الباحث القرآني

قَوْلُهُ: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ﴾ أيْ: أخْبِرُونِي ﴿إنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا﴾ السَّرْمَدُ الدّائِمُ المُسْتَمِرُّ، مِنَ السَّرْدِ، وهو (p-١١٠٩)المُتابَعَةُ فالمِيمُ زائِدَةٌ، ومِنهُ قَوْلُ طَرَفَةَ: ؎لَعَمْرُكَ ما أمْرِي عَلَيْكَ بِغُمَّةٍ نَهارِيَ ولا لَيْلِي عَلَيْكَ بِسَرْمَدِ وقِيلَ: إنَّ مِيمَهُ أصْلِيَّةٌ، ووَزْنُهُ فَعْلَلٌ لا فَعْمَلٌ، وهو الظّاهِرُ، بَيَّنَ لَهم - سُبْحانَهُ - أنَّهُ مَهَّدَ لَهم أسْبابَ المَعِيشَةِ لِيَقُومُوا بِشُكْرِ النِّعْمَةِ، فَإنَّهُ لَوْ كانَ الدَّهْرُ الَّذِي يَعِيشُونَ فِيهِ لَيْلًا دائِمًا إلى يَوْمِ القِيامَةِ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ الحَرَكَةِ فِيهِ وطَلَبِ ما لا بُدَّ لَهم مِنهُ مِمّا يَقُومُ بِهِ العَيْشُ مِنَ المَطاعِمِ والمَشارِبِ والمَلابِسِ، ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِمْ فَقالَ: ﴿مَن إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكم بِضِياءٍ﴾ أيْ: هَلْ لَكم إلَهٌ مِنَ الآلِهَةِ الَّتِي تَعْبُدُونَها يَقْدِرُ عَلى أنْ يَرْفَعَ هَذِهِ الظُّلْمَةَ الدّائِمَةَ عَنْكم بِضِياءٍ: أيْ: بِنُورٍ تَطْلُبُونَ فِيهِ المَعِيشَةَ وتُبْصِرُونَ فِيهِ ما تَحْتاجُونَ إلَيْهِ وتَصْلُحُ بِهِ ثِمارُكم وتَنْمُو عِنْدَهُ زَرائِعُكم وتَعِيشُ فِيهِ دَوابُّكم أفَلا تَسْمَعُونَ هَذا الكَلامَ سَماعَ فَهْمٍ وقَبُولٍ وتَدَبُّرٍ وتَفَكُّرٍ. ثُمَّ لَمّا فَرَغَ مِنَ الِامْتِنانِ عَلَيْهِمْ بِوُجُودِ النَّهارِ امْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِوُجُودِ اللَّيْلِ فَقالَ: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَدًا إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ أيْ: جَعَلَ جَمِيعَ الدَّهْرِ الَّذِي تَعِيشُونَ فِيهِ نَهارًا إلى يَوْمِ القِيامَةِ ﴿مَن إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾ أيْ: تَسْتَقِرُّونَ فِيهِ مِنَ النَّصَبِ والتَّعَبِ وتَسْتَرِيحُونَ مِمّا تُزاوِلُونَ مِن طَلَبِ المَعاشِ والكَسْبِ أفَلا تُبْصِرُونَ هَذِهِ المَنفَعَةَ العَظِيمَةَ إبْصارَ مُتَّعِظٍ مُتَيَقِّظٍ حَتّى تَنْزَجِرُوا عَمّا أنْتُمْ فِيهِ مِن عِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، وإذا أقَرُّوا بِأنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى ذَلِكَ إلّا اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - فَقَدْ لَزِمَتْهُمُ الحُجَّةُ وبَطَلَ ما يَتَمَسَّكُونَ بِهِ مِنَ الشُّبَهِ السّاقِطَةِ، وإنَّما قَرَنَ - سُبْحانَهُ - بِالضِّياءِ قَوْلَهُ: أفَلا تَسْمَعُونَ لِأنَّ السَّمْعَ يُدْرِكُ ما لا يُدْرِكُهُ البَصَرُ مِن دَرْكِ مَنافِعِهِ ووَصْفِ فَوائِدِهِ، وقَرَنَ بِاللَّيْلِ قَوْلَهُ: أفَلا تُبْصِرُونَ لِأنَّ البَصَرَ يُدْرِكُ ما لا يُدْرِكُهُ السَّمْعُ مِن ذَلِكَ. ﴿ومِن رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ أيْ: في اللَّيْلِ ﴿ولِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾ أيْ: في النَّهارِ بِالسَّعْيِ في المَكاسِبِ ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ أيْ: ولِكَيْ تَشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكم، وهَذِهِ الآيَةُ مِن بابِ اللَّفِّ والنَّشْرِ كَما في قَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ: ؎كَأنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا ويابِسًا ∗∗∗ لَدى وكْرِها العُنّابُ والحَشَفُ البالِي واعْلَمْ أنَّهُ وإنْ كانَ السُّكُونُ في النَّهارِ مُمْكِنًا، وطَلَبُ الرِّزْقِ في اللَّيْلِ مُمْكِنًا وذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ القَمَرِ عَلى الأرْضِ، أوْ عِنْدَ الِاسْتِضاءَةِ بِشَيْءٍ بِما لَهُ نُورٌ كالسِّراجِ، لَكِنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ نادِرٌ مُخالِفٌ لِما يَأْلَفُهُ العِبادُ فَلا اعْتِبارَ بِهِ. ﴿ويَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ كَرَّرَ - سُبْحانَهُ - هَذا لِاخْتِلافِ الحالَتَيْنِ لِأنَّهم يُنادَوْنَ مَرَّةً فَيَدْعُونَ الأصْنامَ، ويُنادَوْنَ أُخْرى فَيَسْكُتُونَ، وفي هَذا التَّكْرِيرِ أيْضًا تَقْرِيعٌ بَعْدَ تَقْرِيعٍ وتَوْبِيخٌ بَعْدَ تَوْبِيخٍ. وقَوْلُهُ: ﴿ونَزَعْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ عَطْفٌ عَلى يُنادِي، وجاءَ بِصِيغَةِ الماضِي لِلدَّلالَةِ عَلى التَّحَقُّقِ، والمَعْنى: وأخْرَجْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ شَهِيدًا يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ. قالَ مُجاهِدٌ: هُمُ الأنْبِياءُ، وقِيلَ: عُدُولُ كُلِّ أُمَّةٍ، والأوَّلُ أوْلى. ومِثْلُهُ قَوْلُهُ - سُبْحانَهُ -: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١] ثُمَّ بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - ما يَقُولُهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ مِن هَذِهِ الأُمَمِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ﴾ أيْ: حُجَّتَكم ودَلِيلَكم بِأنَّ مَعِي شُرَكاءَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ اعْتَرَفُوا وخَرِسُوا عَنْ إقامَةِ البُرْهانِ، ولِذا قالَ: ﴿فَعَلِمُوا أنَّ الحَقَّ لِلَّهِ﴾ في الإلَهِيَّةِ وأنَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ﴿وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أيْ: غابَ عَنْهم وبَطَلَ وذَهَبَ ما كانُوا يَخْتَلِقُونَهُ مِنَ الكَذِبِ في الدُّنْيا بِأنَّ لِلَّهِ شُرَكاءَ يَسْتَحِقُّونَ العِبادَةَ. ثُمَّ عَقَّبَ - سُبْحانَهُ - حَدِيثَ أهْلِ الضَّلالِ بِقِصَّةِ قارُونَ لِما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِن بَدِيعِ القُدْرَةِ وعَجِيبِ الصُّنْعِ فَقالَ: ﴿إنَّ قارُونَ كانَ مِن قَوْمِ مُوسى﴾ قارُونُ عَلى وزْنِ فاعُولِ اسْمٌ أعْجَمِيٌّ مُمْتَنِعٌ لِلْعُجْمَةِ والعَلَمِيَّةِ، ولَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مُشْتَقٍّ مِن قَرَنْتُ. قالَ الزَّجّاجُ: لَوْ كانَ قارُونُ مِن قَرَنْتُ الشَّيْءَ لانْصَرَفَ. قالَ النَّخَعِيُّ، وقَتادَةُ وغَيْرُهُما: كانَ ابْنُ عَمِّ مُوسى وهو قارُونُ بْنُ يَصْهَرَ بْنِ قاهِثَ بْنِ لاوِي بْنِ يَعْقُوبَ ومُوسى هو ابْنُ عِمْرانَ بْنِ قاهِثَ. وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: كانَ عَمَّ مُوسى لِأبٍ وأُمٍّ فَجَعَلَهُ أخًا لِعِمْرانَ، وهُما ابْنا قاهِثَ. وقِيلَ: هو ابْنُ خالَةِ مُوسى، ولَمْ يَكُنْ في بَنِي إسْرائِيلَ أقْرَأُ لِلتَّوْراةِ مِنهُ، فَنافَقَ كَما نافَقَ السّامِرِيُّ وخَرَجَ عَنْ طاعَةِ مُوسى، وهو مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَبَغى عَلَيْهِمْ﴾ أيْ: جاوَزَ الحَدَّ في التَّجَبُّرِ والتَّكَبُّرِ عَلَيْهِمْ وخَرَجَ عَلَيْهِمْ وخَرَجَ عَنْ طاعَةِ مُوسى وكَفَرَ بِاللَّهِ. قالَ الضَّحّاكُ: بَغْيُهُ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ اسْتِخْفافُهُ بِهِمْ لِكَثْرَةِ مالِهِ ووَلَدِهِ. وقالَ قَتادَةُ: بَغْيُهُ بِنِسْبَتِهِ ما آتاهُ اللَّهُ مِنَ المالِ إلى نَفْسِهِ لِعِلْمِهِ وحِيلَتِهِ. وقِيلَ: كانَ عامِلًا لِفِرْعَوْنَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ فَتَعَدّى عَلَيْهِمْ وظَلَمَهم، وقِيلَ: كانَ بَغْيُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لا يُناسِبُ مَعْنى الآيَةِ ﴿وآتَيْناهُ مِنَ الكُنُوزِ﴾ جَمْعُ كَنْزٍ وهو المالُ المُدَّخَرُ. قالَ عَطاءٌ: أصابَ كَنْزًا مِن كُنُوزِ يُوسُفَ، وقِيلَ: كانَ يَعْمَلُ الكِيمْياءَ، و" ما " في قَوْلِهِ ﴿ما إنَّ مَفاتِحَهُ﴾ مَوْصُولَةٌ صِلَتُها إنَّ وما في حَيِّزِها، ولِهَذا كُسِرَتْ. ونَقَلَ الأخْفَشُ الصَّغِيرُ عَنِ الكُوفِيِّينَ مَنعَ جَعْلِ المَكْسُورَةِ وما في حَيِّزِها صِلَةَ الَّذِي، واسْتَقْبَحَ ذَلِكَ مِنهم لِوُرُودِهِ في الكِتابِ العَزِيزِ في هَذا المَوْضِعِ، والمَفاتِحُ جَمْعُ مِفْتَحٍ بِالكَسْرِ وهو ما يُفْتَحُ بِهِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالمَفاتِحِ: الخَزائِنُ، فَيَكُونُ واحِدُها مَفْتَحَ بِفَتْحِ المِيمِ. قالَ الواحِدِيُّ: إنَّ المَفاتِحَ الخَزائِنُ في قَوْلِ أكْثَرِ المُفَسِّرِينَ كَقَوْلِهِ: ﴿وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٥٩] قالَ: وهو اخْتِيارُ الزَّجّاجِ فَإنَّهُ قالَ: الأشْبَهُ في التَّفْسِيرِ أنَّ مَفاتِحَهُ خَزائِنُ مالِهِ. وقالَ آخَرُونَ: هي جَمْعُ مِفْتاحٍ، وهو ما يُفْتَحُ بِهِ البابُ، وهَذا قَوْلُ قَتادَةَ ومُجاهِدٌ.﴿لَتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ أُولِي القُوَّةِ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ خَبَرُ إنَّ، وهي واسْمُها وخَبَرُها صِلَةُ ما المَوْصُولَةُ، يُقالُ: ناءَ بِحِمْلِهِ: إذا نَهَضَ بِهِ مُثْقَلًا، ويُقالُ: ناءَ بِي الحِمْلُ: إذا أثْقَلَنِي، والمَعْنى: يُثْقِلُهم حَمْلُ المَفاتِحِ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هَذا مِنَ المَقْلُوبِ، والمَعْنى: لَتَنُوءُ بِها العُصْبَةُ أيْ: تَنْهَضُ بِها. قالَ أبُو زَيْدٍ: نُؤْتُ بِالحِمْلِ: إذا نَهَضْتَ بِهِ. قالَ الشّاعِرُ: ؎إنّا وجَدْنا خَلَفًا بِئْسَ الخَلَفْ ∗∗∗ عَبْدًا إذا ما ناءَ بِالحِمْلِ وقَفْ وقالَ الفَرّاءُ: مَعْنى تَنُوءُ بِالعُصْبَةِ: تُمِيلُهم بِثِقْلِها كَما يُقالُ: (p-١١١٠)يَذْهَبُ بِالبُؤْسِ ويَذْهَبُ البُؤْسُ وذَهَبْتُ بِهِ وأذْهَبْتُهُ وجِئْتُ بِهِ وأجَأتْهُ ونُؤْتُ بِهِ وأنَأْتُهُ، واخْتارَ هَذا النَّحاسُ، وبِهِ قالَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ. وقِيلَ: هو مَأْخُوذٌ مِنَ النَّأْيِ، وهو البُعْدُ وهو بَعِيدٌ. وقَرَأ بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ " لِيَنُوءَ " بِالياءِ أيْ: لِيَنُوءَ الواحِدُ مِنها أوِ المَذْكُورُ، فَحُمِلَ عَلى المَعْنى والمُرادُ بِالعُصْبَةِ الجَماعَةُ الَّتِي يَتَعَصَّبُ بَعْضُها لِبَعْضٍ. قِيلَ: هي مِنَ الثَّلاثَةِ إلى العَشْرَةِ، وقِيلَ: مِنَ العَشْرَةِ إلى الخَمْسَةَ عَشَرَ، وقِيلَ: ما بَيْنَ العَشْرَةِ إلى العِشْرِينَ، وقِيلَ: مِنَ الخَمْسَةِ إلى العَشْرَةِ، وقِيلَ: أرْبَعُونَ، وقِيلَ: سَبْعُونَ، وقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. ﴿إذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ﴾ الظَّرْفُ مَنصُوبٌ بِتَنُوءُ، وقِيلَ: بِآتَيْناهُ، وقِيلَ: بِبَغى. ورَدَّهُما أبُو حَيّانَ بِأنَّ الإيتاءَ والبَغْيَ لَمْ يَكُونا ذَلِكَ الوَقْتِ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هو مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وهو اذْكُرْ، والمُرادُ بِقَوْمِهِ هُنا: هُمُ المُؤْمِنُونَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ. وقالَ الفَرّاءُ: هو مُوسى وهو جَمْعٌ أُرِيدَ بِهِ الواحِدُ، ومَعْنى لا تَفْرَحْ: لا تَبْطَرْ ولا تَأْشَرْ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ﴾ البَطِرِينَ الأشِرِينَ الَّذِينَ لا يَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلى ما أعْطاهم. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى لا تَفْرَحْ بِالمالِ، فَإنَّ الفَرِحَ بِالمالِ لا يُؤَدِّي حَقَّهُ، وقِيلَ: المَعْنى: لا تُفْسِدْ كَقَوْلِ الشّاعِرِ: ؎إذا أنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تُؤَدِّي أمانَةً ∗∗∗ وتَحْمِلُ أُخْرى أفْرَحَتْكَ الوَدائِعُ أيْ: أفْسَدَتْكَ. قالَ الزَّجّاجُ: الفَرِحِينَ والفارِحِينَ سَواءٌ. وقالَ الفَرّاءُ: مَعْنى الفَرِحِينَ الَّذِينَ هم في حالِ الفَرَحِ، والفارِحِينَ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ في المُسْتَقْبَلِ. وقالَ مُجاهِدٌ: مَعْنى لا تَفْرَحْ لا تَبْغِ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ﴾ الباغِينَ. وقِيلَ: مَعْناهُ: لا تَبْخَلْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الباخِلِينَ. ﴿وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ﴾ أيْ: واطْلُبْ فِيما أعْطاكَ اللَّهُ مِنَ الأمْوالِ الدّارَ الآخِرَةَ فَأنْفِقْهُ فِيما يَرْضاهُ اللَّهُ لا في التَّجَبُّرِ والبَغْيِ. وقُرِئَ " واتَّبِعْ " . ﴿ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ قالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ: وهو أنْ يَعْمَلَ في دُنْياهُ لِآخِرَتِهِ، ونَصِيبُ الإنْسانِ عُمْرُهُ وعَمَلُهُ الصّالِحُ. قالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُ لا تَنْسَ أنْ تَعْمَلَ لِآخِرَتِكَ، لِأنَّ حَقِيقَةَ نَصِيبِ الإنْسانِ مِنَ الدُّنْيا الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ لِآخِرَتِهِ. وقالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ: مَعْناهُ لا تُضِّيعْ حَظَّكَ مِن دُنْياكَ في تَمَتُّعِكَ بِالحَلالِ وطَلَبِكَ إيّاهُ، وهَذا ألْصَقُ بِمَعْنى النَّظْمِ القُرْآنِيِّ ﴿وأحْسِنْ كَما أحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ﴾ أيْ: أحْسِنْ إلى عِبادِ اللَّهِ كَما أحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ بِما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْكَ مِن نِعَمِ الدُّنْيا، وقِيلَ: أطِعِ اللَّهَ واعْبُدْهُ كَما أنْعَمَ عَلَيْكَ، ويُؤَيِّدُهُ ما ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما «أنَّ جِبْرِيلَ سَألَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَنِ الإحْسانِ فَقالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فَإنَّهُ يَراكَ» . ﴿ولا تَبْغِ الفَسادَ في الأرْضِ﴾ أيْ: لا تَعْمَلْ فِيها بِمَعاصِي اللَّهِ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ﴾ في الأرْضِ. ﴿قالَ إنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ قالَ قارُونُ: هَذِهِ المَقالَةُ رَدًّا عَلى مَن نَصَحَهُ بِما تَقَدَّمَ: أيْ: إنَّما أُعْطِيتُ ما أُعْطِيتُ مِنَ المالِ لِأجْلِ عِلْمِي، فَقَوْلُهُ عَلى عِلْمٍ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، وعِنْدِي إمّا ظَرْفٌ لِأُوتِيتُهُ، وإمّا صِلَةٌ لِلْعِلْمِ، وهَذا العِلْمُ الَّذِي جَعَلَهُ سَبَبًا لِما نالَهُ مِنَ الدُّنْيا. قِيلَ: هو عِلْمُ التَّوْراةِ، وقِيلَ: عِلْمُهُ بِوُجُوهِ المَكاسِبِ والتِّجاراتِ، وقِيلَ: مَعْرِفَةُ الكُنُوزِ والدَّفائِنِ، وقِيلَ: عِلْمُ الكِيمْياءِ، وقِيلَ: المَعْنى: إنَّ اللَّهَ آتانِي هَذِهِ الكُنُوزَ عَلى عِلْمٍ مِنهُ بِاسْتِحْقاقِي إيّاها لِفَضْلِ عِلْمِهِ مِنِّي. واخْتارَ هَذا الزَّجّاجُ وأنْكَرَ ما عَداهُ. ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ هَذا فَقالَ: ﴿أوَلَمْ يَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ قَدْ أهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَن هو أشَدُّ مِنهُ قُوَّةً وأكْثَرُ جَمْعًا﴾ المُرادُ بِالقُرُونِ الأُمَمُ الخالِيَةُ، ومَعْنى أكْثَرُ جَمْعًا: أكْثَرُ مِنهُ جَمْعًا لِلْمالِ، ولَوْ كانَ المالُ أوِ القُوَّةُ يَدُلّانِ عَلى فَضِيلَةٍ لَما أهْلَكَهُمُ اللَّهُ. وقِيلَ: القُوَّةُ الآلاتُ، والجَمْعُ الأعْوانُ. وهَذا الكَلامُ خارِجٌ مَخْرَجَ التَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ لِقارُونَ، لِأنَّهُ قَدْ قَرَأ التَّوْراةَ، وعَلِمَ عِلْمَ القُرُونِ الأُولى وإهْلاكَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - لَهم ﴿ولا يُسْألُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ﴾ أيْ: لا يُسْألُونَ سُؤالَ اسْتِعْتابٍ كَما في قَوْلِهِ: ﴿ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [ النَّحْلِ: ٨٤، الرُّومِ: ٥٧ ] ﴿فَما هم مِنَ المُعْتَبِينَ﴾ [فصلت: ٢٤] وإنَّما يُسْألُونَ سُؤالَ تَقْرِيعٍ وتَوْبِيخٍ كَما في قَوْلِهِ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٩٢] وقالَ مُجاهِدٌ: لا تَسْألُ المَلائِكَةُ غَدًا عَنِ المُجْرِمِينَ لِأنَّهم يُعْرَفُونَ بِسِيماهم، فَإنَّهم يُحْشَرُونَ سُودَ الوُجُوهِ زُرْقَ العُيُونِ. وقالَ قَتادَةُ: لا يُسْألُ المُجْرِمُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ لِظُهُورِها وكَثْرَتِها، بَلْ يَدْخُلُونَ النّارَ. وقِيلَ: لا يُسْألُ مُجْرِمُو هَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ ذُنُوبِ الأُمَمِ الخالِيَةِ. ﴿فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ في زِينَتِهِ﴾ الفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى " قالَ " وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ، و﴿فِي زِينَتِهِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِخَرَجَ، أوْ بِمَحْذُوفٍ، هو حالٌ مِن فاعِلِ خَرَجَ. وقَدْ ذَكَرَ المُفَسِّرُونَ في هَذِهِ الزِّينَةِ الَّتِي خَرَجَ فِيها رِواياتٍ مُخْتَلِفَةً، والمُرادُ أنَّهُ خَرَجَ في زِينَةٍ انْبَهَرَ لَها مَن رَآها، ولِهَذا تَمَنّى النّاظِرُونَ إلَيْهِ أنْ يَكُونَ لَهم مِثْلُها كَما حَكى اللَّهُ عَنْهم بِقَوْلِهِ: ﴿قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ وزِينَتَها ﴿يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أيْ: نَصِيبٍ وافِرٍ مِنَ الدُّنْيا. واخْتُلِفَ في هَؤُلاءِ القائِلِينَ بِهَذِهِ المَقالَةِ، فَقِيلَ: هم مِن مُؤْمِنِي ذَلِكَ الوَقْتِ، وقِيلَ: هم قَوْمٌ مِنَ الكُفّارِ. ﴿وقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾ وهم أحْبارُ بَنِي إسْرائِيلَ قالُوا لِلَّذِينَ تَمَنَّوْا ﴿ويْلَكم ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ أيْ: ثَوابُ اللَّهِ في الآخِرَةِ خَيْرٌ مِمّا تَمَنَّوْنَهُ ﴿لِمَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا﴾ فَلا تَمَنَّوْا عَرَضَ الدُّنْيا الزّائِلَ الَّذِي لا يَدُومُ ﴿ولا يُلَقّاها﴾ أيْ: هَذِهِ الكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِها الأحْبارُ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ يَعُودُ إلى الأعْمالِ الصّالِحَةِ، وقِيلَ: إلى الجَنَّةِ ﴿إلّا الصّابِرُونَ﴾ عَلى طاعَةِ اللَّهِ والمُصَبِّرُونَ أنْفُسَهم عَنِ الشَّهَواتِ. ﴿فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الأرْضَ﴾ يُقالُ: خَسَفَ المَكانُ يَخْسِفُ خُسُوفًا: ذَهَبَ في الأرْضِ، وخَسَفَ بِهِ الأرْضَ خَسَفًا أيْ: غابَ فِيها، والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ - سُبْحانَهُ - غَيَّبَهُ وغَيَّبَ دارَهُ في الأرْضِ ﴿فَما كانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أيْ: ما كانَ لَهُ جَماعَةٌ يَدْفَعُونَ ذَلِكَ عَنْهُ وما كانَ هو في نَفْسِهِ ﴿مِنَ المُنْتَصِرِينَ﴾ مِنَ المُمْتَنِعِينَ مِمّا نَزَلَ بِهِ مِنَ الخَسْفِ. ﴿وأصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالأمْسِ﴾ أيْ: مُنْذُ زَمانٍ قَرِيبٍ ﴿يَقُولُونَ ويْكَأنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ ويَقْدِرُ﴾ أيْ: يَقُولُ كُلُّ واحِدٍ مِنهم مُتَنَدِّمًا عَلى ما (p-١١١١)فَرَطَ مِنهُ مِنَ التَّمَنِّي. قالَ النَّحاسُ: أحْسَنُ ما قِيلَ: في هَذا ما قالَهُ الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ ويُونُسُ والكِسائِيُّ أنَّ القَوْمَ تَنَبَّهُوا فَقالُوا: ويْ. والمُتَنَدِّمُ مِنَ العَرَبِ يَقُولُ في خِلالِ نَدَمِهِ ويْ. قالَ الجَوْهَرِيُّ: ويْ كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ، ويُقالُ: ويْكَ، وقَدْ تَدْخُلُ ويْ عَلى " كَأنْ " المُخَفَّفَةِ والمُشَدَّدَةِ ويْكَأنَّ اللَّهَ. قالَ الخَلِيلُ: هي مَفْصُولَةٌ تَقُولُ ويْ، ثُمَّ تَبْتَدِئُ فَيَقُولُ كَأنَّ. وقالَ الفَرّاءُ: هي كَلِمَةُ تَقْرِيرٍ كَقَوْلِكَ: أما تَرى صُنْعَ اللَّهِ وإحْسانَهُ، وقِيلَ: هي كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ بِمَنزِلَةِ ألا. وقالَ قُطْرُبٌ: إنَّما وهو ويْلُكَ فَأُسْقِطَتْ لامُهُ، ومِنهُ قَوْلٌ عَنْتَرَةَ: ؎ولَقَدْ شَفا نَفْسِي وأبْرَأ سُقْمَها ∗∗∗ قَوْلُ الفَوارِسِ ويْكَ عَنْتَرُ أقْدِمِ وقالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: مَعْنى ﴿ويْكَأنَّ اللَّهَ﴾: أعْلَمُ أنَّ اللَّهَ. وقالَ القُتَيْبِيُّ: مَعْناها بِلُغَةِ حِمْيَرَ رَحْمَةٌ، وقِيلَ: هي بِمَعْنى ألَمْ تَرَ. ورُوِيَ عَنِ الكِسائِيِّ أنَّهُ قالَ: هي كَلِمَةُ تَفَجُّعٍ ﴿لَوْلا أنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا﴾ بِرَحْمَتِهِ وعَصَمَنا مِن مِثْلِ ما كانَ عَلَيْهِ قارُونُ مِنَ البَطَرِ والبَغْيِ ولَمْ يُؤاخِذْنا بِما وقَعَ مِنّا مِن ذَلِكَ التَّمَنِّي و﴿لَخَسَفَ بِنا﴾ كَما خَسَفَ بِهِ. قَرَأ حَفْصٌ " لَخَسَفَ " مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وقَرَأ الباقُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ﴿ويْكَأنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ﴾ أيْ: لا يَفُوزُونَ بِمَطْلَبٍ مِن مَطالِبِهِمْ. ﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ﴾ أيِ: الجَنَّةُ، والإشارَةُ إلَيْها لِقَصْدِ التَّعْظِيمِ لَها والتَّفْخِيمِ لِشَأْنِها كَأنَّهُ قالَ: تِلْكَ الَّتِي سَمِعْتَ بِخَبَرِها وبَلَغَكَ شَأْنُها ﴿نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرْضِ﴾ أيْ: رِفْعَةً وتَكَبُّرًا عَلى المُؤْمِنِينَ ﴿ولا فَسادًا﴾ أيْ: عَمَلًا بِمَعاصِي اللَّهِ - سُبْحانَهُ - فِيها، وذِكْرُ العُلُوِّ والفَسادِ مُنْكَرَيْنِ في حَيِّزِ النَّفْيِ يَدُلُّ عَلى شُمُولِهِما لِكُلِّ ما يُطْلَقُ عَلَيْهِ أنَّهُ عُلُوٌّ وأنَّهُ فَسادٌ مِن غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِنَوْعٍ خاصٍّ، أمّا الفَسادُ فَظاهِرٌ أنَّهُ لا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنهُ كائِنًا ما كانَ، وأمّا العُلُوُّ فالمَمْنُوعُ مِنهُ ما كانَ عَلى طَرِيقِ التَّكَبُّرِ عَلى الغَيْرِ والتَّطاوُلِ عَلى النّاسِ، ولَيْسَ مِنهُ طَلَبُ العُلُوِّ في الحَقِّ والرِّئاسَةِ في الدِّينِ ولا مَحَبَّةُ اللِّباسِ الحَسَنِ والمَرْكُوبِ الحَسَنِ والمَنزِلِ الحَسَنِ. ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنها﴾ وهو أنَّ اللَّهَ يُجازِيهِ بِعَشْرِ أمْثالِها إلى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ ﴿ومَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إلّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أيْ: إلّا مِثْلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَحُذِفَ المُضافُ وأُقِيمَ المُضافُ إلَيْهِ مَقامَهُ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ في سُورَةِ النَّمْلِ. ﴿إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ أيْ: أنْزَلَ عَلَيْكَ القُرْآنَ. وقالَ الزَّجّاجُ: فَرَضَ عَلَيْكَ العَمَلَ بِما يُوجِبُهُ القُرْآنُ، وتَقْدِيرُ الكَلامِ: فَرَضَ عَلَيْكَ أحْكامَ القُرْآنِ وفَرائِضَهُ ﴿لَرادُّكَ إلى مَعادٍ﴾ قالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ أيْ: إلى مَكَّةَ. وقالَ مُجاهِدٌ وعِكْرِمَةُ والزَّهْرِيُّ، والحَسَنُ: إنَّ المَعْنى: لَرادُّكَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ وهو اخْتِيارُ الزَّجّاجِ، يُقالُ: بَيْنِي وبَيْنَكَ المَعادُ أيْ: يَوْمَ القِيامَةِ، لِأنَّ النّاسَ يَعُودُونَ فِيهِ أحْياءً. وقالَ أبُو مالِكٍ وأبُو صالِحٍ: لَرادُّكَ إلى مَعادٍ إلى الجَنَّةِ. وبِهِ قالَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، ورُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ.وقِيلَ: ﴿إلى مَعادٍ﴾ إلى المَوْتِ ﴿قُلْ رَبِّي أعْلَمُ مَن جاءَ بِالهُدى ومَن هو في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ هَذا جَوابٌ لِكُفّارِ مَكَّةَ لَمّا قالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - إنَّكَ في ضَلالٍ، والمُرادُ مَن جاءَ بِالهُدى هو النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، ومَن هو في ضَلالٍ مُبِينٍ المُشْرِكُونَ: والأوْلى حَمْلُ الآيَةِ عَلى العُمُومِ، وأنَّ اللَّهَ - سُبْحانَهُ - يَعْلَمُ حالَ كُلِّ طائِفَةٍ مِن هاتَيْنِ الطّائِفَتَيْنِ ويُجازِيها بِما تَسْتَحِقُّهُ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ. ﴿وما كُنْتَ تَرْجُو أنْ يُلْقى إلَيْكَ الكِتابُ﴾ أيْ: ما كُنْتَ تَرْجُو أنّا نُرْسِلُكَ إلى العِبادِ ونُنَزِّلُ عَلَيْكَ القُرْآنَ. وقِيلَ: ما كُنْتَ تَرْجُو أنْ يُلْقى إلَيْكَ الكِتابُ بِرَدِّكَ إلى مَعادِكَ، والِاسْتِثْناءُ في قَوْلِهِ: ﴿إلّا رَحْمَةً مِن رَبِّكَ﴾ مُنْقَطِعٌ أيْ: لَكِنْ إلْقاؤُهُ عَلَيْكَ رَحْمَةٌ مِن رَبِّكَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا حَمْلًا عَلى المَعْنى، كَأنَّهُ قِيلَ: وما أُلْقِيَ إلَيْكَ الكِتابُ إلّا لِأجْلِ الرَّحْمَةِ مِن رَبِّكَ. والأوَّلُ أوْلى وبِهِ جَزَمَ الكِسائِيُّ والفَرّاءُ ﴿فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكافِرِينَ﴾ أيْ: عَوْنًا لَهم، وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِغَيْرِهِ مِنَ الأُمَّةِ، وقِيلَ: المُرادُ لا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لَهم بِمُداراتِهِمْ. ﴿ولا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إذْ أُنْزِلَتْ إلَيْكَ﴾ أيْ: لا يَصُدُّنَّكَ يا مُحَمَّدُ الكافِرُونَ وأقْوالُهم وكَذِبُهم وأذاهم عَنْ تِلاوَةِ آياتِ اللَّهِ والعَمَلِ بِها بَعْدَ إذْ أنْزَلَها اللَّهُ إلَيْكَ وفُرِضَتْ عَلَيْكَ. قَرَأ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ الياءِ، وضَمِّ الصّادِ مِن صَدَّهُ، يَصُدُّهُ وقَرَأ عاصِمٌ بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الصّادِ، مِن أصَدَّهُ بِمَعْنى صَدَّهَ ﴿وادْعُ إلى رَبِّكَ﴾ أيِ: ادْعُ النّاسَ إلى اللَّهِ وإلى تَوْحِيدِهِ، والعَمَلِ بِفَرائِضِهِ واجْتِنابِ مَعاصِيهِ ﴿ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِغَيْرِهِ كَما تَقَدَّمَ، لِأنَّهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - لا يَكُونُ مِنَ المُشْرِكِينَ بِحالٍ مِنَ الأحْوالِ. وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ولا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ فَإنَّهُ تَعْرِيضٌ لِغَيْرِهِ. ثُمَّ وحَّدَ - سُبْحانَهُ - نَفْسَهُ ووَصَفَها بِالبَقاءِ والدَّوامِ فَقالَ: ﴿لا إلَهَ إلّا هو كُلُّ شَيْءٍ﴾ مِنَ الأشْياءِ كائِنًا ما كانَ ﴿هالِكٌ إلّا وجْهَهُ﴾ أيْ: إلّا ذاتَهُ. قالَ الزَّجّاجُ: وجْهَهُ مَنصُوبٌ عَلى الِاسْتِثْناءِ، ولَوْ كانَ في غَيْرِ القُرْآنِ كانَ مَرْفُوعًا بِمَعْنى كُلُّ شَيْءٍ غَيْرَ وجْهِهِ هالِكٌ، كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎وكُلُّ أخٍ مُفارِقُهُ أخُوهُ ∗∗∗ لَعَمْرُ أبِيكَ إلّا الفَرْقَدانِ والمَعْنى كُلُّ أخٍ غَيْرُ الفَرْقَدَيْنِ مُفارِقُهُ أخُوهُ، لَهُ الحُكْمُ أيِ: القَضاءُ النّافِذُ يَقْضِي بِما شاءَ ويَحْكُمُ بِما أرادَ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ عِنْدَ البَعْثِ لِيَجْزِيَ المُحْسِنَ بِإحْسانِهِ والمُسِيءَ بِإساءَتِهِ، لا إلَهَ غَيْرُهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - . وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿سَرْمَدًا﴾ قالَ: دائِمًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ ﴿وضَلَّ عَنْهُمْ﴾ يَوْمَ القِيامَةِ ﴿ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ قالَ: يَكْذِبُونَ في الدُّنْيا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في المُصَنَّفِ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا ﴿إنَّ قارُونَ كانَ مِن قَوْمِ مُوسى﴾ قالَ: كانَ ابْنُ عَمِّهِ وكانَ يَتَّبِعُ العِلْمَ حَتّى جَمَعَ عِلْمًا فَلَمْ يَزَلْ في أمْرِهِ ذَلِكَ حَتّى بَغى عَلى مُوسى وحَسَدَهُ فَقالَ لَهُ مُوسى إنَّ اللَّهَ أمَرَنِي أنْ آخُذَ الزَّكاةَ، فَأبى فَقالَ إنَّ مُوسى يُرِيدُ أنْ يَأْكُلَ أمْوالَكم (p-١١١٢)جاءَكم بِالصَّلاةِ وجاءَكم بِأشْياءَ فاحْتَمَلْتُمُوها فَتَحْتَمِلُونَ أنْ تُعْطُوهُ أمْوالَكم ؟ فَقالُوا لا نَحْتَمِلُ فَما تَرى ؟ فَقالَ لَهم: أرى أنْ أُرْسِلَ إلى بَغِيٍّ مِن بَغايا بَنِي إسْرائِيلَ فَنُرْسِلُها إلَيْهِ فَتَرْمِيهِ بِأنَّهُ أرادَها عَلى نَفْسِها، فَأرْسَلُوا إلَيْها فَقالُوا لَها: نُعْطِيكِ حُكْمَكِ عَلى أنْ تَشْهَدِي عَلى مُوسى أنَّهُ فَجَرَ بِكِ، قالَتْ: نَعَمْ، فَجاءَ قارُونُ إلى مُوسى فَقالَ: اجْمَعْ بَنِي إسْرائِيلَ فَأخْبِرْهم بِما أمَرَكَ رَبُّكَ، قالَ: نَعَمْ، فَجَمَعَهم فَقالُوا لَهُ: ما أمَرَكَ رَبُّكَ ؟ قالَ: أمَرَنِي أنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وأنْ تَصِلُوا الرَّحِمَ كَذا وكَذا، وأمَرَنِي إذا زَنا وقَدْ أُحْصِنَ أنْ يُرْجَمَ، قالُوا: وإنْ كُنْتَ أنْتَ، قالَ: نَعَمْ، قالُوا: فَإنَّكَ قَدْ زَنَيْتَ. قالَ أنا ؟ فَأرْسَلُوا لِلْمَرْأةِ فَجاءَتْ، فَقالُوا: ما تَشْهَدِينَ عَلى مُوسى ؟ فَقالَ لَها مُوسى: أنْشُدُكِ بِاللَّهِ إلّا ما صَدَقْتِ. قالَتْ: أمّا إذا نَشَدَتَّنِي بِاللَّهِ فَإنَّهم دَعَوْنِي وجَعَلُوا لِي جُعْلًا عَلى أنْ أقْذِفَكَ بِنَفْسِي وأنا أشْهَدُ أنَّكَ بَرِئٌ وأنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَخَرَّ مُوسى ساجِدًا يَبْكِي، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ ما يُبْكِيكَ ؟ قَدْ سَلَّطْناكَ عَلى الأرْضِ فَمُرْها فَتُطِيعُكَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ خُذِيهِمْ، فَأخَذَتْهم إلى أعْقابِهِمْ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يا مُوسى يا مُوسى، فَقالَ: خُذِيهِمْ، فَأخَذَتْهم إلى رَكْبِهِمْ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يا مُوسى يا مُوسى، فَقالَ: خُذِيهِمْ فَأخَذَتْهم إلى أعْناقِهِمْ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ يا مُوسى يا مُوسى، فَقالَ خُذِيهِمْ، فَأخَذَتْهم فَغَشِيَتْهم، فَأوْحى اللَّهُ يا مُوسى: سَألَكَ عِبادِي وتَضَرَّعُوا إلَيْكَ فَلَمْ تُجِبْهم وعِزَّتِي لَوْ أنَّهم دَعَوْنِي لَأجَبْتُهم. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الأرْضَ﴾ خُسِفَ بِهِ إلى الأرْضِ السُّفْلى. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ قالَ: كانَتْ مَفاتِيحُ كُنُوزِ قارُونَ مِن جُلُودٍ، كُلُّ مِفْتاحٍ مِثْلُ الإصْبَعِ، كُلُّ مِفْتاحٍ عَلى خِزانَةٍ عَلى حِدَةٍ، فَإذا رَكِبَ حُمِلَتِ المَفاتِيحُ عَلى سَبْعِينَ بَغْلًا أغَرَّ مُحَجَّلًا. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْهُ قالَ: وجَدْتُ في الإنْجِيلِ أنَّ بِغالَ مَفاتِيحِ خَزائِنِ قارُونَ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ لا يَزِيدُ مِفْتاحٌ مِنها عَلى إصْبَعٍ لِكُلِّ مِفْتاحٍ كَنْزٌ. قُلْتُ: لَمْ أجِدْ في الإنْجِيلِ هَذا الَّذِي ذَكَرَهُ خَيْثَمَةُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿لَتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ﴾ قالَ: تُثْقِلُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ قالَ: لا يَرْفَعُها العُصْبَةُ مِنَ الرِّجالِ أُولُو القُوَّةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: العُصْبَةُ أرْبَعُونَ رَجُلًا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ﴾ قالَ المَرِحِينَ، وفي قَوْلِهِ: ﴿ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ قالَ: أنْ تَعْمَلَ فِيها لِآخِرَتِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أوْسِ بْنِ أوْسٍ الثَّقَفِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - في قَوْلِهِ: ﴿فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ في زِينَتِهِ﴾ «فِي أرْبَعَةِ آلافِ بَغْلٍ» . وقَدْ رُوِيَ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ التّابِعِينَ أقْوالٌ في بَيانِ ما خَرَجَ بِهِ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الزِّينَةِ ولا يَصِحُّ مِنها شَيْءٌ مَرْفُوعًا، بَلْ هي مِن أخْبارِ أهْلِ الكِتابِ كَما عَرَّفْناكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، ولا أدْرِي كَيْفَ إسْنادُ هَذا الحَدِيثِ الَّذِي رَفَعَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فَمَن ظَفَرَ بِكِتابِهِ فَلْيَنْظُرْ فِيهِ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الأرْضَ﴾ قالَ: خَسَفَ بِهِ إلى الأرْضِ السُّفْلى. وأخْرَجَ المَحامِلِيُّ والدَّيْلَمِيُّ في مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - في قَوْلِهِ: ﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرْضِ ولا فَسادًا﴾ قالَ: «التَّجَبُّرُ في الأرْضِ والأخْذُ بِغَيْرِ الحَقِّ» . ورُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ وابْنِ جُرَيْجٍ وعِكْرِمَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرْضِ﴾ قالَ: بَغْيًا في الأرْضِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ قالَ: هو الشَّرَفُ والعُلُوُّ عِنْدَ ذَوِي سُلْطانِهِمْ. وأقُولُ: إنْ كانَ ذَلِكَ لِلتَّقَوِّي بِهِ عَلى الحَقِّ، فَهو مِن خِصالِ الخَيْرِ لا مِن خِصالِ الشَّرِّ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: إنَّ الرَّجُلَ لَيُحِبُّ أنْ يَكُونَ شِسْعُ نَعْلِهِ أفْضَلَ مِن شِسْعِ نَعْلِ صاحِبِهِ، فَيَدْخُلَ في هَذِهِ الآيَةِ ﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرْضِ ولا فَسادًا﴾ قالَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوايَةِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهَذا مَحْمُولٌ عَلى مَن أحَبَّ ذَلِكَ لا لِمُجَرَّدِ التَّجَمُّلِ، فَهَذا لا بَأْسَ بِهِ، فَقَدْ ثَبَتَ «أنَّ رَجُلًا قالَ يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا ونَعْلِي حَسَنَةً، أفَمِنَ الكِبْرِ ذَلِكَ ؟ قالَ: لا، إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ أنَّهُ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ يَعْنِي ﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ﴾ إلَخْ في أهْلِ العَدْلِ والتَّواضُعِ مِنَ الوُلاةِ وأهْلِ القُدْرَةِ مِن سائِرِ النّاسِ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ قالَ: «لَمّا دَخَلَ عَلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ألْقى إلَيْهِ وِسادَةً، فَجَلَسَ عَلى الأرْضِ فَقالَ: أشْهَدُ أنَّكَ لا تَبْغِي عُلُوًّا في الأرْضِ ولا فَسادًا فَأسْلَمَ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ. وأخْرَجَ أيْضًا ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ أنَّ قَوْلَهُ - تَعالى -: ﴿إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ﴾ الآيَةَ، «أُنْزِلَتْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِالجُحْفَةِ حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مُهاجِرًا إلى المَدِينَةِ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿لَرادُّكَ إلى مَعادٍ﴾ قالَ: إلى مَكَّةَ، زادَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ كَما أخْرَجَكَ مِنها. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ﴿لَرادُّكَ إلى مَعادٍ﴾ قالَ: الآخِرَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ والبُخارِيُّ في تارِيخِهِ وأبُو يَعْلى، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿لَرادُّكَ إلى مَعادٍ﴾ قالَ: مَعادُهُ الجَنَّةُ، وفي لَفْظٍ مَعادُهُ آخِرَتُهُ. وأخْرَجَ الحاكِمُ في التّارِيخِ والدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: ﴿لَرادُّكَ إلى مَعادٍ﴾ الجَنَّةِ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قالَ لَمّا نَزَلَتْ ﴿كُلُّ مَن عَلَيْها فانٍ﴾ [الرحمن: ٢٦] قالَتِ المَلائِكَةُ: هَلَكَ أهْلُ الأرْضِ، فَلَمّا نَزَلَتْ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] قالَتِ المَلائِكَةُ: هَلَكَ كُلُّ نَفْسٍ، فَلَمّا نَزَلَتْ (p-١١١٣)﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلّا وجْهَهُ﴾ قالَتِ المَلائِكَةُ: هَلَكَ أهْلُ السَّماءِ والأرْضِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلّا وجْهَهُ﴾ قالَ: إلّا ما أُرِيدَ بِهِ وجْهُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب