِمْرانُ نَفْسُهُ. قَوْلُهُ: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِن بَعْضٍ﴾ نَصْبُ ذَرِّيَّةً عَلى البَدَلِيَّةِ مِمّا قَبْلَهُ قالَهُ الزَّجّاجُ، أوْ عَلى الحالِيَّةِ قالَهُ الأخْفَشُ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الذُّرِّيَّةِ، وبَعْضُها مِن بَعْضٍ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى صِفَةِ الذُّرِّيَّةِ، ومَعْناهُ مُتَناسِلَةٌ مُتَشَعِّبَةٌ أوْ مُتَناصِرَةٌ مُتَعاضِدَةٌ في الدِّينِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ مِن طُرُقٍ قالَ: قالَ أقْوامٌ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: واللَّهِ يا مُحَمَّدُ إنّا لِنُحِبُّ رَبَّنا، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيى بْنِ كَثِيرٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ أيْضًا ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ في قَوْلِهِ ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ أيْ: إنْ كانَ هَذا مِن قَوْلِكم في عِيسى حُبًّا لِلَّهِ وتَعْظِيمًا لَهُ ﴿فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكم ذُنُوبَكم﴾ أيْ: ما مَضى مِن كُفْرِكم ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ قالَ: عَلى البِرِّ والتَّقْوى والتَّواضُعِ وذِلَّةِ النَّفْسِ. وأخْرَجَهُ أيْضًا الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وأبُو نُعَيْمٍ والدَّيْلَمِيُّ وابْنُ عَساكِرَ عَنْهُ. أخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ مِثْلَهُ عَنْ عائِشَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ والحاكِمُ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «الشِّرْكُ أخْفى مِن دَبِيبِ النَّمْلِ عَلى الصَّفا في اللَّيْلَةِ الظَّلْماءِ، وأدْناهُ أنْ يُحِبَّ عَلى شَيْءٍ مِنَ الجَوْرِ ويُبْغِضَ عَلى شَيْءٍ مِنَ العَدْلِ، وهَلِ الدِّينُ إلّا الحُبُّ والبُغْضُ في اللَّهِ» قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ ﴿وآلَ إبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ﴾ قالَ: هُمُ المُؤْمِنُونَ مِن آلِ إبْراهِيمَ وآلِ عِمْرانَ وآلِ ياسِينَ وآلِ مُحَمَّدٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِن بَعْضٍ﴾ قالَ: في النِّيَّةِ والعَمَلِ والإخْلاصِ والتَّوْحِيدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب