الباحث القرآني

(p-١١٢٣)قَوْلُهُ: ﴿وكَذَلِكَ أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ﴾ هَذا خِطابٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، والإشارَةُ إلى مَصْدَرِ الفِعْلِ كَما بَيَّناهُ في مَواضِعَ كَثِيرَةٍ. أيْ: ومِثْلُ ذَلِكَ الإنْزالِ البَدِيعِ أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ، وهو القُرْآنُ، وقِيلَ: المَعْنى: كَما أنْزَلَنا الكِتابَ عَلَيْهِمْ أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ ﴿فالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ يَعْنِي مُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، وخَصَّهم بِإيتائِهُمُ الكِتابَ لِكَوْنِهِمُ العامِلِينَ بِهِ وكَأنَّ غَيْرَهم لَمْ يُؤْتَوْهُ لِعَدَمِ عَمَلِهِمْ بِما فِيهِ وجَحْدِهِمْ لِصِفاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - المَذْكُورَةِ فِيهِ ﴿ومِن هَؤُلاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ﴾ الإشارَةُ إلى أهْلِ مَكَّةَ، والمُرادُ أنَّ مِنهم، وهو مَن قَدْ أسْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِهِ أيْ: بِالقُرْآنِ، وقِيلَ: الإشارَةُ إلى جَمِيعِ العَرَبِ وما يَجْحَدُ بِآياتِنا أيْ: آياتِ القُرْآنِ إلّا الكافِرُونَ المُصَمِّمُونَ عَلى كُفْرِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ وأهْلِ الكِتابِ وما يَجْحَدُ بِآياتِنا أيْ: آياتِ القُرْآنِ إلّا الكافِرُونَ المُصَمِّمُونَ عَلى كُفْرِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ وأهْلِ الكِتابِ. ﴿وما كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتابٍ﴾ الضَّمِيرُ في قَبْلِهِ راجِعٌ إلى القُرْآنِ لِأنَّهُ المُرادُ بِقَوْلِهِ أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ أيْ: ما كُنْتَ يا مُحَمَّدُ تَقْرَأُ قَبْلَ القُرْآنِ كِتابًا ولا تَقْدِرُ عَلى ذَلِكَ لِأنَّكَ أُمِّيٌّ لا تَقْرَأُ ولا تَكْتُبُ ﴿ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ أيْ: ولا تَكْتُبُهُ لِأنَّكَ لا تَقْدِرُ عَلى الكِتابَةِ. قالَ مُجاهِدٌ كانَ أهْلُ الكِتابِ يَجِدُونَ في كُتُبِهِمْ إنْ مُحَمَّدًا - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - لا يَخُطُّ ولا يَقْرَأُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. قالَ النَّحّاسُ: وذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى نُبُوَّتِهِ لِأنَّهُ لا يَكْتُبُ ولا يُخالِطُ أهْلَ الكِتابِ ولَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أهْلُ كِتابٍ فَجاءَهم بِأخْبارِ الأنْبِياءِ والأُمَمِ ﴿إذًا لارْتابَ المُبْطِلُونَ﴾ أيْ: لَوْ كُنْتَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلى التِّلاوَةِ والخَطِّ لَقالُوا لَعَلَّهُ وجَدَ ما يَتْلُوهُ عَلَيْنا مِن كُتُبِ اللَّهِ السّابِقَةِ أوْ مِنَ الكُتُبِ المُدَوَّنَةِ في أخْبارِ الأُمَمِ، فَلَمّا كُنْتَ أُمِّيًّا لا تَقْرَأُ ولا تَكْتُبُ لَمْ يَكُنْ هُناكَ مَوْضِعٌ لِلرِّيبَةِ ولا مَحَلٌّ لِلشَّكِّ أبَدًا، بَلْ إنْكارُ مَن أنْكَرَ وكُفْرُ مَن كَفَرَ مُجَرَّدُ عِنادٍ وجُحُودٍ بِلا شُبْهَةٍ، وسَمّاهم مُبْطِلِينَ؛ لِأنَّ ارْتِيابَهم عَلى تَقْدِيرِ أنَّهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَقْرَأُ ويَكْتُبُ ظُلْمٌ مِنهم لِظُهُورِ نَزاهَتِهِ ووُضُوحِ مُعْجِزاتِهِ. بَلْ هو آياتٌ بَيِّناتٌ يَعْنِي القُرْآنَ ﴿فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾ يَعْنِي المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ حَفِظُوا القُرْآنَ عَلى عَهْدِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وحَفِظُوهُ بَعْدَهُ، وقالَ قَتادَةُ ومُقاتِلٌ: إنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أيْ: بَلْ مُحَمَّدٌ آياتٌ بَيِّناتٌ أيْ: ذُو آياتٍ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ " بَلْ هي آياتٌ بَيِّناتٌ " قالَ الفَرّاءُ مَعْنى هَذِهِ القِراءَةِ: بَلْ آياتُ القُرْآنِ آياتٌ بَيِّناتٌ. واخْتارَ ابْنُ جَرِيرٍ ما قالَهُ قَتادَةُ ومُقاتِلٌ، وقَدِ اسْتَدَلَّ لِما قالاهُ بِقِراءَةِ ابْنِ السَّمَيْفَعِ " بَلْ هَذا آياتٌ بَيِّناتٌ " ولا دَلِيلَ في هَذِهِ القِراءَةِ عَلى ذَلِكَ، لِأنَّ الإشارَةَ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ إلى القُرْآنِ كَما جازَ أنْ تَكُونَ إلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، بَلْ رُجُوعُها إلى القُرْآنِ أظْهَرُ لِعَدَمِ احْتِياجِ ذَلِكَ إلى التَّأْوِيلِ، والتَّقْدِيرِ ﴿وما يَجْحَدُ بِآياتِنا إلّا الظّالِمُونَ﴾ أيِ: المُجاوِزُونَ لِلْحَدِّ في الظُّلْمِ. ﴿وقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِن رَبِّهِ﴾ أيْ: قالَ المُشْرِكُونَ هَذا القَوْلَ، والمَعْنى: هَلّا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ آياتٌ كَآياتِ الأنْبِياءِ، وذَلِكَ كَآياتِ مُوسى وناقَةِ صالِحٍ وإحْياءِ المَسِيحِ لِلْمَوْتى، ثُمَّ أمَرَهُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - أنْ يُجِيبَ عَلَيْهِمْ فَقالَ: ﴿قُلْ إنَّما الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ يُنْزِلُها عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ ولا قُدْرَةَ لِأحَدٍ عَلى ذَلِكَ وإنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ أُنْذِرُكم كَما أُمِرْتُ وأُبَيِّنُ لَكم كَما يَنْبَغِي، لَيْسَ في قُدْرَتِي غَيْرُ ذَلِكَ. قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو بَكْرٍ، وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ لَوْلا أنْزِلُ عَلَيْهِ آيَةٌ بِالإفْرادِ. وقَرَأ الباقُونَ بِالجَمْعِ، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو عُبَيْدٍ لِقَوْلِهِ " قُلْ إنَّما الآياتُ " . ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلرَّدِّ عَلى اقْتِراحِهِمْ وبَيانِ بُطْلانِهِ أيْ: أوَلَمْ يَكْفِ المُشْرِكِينَ مِنَ الآياتِ الَّتِي اقْتَرَحُوها هَذا الكِتابُ المُعْجِزُ الَّذِي قَدْ تَحَدَّيْتَهم بِأنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أوْ بِسُورَةٍ مِنهُ فَعَجَزُوا، ولَوْ أتَيْتَهم بِآياتِ مُوسى وآياتِ غَيْرِهِ مِنَ الأنْبِياءِ لَما آمَنُوا، كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِالقُرْآنِ الَّذِي يُتْلى عَلَيْهِمْ في كُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ إنَّ في ذَلِكَ الإشارَةُ إلى الكِتابِ المَوْصُوفِ بِما ذُكِرَ لَرَحْمَةً عَظِيمَةً في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وذِكْرى في الدُّنْيا يَتَذَكَّرُونَ بِها وتُرْشِدُهم إلى الحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أيْ: لِقَوْمٍ يُصَدِّقُونَ بِما جِئْتَ بِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ فَإنَّهم هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ. ﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وبَيْنَكم شَهِيدًا﴾ أيْ: قُلْ لِلْمُكَذِّبِينَ كَفى اللَّهُ شَهِيدًا بِما وقَعَ بَيْنِي وبَيْنَكم يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ لا تَخْفى عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ خافِيَةٌ، ومِن جُمْلَتِهِ ما صَدَرَ بَيْنَكم وبَيْنَ رَسُولِهِ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا بِالباطِلِ وكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ أيْ: آمَنُوا بِما يَعْبُدُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وكَفَرُوا بِالحَقِّ وهو اللَّهُ - سُبْحانَهُ -، أُولَئِكَ هُمُ الجامِعُونَ بَيْنَ خُسْرانِ الدُّنْيا والآخِرَةِ. ﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ﴾ اسْتِهْزاءً وتَكْذِيبًا مِنهم بِذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ ﴿فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] ﴿ولَوْلا أجَلٌ مُسَمًّى﴾ قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِعَذابِهِمْ وعَيَّنَهُ، وهو القِيامَةُ، وقالَ الضَّحّاكُ: الأجَلُ مُدَّةُ أعْمارِهِمْ لِأنَّهم إذا ماتُوا صارُوا إلى العَذابِ لَجاءَهُمُ العَذابُ أيْ: لَوْلا ذَلِكَ الأجَلُ المَضْرُوبُ لَجاءَهُمُ العَذابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ بِذُنُوبِهِمْ. وقِيلَ: المُرادُ بِالأجَلِ المُسَمّى النَّفْخَةُ الأُولى، وقِيلَ: الوَقْتُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لِعَذابِهِمْ في الدُّنْيا بِالقَتْلِ والأسْرِ يَوْمَ بَدْرٍ. والحاصِلُ أنَّ لِكُلِّ عَذابٍ أجَلًا لا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ ولا يَتَأخَّرُ عَنْهُ كَما في قَوْلِهِ - سُبْحانَهُ -: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾ [الأنعام: ٦٧] وجُمْلَةُ ولَيَأْتِينَّهم بَغْتَةً مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمَجِيءِ العَذابِ المَذْكُورِ قَبْلَها، ومَعْنى بَغْتَةً فَجْأةٌ، وجُمْلَةُ وهم لا يَشْعُرُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ أيْ: حالَ كَوْنِهِمْ لا يَعْلَمُونَ بِإتْيانِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - أنَّ مَوْعِدُ عَذابِهِمُ النّارَ فَقالَ: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ وإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ﴾ أيْ: يَطْلُبُونَ مِنكَ تَعْجِيلَ عَذابِهِمْ، والحالُ أنَّ مَكانَ العَذابِ مُحِيطٌ بِهِمْ أيْ:: سَيُحِيطُ بِهِمْ عَنْ قُرْبٍ، فَإنَّ ما هو آتٍ قَرِيبٌ، والمُرادُ بِالكافِرِينَ جِنْسُهم فَيَدْخُلُ فِيهِ هَؤُلاءِ المُسْتَعْجِلُونَ دُخُولًا أوَّلِيًّا، فَقَوْلُهُ: (p-١١٢٤)﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ﴾ إخْبارٌ عَنْهم، وقَوْلُهُ ثانِيًا ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ﴾ تَعَجُّبٌ مِنهم، وقِيلَ: التَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ. ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - كَيْفِيَّةَ إحاطَةِ العَذابِ بِهِمْ فَقالَ ﴿يَوْمَ يَغْشاهُمُ العَذابُ مِن فَوْقِهِمْ ومِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ﴾ أيْ: مِن جَمِيعِ جِهاتِهِمْ فَإذا غَشِيَهُمُ العَذابُ عَلى هَذِهِ الصِّفَةِ فَقَدْ أحاطَتْ بِهِمْ جَهَنَّمُ ﴿ويَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ القائِلُ هو اللَّهُ - سُبْحانَهُ - أوْ بَعْضُ مَلائِكَتِهِ بِأمْرِهِ أيْ: ذُوقُوا جَزاءَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي. قَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ والكُوفَةِ " نَقُولُ " بِالنُّونِ. وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ، واخْتارَ القِراءَةَ الأخِيرَةَ أبُو عُبَيْدٍ لِقَوْلِهِ: قُلْ كَفى بِاللَّهِ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ " ويُقالُ ذُوقُوا " . وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والإسْماعِيلِيُّ في مُعْجَمِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وما كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ قالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَقْرَأُ ولا يَكْتُبُ كانَ أُمِّيًّا، وفي قَوْلِهِ: ﴿بَلْ هو آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾ قالَ: كانَ اللَّهُ أنْزَلَ شَأْنَ مُحَمَّدٍ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ لِأهْلِ العِلْمِ وعَلَّمَهُ لَهم وجَعَلَهُ لَهم آيَةً فَقالَ لَهم: إنَّ آيَةَ نُبُوَّتِهِ أنْ يَخْرُجَ حِينَ يَخْرُجُ ولا يَعْلَمُ كِتابًا ولا يَخُطُّهُ بِيَمِينِهِ، وهي الآياتُ البَيِّناتُ الَّتِي قالَ اللَّهُ - تَعالى - . وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿وما كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتابٍ﴾ الآيَةَ قالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَقْرَأُ ولا يَكْتُبُ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ والدّارِمِيُّ وأبُو داوُدَ في مَراسِيلِهِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ يَحْيى بْنِ جَعْدَةَ قالَ: «جاءَ أُناسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ بِكُتُبٍ قَدْ كَتَبُوها، فِيها بَعْضُ ما سَمِعُوهُ مِنَ اليَهُودِ، فَقالَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: كَفى بِقَوْمٍ حُمْقًا أوْ ضَلالَةً أنْ يَرْغَبُوا عَمّا جاءَ بِهِ نَبِيُّهم إلَيْهِمْ إلى ما جاءَ بِهِ غَيْرُهُ إلى غَيْرِهِمْ فَنَزَلَتْ " أوَلَمْ يَكْفِهِمْ " الآيَةَ» . وأخْرَجَهُ الإسْماعِيلِيُّ في مُعْجَمِهِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طَرِيقِ يَحْيى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ بِمَعْناهُ. وأخْرَجَ، عَبْدُ الرَّزّاقِ، في المُصَنَّفِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ الزُّهْرِيِّ «أنَّ حَفْصَةَ جاءَتْ إلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِكِتابٍ مِن قَصَصِ يُوسُفَ في كَتِفٍ، فَجَعَلَتْ تَقْرَأهُ والنَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَتَلَوَّنُ وجْهُهُ فَقالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أتاكم يُوسُفُ وأنا نَبِيُّكم فاتَّبَعْتُمُوهُ وتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ» . وأخْرَجَ، عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ سَعْدٍ وابْنُ الضُّرَيْسِ والحاكِمُ في الكُنى، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارِثِ الأنْصارِيِّ قالَ: " «دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ عَلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِكِتابٍ فِيهِ مَواضِعُ مِنَ التَّوْراةِ فَقالَ: هَذِهِ أصَبْتُها مَعَ رَجُلٍ مِن أهْلِ الكِتابِ أعْرِضُها عَلَيْكَ، فَتَغَيَّرَ وجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - تَغَيُّرًا شَدِيدًا لَمْ أرَ مِثْلَهُ قَطُّ فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الحارِثِ لِعُمَرَ: أما تَرى وجْهَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، فَقالَ عُمَرُ: رَضِينا بِاللَّهِ وبِالإسْلامِ دِينًا وبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وقالَ: لَوْ نَزَلَ مُوسى فاتَّبَعْتُمُوهُ وتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ، أنا حَظُّكم مِنَ النَّبِيِّينَ وأنْتُمْ حَظِّي مِنَ الأُمَمِ» . وأخْرَجَ نَحْوَهُ، عَبْدُ الرَّزّاقِ، والبَيْهَقِيُّ مِن طَرِيقِ أبِي قِلابَةَ عَنْ عُمَرَ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ وصَحَّحَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: «سَألَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَنْ تَعَلُّمِ التَّوْراةِ فَقالَ: لا تَتَعَلَّمْها وآمِن بِها، وتَعَلَّمُوا ما أُنْزِلَ إلَيْكم وآمِنُوا بِهِ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ﴾ قالَ: جَهَنَّمُ هو هَذا البَحْرُ الأخْضَرُ تَنْتَثِرُ الكَواكِبُ فِيهِ وتَكُونُ فِيهِ الشَّمْسُ والقَمَرُ ثُمَّ يُسْتَوْقَدُ فَيَكُونُ هو جَهَنَّمَ، وفي هَذا نَكارَةٌ شَدِيدَةٌ، فَإنَّ الأحادِيثَ الكَثِيرَةَ الصَّحِيحَةَ ناطِقَةٌ بِأنَّ جَهَنَّمَ مَوْجُودَةٌ مَخْلُوقَةٌ عَلى الصِّفاتِ الَّتِي ورَدَ بِها الكِتابُ والسُّنَّةُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب