الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ﴿ولَمّا بَلَغَ أشُدَّهُ﴾ قُدِّمَ الكَلامُ في بُلُوغِ الأشُدِّ في الأنْعامِ، وقَدْ قالَ رَبِيعَةُ ومالِكٌ: هو الحُلُمُ لِقَوْلِهِ - تَعالى -: ﴿حَتّى إذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإنْ آنَسْتُمْ مِنهم رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] الآيَةَ، وأقْصاهُ أرْبَعٌ وثَلاثُونَ سَنَةً كَما قالَ مُجاهِدٌ وسُفْيانُ الثَّوْرِيُّ وغَيْرُهُما.
وقِيلَ: الأشُدُّ ما بَيْنَ الثَّمانِيَةَ عَشَرَ إلى الثَّلاثِينَ، والِاسْتِواءُ مِنَ الثَّلاثِينَ إلى الأرْبَعِينَ، وقِيلَ: الِاسْتِواءُ هو بُلُوغُ الأرْبَعِينَ، وقِيلَ: الِاسْتِواءُ إشارَةٌ إلى كَمالِ الخِلْقَةِ، وقِيلَ: هو بِمَعْنًى واحِدٍ، وهو ضَعِيفٌ لِأنَّ العَطْفَ يُشْعِرُ بِالمُغايَرَةِ ﴿آتَيْناهُ حُكْمًا وعِلْمًا﴾ الحُكْمُ الحِكْمَةُ عَلى العُمُومِ، وقِيلَ: النُّبُوَّةُ، وقِيلَ: الفِقْهُ في الدِّينِ.
والعِلْمُ الفَهْمُ قالَهُ السُّدِّيُّ وقالَ مُجاهِدٌ الفِقْهُ وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: العِلْمُ بِدِينِهِ ودِينِ آبائِهِ، وقِيلَ: كانَ هَذا قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ مَعْنى ذَلِكَ في البَقَرَةِ ﴿وكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ أيْ: مِثْلُ ذَلِكَ الجَزاءِ الَّذِي جَزَيْنا أُمَّ مُوسى لَمّا اسْتَسْلَمَتْ لِأمْرِ اللَّهِ وألْقَتْ ولَدَها في البَحْرِ وصَدَّقَتْ بِوَعْدِ اللَّهِ نَجْزِي المُحْسِنِينَ عَلى إحْسانِهِمْ، والمُرادُ العُمُومُ.
﴿ودَخَلَ المَدِينَةَ﴾ أيْ: ودَخَلَ مُوسى مَدِينَةَ مِصْرَ الكُبْرى، وقِيلَ: مَدِينَةً غَيْرَها مِن مَدائِنِ مِصْرَ، ومَحَلُّ قَوْلِهِ ﴿عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِن أهْلِها﴾ النَّصْبُ عَلى الحالِ: إمّا مِنَ الفاعِلِ أيْ: مُسْتَخْفِيًا، وإمّا مِنَ المَفْعُولِ.
قِيلَ: لَمّا عَرَفَ مُوسى ما هو عَلَيْهِ مِنَ الحَقِّ في دِينِهِ عابَ ما عَلَيْهِ قَوْمُ فِرْعَوْنَ وفَشا ذَلِكَ مِنهُ، فَأخافُوهُ فَخافَهم، فَكانِ لا يَدْخُلُ المَدِينَةَ إلّا مُسْتَخْفِيًا.
قِيلَ: كانَ دُخُولُهُ بَيْنَ العِشاءِ والعَتَمَةِ، وقِيلَ: وقْتَ القائِلَةِ.
قالَ الضَّحّاكُ: طَلَبَ أنْ يَدْخُلَ المَدِينَةَ وقْتَ غَفْلَةِ أهْلِها فَدَخَلَ عَلى حِينِ عِلْمٍ مِنهم، فَكانَ مِنهُ ما حَكى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذا مِن شِيعَتِهِ﴾ أيْ: مِمَّنْ شايَعَهُ عَلى دِينِهِ، وهم بَنُو إسْرائِيلَ ﴿وهَذا مِن عَدُوِّهِ﴾ أيْ: مِنَ المُعادِينَ لَهُ عَلى دِينِهِ وهم قَوْمُ فِرْعَوْنَ ﴿فاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ﴾ أيْ: طَلَبَ مِنهُ أنْ يَنْصُرَهُ ويُعِينَهُ عَلى خَصْمِهِ ﴿عَلى الَّذِي مِن عَدُوِّهِ﴾ فَأغاثَهُ لِأنَّ نَصْرَ المَظْلُومِ واجِبٌ في جَمِيعِ المِلَلِ.
قِيلَ: أرادَ القِبْطِيُّ أنْ يُسَخِّرَ الإسْرائِيلِيَّ لِيَحْمِلَ حَطَبًا لِمَطْبَخِ فِرْعَوْنَ فَأبى عَلَيْهِ واسْتَغاثَ بِمُوسى ﴿فَوَكَزَهُ مُوسى﴾ (p-١٠٩٦)الوَكْزُ الضَّرْبُ بِجُمْعِ الكَفِّ، وهَكَذا اللَّكْزُ واللَّهْزُ. وقِيلَ: اللَّكْزُ عَلى اللِّحى، والوَكْزُ عَلى القَلْبِ. وقِيلَ: ضَرَبَهُ بِعَصاهُ.
وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ " فَلَكَزَهُ " وحَكى الثَّعْلَبِيُّ أنَّ في مُصْحَفِ عُثْمانَ فَنَكَزَهُ بِالنُّونِ.
قالَ الأصْمَعِيُّ: نَكَزَهُ بِالنُّونِ: ضَرَبَهُ ودَفَعَهُ.
قالَ الجَوْهَرِيُّ: اللَّكْزُ الضَّرْبُ عَلى الصَّدْرِ.
وقالَ أبُو زَيْدٍ: في جَمِيعِ الجَسَدِ: يَعْنِي أنَّهُ يُقالُ: لَهُ لَكْزٌ. واللَّهْزُ الضَّرْبُ بِجَمِيعِ اليَدَيْنِ في الصَّدْرِ، ومِثْلُهُ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ ﴿فَقَضى عَلَيْهِ﴾ أيْ: قَتَلَهُ، وكُلُّ شَيْءٍ أتَيْتَ عَلَيْهِ وفَرَغْتَ مِنهُ: فَقَدْ قَضَيْتَ عَلَيْهِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎قَدْ عَضَّهُ فَقَضى عَلَيْهِ الأشْجَعُ
قِيلَ: لَمْ يَقْصِدْ مُوسى قَتْلَ القِبْطِيِّ، وإنَّما قَصَدَ دَفْعَهُ فَأتى ذَلِكَ عَلى نَفْسِهِ، ولِهَذا قالَ ﴿هَذا مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ﴾ وإنَّما قالَ بِهَذا القَوْلِ مَعَ أنَّ المَقْتُولَ كافِرٌ حَقِيقٌ بِالقَتْلِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ إذْ ذاكَ مَأْمُورًا بِقَتْلِ الكُفّارِ.
وقِيلَ: إنْ تِلْكَ الحالَةَ حالَةُ كَفٍّ عَنِ القِتالِ لِكَوْنِهِ مَأْمُونًا عِنْدَهم، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أنْ يَغْتالَهم.
ثُمَّ وصَفَ الشَّيْطانَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ أيْ: عَدُوٌّ لِلْإنْسانِ يَسْعى في إضْلالِهِ، ظاهِرُ العَداوَةِ والإضْلالِ.
وقِيلَ: إنَّ الإشارَةَ بِقَوْلِهِ هَذا إلى عَمَلِ المَقْتُولِ لِكَوْنِهِ كافِرًا مُخالِفًا لِما يُرِيدُهُ اللَّهُ.
وقِيلَ: إنَّهُ إشارَةٌ إلى المَقْتُولِ نَفْسِهِ: يَعْنِي أنَّهُ مِن جُنْدِ الشَّيْطانِ وحِزْبِهِ.
ثُمَّ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - أنْ يَغْفِرَ لَهُ ما وقَعَ مِنهُ.
﴿قالَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ﴾ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ ﴿إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ووَجْهُ اسْتِغْفارِهِ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ أنْ يَقْتُلَ حَتّى يُؤْمَرَ، وقِيلَ: إنَّهُ طَلَبَ المَغْفِرَةَ مِن تَرْكِهِ لِلْأوْلى كَما هو سُنَّةُ المُرْسَلِينَ، أوْ أرادَ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بِقَتْلِ هَذا الكافِرِ، لِأنَّ فِرْعَوْنَ لَوْ يَعْرِفُ ذَلِكَ لَقَتَلَنِي بِهِ، ومَعْنى ﴿فاغْفِرْ لِي﴾: فاسْتُرْ ذَلِكَ عَلَيَّ لا تُطْلِعْ عَلَيْهِ فِرْعَوْنَ، وهَذا خِلافُ الظّاهِرِ فَإنَّ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ما زالَ نادِمًا عَلى ذَلِكَ خائِفًا مِنَ العُقُوبَةِ بِسَبَبِهِ: حَتّى إنَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ طَلَبِ النّاسِ الشَّفاعَةَ مِنهُ يَقُولُ: إنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُؤْمَرْ بِقَتْلِها، كَما ثَبَتَ ذَلِكَ في حَدِيثِ الشَّفاعَةِ الصَّحِيحِ.
وقَدْ قِيلَ: إنَّ هَذا كانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وقِيلَ: كانَ ذَلِكَ قَبْلَ بُلُوغِهِ سِنَّ التَّكْلِيفِ وإنَّهُ كانَ إذْ ذاكَ في اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلاتِ البَعِيدَةِ مُحافِظَةٌ عَلى ما تَقَرَّرَ مِن عِصْمَةِ الأنْبِياءِ ولا شَكَّ أنَّهم مَعْصُومُونَ مِنَ الكَبائِرِ، والقَتْلُ الواقِعُ مِنهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَمْدٍ فَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ، لِأنَّ الوَكْزَةَ في الغالِبِ لا تَقْتُلُ.
ثُمَّ لَمّا أجابَ اللَّهُ سُؤالَهُ وغَفَرَ لَهُ ما طَلَبَ مِنهُ مَغْفِرَتَهُ.
﴿قالَ رَبِّ بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ هَذِهِ الباءُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ باءَ القَسَمِ والجَوابُ مُقَدَّرٌ أيْ: أُقْسِمُ بِإنْعامِكَ عَلَيَّ لَأتُوبَنَّ وتَكُونُ جُمْلَةُ ﴿فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ كالتَّفْسِيرِ لِلْجَوابِ وكَأنَّهُ أقْسَمَ بِما أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أنْ لا يُظاهِرَ مُجْرِمًا.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الباءُ هي باءُ السَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ أيِ: اعْصِمْنِي بِسَبَبِ ما أنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ، ويَكُونُ قَوْلُهُ ﴿فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا﴾ مُتَرَتِّبًا عَلَيْهِ، ويَكُونُ في ذَلِكَ اسْتِعْطافٌ لِلَّهِ - تَعالى - وتَوَصُّلٌ إلى إنْعامِهِ بِإنْعامِهِ، وما في قَوْلِهِ ﴿بِما أنْعَمْتَ﴾ إمّا مَوْصُولَةٌ أوْ مَصْدَرِيَّةٌ، والمُرادُ بِما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ: هو ما آتاهُ مِنَ الحُكْمِ والعِلْمِ أوْ بِالمَغْفِرَةِ أوْ بِالجَمِيعِ، وأرادَ بِمُظاهَرَةِ المُجْرِمِينَ: إمّا صُحْبَةُ فِرْعَوْنَ والِانْتِظامُ في جُمْلَتِهِ في ظاهِرِ الأمْرِ، أوْ مُظاهَرَتُهُ عَلى ما فِيهِ إثْمٌ.
قالَ الكِسائِيُّ والفَرّاءُ: لَيْسَ قَوْلُهُ: ﴿فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ خَبَرًا بَلْ هو دُعاءٌ أيْ: فَلا تَجْعَلُنِي يا رَبِّ ظَهِيرًا لَهم.
قالَ الكِسائِيُّ، وفي قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ " فَلا تَجْعَلُنِي يا رَبِّ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ " وقالَ الفَرّاءُ: المَعْنى اللَّهُمَّ فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ.
وقالَ النَّحّاسُ: إنَّ جَعْلَهُ مِن بابِ الخَبَرِ أوْفى وأشْبَهُ بِنَسَقِ الكَلامِ.
﴿فَأصْبَحَ في المَدِينَةِ خائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ أيْ: دَخَلَ في وقْتِ الصَّباحِ في المَدِينَةِ الَّتِي قَتَلَ فِيها القِبْطِيَّ، وخائِفًا خَبَرُ أصْبَحَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا، والخَبَرُ في المَدِينَةِ، ويَتَرَقَّبُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا ثانِيًا، وأنْ يَكُونَ حالًا ثانِيَةً، وأنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن خائِفًا، ومَفْعُولُ يَتَرَقَّبُ مَحْذُوفٌ، والمَعْنى: يَتَرَقَّبُ المَكْرُوهَ أوْ يَتَرَقَّبُ الفَرَحَ ﴿فَإذا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ إذا هي الفُجائِيَّةُ والمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ يَسْتَصْرِخُهُ أيْ: فَإذا صاحِبُهُ الإسْرائِيلِيُّ الَّذِي اسْتَغاثَهُ بِالأمْسِ يُقاتِلُ قِبْطِيًّا آخَرَ أرادَ أنْ يُسَخِّرَهُ ويَظْلِمَهُ كَما أرادَ القِبْطِيُّ الَّذِي قَدْ قَتَلَهُ مُوسى بِالأمْسِ، والِاسْتِصْراخُ الِاسْتِغاثَةُ، وهو مِنَ الصُّراخِ، وذَلِكَ أنَّ المُسْتَغِيثَ يُصَوِّتُ ويَصْرُخُ في طَلَبِ الغَوْثِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎كُنّا إذا ما أتانا صارِخٌ فَزِعٌ ∗∗∗ كانَ الجَوابُ لَهُ قَرْعُ الظَّنابِيبِ
﴿قالَ لَهُ مُوسى إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ أيْ: بَيِّنُ الغَوايَةِ، وذَلِكَ أنَّكَ تُقاتِلُ مَن لا تَقْدِرُ عَلى مُقاتَلَتِهِ ولا تُطِيقُهُ، وقِيلَ: إنَّما قالَ لَهُ هَذِهِ المَقالَةَ لِأنَّهُ تَسَبَّبَ بِالأمْسِ لِقَتْلِ رَجُلٍ، يُرِيدُ اليَوْمَ أنْ يَتَسَبَّبَ لِقَتْلِ آخَرَ.
﴿فَلَمّا أنْ أرادَ أنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هو عَدُوٌّ لَهُما﴾ أيْ: يَبْطِشَ بِالقِبْطِيِّ الَّذِي هو عَدُوٌّ لِمُوسى ولِلْإسْرائِيلِيِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلى دِينِهِما، وقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنى يَبْطِشُ واخْتِلافُ القُرّاءِ فِيهِ ﴿قالَ يامُوسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ﴾ القائِلُ هو الإسْرائِيلِيُّ لَمّا سَمِعَ مُوسى يَقُولُ لَهُ: ﴿إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ ورَآهُ يُرِيدُ أنْ يَبْطِشَ بِالقِبْطِيِّ ظَنَّ أنَّهُ يُرِيدُ أنْ يَبْطِشَ بِهِ، فَقالَ لِمُوسى ﴿أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ﴾ فَلَمّا سَمِعَ القِبْطِيُّ ذَلِكَ أفْشاهُ، ولَمْ يَكُنْ قَدْ عَلِمَ أحَدٌ مِن أصْحابِ فِرْعَوْنَ أنَّ مُوسى هو الَّذِي قَتَلَ القِبْطِيَّ بِالأمْسِ حَتّى أفْشى عَلَيْهِ الإسْرائِيلِيُّ، هَكَذا قالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ.
وقِيلَ: إنَّ القائِلَ ﴿أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ﴾ هو القِبْطِيُّ، وكانَ قَدْ بَلَغَهُ الخَبَرُ مِن جِهَةِ الإسْرائِيلِيِّ، وهَذا هو الظّاهِرُ، وقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ القِبْطِيِّ قَبْلَ هَذا بِلا فَصْلٍ لِأنَّهُ هو المُرادُ بِقَوْلِهِ عَدُوٌّ لَهُما، ولا مُوجِبَ لِمُخالَفَةِ الظّاهِرِ حَتّى يَلْزَمَ عَنْهُ أنَّ المُؤْمِنَبِمُوسى المُسْتَغِيثَ بِهِ المَرَّةَ الأُولى، والمَرَّةَ الأُخْرى هو الَّذِي أفْشى عَلَيْهِ، وأيْضًا إنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنْ تُرِيدُ إلّا أنْ تَكُونَ جَبّارًا في الأرْضِ﴾ لا يَلِيقُ صُدُورُ مِثْلِهِ إلّا مِن كافِرٍ، وإنَّ في قَوْلِهِ: ﴿إنْ تُرِيدُ﴾ هي النّافِيَةُ أيْ: ما تُرِيدُ إلّا أنْ تَكُونَ جَبّارًا في الأرْضِ.
قالَ الزَّجّاجُ: الجَبّارُ في اللُّغَةِ (p-١٠٩٧)الَّذِي لا يَتَواضَعُ لِأمْرِ اللَّهِ، والقاتِلُ بِغَيْرِ حَقٍّ جَبّارٌ.
وقِيلَ: الجَبّارُ الَّذِي يَفْعَلُ ما يُرِيدُ مِنَ الضَّرْبِ والقَتْلِ ولا يَنْظُرُ في العَواقِبِ ولا يَدْفَعُ بِالَّتِي هي أحْسَنُ ﴿وما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ﴾ أيِ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ بَيْنَ النّاسِ.
﴿وجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصى المَدِينَةِ يَسْعى﴾ قِيلَ: المُرادُ بِهَذا الرَّجُلِ حِزْقِيلُ: هو مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وكانَ ابْنَ عَمِّ مُوسى، وقِيلَ: اسْمُهُ شَمْعُونُ، وقِيلَ: طالُوتُ، وقِيلَ: شَمْعانُ.
والمُرادُ بِأقْصى المَدِينَةِ: آخِرُها وأبْعَدُها، ويَسْعى يَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَحَلِّ رَفْعِ صِفَةٍ لِرَجُلٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، لِأنَّ لَفْظَ رَجُلٍ وإنْ كانَ نَكِرَةً فَقَدْ تَخَصَّصَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن أقْصى المَدِينَةِ﴾، ﴿قالَ يامُوسى إنَّ المَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ أيْ: يَتَشاوَرُونَ في قَتْلِكَ ويَتَآمَرُونَ بِسَبَبِكَ.
قالَ الزَّجّاجُ: يَأْمُرُ بَعْضُهم بَعْضًا بِقَتْلِكَ.
وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: يَتَشاوَرُونَ فِيكَ لِيَقْتُلُوكَ: يَعْنِي أشارِفَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ.
قالَ الأزْهَرِيُّ: ائْتَمَرَ القَوْمُ وتَآمَرُوا أيْ: أمَرَ بَعْضُهم بَعْضًا، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ ﴿وأْتَمِرُوا بَيْنَكم بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٦] قالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:
؎أرى النّاسَ قَدْ أحْدَثُوا شِيمَةً ∗∗∗ وفي كُلِّ حادِثَةٍ يُؤْتَمَرُ
﴿فاخْرُجْ إنِّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ﴾ في الأمْرِ بِالخُرُوجِ، واللّامِ لِلْبَيانِ لِأنَّ مَعْمُولَ المَجْرُورِ لا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ.
﴿فَخَرَجَ مِنها خائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ فَخَرَجَ مُوسى مِنَ المَدِينَةِ حالَ كَوْنِهِ خائِفًا مِنَ الظّالِمِينَ مُتَرَقِّبًا لُحُوقَهم بِهِ وإدْراكَهم لَهُ، ثُمَّ دَعا رَبَّهُ بِأنْ يُنْجِيَهُ مِمّا خافَهُ قائِلًا: ﴿رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ أيْ: خَلِّصْنِي مِنَ القَوْمِ الكافِرِينَ وادْفَعْهم عَنِّي، وحُلْ بَيْنِي وبَيْنَهم.
﴿ولَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ﴾ أيْ: نَحْوَ مَدْيَنَ قاصِدًا لَها.
قالَ الزَّجّاجُ أيْ: سَلَكَ في الطَّرِيقِ الَّذِي تِلْقاءَ مَدْيَنَ فِيها انْتَهى، يُقالُ: دارُهُ تِلْقاءَ دارِ فُلانٍ، وأصْلُهُ مِنَ اللِّقاءِ، ولَمْ تَكُنْ هَذِهِ القَرْيَةُ داخِلَةً تَحْتَ سُلْطانِ فِرْعَوْنَ، ولِهَذا خَرَجَ إلَيْها ﴿قالَ عَسى رَبِّي أنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ﴾ أيْ: يُرْشِدَنِي نَحْوَ الطَّرِيقِ المُسْتَوِيَةِ إلى مَدْيَنَ.
﴿ولَمّا ورَدَ ماءَ مَدْيَنَ﴾ أيْ: وصَلَ إلَيْهِ، وهو الماءُ الَّذِي يَسْتَقُونَ مِنهُ ﴿وجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ﴾ أيْ: وجَدَ عَلى الماءِ جَماعَةً كَثِيرَةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ مَواشِيَهم، ولَفْظُ الوُرُودِ قَدْ يُطْلَقُ عَلى الدُّخُولِ في المَوْرِدِ، وقَدْ يُطْلَقُ عَلى البُلُوغِ إلَيْهِ وإنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وهو المُرادُ هُنا، ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
؎فَلَمّا ورَدْنا الماءَ زُرْقًا جِمامُهُ
وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنى الوُرُودِ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾ [مريم: ٧١] وقِيلَ: مَدْيَنُ اسْمٌ لِلْقَبِيلَةِ، وهي غَيْرُ مُنْصَرِفَةٍ عَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ ﴿ووَجَدَ مِن دُونِهِمُ﴾ أيْ: مِن دُونِ النّاسِ الَّذِينَ يَسْقُونَ ما بَيْنَهم وبَيْنَ الجِهَةِ الَّتِي جاءَ مِنها، وقِيلَ: مَعْناهُ: في مَوْضِعٍ أسْفَلَ مِنهُمُ ﴿امْرَأتَيْنِ تَذُودانِ﴾ أيْ: تَحْبِسانِ أغْنامَهُما مِنَ الماءِ حَتّى يَفْرَغَ النّاسُ ويَخْلُوَ بَيْنَهُما وبَيْنَ الماءِ، ومَعْنى الذَّوْدِ الدَّفْعُ والحَبْسُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎أبِيتُ عَلى بابِ القَوافِي كَأنَّما ∗∗∗ أذُودُ بِها سِرْبًا مِنَ الوَحْشِ نُزَّعا
أيْ: أحْبِسُ وأمْنَعُ، ووَرَدَ الذَّوْدُ بِمَعْنى الطَّرْدِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎لَقَدْ سَلَبَتْ عَصاكَ بَنُو تَمِيمٍ ∗∗∗ فَما تَدْرِي بِأيِّ عَصًى تَذُودُ
أيْ: تَطْرُدُ ﴿قالَ ما خَطْبُكُما﴾ أيْ: قالَ مُوسى لِلْمَرْأتَيْنِ: ما شَأْنُكُما لا تَسْقِيانِ غَنَمَكُما مَعَ النّاسِ ؟ والخَطْبُ الشَّأْنُ، قِيلَ: وإنَّما يُقالُ: ما خَطْبُكَ لِمُصابٍ، أوْ مُضْطَهَدٍ، أوْ لِمَن يَأْتِي بِمُنْكَرٍ ﴿قالَتا لا نَسْقِي حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ﴾ أيْ: إنَّ عادَتَنا التَّأنِّي حَتّى يَصْدُرَ النّاسُ عَنِ الماءِ ويَنْصَرِفُوا مِنهُ حَذَرًا مِن مُخالَطَتِهِمْ، أوْ عَجْزًا عَنِ السَّقْيِ مَعَهم.
قَرَأ الجُمْهُورُ " يُصْدِرُ " بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الدّالِ، مُضارِعُ أصْدَرَ المُتَعَدِّي بِالهَمْزَةِ.
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وأبُو عَمْرٍو وأبُو جَعْفَرٍ بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الدّالِ مِن صَدَرَ يَصْدُرُ لازِمًا، فالمَفْعُولُ عَلى القِراءَةِ الأُولى مَحْذُوفٌ أيْ: يُرْجِعُونَ مَواشِيَهم، والرِّعاءُ جَمْعُ راعٍ.
قَرَأ الجُمْهُورُ " الرِّعاءُ " بِكَسْرِ الرّاءِ.
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ عَنْهُ بِفَتْحِها.
قالَ أبُو الفَضْلِ: هو مَصْدَرٌ أُقِيمَ مَقامُ الصِّفَةِ، فَلِذَلِكَ اسْتَوى فِيهِ الواحِدُ والجَمْعُ.
وقُرِئَ " الرُّعاءُ " بِالضَّمِّ اسْمُ جَمْعٍ.
وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ " نُسْقِي " بِضَمِّ النُّونِ مِن أسْقى.
﴿وأبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ عالِي السِّنِّ، وهَذا مِن تَمامِ كَلامِهِما: أيْ: لا يَقْدِرُ أنْ يَسْقِيَ ماشِيَتَهُ مِنَ الكِبَرِ، فَلِذَلِكَ احْتَجْنا ونَحْنُ امْرَأتانِ ضَعِيفَتانِ أنْ نَسْقِيَ الغَنَمَ لِعَدَمِ وُجُودِ رَجُلٍ يَقُومُ لَنا بِذَلِكَ، فَلَمّا سَمِعَ مُوسى كَلامَهُما، سَقى لَهُما رَحْمَةً لَهُما أيْ: سَقى أغْنامَهُما لِأجْلِهِما ثُمَّ لَمّا فَرَغَ مِنَ السَّقْيِ لَهُما ﴿تَوَلّى إلى الظِّلِّ﴾ أيِ: انْصَرَفَ إلَيْهِ، فَجَلَسَ فِيهِ، قِيلَ: كانَ هَذا الظِّلُّ ظِلَّ سَمُرَةٍ هُناكَ.
ثُمَّ قالَ لَمّا أصابَهُ مِنَ الجُهْدِ والتَّعَبِ مُنادِيًا لِرَبِّهِ ﴿إنِّي لِما أنْزَلْتَ إلَيَّ مِن خَيْرٍ﴾ أيَّ خَيْرٍ كانَ. ﴿فَقِيرٌ﴾ أيْ: مُحْتاجٌ إلى ذَلِكَ، قِيلَ: أرادَ بِذَلِكَ الطَّعامَ، واللّامُ في ﴿لِما أنْزَلْتَ﴾ مَعْناها إلى.
قالَ الأخْفَشُ: يُقالُ: هو فَقِيرٌ لَهُ وإلَيْهِ.
وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ والمَحامِلِيُّ في أمالِيهِ مِن طَرِيقِ مُجاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَمّا بَلَغَ أشُدَّهُ﴾ قالَ: ثَلاثًا وثَلاثِينَ سَنَةً ﴿واسْتَوى﴾ قالَ: أرْبَعِينَ سَنَةً.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ المُعَمَّرِينَ مِن طَرِيقِ الكَلْبِيِّ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنْهُ قالَ: الأشُدُّ ما بَيْنَ الثَّمانِيَ عَشْرَةَ إلى الثَّلاثِينَ، والِاسْتِواءُ ما بَيْنَ الثَّلاثِينَ إلى الأرْبَعِينَ، فَإذا زادَ عَلى الأرْبَعِينَ أخَذَ في النُّقْصانِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، مِن طُرُقٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿ودَخَلَ المَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِن أهْلِها﴾ قالَ: نِصْفُ النَّهارِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، مِن طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ، عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: ما بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا ﴿هَذا مِن شِيعَتِهِ﴾ قالَ: إسْرائِيلِيٌّ ﴿وهَذا مِن عَدُوِّهِ﴾ قالَ: قِبْطِيٌّ ﴿فاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ﴾ الإسْرائِيلِيُّ ﴿عَلى الَّذِي مِن عَدُوِّهِ﴾ القِبْطِيِّ ﴿فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ﴾ قالَ: فَماتَ، قالَ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلى مُوسى.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ (p-١٠٩٨)أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿فَإذا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ قالَ: هو صاحِبُ مُوسى الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ هو الَّذِي اسْتَصْرَخَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: مَن قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَهو جَبّارٌ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ ﴿إنْ تُرِيدُ إلّا أنْ تَكُونَ جَبّارًا في الأرْضِ﴾ .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: لا يَكُونُ الرَّجُلُ جَبّارًا حَتّى يَقْتُلَ نَفْسَيْنِ.
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: خَرَجَ مُوسى خائِفًا يَتَرَقَّبُ جائِعًا لَيْسَ مَعَهُ زادٌ حَتّى انْتَهى إلى ماءِ مَدْيَنَ، و﴿عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ﴾ وامْرَأتانِ جالِسَتانِ بِشِياهِهِما فَسَألَهُما ﴿ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وأبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ قالَ: فَهَلْ قُرْبَكُما ماءٌ ؟ قالَتا لا إلّا بِئْرٌ عَلَيْها صَخْرَةٌ قَدْ غُطِّيَتْ بِها لا يُطِيقُها نَفَرٌ، قالَ: فانْطَلِقَتا فَأرِيانِيها، فانْطَلَقَتا مَعَهُ، فَقالَ بِالصَّخْرَةِ بِيَدِهِ فَنَحّاها، ثُمَّ اسْتَقى لَهُما سَجْلًا واحِدًا فَسَقى الغَنَمَ، ثُمَّ أعادَ الصَّخْرَةَ إلى مَكانِها ﴿ثُمَّ تَوَلّى إلى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إنِّي لِما أنْزَلْتَ إلَيَّ مِن خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ فَسَمِعَتا، قالَ: فَرَجَعَتا إلى أبِيهِما فاسْتَنْكَرَ سُرْعَةَ مَجِيئِهِما، فَسَألَهُما فَأخْبَرَتاهُ، فَقالَ لِإحْداهُما: انْطَلِقِي فادْعِيهِ فَأتَتْ، فَقالَتْ ﴿إنَّ أبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا﴾ [القصص: ٢٥] فَمَشَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ لَها امْشِي خَلْفِي، فَإنِّي امْرُؤٌ مِن عُنْصُرِ إبْراهِيمَ لا يَحِلُّ لِي أنْ أرى مِنكِ ما حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيَّ، وأرْشِدِينِي الطَّرِيقَ ﴿فَلَمّا جاءَهُ وقَصَّ عَلَيْهِ القَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ ﴿قالَتْ إحْداهُما يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأمِينُ﴾ [ القَصَصِ: ٢٥: ٢٦ ] .
قالَ لَها أبُوها: ما رَأيْتِ مِن قُوَّتِهِ وأمانَتِهِ ؟ فَأخْبَرَتْهُ بِالأمْرِ الَّذِي كانَ، قالَتْ: أمّا قُوَّتُهُ فَإنَّهُ قَلَبَ الحَجَرَ وحْدَهُ، وكانَ لا يَقْلِبُهُ إلّا النَّفَرُ.
وأمّا أمانَتُهُ فَقالَ امْشِي خَلْفِي وأرْشِدِينِي الطَّرِيقَ؛ لِأنِّي امْرُؤٌ مِن عُنْصُرِ إبْراهِيمَ لا يَحِلُّ لِي مِنكِ ما حَرَّمَهُ اللَّهُ.
قِيلَ: لِابْنِ عَبّاسٍ أيُّ الأجَلَيْنِ قَضى مُوسى قالَ: أبَرَّهُما وأوْفاهُما.
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ في المُصَنَّفِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: إنْ مُوسى لَمّا ورَدَ ماءَ مَدْيَنَ وجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ فَلَمّا فَرَغُوا أعادُوا الصَّخْرَةَ عَلى البِئْرِ، ولا يُطِيقُ رَفْعَها إلّا عَشَرَةُ رِجالٍ، فَإذا هو بِامْرَأتَيْنِ، قالَ: ما خَطْبُكُما ؟ فَحَدَّثَتاهُ، فَأتى الحَجَرَ، فَرَفَعَهُ وحْدَهُ، ثُمَّ اسْتَقى فَلَمْ يَسْتَقِ إلّا ذَنُوبًا واحِدًا حَتّى رُوِيَتِ الغَنَمُ، فَرَجَعَتِ المَرْأتانِ إلى أبِيهِما فَحَدَّثَتاهُ، وتَوَلّى مُوسى إلى الظِّلِّ فَقالَ ﴿رَبِّ إنِّي لِما أنْزَلْتَ إلَيَّ مِن خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ .
قالَ: ﴿فَجاءَتْهُ إحْداهُما تَمْشِي عَلى اسْتِحْياءٍ﴾ [القصص: ٢٥] واضِعَةً ثَوْبَها عَلى وجْهِها لَيْسَتْ بِسَلْفَعٍ مِنَ النِّساءِ خَرّاجَةً ولّاجَةً ﴿قالَتْ إنَّ أبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا﴾ [القصص: ٢٥] فَقامَ مَعَها مُوسى، فَقالَ لَها: امْشِي خَلْفِي وانْعَتِي لِيَ الطَّرِيقَ، فَإنِّي أكْرَهُ أنْ يُصِيبَ الرِّيحُ ثِيابَكِ فَتَصِفُ لِي جَسَدَكِ، فَلَمّا انْتَهى إلى أبِيها قَصَّ عَلَيْهِ، فَقالَتْ إحْداهُما: يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأمِينُ، قالَ: يا بُنَيَّةُ ما عِلْمُكِ بِأمانَتِهِ وقُوَّتِهِ ؟ قالَتْ: أمّا قُوَّتُهُ فَرَفْعُهُ الحَجَرَ ولا يُطِيقُهُ إلّا عَشَرَةُ رِجالٍ، وأمّا أمانَتُهُ فَقالَ لَها: امْشِي خَلْفِي وانْعَتِي لِيَ الطَّرِيقَ فَإنِّي أكْرَهُ أنْ تُصِيبَ الرِّيحُ ثِيابَكِ فَتَصِفُ لِي جَسَدَكِ، فَزادَهُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِيهِ.
فَقالَ: ﴿إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ إحْدى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ [القصص: ٢٧] أيْ: في حُسْنِ الصُّحْبَةِ والوَفاءِ بِما قُلْتُ قالَ: مُوسى ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وبَيْنَكَ أيَّما الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ﴾ [القصص: ٢٨] قالَ: نَعَمْ قالَ: ﴿واللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وكِيلٌ﴾ [القصص: ٢٨] فَزَوَّجَهُ وأقامَ مَعَهُ يَكْفِيهِ ويَعْمَلُ في رِعايَةِ غَنَمِهِ وما يَحْتاجُ إلَيْهِ وزَوَّجَهُ صُفُورا وأُخْتُها شَرْفا، وهُما اللَّتانِ كانَتا تَذُودانِ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ إخْراجِهِ لِطُرُقٍ مِن هَذا الحَدِيثِ: إنَّ إسْنادَهُ صَحِيحٌ.
والسَّلْفَعُ مِنَ النِّساءِ الجَرِيئَةُ السَّلِيطَةُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في الزُّهْدِ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَمّا ورَدَ ماءَ مَدْيَنَ﴾ قالَ: ورَدَ الماءَ حَيْثُ ورَدَ وإنَّهُ لَتَتَراءى خُضْرَةُ البَقْلِ في بَطْنِهِ مِنَ الهُزالِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرُ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ قالَ: خَرَجَ مُوسى مِن مِصْرَ إلى مَدْيَنَ وبَيْنَهُ وبَيْنَها ثَمانِ لَيالٍ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ طَعامٌ إلّا ورَقَ الشَّجَرِ، وخَرَجَ حافِيًا، فَما وصَلَ إلَيْها حَتّى وقَعَ خُفُّ قَدَمِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْهُ أيْضًا قالَ: ﴿تَذُودانِ﴾ تَحْبِسانِ غَنَمَهُما حَتّى يَنْزِعَ النّاسُ ويَخْلُوَ لَهُما البِئْرُ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والضِّياءُ في المُخْتارَةِ عَنْهُ أيْضًا: قالَ: لَقَدْ قالَ مُوسى: رَبِّ إنِّي لِما أنْزَلَتْ إلَيَّ مِن خَيْرٍ فَقِيرٌ، وهو أكْرَمُ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، ولَقَدِ افْتَقَرَ إلى شِقِّ تَمْرَةٍ ولَقَدْ لَصِقَ بَطْنُهُ بِظَهْرِهِ مِن شِدَّةِ الجُوعِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ أيْضًا قالَ: ما سَألَ إلّا الطَّعامَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدَ الزُّهْدِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ أيْضًا قالَ: سَألَ فِلَقًا مِنَ الخُبْزِ يَشُدُّ بِها صُلْبَهُ مِنَ الجُوعِ.
{"ayahs_start":14,"ayahs":["وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ حُكۡمࣰا وَعِلۡمࣰاۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ","وَدَخَلَ ٱلۡمَدِینَةَ عَلَىٰ حِینِ غَفۡلَةࣲ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِیهَا رَجُلَیۡنِ یَقۡتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِیعَتِهِۦ وَهَـٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِی مِن شِیعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِی مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَیۡهِۖ قَالَ هَـٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوࣱّ مُّضِلࣱّ مُّبِینࣱ","قَالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی فَٱغۡفِرۡ لِی فَغَفَرَ لَهُۥۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ","قَالَ رَبِّ بِمَاۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِیرࣰا لِّلۡمُجۡرِمِینَ","فَأَصۡبَحَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِی ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ یَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰۤ إِنَّكَ لَغَوِیࣱّ مُّبِینࣱ","فَلَمَّاۤ أَنۡ أَرَادَ أَن یَبۡطِشَ بِٱلَّذِی هُوَ عَدُوࣱّ لَّهُمَا قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ أَتُرِیدُ أَن تَقۡتُلَنِی كَمَا قَتَلۡتَ نَفۡسَۢا بِٱلۡأَمۡسِۖ إِن تُرِیدُ إِلَّاۤ أَن تَكُونَ جَبَّارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُرِیدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِینَ","وَجَاۤءَ رَجُلࣱ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡعَىٰ قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ یَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِیَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّی لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِینَ","فَخَرَجَ مِنۡهَا خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَاۤءَ مَدۡیَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّیۤ أَن یَهۡدِیَنِی سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ","وَلَمَّا وَرَدَ مَاۤءَ مَدۡیَنَ وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَیۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِی حَتَّىٰ یُصۡدِرَ ٱلرِّعَاۤءُۖ وَأَبُونَا شَیۡخࣱ كَبِیرࣱ","فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰۤ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّی لِمَاۤ أَنزَلۡتَ إِلَیَّ مِنۡ خَیۡرࣲ فَقِیرࣱ"],"ayah":"وَلَمَّا وَرَدَ مَاۤءَ مَدۡیَنَ وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَیۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِی حَتَّىٰ یُصۡدِرَ ٱلرِّعَاۤءُۖ وَأَبُونَا شَیۡخࣱ كَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق