الباحث القرآني

وقَدِ اخْتُلِفَ في كَوْنِها مَكِّيَّةً أوْ مَدَنِيَّةً، أوْ بَعْضِها مَكِّيًّا وبَعْضِها مَدَنِيًّا عَلى ثَلاثَةِ أقْوالٍ: الأوَّلُ أنَّها مَكِّيَّةٌ كُلُّها، أخْرَجَهُ ابْنُ الضُّرَيْسِ والنَّحّاسُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ وعِكْرِمَةُ وعَطاءٌ وجابِرُ بْنُ زَيْدٍ. والقَوْلُ الثّانِي أنَّها مَدَنِيَّةٌ كُلُّها، قالَ القُرْطُبِيُّ: وهو أحَدُ قَوْلَيِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ. والقَوْلُ الثّالِثُ أنَّها مَكِّيَّةٌ إلّا عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِها، قالَ القُرْطُبِيُّ: وهو أحَدُ قَوْلَيِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ، وهو قَوْلُ يَحْيى بْنِ سَلّامٍ. وحُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ أنَّها نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، وهَذا قَوْلٌ رابِعٌ. وأخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ في السُّنَنِ عَنْ عائِشَةَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - كانَ يُصَلِّي في كُسُوفِ الشَّمْسِ والقَمَرِ أرْبَعَ رَكَعاتٍ وأرْبَعَ سَجَداتٍ، يَقْرَأُ في الرَّكْعَةِ الأُولى العَنْكَبُوتَ أوِ الرُّومَ، وفي الثّانِيَةِ يس» . ﴿الم﴾ ﴿أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ﴾ ﴿ولَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ﴾ ﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ ﴿مَن كانَ يَرْجُو لِقاءَ اللَّهِ فَإنَّ أجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وهو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ ﴿ومَن جاهَدَ فَإنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ ولَنَجْزِيَنَّهم أحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنًا وإنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إلَيَّ مَرْجِعُكم فَأُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهم في الصّالِحِينَ﴾ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ فَإذا أُوذِيَ في اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ ولَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِن رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إنّا كُنّا مَعَكم أوَلَيْسَ اللَّهُ بِأعْلَمَ بِما في صُدُورِ العالَمِينَ﴾ ﴿ولَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ولَيَعْلَمَنَّ المُنافِقِينَ﴾ ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا ولْنَحْمِلْ خَطاياكم وما هم بِحامِلِينَ مِن خَطاياهم مِن شَيْءٍ إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ ﴿ولَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ ولَيُسْألُنَّ يَوْمَ القِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى فاتِحَةِ هَذِهِ السُّورَةِ مُسْتَوْفًى في سُورَةِ البَقَرَةِ. والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ: ﴿أحَسِبَ النّاسُ﴾ لِلتَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ، وأنْ يُتْرَكُوا في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِحَسِبَ، وهي وما دَخَلَتْ عَلَيْهِ قائِمَةٌ مَقامَ المَفْعُولَيْنِ عَلى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ والجُمْهُورِ، وأنْ يَقُولُوا في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى تَقْدِيرِ: لِأنْ يَقُولُوا، أوْ بِأنْ يَقُولُوا، أوْ عَلى أنْ يَقُولُوا، وقِيلَ: هو بَدَلٌ مِن أنْ يُتْرَكُوا، ومَعْنى الآيَةِ: أنَّ النّاسَ لا يُتْرَكُونَ بِغَيْرِ اخْتِبارٍ ولا ابْتِلاءٍ ﴿أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ﴾ أيْ: وهم لا يُبْتَلَوْنَ في أمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ، ولَيْسَ الأمْرُ كَما حَسِبُوا، بَلْ لا بُدَّ أنْ يَخْتَبِرَهم حَتّى يَتَبَيَّنَ المُخْلِصُ مِنَ المُنافِقِ، والصّادِقُ مِنَ الكاذِبِ، فالآيَةُ مَسُوقَةٌ لِإنْكارِ ذَلِكَ الحُسْبانِ واسْتِبْعادِهِ، وبَيانِ أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الِامْتِحانِ بِأنْواعِ التَّكالِيفِ وغَيْرِها. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى أحَسِبُوا أنْ نَقْنَعَ مِنهم بِأنْ يَقُولُوا إنّا مُؤْمِنُونَ فَقَطْ ولا يُمْتَحَنُونَ بِما تَتَبَيَّنُ بِهِ حَقِيقَةُ إيمانِهِمْ، وهو قَوْلُهُ: ﴿أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ﴾ . قالَ السُّدِّيُّ، وقَتادَةُ ومُجاهِدٌ أيْ: لا يُبْتَلَوْنَ في أمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ بِالقَتْلِ والتَّعْذِيبِ، وسَيَأْتِي في بَيانِ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآياتِ ما يُوَضِّحُ مَعْنى ما ذَكَرْناهُ، وظاهِرُها شُمُولُ كُلِّ النّاسِ مِن أهْلِ الإيمانِ، وإنْ كانَ السَّبَبُ خاصًّا فالِاعْتِبارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَما قَرَّرْناهُ غَيْرَ مَرَّةٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذِهِ الآيَةُ وإنْ كانَتْ نازِلَةً في سَبَبٍ خاصٍّ فَهي باقِيَةٌ في أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مَوْجُودٌ حُكْمُها بَقِيَّةَ الدَّهْرِ، وذَلِكَ أنَّ الفِتْنَةَ مِنَ اللَّهِ باقِيَةٌ في ثُغُورِ المُسْلِمِينَ بِالأسْرِ ونِكايَةِ العَدُوِّ وغَيْرِ ذَلِكَ. ﴿ولَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ أيْ: هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ في عِبادِهِ وأنَّهُ يَخْتَبِرُ مُؤْمِنِي هَذِهِ الأُمَّةِ كَما اخْتَبَرَ مَن قَبْلَهم مِنَ الأُمَمِ كَما جاءَ بِهِ القُرْآنُ في غَيْرِ مَوْضِعٍ مِن قَصَصِ الأنْبِياءِ وما وقَعَ مَعَ قَوْمِهِمْ مِنَ المِحَنِ وما اخْتَبَرَ اللَّهُ بِهِ أتْباعَهم ومَن آمَنَ بِهِمْ مِن تِلْكَ الأُمُورِ الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ في قَوْلِهِمْ: آمَنّا ﴿ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ﴾ مِنهم في ذَلِكَ، قَرَأ الجُمْهُورُ " فَلَيَعْلَمَنَّ " بِفَتْحِ الياءِ واللّامِ في المَوْضِعَيْنِ أيْ: لَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ الصّادِقَ والكاذِبَ في قَوْلِهِمْ ويُمَيِّزُ بَيْنَهم، وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ في المَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ اللّامِ. والمَعْنى أيْ: يُعْلِمُ الطّائِفَتَيْنِ في الآخِرَةِ بِمَنازِلِهِمْ، أوْ يُعْلِمُ النّاسَ بِصِدْقِ مِن صَدَقَ ويَفْضَحُ الكاذِبِينَ بِكَذِبِهِمْ، أوْ يَضَعُ لِكُلِّ طائِفَةٍ عَلامَةً تَشْتَهِرُ بِها وتَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِها. ﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أنْ يَسْبِقُونا﴾ أيْ: يَفُوتُونا ويُعْجِزُونا قَبْلَ أنْ نُؤاخِذَهم بِما يَعْمَلُونَ، وهو سادٌّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ حَسِبَ، وأمْ هي المُنْقَطِعَةُ ساءَ ما يَحْكُمُونَ أيْ: بِئْسَ الَّذِي يَحْكُمُونَهُ حُكْمَهم ذَلِكَ. وقالَ الزَّجّاجُ: ما في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنى ساءَ شَيْئًا أوْ حُكْمًا يَحْكُمُونَ. قالَ: ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ ما في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِمَعْنى ساءَ الشَّيْءُ أوِ الحُكْمُ حُكْمُهم، وجَعَلَها ابْنُ كَيْسانَ مَصْدَرِيَّةً أيْ: ساءَ حُكْمُهم. ﴿مَن كانَ يَرْجُو لِقاءَ اللَّهِ﴾ أيْ: مَن كانَ يَطْمَعُ، والرَّجاءُ بِمَعْنى الطَّمَعِ. قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وقِيلَ: الرَّجاءُ هُنا بِمَعْنى الخَوْفِ. قالَ القُرْطُبِيُّ: وأجْمَعَ أهْلُ التَّفْسِيرِ عَلى أنَّ المَعْنى: مَن كانَ يَخافُ المَوْتَ. ومِنهُ قَوْلُ الهُذَلِيِّ: ؎إذا لَسَعَتْهُ الدَّبْرُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها قالَ الزَّجّاجُ: مَعْنى مَن كانَ يَرْجُو لِقاءَ اللَّهِ: مَن كانَ يَرْجُو ثَوابَ لِقاءِ اللَّهِ أيْ: ثَوابَ المَصِيرِ إلَيْهِ، فالرَّجاءُ عَلى هَذا (p-١١١٤)مَعْناهُ الأمَلُ ﴿فَإنَّ أجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾ أيِ: الأجَلُ المَضْرُوبُ لِلْبَعْثِ آتٍ لا مَحالَةَ. قالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي يَوْمُ القِيامَةِ، والمَعْنى: فَلْيَعْمَلْ لِذَلِكَ اليَوْمِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا﴾ [الكهف: ١١٠] ومَن في الآيَةِ الَّتِي هُنا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً والجَزاءُ فَإنَّ أجَلَ اللَّهِ لَآتٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً ودَخَلَتِ الفاءُ في جَوابِها تَشْبِيهًا لَها بِالشَّرْطِيَّةِ. وفِي الآيَةِ مِنَ الوَعْدِ والوَعِيدِ والتَّرْهِيبِ والتَّرْغِيبِ ما لا يَخْفى وهو السَّمِيعُ لِأقْوالِ عِبادِهِ العَلِيمُ بِما يُسِرُّونَهُ وما يُعْلِنُونَهُ. ﴿ومَن جاهَدَ فَإنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ أيْ: مَن جاهَدَ الكُفّارَ وجاهَدَ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ عَلى الطّاعاتِ فَإنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ أيْ: ثَوابُ ذَلِكَ لَهُ لا لِغَيْرِهِ ولا يَرْجِعُ إلى اللَّهِ - سُبْحانَهُ - مِن نَفْعِ ذَلِكَ شَيْءٌ ﴿إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾ فَلا يَحْتاجُ إلى طاعَتِهِمْ كَما لا تَضُرُّهُ مَعاصِيهِمْ. وقِيلَ: المَعْنى: ومَن جاهَدَ عَدُوَّهُ لِنَفْسِهِ لا يُرِيدُ بِذَلِكَ وجْهَ اللَّهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ لِجِهادِهِ، والأوَّلُ أوْلى. ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ﴾ أيْ: لِنُغَطِّيَنَّها عَنْهم بِالمَغْفِرَةِ بِسَبَبِ ما عَمِلُوا مِنَ الصّالِحاتِ ﴿ولَنَجْزِيَنَّهم أحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أيْ: بِأحْسَنِ جَزاءِ أعْمالِهِمْ، وقِيلَ: بِجَزاءِ أحْسَنِ أعْمالِهِمْ، والمُرادُ بِأحْسَنَ مُجَرَّدُ الوَصْفِ لا التَّفْضِيلُ لِئَلّا يَكُونَ جَزاؤُهم بِالحُسْنِ مَسْكُوتًا عَنْهُ، وقِيلَ: يُعْطِيهِمْ أكْثَرَ مِمّا عَمِلُوا وأحْسَنَ مِنهُ كَما في قَوْلِهِ: ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها﴾ [الأنعام: ١٦٠] . ﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ انْتِصابُ حُسْنًا عَلى أنَّهُ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيْ: إيصاءً حَسَنًا عَلى المُبالَغَةِ، أوْ عَلى حَذْفِ المُضافِ أيْ: ذا حُسْنٍ. هَذا مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ، وقالَ الكُوفِيُّونَ: تَقْدِيرُهُ ووَصَّيْنا الإنْسانَ أنْ يَفْعَلَ حَسَنًا، فَهو مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎عَجِبْتُ مِن دَهْماءَ إذْ تَشْكُونا ؎ومِن أبِي دَهْماءَ إذْ يُوصِينا ∗∗∗ خَيْرًا بِها كَأنَّما خافُونا أيْ: يُوصِينا أنْ نَفْعَلَ بِها خَيْرًا، ومِثْلُهُ قَوْلِ الحُطَيْئَةِ: ؎أوْصَيْتُ مِن بَرَّةَ قَلْبًا حُرًّا ∗∗∗ بِالكَلْبِ خَيْرًا والحَماةِ شَرًّا قالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُ ووَصَّيْنا الإنْسانَ: أنْ يَفْعَلَ بِوالِدَيْهِ ما يَحْسُنُ، وقِيلَ: هو صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أيْ: ووَصَّيْناهُ أمْرًا ذا حُسْنٍ، وقِيلَ: هو مُنْتَصِبٌ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ عَلى التَّضْمِينِ أيْ: ألْزَمْناهُ حُسْنًا، وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِنَزْعِ الخافِضِ أيْ: ووَصَّيْناهُ بِحُسْنٍ، وقِيلَ: هو مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أيْ: يَحْسُنُ حُسْنًا، ومَعْنى الآيَةِ: التَّوْصِيَةُ لِلْإنْسانِ بِوالِدَيْهِ بِالبِرِّ بِهِما والعَطْفِ عَلَيْهِما. قَرَأ الجُمْهُورُ " حُسْنًا " بِضَمِّ الحاءِ وإسْكانِ المِيمِ، وقَرَأ أبُو الرَّجاءِ، وأبُو العالِيَةِ، والضَّحّاكُ بِفَتْحِهِما، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ " إحْسانًا " وكَذا في مُصْحَفٍ أُبَيٍّ. ﴿وإنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما﴾ أيْ: طَلَبا مِنكَ وألْزَماكَ أنْ تُشْرِكَ بِي إلَهًا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ بِكَوْنِهِ إلَهًا فَلا تُطِعْهُما، فَإنَّهُ «لا طاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخالِقِ»، وعَبَّرَ بِنَفْيِ العِلْمِ عَنْ نَفْيِ الإلَهِ لِأنَّ ما لا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ لا يَجُوزُ اتِّباعُهُ، فَكَيْفَ بِما عُلِمَ بُطْلانُهُ ؟ وإذا لَمْ تَجُزْ طاعَةُ الأبَوَيْنِ في هَذا المَطْلَبِ مَعَ المُجاهَدَةِ مِنهُما لَهُ فَعَدَمُ جَوازِها مَعَ مُجَرَّدِ الطَّلَبِ بِدُونِ مُجاهَدَةٍ مِنهُما أوْلى، ويُلْحَقُ بِطَلَبِ الشِّرْكِ مِنهُما سائِرُ مَعاصِي اللَّهِ - سُبْحانَهُ -، فَلا طاعَةَ لَهُما فِيما هو مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ كَما صَحَّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ﴿إلَيَّ مَرْجِعُكم فَأُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أيْ: أُخْبِرُكم بِصالِحِ أعْمالِكم وطالِحِها، فَأُجازِيَ كُلًّا مِنكم بِما يَسْتَحِقُّهُ. والمَوْصُولُ في قَوْلِهِ: والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ وخَبَرُهُ ﴿لَنُدْخِلَنَّهم في الصّالِحِينَ﴾ أيْ: في زُمْرَةِ الرّاسِخِينَ في الصَّلاحِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الِاشْتِغالِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: لَنُدْخِلَنَّهم في مَدْخَلِ الصّالِحِينَ، وهو الجَنَّةُ كَذا قِيلَ، والأوَّلُ أوْلى. ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ فَإذا أُوذِيَ في اللَّهِ﴾ أيْ: في شَأْنِ اللَّهِ ولِأجْلِهِ كَما يَفْعَلُهُ أهْلُ الكُفْرِ مَعَ أهْلِ الإيمانِ، وكَما يَفْعَلُهُ أهْلُ المَعاصِي مَعَ أهْلِ الطّاعاتِ مِن إيقاعِ الأذى عَلَيْهِمْ لِأجْلِ الإيمانِ بِاللَّهِ والعَمَلِ بِما أمَرَ بِهِ ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ﴾ الَّتِي هي ما يُوقِعُونَهُ عَلَيْهِ مِنَ الأذى ﴿كَعَذابِ اللَّهِ﴾ أيْ: جَزِعَ مِن أذاهم، فَلَمْ يَصْبِرْ عَلَيْهِ وجَعَلَهُ في الشِّدَّةِ والعِظَمِ كَعَذابِ اللَّهِ فَأطاعَ النّاسَ كَما يُطِيعُ اللَّهَ، وقِيلَ: هو المُنافِقُ إذا أُوذِيَ في اللَّهِ رَجَعَ عَنِ الدِّينِ فَكَفَرَ. قالَ الزَّجّاجُ: يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أنْ يَصْبِرَ عَلى الأذِيَّةِ في اللَّهِ ﴿ولَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِن رَبِّكَ﴾ أيْ: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ وفَتْحٌ وغَلَبَةٌ لِلْأعْداءِ وغَنِيمَةٌ يَغْنَمُونَها مِنهم ﴿لَيَقُولُنَّ إنّا كُنّا مَعَكُمْ﴾ أيْ: داخِلُونَ مَعَكم في دِينِكم ومُعاوِنُونَ لَكم عَلى عَدُوِّكم، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ، وقالَ: ﴿أوَلَيْسَ اللَّهُ بِأعْلَمَ بِما في صُدُورِ العالَمِينَ﴾ أيْ: هو - سُبْحانَهُ - أعْلَمُ بِما في صُدُورِهِمْ مِنهم مَن خَيْرٍ وشَرٍّ، فَكَيْفَ يَدَّعُونَ هَذِهِ الدَّعْوى الكاذِبَةَ. وهَؤُلاءِ هم قَوْمٌ مِمَّنْ كانَ في إيمانِهِمْ ضَعْفٌ، كانُوا إذا مَسَّهُمُ الأذى مِنَ الكُفّارِ وافَقُوهم. وإذا ظَهَرَتْ قُوَّةُ الإسْلامِ ونَصَرَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ في مَوْطِنٍ مِنَ المَواطِنِ قالُوا إنّا كُنّا مَعَكم وقِيلَ: المُرادُ بِهَذا وما قَبْلَهُ المُنافِقُونَ. قالَ مُجاهِدٌ: نَزَلَتْ في ناسٍ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ بِألْسِنَتِهِمْ. فَإذا أصابَهم بَلاءٌ مِنَ اللَّهِ أوْ مُصِيبَةٌ افْتَتَنُوا. وقالَ الضَّحّاكُ: نَزَلَتْ في ناسٍ مِنَ المُنافِقِينَ بِمَكَّةَ كانُوا يُؤْمِنُونَ فَإذا أُوذُوا رَجَعُوا إلى الشِّرْكِ، والظّاهِرُ أنَّ هَذا النَّظْمَ مِن قَوْلِهِ: ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ إلى قَوْلِهِ: وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا نازِلٌ في المُنافِقِينَ لِما يَظْهَرُ مِنَ السِّياقِ. ولِقَوْلِهِ: ﴿ولَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ولَيَعْلَمَنَّ المُنافِقِينَ﴾ فَإنَّها لِتَقْرِيرِ ما قَبْلَها وتَأْكِيدِهِ أيْ: لَيُمَيِّزَنَّ اللَّهُ بَيْنَ الطّائِفَتَيْنِ ويَظْهَرُ إخْلاصُ المُخْلِصِينَ ونِفاقُ المُنافِقِينَ، فالمُخْلِصُ الَّذِي لا يَتَزَلْزَلُ بِما يُصِيبُهُ مِنَ الأذى ويَصْبِرُ في اللَّهِ حَقَّ الصَّبْرِ، ولا يَجْعَلُ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ. والمُنافِقُ الَّذِي يَمِيلُ هَكَذا وهَكَذا، فَإنْ أصابَهُ أذًى مِنَ الكافِرِينَ وافَقَهم وتابَعَهم وكَفَرَ بِاللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -، وإنْ خَفَقَتْ رِيحُ الإسْلامِ وطَلَعَ نَصْرُهُ ولاحَ فَتْحُهُ رَجَعَ إلى الإسْلامِ، وزَعَمَ أنَّهُ مِنَ المُسْلِمِينَ. (p-١١١٥)﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا﴾ اللّامُ في لِلَّذِينَ آمَنُوا هي لامُ التَّبْلِيغِ أيْ: قالُوا مُخاطِبِينَ لَهم كَما سَبَقَ بَيانُهُ في غَيْرِ مَوْضِعٍ أيْ: قالُوا لَهُمُ اسْلُكُوا طَرِيقَتَنا وادْخُلُوا في دِينِنا ﴿ولْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ﴾ أيْ: إنْ كانَ اتِّباعُ سَبِيلِنا خَطِيئَةً تُؤاخَذُونَ بِها عِنْدَ البَعْثِ والنُّشُورِ كَما تَقُولُونَ فَلْنَحْمِلْ ذَلِكَ عَنْكم فَنُؤاخِذْ بِهِ دُونَكم، واللّامُ في لِنَحْمِلْ لامُ الأمْرِ كَأنَّهم أمَرُوا أنْفُسَهم بِذَلِكَ. وقالَ الفَرّاءُ والزُّجاجُ: هو أمْرٌ في تَأْوِيلِ الشَّرْطِ والجَزاءِ أيْ: إنْ تَتَّبِعُوا سَبِيلَنا نَحْمِلْ خَطاياكم، ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وما هم بِحامِلِينَ مِن خَطاياهم مِن شَيْءٍ﴾ مِنَ الأُولى بَيانِيَّةٌ. والثّانِيَةُ مَزِيدَةٌ لِلِاسْتِغْراقِ أيْ: وما هم بِحامِلِينَ شَيْئًا مِن خَطِيئاتِهِمُ الَّتِي التَزَمُوا بِها وضَمِنُوا لَهم حَمْلَها، ثُمَّ وصَفَهُمُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - بِالكَذِبِ في هَذا التَّحَمُّلِ فَقالَ: إنَّهم لَكاذِبُونَ فِيما ضَمِنُوا بِهِ مِن حَمْلِ خَطاياكم. قالَ الَمَهَدَوِيُّ: هَذا التَّكْذِيبُ لَهم مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - حُمِلَ عَلى المَعْنى، لِأنَّ المَعْنى: إنِ اتَّبَعْتُمْ سَبِيلَنا حَمَلْنا خَطاياكم، فَلَمّا كانَ الأمْرُ يَرْجِعُ في المَعْنى إلى الخَبَرِ أُوقِعَ عَلَيْهِ التَّكْذِيبُ كَما يُوقَعُ عَلى الخَبَرِ. ﴿ولَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهُمْ﴾ أيْ: أوْزارَهُمُ الَّتِي عَمِلُوها، والتَّعْبِيرُ عَنْها بِالأثْقالِ لِلْإيذانِ بِأنَّها ذُنُوبٌ عَظِيمَةٌ ﴿وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ﴾ أيْ: أوْزارًا مَعَ أوْزارِهِمْ. وهي أوْزارُ مَن أضَلُّوهم وأخْرَجُوهم عَنِ الهُدى إلى الضَّلالَةِ ومِثْلُهُ قَوْلُهُ - سُبْحانَهُ -: ﴿لِيَحْمِلُوا أوْزارَهم كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ ومِن أوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [النحل: ٢٥] ومِثْلُهُ قَوْلُهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «مَن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُها ووِزْرُ مَن عَمِلَ بِها» كَما في حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ الثّابِتِ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وغَيْرِهِ. ﴿ولَيُسْألُنَّ يَوْمَ القِيامَةِ﴾ تَقْرِيعًا وتَوْبِيخًا ﴿عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أيْ: يَخْتَلِقُونَهُ مِنَ الأكاذِيبَ الَّتِي كانُوا يَأْتُونَ بِها في الدُّنْيا. وقالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي قَوْلُهم: نَحْنُ الكُفَلاءُ بِكُلِّ تَبِعَةٍ تُصِيبُكم مِنَ اللَّهِ. وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، في قَوْلِهِ: ﴿الم أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا﴾ الآيَةَ، قالَ: أُنْزِلَتْ في ناسٍ كانُوا بِمَكَّةَ قَدْ أقَرُّوا بِالإسْلامِ، فَكَتَبَ إلَيْهِمْ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مِنَ المَدِينَةِ لَمّا أُنْزِلَتْ آيَةُ الهِجْرَةِ أنَّهُ لا يُقْبَلُ مِنكم إقْرارُ ولا إسْلامٌ حَتّى تُهاجِرُوا، قالَ: فَخَرَجُوا عامِدِينَ إلى المَدِينَةِ فاتَّبَعَهُمُ المُشْرِكُونَ فَرَدُّوهم، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ، فَكَتَبُوا إلَيْهِمْ أنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيكم كَذا وكَذا، فَقالُوا: نَخْرُجُ فَإنِ اتَّبَعَنا أحَدٌ قَتَلْناهُ، فَخَرَجُوا فاتَّبَعَهُمُ المُشْرِكُونَ فَقاتَلُوهم، فَمِنهم مَن قُتِلَ ومِنهم مَن نَجا، فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ ﴿ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِن بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١١٠] . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ بِأخْصَرَ مِنهُ. وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ: نَزَلَتْ في عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ إذْ كانَ يُعَذَّبُ في اللَّهِ ﴿الم أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ ماجَهْ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: أوَّلُ مَن أظْهَرَ اللَّهُ إسْلامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، وأبُو بَكْرٍ، وسُمَيَّةُ أُمُّ عَمّارٍ، وعَمّارٌ، وصُهَيْبٌ، وبِلالٌ، والمِقْدادُ. فَأمّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أبِي طالِبٍ، وأمّا أبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ، وأمّا سائِرُهم فَأخَذَهُمُ المُشْرِكُونَ فَألْبَسُوهم أدْرُعَ الحَدِيدِ وصَهَرُوهم في الشَّمْسِ، فَما مِنهم مِن أحِدٍ إلّا وقَدْ أتاهم عَلى ما أرادُوا إلّا بِلالٌ، فَإنَّهُ هانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ في اللَّهِ وهانَ عَلى قَوْمِهِ، فَأخَذُوهُ فَأعْطَوْهُ الوِلْدانَ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ في شِعابِ مَكَّةَ وهو يَقُولُ أحَدٌ أحَدٌ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: أنْ يَسْبِقُونا قالَ: أنْ يُعْجِزُونا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ قالَ: قالَتْ أُمِّي لا آكُلُ طَعامًا ولا أشْرَبُ شَرابًا حَتّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ فامْتَنَعَتْ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ حَتّى جَعَلُوا يَشْجُرُونَ فاها بِالعَصا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنًا وإنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما﴾ . وأخْرَجَهُ أيْضًا التِّرْمِذِيُّ مِن حَدِيثِهِ، وقالَ: نَزَلَتْ فِيَّ أرْبَعُ آياتٍ وذَكَرَ نَحْوَ هَذِهِ القِصَّةِ، وقالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقَدْ أخْرَجَ هَذا الحَدِيثَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ، والنَّسائِيُّ أيْضًا. وأخْرَجَ أحْمَدُ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ وابْنُ ماجَهْ وأبُو يَعْلى وابْنُ حِبّانَ وأبُو نُعَيْمٍ، والبَيْهَقِيُّ والضِّياءُ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «لَقَدْ أُوذِيتُ في اللَّهِ وما يُؤْذى أحَدٌ، ولَقَدْ أُخِفْتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحَدٌ، ولَقَدْ أتَتْ عَلَيَّ ثالِثَةٌ وما لِي ولِبِلالٍ طَعامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إلّا ما وارى إبِطُ بِلالٍ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ﴾ قالَ: يَرْتَدُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ إذا أُوذِيَ في اللَّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب