الباحث القرآني

(p-١١١٩)قَوْلُهُ: ولُوطًا مَنصُوبٌ بِالعَطْفِ عَلى نُوحًا، أوْ عَلى إبْراهِيمَ، أوْ بِتَقْدِيرِ اذْكُرْ. قالَ الكِسائِيُّ: المَعْنى وأنْجَيْنا لُوطًا، أوْ وأرْسَلْنا لُوطًا إذْ قالَ لِقَوْمِهِ ظَرْفٌ لِلْعامِلِ في لُوطٍ ﴿إنَّكم لَتَأْتُونَ الفاحِشَةَ﴾ قَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ " أئِنَّكم " بِالِاسْتِفْهامِ. وقَرَأ الباقُونَ بِلا اسْتِفْهامٍ، والفاحِشَةُ الخَصْلَةُ المُتَناهِيَةُ في القُبْحِ، وجُمْلَةُ ﴿ما سَبَقَكم بِها مِن أحَدٍ مِنَ العالَمِينَ﴾ مُقَرِّرَةٌ لِكَمالِ قُبْحِ هَذِهِ الخَصْلَةِ، وأنَّهم مُنْفَرِدُونَ بِذَلِكَ لَمْ يَسْبِقْهم إلى عَمَلِها أحَدٌ مِنَ النّاسِ عَلى اخْتِلافِ أجْناسِهِمْ. ثُمَّ بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - هَذِهِ الفاحِشَةَ فَقالَ: ﴿أئِنَّكم لَتَأْتُونَ الرِّجالَ﴾ أيْ: تَلُوطُونَ بِهِمْ ﴿وتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾ قِيلَ: إنَّهم كانُوا يَفْعَلُونَ الفاحِشَةَ بِمَن يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ المُسافِرِينَ، فَلَمّا فَعَلُوا ذَلِكَ تَرَكَ النّاسُ المُرُورَ بِهِمْ، فَقَطَعُوا السَّبِيلَ بِهَذا السَّبَبِ. قالَ الفَرّاءُ: كانُوا يَعْتَرِضُونَ النّاسَ في الطُّرُقِ بِعَمَلِهِمُ الخَبِيثِ، وقِيلَ: كانُوا يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ عَلى المارَّةِ بِقَتْلِهِمْ ونَهْبِهِمْ. والظّاهِرُ أنَّهم كانُوا يَفْعَلُونَ ما يَكُونُ سَبَبًا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مِن غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِسَبَبٍ خاصٍّ، وقِيلَ: إنَّ مَعْنى قَطْعِ الطَّرِيقِ: قَطْعُ النَّسْلِ بِالعُدُولِ عَنِ النِّساءِ إلى الرِّجالِ ﴿وتَأْتُونَ في نادِيكُمُ المُنْكَرَ﴾ النّادِي والنَّدِيُّ والمُنْتَدى مَجْلِسُ القَوْمِ ومُتَحَدَّثُهم. واخْتُلِفَ في المُنْكَرِ الَّذِي كانُوا يَأْتُونَهُ فِيهِ، فَقِيلَ: كانُوا يَحْذِفُونَ النّاسَ بِالحَصْباءِ، ويَسْتَخِفُّونَ بِالغَرِيبِ، وقِيلَ: كانُوا يَتَضارَطُونَ في مَجالِسِهِمْ، وقِيلَ: كانُوا يَأْتُونَ الرِّجالَ في مَجالِسِهِمْ، وبَعْضُهم يَرى بَعْضًا، وقِيلَ: كانُوا يَلْعَبُونَ بِالحَمامِ، وقِيلَ: كانُوا يُخَضِّبُونَ أصابِعَهم بِالحِنّاءِ، وقِيلَ: كانُوا يُناقِرُونَ بَيْنَ الدِّيَكَةِ ويُناطِحُونَ بَيْنَ الكِباشِ، وقِيلَ: يَلْعَبُونَ بِالنَّرْدِ والشِّطْرَنْجِ ويَلْبَسُونَ المُصَبَّغاتِ، ولا مانِعَ مِن أنَّهم كانُوا يَفْعَلُونَ جَمِيعَ هَذِهِ المُنْكَراتِ. قالَ الزَّجّاجُ: وفي هَذِهِ إعْلامٌ أنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يَتَعاشَرَ النّاسُ عَلى المُنْكَرِ وأنْ لا يَجْتَمِعُوا عَلى الهُزُؤِ والمَناهِي. ولَمّا أنْكَرَ لُوطٌ عَلَيْهِمْ ما كانُوا يَفْعَلُونَهُ أجابُوا بِما حَكى اللَّهُ عَنْهم بِقَوْلِهِ: ﴿فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلّا أنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ أيْ: فَما أجابُوا بِشَيْءٍ إلّا بِهَذا القَوْلِ رُجُوعًا مِنهم إلى التَّكْذِيبِ واللَّجاجِ والعِنادِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذِهِ الآيَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ النَّمْلِ ﴿فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلّا أنْ قالُوا أخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِن قَرْيَتِكم﴾ [النمل: ٥٦] وتَقَدَّمَ في سُورَةِ الأعْرافِ ﴿وما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلّا أنْ قالُوا أخْرِجُوهم مِن قَرْيَتِكم﴾ [الأعراف: ٨٢] وقَدْ جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلاثَةِ المَواضِعِ بِأنَّ لُوطًا كانَ ثابِتًا عَلى الإرْشادِ ومُكَرِّرًا لِلنَّهْيِ لَهم والوَعِيدِ عَلَيْهِمْ، فَقالُوا لَهُ أوَّلًا: ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ كَما في هَذِهِ الآيَةِ، فَلَمّا كَثُرَ مِنهُ ذَلِكَ ولَمْ يَسْكُتْ عَنْهم قالُوا: أخْرِجُوهم كَما في الأعْرافِ والنَّمْلِ، وقِيلَ: إنَّهم قالُوا أوَّلًا: أخْرِجُوهم مِن قَرْيَتِكم، ثُمَّ قالُوا ثانِيًا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ. ثُمَّ إنَّ لُوطًا لَمّا يَئِسَ مِنهم طَلَبَ النُّصْرَةَ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - فَ ﴿قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلى القَوْمِ المُفْسِدِينَ﴾ بِإنْزالِ عَذابِكَ عَلَيْهِمْ، وإفْسادِهِمْ هو بِما سَبَقَ مِن إتْيانِ الرِّجالِ وعَمَلِ المُنْكَرِ في نادِيهِمْ، فاسْتَجابَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - وبَعَثَ لِعَذابِهِمْ مَلائِكَتَهُ وأمْرَهم بِتَبْشِيرِ إبْراهِيمَ قَبْلَ عَذابِهِمْ. ولِهَذا قالَ: ﴿ولَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إبْراهِيمَ بِالبُشْرى﴾ أيْ: بِالبِشارَةِ بِالوَلَدِ وهو إسْحاقُ، وبِوَلَدِ الوَلَدِ وهو يَعْقُوبُ ﴿قالُوا إنّا مُهْلِكُو أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ﴾ أيْ: قالُوا لِإبْراهِيمَ هَذِهِ المَقالَةَ، والقَرْيَةُ هي قَرْيَةُ سَدُومَ الَّتِي كانَ فِيها قَوْمُ لُوطٍ، وجُمْلَةُ ﴿إنَّ أهْلَها كانُوا ظالِمِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِلْإهْلاكِ أيْ: إهْلاكُنا لَهم بِهَذا السَّبَبِ. ﴿قالَ إنَّ فِيها لُوطًا﴾ أيْ: قالَ لَهم إبْراهِيمُ: إنَّ في هَذِهِ القَرْيَةِ الَّتِي أنْتُمْ مُهْلِكُوها لُوطًا فَكَيْفَ تُهْلِكُونَها ؟ ﴿قالُوا نَحْنُ أعْلَمُ بِمَن فِيها﴾ مِنَ الأخْيارِ والأشْرارِ ونَحْنُ أعْلَمُ مِن غَيْرِنا بِمَكانِ لُوطٍ ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ وأهْلَهُ﴾ مِنَ العَذابِ. قَرَأ الأعْمَشُ، وحَمْزَةُ ويَعْقُوبُ والكِسائِيُّ " لَنُنْجِيَنَّهُ " بِالتَّخْفِيفِ، وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّشْدِيدِ ﴿إلّا امْرَأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ أيِ: الباقِينَ في العَذابِ، وهو لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الماضِي والباقِي، وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ، وقِيلَ: المَعْنى: مِنَ الباقِينَ في القَرْيَةِ الَّتِي سَيَنْزِلُ بِها العَذابُ، فَتُعَذَّبُ مِن جُمْلَتِهِمْ ولا تَنْجُو فِيمَن نَجا. ﴿ولَمّا أنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ﴾ أيْ: لَمّا جاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا بَعْدَ مُفارَقَتِهِمْ إبْراهِيمَ سِيءَ بِهِمْ أيْ: جاءَهُ ما ساءَهُ وخافَ مِنهُ، لِأنَّهُ ظَنَّهم مِنَ البَشَرِ، فَخافَ عَلَيْهِمْ مِن قَوْمِهِ لِكَوْنِهِمْ في أحْسَنِ صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ البَشَرِيَّةِ، و" أنْ " في أنْ جاءَتْ زائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ ﴿وضاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ أيْ: عَجَزَ عَنْ تَدْبِيرِهِمْ وحَزِنَ وضاقَ صَدْرُهُ، وضِيقُ الذِّراعِ كِنايَةٌ عَنِ العَجْزِ، كَما يُقالُ: في الكِنايَةِ عَنِ الفَقْرِ: ضاقَتْ يَدُهُ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذا مُسْتَوْفًى في سُورَةِ هُودٍ. ولَمّا شاهَدَتِ المَلائِكَةُ ما حَلَّ بِهِ مِنَ الحُزْنِ والتَّضَجُّرِ ﴿قالُوا لا تَخَفْ ولا تَحْزَنْ﴾ أيْ: لا تَخَفْ عَلَيْنا مِن قَوْمِكَ ولا تَحْزَنْ فَإنَّهم لا يَقْدِرُونَ عَلَيْنا ﴿إنّا مُنَجُّوكَ وأهْلَكَ﴾ مِنَ العَذابِ الَّذِي أمَرَنا اللَّهُ بِأنْ نُنْزِلَهُ بِهِمْ ﴿إلّا امْرَأتَكَ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ أخْبَرُوا لُوطًا بِما جاءُوا بِهِ مِن إهْلاكِ قَوْمِهِ وتَنْجِيَتِهِ وأهْلِهِ إلّا امْرَأتَهُ كَما أخْبَرُوا بِذَلِكَ إبْراهِيمَ، قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وشُعْبَةُ ويَعْقُوبُ، والأعْمَشُ " مُنَجُّوكَ " بِالتَّخْفِيفِ. وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّشْدِيدِ. قالَ المُبَرِّدُ: الكافُ في مُنَجُّوكَ مَخْفُوضٌ ولَمْ يَجُزْ عَطْفُ الظّاهِرِ عَلى المُضْمَرِ المَخْفُوضِ، فَحُمِلَ الثّانِي عَلى المَعْنى وصارَ التَّقْدِيرُ: ونُنْجِي أهْلَكَ. ﴿إنّا مُنْزِلُونَ عَلى أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّماءِ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ هَلاكِهِمُ المَفْهُومُ مِن تَخْصِيصِ التَّنْجِيَةِ بِهِ وبِأهْلِهِ، والرِّجْزُ العَذابُ أيْ: عَذابًا مِنَ السَّماءِ، وهو الرَّمْيُ بِالحِجارَةِ، وقِيلَ: إحْراقُهم بِنارٍ نازِلَةٍ مِنَ السَّماءِ، وقِيلَ: هو الخَسْفُ والحَصَبُ كَما في غَيْرِ (p-١١٢٠)هَذا المَوْضِعِ، ومَعْنى كَوْنِ الخَسْفِ مِنَ السَّماءِ أنَّ الأمْرَ بِهِ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ. قَرَأ ابْنُ عامِرٍ " مُنَزِّلُونَ " بِالتَّشْدِيدِ. وبِها قَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ. وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّخْفِيفِ، والباءُ في بِما كانُوا يَفْسُقُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ: أيْ: لِسَبَبِ فِسْقِهِمْ. ﴿ولَقَدْ تَرَكْنا مِنها آيَةً بَيِّنَةً﴾ أيْ: أبْقَيْنا مِنَ القَرْيَةِ عَلامَةً ودَلالَةً بَيِّنَةً، وهي الآثارُ الَّتِي بِها مِنَ الحِجارَةِ رُجِمُوا بِها، وخَرابُ الدِّيارِ. وقالَ مُجاهِدٌ: هو الماءُ الأسْوَدُ الباقِي عَلى وجْهِ أرْضِهِمْ ولا مانِعَ مِن حَمْلِ الآيَةِ عَلى جَمِيعِ ما ذُكِرَ، وخُصَّ مَن يَعْقِلُ، لِأنَّهُ الَّذِي يَفْهَمُ أنَّ تِلْكَ الآثارَ عِبْرَةٌ يَعْتَبِرُ بِها مَن يَراها. ﴿وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْبًا﴾ أيْ: وأرْسَلْناهُ إلَيْهِمْ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وذِكْرُ نَسَبِهِ وذِكْرُ قَوْمِهِ في سُورَةِ الأعْرافِ وسُورَةِ هُودٍ ﴿قالَ ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ أيْ: أفْرِدُوهُ في العِبادَةِ وخُصُّوهُ بِها ﴿وارْجُوا اليَوْمَ الآخِرَ﴾ أيْ: تَوَقَّعُوهُ وافْعَلُوا اليَوْمَ مِنَ الأعْمالِ ما يَدْفَعُ عَذابَهُ عَنْكم. قالَ يُونُسُ النَّحْوِيُّ: مَعْناهُ اخْشَوُا الآخِرَةَ الَّتِي فِيها الجَزاءُ عَلى الأعْمالِ ﴿ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ العَثْوُ العُثى أشَدُّ الفَسادِ. وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ. ﴿فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ أيِ: الزَّلْزَلَةُ، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ هُودٍ ﴿وأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ [هود: ٦٧] أيْ: صَيْحَةُ جِبْرِيلَ وهي سَبَبُ الرَّجْفَةِ ﴿فَأصْبَحُوا في دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ أيْ: أصْبَحُوا في بَلَدِهِمْ أوْ مَنازِلِهِمْ جاثِمِينَ عَلى الرُّكَبِ مَيِّتِينَ. ﴿وعادًا وثَمُودَ﴾ قالَ الكِسائِيُّ: قالَ بَعْضُهم هو راجِعٌ إلى أوَّلِ السُّورَةِ أيْ: ولَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وفَتَنّا عادًا وثَمُودَ، قالَ: وأحَبُّ إلَيَّ أنْ يَكُونَ عَلى ﴿فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ أيْ: وأخَذَتْ عادًا وثَمُودَ. وقالَ الزَّجّاجُ: التَّقْدِيرُ وأهْلَكْنا عادًا وثَمُودَ، وقِيلَ: المَعْنى: واذْكُرْ عادًا وثَمُودَ إذْ أرْسَلْنا إلَيْهِمْ هُودًا وصالِحًا ﴿وقَدْ تَبَيَّنَ لَكم مِن مَساكِنِهِمْ﴾ أيْ: وقَدْ ظَهَرَ لَكم يا مَعاشِرَ الكُفّارِ مِن مَساكِنِهِمْ بِالحِجْرِ والأحْقافِ آياتٌ بَيِّناتٌ تَتَّعِظُونَ بِها وتَتَفَكَّرُونَ فِيها، فَفاعِلُ تَبَيَّنَ مَحْذُوفٌ ﴿وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ﴾ الَّتِي يَعْمَلُونَها مِنَ الكُفْرِ ومَعاصِي اللَّهِ فَصَدَّهم بِهَذا التَّزْيِينِ عَنِ السَّبِيلِ أيِ: الطَّرِيقِ الواضِحِ المُوَصِّلِ إلى الحَقِّ وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ أيْ: أهْلُ بَصائِرَ يَتَمَكَّنُونَ بِها مِن مَعْرِفَةِ الحَقِّ بِالِاسْتِدْلالِ. قالَ الفَرّاءُ: كانُوا عُقَلاءَ ذَوِي بَصائِرَ فَلَمْ تَنْفَعْهم بَصائِرُهم، وقِيلَ: المَعْنى: كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ في كُفْرِهِمْ وضَلالَتِهِمْ مُعْجَبِينَ بِها يَحْسَبُونَ أنَّهم عَلى هُدًى ويَرَوْنَ أنَّ أمْرَهم حَقٌّ، فَوَصَفَهم بِالِاسْتِبْصارِ عَلى هَذا بِاعْتِبارِ ما عِنْدَ أنْفُسِهِمْ. ﴿وقارُونَ وفِرْعَوْنَ وهامانَ﴾ قالَ الكِسائِيُّ: إنْ شِئْتَ كانَ مَحْمُولًا عَلى " عادًا " وكانَ فِيهِ ما فِيهِ، وإنْ شِئْتَ كانَ عَلى " فَصَدَّهم عَنِ السَّبِيلِ " أيْ: وصَدَّ قارُونَ وفِرْعَوْنَ وهامانَ. وقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وأهْلَكْنا هَؤُلاءِ بَعْدَ أنْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ فاسْتَكْبَرُوا في الأرْضِ عَنْ عِبادَةِ اللَّهِ وما كانُوا سابِقِينَ أيْ: فائِتِينَ، يُقالُ: سَبَقَ طالِبَهُ: إذا فاتَهُ: وقِيلَ: وما كانُوا سابِقِينَ في الكُفْرِ، بَلْ قَدْ سَبَقَهم إلَيْهِ قُرُونٌ كَثِيرَةٌ. ﴿فَكُلًّا أخَذْنا بِذَنْبِهِ﴾ أيْ: عاقَبْنا بِكُفْرِهِ وتَكْذِيبِهِ. قالَ الكِسائِيُّ: فَكُلًّا أخَذْنا أيْ: فَأخَذْنا كُلًّا بِذَنْبِهِ ﴿فَمِنهم مَن أرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِبًا﴾ أيْ: رِيحًا تَأْتِي بِالحَصْباءِ، وهي الحَصى الصِّغارُ فَتَرْجُمُهم بِها، وهم قَوْمُ لُوطٍ ﴿ومِنهم مَن أخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ وهم ثَمُودُ وأهْلُ مَدْيَنَ ﴿ومِنهم مَن خَسَفْنا بِهِ الأرْضَ﴾ وهو قارُونُ وأصْحابُهُ ﴿ومِنهم مَن أغْرَقْنا﴾ وهم قَوْمُ نُوحٍ وقَوْمُ فِرْعَوْنَ وما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهم بِما فَعَلَ بِهِمْ، لِأنَّهُ قَدْ أرْسَلَ إلَيْهِمْ رُسُلَهُ وأنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ بِاسْتِمْرارِهِمْ عَلى الكُفْرِ وتَكْذِيبِهِمْ لِلرُّسُلِ وعَمَلِهِمْ بِمَعاصِي اللَّهِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وتَأْتُونَ في نادِيكُمُ المُنْكَرَ﴾ قالَ: مَجْلِسُكم. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وأحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ الصَّمْتِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ وابْنُ عَساكِرَ عَنْ أُمِّ هانِيءٍ بِنْتِ أبِي طالِبٍ قالَتْ «سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - سُبْحانَهُ -: ﴿وتَأْتُونَ في نادِيكُمُ المُنْكَرَ﴾ قالَ: كانُوا يَجْلِسُونَ بِالطَّرِيقِ فَيَحْذِفُونَ أبْناءَ السَّبِيلِ ويَسْخَرُونَ مِنهم» . قالَ التِّرْمِذِيُّ: بَعْدَ إخْراجِهِ وتَحْسِينِهِ: ولا نَعْرِفُهُ إلّا مِن حَدِيثِ حاتِمِ بْنِ أبِي صَغِيرَةَ عَنْ سِماكٍ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جابِرٍ «أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - نَهى عَنِ الحَذْفِ»، وهو قَوْلُ اللَّهِ - سُبْحانَهُ -: ﴿وتَأْتُونَ في نادِيكُمُ المُنْكَرَ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ في الآيَةِ قالَ: هو الحَذْفُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ في تارِيخِهِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ في الآيَةِ قالَتِ: الضُّراطُ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ قالَ: الصَّيْحَةُ، وفي قَوْلِهِ: وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ قالَ: في الضَّلالَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَمِنهم مَن أرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِبًا﴾ قالَ: قَوْمُ لُوطٍ ﴿ومِنهم مَن أخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ قالَ: ثَمُودُ ﴿ومِنهم مَن خَسَفْنا بِهِ الأرْضَ﴾ قالَ: قارُونُ ﴿ومِنهم مَن أغْرَقْنا﴾ قالَ: قَوْمُ نُوحٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب