الباحث القرآني

(p-١٠٥٩)قَوْلُهُ: ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى العامِلِ في قَوْلِهِ: ﴿وإذْ نادى رَبُّكَ مُوسى﴾ [الشعراء: ١٠] وقَدْ تَقَدَّمَ، والمُرادُ بِنَبَأِ إبْراهِيمَ خَبَرُهُ: أيِ: اقْصُصْ عَلَيْهِمْ يا مُحَمَّدُ خَبَرَ إبْراهِيمَ وحَدِيثَهُ. ووَإذْ قالَ مَنصُوبٌ بِنَبَأِ إبْراهِيمَ: أيْ: وقْتَ قَوْلِهِ: ﴿لِأبِيهِ وقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ﴾ وقِيلَ: إذْ: بَدَلٌ مِن نَبَأٍ بَدَلُ اشْتِمالٍ، فَيَكُونُ العامِلُ فِيهِ اتْلُ، والأوَّلُ أوْلى. ومَعْنى ما تَعْبُدُونَ أيُّ شَيْءٍ تَعْبُدُونَ ؟ وهو يَعْلَمُ أنَّهم يَعْبُدُونَ الأصْنامَ، ولَكِنَّهُ أرادَ إلْزامَهُمُ الحُجَّةَ. ﴿قالُوا نَعْبُدُ أصْنامًا فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ﴾ أيْ: فَنُقِيمُ عَلى عِبادَتِها مُسْتَمِرًّا لا في وقْتٍ مُعَيَّنٍ، يُقالُ: ظَلَّ يَفْعَلُ كَذا: إذا فَعَلَهُ نَهارًا، وباتَ يَفْعَلُ كَذا، إذا فَعَلَهُ لَيْلًا، فَظاهِرُهُ أنَّهم يَسْتَمِرُّونَ عَلى عِبادَتِها نَهارًا لا لَيْلًا، والمُرادُ مِنَ العُكُوفِ لَها الإقامَةُ عَلى عِبادَتِها، وإنَّما قالَ لَها لِإفادَةِ أنَّ ذَلِكَ العُكُوفَ لِأجْلِها، فَلَمّا قالُوا هَذِهِ المَقالَةَ قالَ إبْراهِيمُ مُنَبِّهًا عَلى فَسادِ مَذْهَبِهِمْ. ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكم إذْ تَدْعُونَ﴾ قالَ الأخْفَشُ: فِيهِ حَذْفٌ، والمَعْنى: هَلْ يَسْمَعُونَ مِنكم، أوْ هَلْ يَسْمَعُونَ دُعاءَكم. وقَرَأ قَتادَةُ " هَلْ يُسْمِعُونَكم " بِضَمِّ الياءِ أيْ: هَلْ يُسْمِعُونَكم أصْواتَهم وقْتَ دُعائِكم لَهم. ﴿أوْ يَنْفَعُونَكُمْ﴾ بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ النَّفْعِ ﴿أوْ يَضُرُّونَ﴾ أيْ: يَضُرُّونَكم إذا تَرَكْتُمْ عِبادَتَهم، وهَذا الِاسْتِفْهامُ لِلتَّقْرِيرِ، فَإنَّها إذا كانَتْ لا تَسْمَعُ ولا تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ فَلا وجْهَ لِعِبادَتِها، فَإذا قالُوا نَعَمْ هي كَذَلِكَ أقَرُّوا بِأنَّ عِبادَتَهم لَها مِن بابِ اللَّعِبِ والعَبَثِ، وعِنْدَ ذَلِكَ تَقُومُ الحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، فَلَمّا أوْرَدَ عَلَيْهِمُ الخَلِيلُ هَذِهِ الحُجَّةَ الباهِرَةَ لَمْ يَجِدُوا لَها جَوابًا إلّا رُجُوعَهم إلى التَّقْلِيدِ البَحْتِ وهو أنَّهم وجَدُوا آباءَهم كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ: أيْ: يَفْعَلُونَ لِهَذِهِ العِبادَةِ لِهَذِهِ الأصْنامِ مَعَ كَوْنِها بِهَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي هي سَلْبُ السَّمْعِ والنَّفْعِ والضُّرِّ عَنْها، وهَذا الجَوابُ هو العَصا الَّتِي يَتَوَكَّأُ عَلَيْها كُلُّ عاجِزٍ، ويَمْشِي بِها كُلُّ أعْرَجَ ويَغْتَرُّ بِها كُلُّ مَغْرُورٍ، ويَنْخَدِعُ لَها كُلُّ مَخْدُوعٍ، فَإنَّكَ لَوْ سَألْتَ الآنَ هَذِهِ المُقَلِّدَةَ لِلرِّجالِ الَّتِي طَبَّقَتِ الأرْضَ بِطُولِها، والعَرْضِ، وقُلْتَ لَهم: ما الحُجَّةُ لَهم عَلى تَقْلِيدِ فَرْدٍ مِن أفْرادِ العُلَماءِ والأخْذِ بِكُلِّ ما يَقُولُهُ في الدِّينِ ويَبْتَدِعُهُ مِنَ الرَّأْيِ المُخالِفِ لِلدَّلِيلِ لَمْ يَجِدُوا غَيْرَ هَذا الجَوابِ ولا فاهُوا بِسِواهُ، وأخَذُوا يُعَدِّدُونَ عَلَيْكَ مَن سَبَقَهم إلى تَقْلِيدِ هَذا مِن سَلَفِهِمْ واقْتِداءٍ بِأقْوالِهِ وأفْعالِهِ، وهم قَدْ مَلَئُوا صُدُورَهم هَيْبَةً، وضاقَتْ أذْهانُهم عَنْ تَصَوُّرِهِمْ، وظَنُّوا أنَّهم خَيْرُ أهْلِ الأرْضِ وأعْلَمُهم وأرْوَعُهم، فَلَمْ يَسْمَعُوا لِناصِحٍ نُصْحًا ولا لِداعٍ إلى الحَقِّ دُعاءً، ولَوْ فَطَنُوا لَوَجَدُوا أنْفُسَهم في غُرُورٍ عَظِيمٍ وجَهْلٍ شَنِيعٍ وإنَّهم كالبَهِيمَةِ العَمْياءِ، وأُولَئِكَ الأسْلافُ كالعُمْيِ الَّذِينَ يَقُودُونَ البَهائِمَ العَمِينَ كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎كَبَهِيمَةٍ عَمْياءَ قادَ زِمامَها أعْمى عَلى عِوَجِ الطَّرِيقِ الحائِرِ فَعَلَيْكَ أيُّها العامِلُ بِالكِتابِ والسُّنَّةِ المُبَرَّأِ مِنَ التَّعَصُّبِ والتَّعَسُّفِ أنْ تُورِدَ عَلَيْهِمْ حُجَجَ اللَّهِ، وتُقِيمَ عَلَيْهِمْ بَراهِينَهُ، فَإنَّهُ رُبَّما انْقادَ لَكَ مِنهم مَن لَمْ يَسْتَحْكِمْ داءُ التَّقْلِيدِ في قَلْبِهِ، وأمّا مَن قَدِ اسْتَحْكَمَ في قَلْبِهِ هَذا الدّاءُ، فَلَوْ أوْرَدْتَ عَلَيْهِ كُلَّ حُجَّةٍ وأقَمْتَ عَلَيْهِ كُلَّ بُرْهانٍ لَما أعارَكَ إلّا أُذُنًا صَمّاءَ وعَيْنًا عَمْياءَ، ولَكِنَّكَ قَدْ قُمْتَ بِواجِبِ البَيانِ الَّذِي أوْجَبَهُ عَلَيْكَ القُرْآنُ، والهِدايَةُ بِيَدِ الخَلّاقِ العَلِيمِ ﴿إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ [القصص: ٥٦] ولَمّا قالَ هَؤُلاءِ المُقَلِّدَةُ هَذِهِ المَقالَةَ. قالَ الخَلِيلُ أفَرَأيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴿أنْتُمْ وآباؤُكُمُ الأقْدَمُونَ﴾ أيْ: فَهَلْ أبْصَرْتُمْ وتَفَكَّرْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِن هَذِهِ الأصْنامِ الَّتِي لا تَسْمَعُ ولا تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ حَتّى تَعْلَمُوا أنَّكم عَلى ضَلالَةٍ وجَهالَةٍ، ثُمَّ أخْبَرَهم بِالبَراءَةِ مِن هَذِهِ الأصْنامِ الَّتِي يَعْبُدُونَها. فَقالَ: ﴿فَإنَّهم عَدُوٌّ لِي﴾ ومَعْنى كَوْنِهِمْ عَدُوًّا لَهُ مَعَ كَوْنِهِمْ جَمادًا أنَّهُ إنْ عَبَدَهم كانُوا لَهُ عَدُوًّا يَوْمَ القِيامَةِ. قالَ الفَرّاءُ: هَذا مِنَ المَقْلُوبِ: أيْ: فَإنِّي عَدُوٌّ لَهم لِأنَّ مَن عادَيْتَهُ عاداكَ، والعَدُوُّ كالصَّدِيقِ يُطْلَقُ عَلى الواحِدِ والمُثَنّى والجَماعَةِ والمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، كَذا قالَ الفَرّاءُ. قالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمانَ: مَن قالَ: عَدُوَّةُ اللَّهِ، فَأثْبَتَ الهاءَ، قالَ هي بِمَعْنى المُعادِيَةِ، ومَن قالَ عَدُوٌّ، لِلْمُؤَنَّثِ والجَمْعِ، جَعَلَهُ بِمَعْنى النَّسَبِ. وقِيلَ: المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنَّهم عَدُوٌّ لِي﴾ آباؤُهُمُ الأقْدَمُونَ لِأجْلِ عِبادَتِهِمُ الأصْنامَ، ورَدَّ بِأنَّ الكَلامَ مَسُوقٌ فِيما عَبَدُوهُ لا في العابِدِينَ، والِاسْتِثْناءُ في قَوْلِهِ: ﴿إلّا رَبَّ العالَمِينَ﴾ مُنْقَطِعٌ، أيْ: لَكِنَّ رَبَّ العالَمِينَ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هو ولِيِّي في الدُّنْيا والآخِرَةِ. قالَ الزَّجّاجُ: قالَ النَّحْوِيُّونَ: هو اسْتِثْناءٌ لَيْسَ مِنَ الأوَّلِ، وأجازَ الزَّجّاجُ أيْضًا أنْ يَكُونَ مِنَ الأوَّلِ عَلى أنَّهم كانُوا يَعْبُدُونَ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - ويَعْبُدُونَ مَعَهُ الأصْنامَ، فَأعْلَمَهم أنَّهُ تَبَرَّأ مِمّا يَعْبُدُونَ إلّا اللَّهَ. قالَ الجُرْجانِيُّ: تَقْدِيرُهُ أفَرَأيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أنْتُمْ وآباؤُكُمُ الأقْدَمُونَ إلّا رَبَّ العالَمِينَ فَإنَّهم عَدُوٌّ لِي، فَجَعَلَهُ مِن بابِ التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، وجَعَلَ إلّا بِمَعْنى دُونَ وسِوى كَقَوْلِهِ: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ إلّا المَوْتَةَ الأُولى﴾ [الدخان: ٥٦] أيْ: دُونَ المَوْتَةِ الأُولى. وقالَ الحَسَنُ بْنُ الفَضْلِ: إنَّ المَعْنى إلّا مَن عَبَدَ رَبَّ العالَمِينَ. ثُمَّ وصَفَ رَبَّ العالَمِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهو يَهْدِينِ﴾ أيْ: فَهو يُرْشِدُنِي إلى مَصالِحِ الدِّينِ والدُّنْيا. وقِيلَ: إنَّ المَوْصُولَ مُبْتَدَأٌ وما بَعْدَهُ خَبَرُهُ، والأوَّلُ أوْلى. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَوْصُولُ بَدَلًا مِن رَبِّ، وأنْ يَكُونَ عَطْفَ بَيانٍ لَهُ، وأنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى المَدْحِ بِتَقْدِيرِ ( أعْنِي ) أوْ ( أمْدَحُ )، وقَدْ وصَفَ الخَلِيلُ رَبَّهُ بِما يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ لِأجْلِهِ. فَإنَّ الخَلْقَ والهِدايَةَ والرِّزْقَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿والَّذِي هو يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ﴾ ودَفْعُ ضُرِّ المَرَضِ، وجَلْبُ نَفْعِ الشِّفاءِ، والإماتَةُ والإحْياءُ، والمَغْفِرَةُ لِلذَّنْبِ، كُلُّها نِعَمٌ يَجِبُ عَلى المُنْعَمِ عَلَيْهِ بِبَعْضِها فَضْلًا عَنْ كُلِّها أنْ يَشْكُرَ المُنْعِمَ بِجَمِيعِ أنْواعِ الشُّكْرِ الَّتِي أعْلاها وأوْلاها العِبادَةُ، ودُخُولُ هَذِهِ الضَّمائِرِ في صُدُورِ هَذِهِ الجُمَلِ (p-١٠٦٠)لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ الفاعِلُ لِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ، وأسْنَدَ المَرَضَ إلى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِن هَذِهِ الأفْعالِ المَذْكُورَةِ رِعايَةً لِلْأدَبِ مَعَ الرَّبِّ، وإلّا فالمَرَضُ وغَيْرُهُ مِنَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - . ومُرادُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ البَعْثُ، وحَذْفُ الياءِ مِن هَذِهِ الأفْعالِ لِكَوْنِها رُءُوسَ الآيِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ هَذِهِ الأفْعالَ كُلَّها بِإثْباتِ الياءِ. وإنَّما قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿والَّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ هَضْمًا لِنَفْسِهِ، وقِيلَ: إنَّ الطَّمَعَ هُنا بِمَعْنى اليَقِينِ في حَقِّهِ، وبِمَعْنى الرَّجاءِ في حَقِّ سِواهُ. وقَرَأ الحَسَنُ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ " خَطايايَ ": قالا: لَيْسَتْ خَطِيئَتُهُ واحِدَةٌ. قالَ النَّحّاسُ: خَطِيئَةٌ بِمَعْنى خَطايا في كَلامِ العَرَبِ. قالَ مُجاهِدٌ: يَعْنِي بِخَطِيئَتِهِ قَوْلَهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهم هَذا﴾، [الأنبياء: ٦٣] وقَوْلَهُ: ﴿إنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩]، وقَوْلُهُ: إنَّ سارَةَ أُخْتُهُ، زادَ الحَسَنُ: وقَوْلَهُ لِلْكَوْكَبِ: ﴿هَذا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٧، ٧٨] وحَكى الواحِدِيُّ عَنِ المُفَسِّرِينَ أنَّهم فَسَّرُوا الخَطايا بِما فَسَّرَها بِهِ مُجاهِدٌ. قالَ الزَّجّاجُ: الأنْبِياءُ بَشَرٌ، ويَجُوزُ أنْ تَقَعَ عَلَيْهِمُ الخَطِيئَةُ إلّا أنَّهم لا تَكُونُ مِنهُمُ الكَبِيرَةُ لِأنَّهم مَعْصُومُونَ، والمُرادُ بِيَوْمِ الدِّينِ يَوْمُ الجَزاءِ لِلْعِبادِ بِأعْمالِهِمْ، ولا يَخْفى أنَّ تَفْسِيرَ الخَطايا بِما ذَكَرَهُ مُجاهِدٌ ومَن مَعَهُ ضَعِيفٌ، فَإنَّ تِلْكَ مَعارِيضُ، وهي أيْضًا إنَّما صَدَرَتْ عَنْهُ بَعْدَ هَذِهِ المُقاوَلَةِ الجارِيَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَوْمِهِ. ثُمَّ لَمّا فَرَغَ الخَلِيلُ مِنَ الثَّناءِ عَلى رَبِّهِ والِاعْتِرافِ بِنِعَمِهِ عَقَّبَهُ بِالدُّعاءِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ في ذَلِكَ. فَقالَ: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا﴾ والمُرادُ بِالحُكْمِ العِلْمُ والفَهْمُ، وقِيلَ: النُّبُوَّةُ والرِّسالَةُ، وقِيلَ: المَعْرِفَةُ بِحُدُودِ اللَّهِ وأحْكامِهِ إلى آخِرِهِ ﴿وألْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ يَعْنِي بِالنَّبِيِّينَ مِن قَبْلِي، وقِيلَ: بِأهْلِ الجَنَّةِ. ﴿واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ﴾ أيِ: اجْعَلْ لِي ثَناءً حَسَنًا في الآخِرِينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدِي إلى يَوْمِ القِيامَةِ. قالَ القُتَيْبِيُّ: وُضِعَ اللِّسانُ مَوْضِعَ القَوْلِ عَلى الِاسْتِعارَةِ. لِأنَّ القَوْلَ يَكُونُ بِهِ. وقَدْ تُكَنِّي العَرَبُ بِها عَنِ الكَلِمَةِ، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى: إنِّي أتَتْنِي لِسانٌ لا أُسِرُّ بِها وقَدْ أعْطى اللَّهُ - سُبْحانَهُ - إبْراهِيمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِما في الآخِرِينَ﴾ [الصافات: ١٠٨] فَإنَّ كُلَّ أُمَّةٍ تَتَمَسَّكُ بِهِ وتُعَظِّمُهُ. وقالَ مَكِّيٌّ: قِيلَ: مَعْنى سُؤالِهِ أنْ يَكُونَ مِن ذُرِّيَّتِهِ في آخِرِ الزَّمانِ مَن يَقُومُ بِالحَقِّ، فَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ في مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ولا وجْهَ لِهَذا التَّخْصِيصِ. وقالَ القُشَيْرِيُّ: أرادَ الدُّعاءَ الحَسَنَ إلى قِيامِ السّاعَةِ، ولا وجْهَ لِهَذا أيْضًا، فَإنَّ لِسانَ الصِّدْقِ أعَمُّ مِن ذَلِكَ. ﴿واجْعَلْنِي مِن ورَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ ( مِن ورَثَةِ ) يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثانِيًا، وأنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَحْذُوفٍ هو المَفْعُولُ الثّانِي: أيْ: وارِثًا مِن ورَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ، لَمّا طَلَبَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِالدَّعْوَةِ الأُولى سَعادَةَ الدُّنْيا طَلَبَ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ سَعادَةَ الآخِرَةِ، وهي جَنَّةُ النَّعِيمِ، وجَعَلَها مِمّا يُورَثُ تَشْبِيهًا لِغَنِيمَةِ الآخِرَةِ بِغَنِيمَةِ الدُّنْيا، وقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنى الوِراثَةِ في سُورَةِ مَرْيَمَ. ﴿واغْفِرْ لِأبِي إنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ﴾ كانَ أبُوهُ قَدْ وعَدَهُ أنَّهُ يُؤَمِنُ بِهِ، فاسْتَغْفَرَ لَهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أنَّهُ عَدُوُّ لِلَّهِ تَبَرَّأ مِنهُ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذا مُسْتَوْفًى في سُورَةِ التَّوْبَةِ وسُورَةِ مَرْيَمَ، ومَعْنى مِنَ الضّالِّينَ مِنَ المُشْرِكِينَ الضّالِّينَ عَنْ طَرِيقِ الهِدايَةِ، و ( كانَ ) زائِدَةٌ عَلى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ كَما تَقَدَّمَ في غَيْرِ مَوْضِعٍ. ﴿ولا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ أيْ: لا تَفْضَحْنِي عَلى رُءُوسِ الأشْهادِ بِمُعاتَبَتِي، أوْ لا تُعَذِّبْنِي يَوْمَ القِيامَةِ، أوْ لا تُخْزِنِي بِتَعْذِيبِ أبِي أوْ بِبَعْثِهِ في جُمْلَةِ الضّالِّينَ، والإخْزاءُ يُطْلَقُ عَلى الخِزْيِ وهو الهَوانُ، وعَلى الخِزايَةِ وهي الحَياءُ. و﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ﴾ بَدَلٌ مِن يَوْمِ يَبْعَثُونَ: أيْ: يَوْمَ لا يَنْفَعُ فِيهِ المالُ والبَنُونَ أحَدًا مِنَ النّاسِ، والِابْنُ هو أخَصُّ القَرابَةِ وأوْلاهم بِالحِمايَةِ والدَّفْعِ والنَّفْعِ، فَإذا لَمْ يَنْفَعْ فَغَيْرُهُ مِنَ القُرابَةِ والأعْوانِ بِالأوْلى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إنَّ هَذا وما بَعْدَهُ مِن كَلامِ اللَّهِ، وهو ضَعِيفٌ. والِاسْتِثْناءُ بِقَوْلِهِ: ﴿إلّا مَن أتى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ قِيلَ: هو مُنْقَطِعٌ: أيْ: لَكِنَّ مَن أتى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. قالَ في الكَشّافِ: إلّا حالَ مَن أتى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، فَقَدَّرَ مُضافًا مَحْذُوفًا. قالَ أبُو حَيّانَ: ولا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلى ذَلِكَ. وقِيلَ: إنَّ هَذا الِاسْتِثْناءَ بَدَلٌ مِنَ المَفْعُولِ المَحْذُوفِ، أوْ مُسْتَثْنًى مِنهُ، إذِ التَّقْدِيرُ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ أحَدًا مِنَ النّاسِ إلّا مَن كانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن فاعِلِ يَنْفَعُ، فَيَكُونُ مَرْفُوعًا. قالَ أبُو البَقاءِ: فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: إلّا مالُ مَن أوْ بَنُو مَن فَإنَّهُ يَنْفَعُ. واخْتُلِفَ في مَعْنى القَلْبِ السَّلِيمِ، فَقِيلَ: السَّلِيمُ مِنَ الشِّرْكِ، فَأمّا الذُّنُوبُ فَلَيْسَ يَسْلَمُ مِنها أحَدٌ، قالَهُ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: القَلْبُ السَّلِيمُ الصَّحِيحُ، وهو قَلْبُ المُؤْمِنِ، لِأنَّ قَلْبَ الكافِرِ والمُنافِقِ مَرِيضٌ، وقِيلَ: هو القَلْبُ الخالِي عَنِ البِدْعَةِ المُطْمَئِنُّ إلى السُّنَةِ، وقِيلَ: السّالِمُ مِن آفَةِ المالِ والبَنِينَ. وقالَ الضَّحّاكُ: السَّلِيمُ الخالِصُ. وقالَ الجُنَيْدُ السَّلِيمُ في اللُّغَةِ اللَّدِيغُ، فَمَعْناهُ: أنَّهُ قُلِبَ كاللَّدِيغِ مِن خَوْفِ اللَّهِ تَعالى، وهَذا تَحْرِيفٌ وتَعْكِيسٌ لِمَعْنى القُرْآنِ. قالَ الرّازِّيُّ: أصَحُّ الأقْوالِ أنَّ المُرادَ مِنهُ سَلامَةُ النَّفْسِ عَنِ الجَهْلِ والأخْلاقِ الرَّذِيلَةِ. ﴿وأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أيْ: قُرِّبَتْ وأُدْنِيَتْ لَهم لِيَدْخُلُوها. وقالَ الزَّجّاجُ: قُرْبُ دُخُولِهِمْ إيّاها ونَظَرِهِمْ إلَيْها. ﴿وبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِلْغاوِينَ﴾ أيْ: جُعِلَتْ بارِزَةً لَهم، والمُرادُ بِالغاوِينَ الكافِرُونَ، والمَعْنى: أنَّها أُظْهِرَتْ قَبْلَ أنْ يَدْخُلَها المُؤْمِنُونَ لِيَشْتَدَّ حُزْنُ الكافِرِينَ، ويَكْثُرَ سُرُورُ المُؤْمِنِينَ. ﴿وقِيلَ لَهم أيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ مِنَ الأصْنامِ والأنْدادِ ﴿هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ﴾ فَيَدْفَعُونَ عَنْكُمُ العَذابَ ﴿أوْ يَنْتَصِرُونَ﴾ بِدَفْعِهِ عَنْ أنْفُسِهِمْ. وهَذا كُلُّهُ تَوْبِيخٌ وتَقْرِيعٌ لَهم، وقَرَأ مالِكُ بْنُ دِينارٍ " وبَرَزَتْ " بِفَتْحِ الباءِ والرّاءِ مُبَيِّنًا لِلْفاعِلِ. ﴿فَكُبْكِبُوا فِيها هم والغاوُونَ﴾ أيْ: أُلْقُوا في جَهَنَّمَ هم: يَعْنِي المَعْبُودِينَ، والغاوُونَ: يَعْنِي العابِدِينَ لَهم. وقِيلَ: مَعْنى كُبْكِبُوا: قُلِبُوا عَلى رُءُوسِهِمْ، وقِيلَ: أُلْقِيَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ، وقِيلَ: جُمِعُوا، مَأْخُوذٌ مِنَ الكَبْكَبَةِ وهي الجَماعَةُ قالَ الهَرَوِيُّ. وقالَ النَّحّاسُ: هو مُشْتَقٌّ مِن كَوْكَبِ الشَّيْءِ أيْ: مُعْظَمُهُ، والجَماعَةُ (p-١٠٦١)مِنَ الخَيْلِ كَوْكَبٌ وكَبْكَبَةٌ، وقِيلَ: دُهْدِهُوا، وهَذِهِ المَعانِي مُتَقارِبَةٌ، وأصْلُهُ كُبِّبُوا بِباءَيْنِ، الأُولى مُشَدَّدَةٌ مِن حَرْفَيْنِ، فَأُبْدِلَ مِنَ الباءِ الوُسْطى الكافُ. وقَدْ رَجَّحَ الزَّجّاجُ أنَّ المَعْنى: طَرْحُ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ. ورَجَّحَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أنَّ المَعْنى: أُلْقُوا عَلى رُءُوسِهِمْ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ في كُبْكِبُوا لِقُرَيْشٍ، والغاوُونَ الآلِهَةُ، والمُرادُ بِجُنُودِ إبْلِيسَ شَياطِينُهُ الَّذِينَ يُغْوُونَ العِبادَ، وقِيلَ: ذُرِّيَّتُهُ، وقِيلَ: كُلُّ مَن يَدْعُو إلى عِبادَةِ الأصْنامِ. وأجْمَعُونَ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ في كُبْكِبُوا وما عُطِفَ عَلَيْهِ. وجُمْلَةُ ﴿قالُوا وهم فِيها يَخْتَصِمُونَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوابُ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: ماذا قالُوا حِينَ فُعِلَ بِهِمْ ما فُعِلَ. ومَقُولُ القَوْلِ ﴿تاللَّهِ إنْ كُنّا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وجُمْلَةُ: ﴿وهم فِيها يَخْتَصِمُونَ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ: أيْ: قالُوا هَذِهِ المَقالَةَ حالَ كَوْنِهِمْ في جَهَنَّمَ مُخْتَصِمِينَ، و" إنْ " في إنْ كُنّا هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، واللّامُ فارِقَةٌ بَيْنَها وبَيْنَ النّافِيَةِ، أيْ: قالُوا تاللَّهِ إنَّ الشَّأْنَ كَوْنُنا في ضَلالٍ واضِحٍ ظاهِرٍ، والمُرادُ بِالضَّلالِ هُنا الخَسارُ والتَّبارُ والحَيْرَةُ عَنِ الحَقِّ، والعامِلُ في الظَّرْفِ. أعْنِي ﴿إذْ نُسَوِّيكم بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ هو كَوْنُهم في الضَّلالِ المُبِينِ. وقِيلَ: العامِلُ هو الضَّلالُ، وقِيلَ: ما يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ، كَأنَّهُ قِيلَ: ضَلَلْنا وقْتَ تَسْوِيَتِنا لَكم بِرَبِّ العالَمِينَ. وقالَ الكُوفِيُّونَ: إنَّ " إنْ " في إنْ كُنّا نافِيَةٌ واللّامُ بِمَعْنى إلّا أيْ: ما كُنّا إلّا في ضَلالٍ مُبِينٍ، والأوَّلُ أوْلى، وهو مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ. ﴿فَما لَنا مِن شافِعِينَ﴾ يَشْفَعُونَ لَنا مِنَ العَذابِ كَما لِلْمُؤْمِنِينَ. ﴿ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ أيْ: ذِي قَرابَةٍ، والحَمِيمُ القَرِيبُ الَّذِي تَوَدُّهُ ويَوَدُّكَ، ووَحَّدَ الصَّدِيقَ لِما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّهُ يُطْلَقُ عَلى الواحِدِ والِاثْنَيْنِ والجَماعَةِ والمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، والحَمِيمُ مَأْخُوذٌ مِن حامَّةِ الرَّجُلِ، أيْ: أقْرِبائِهِ، ويُقالُ: حَمَّ الشَّيْءُ وأحَمَّ إذا قَرُبَ مِنهُ، ومِنهُ الحُمّى لِأنَّهُ يُقَرِّبُ مِنَ الأجَلِ. وقالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى: إنَّما سُمِّيَ القَرِيبُ حَمِيمًا لِأنَّهُ يَحْمى لِغَضَبِ صاحِبِهِ، فَجَعَلَهُ مَأْخُوذًا مِنَ الحَمِيَّةِ. ﴿فَلَوْ أنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ هَذا مِنهم عَلى طَرِيقِ التَّمَنِّي الدّالِّ عَلى كَمالِ التَّحَسُّرِ كَأنَّهم قالُوا: فَلَيْتَ لَنا كَرَةً أيْ: رَجْعَةً إلى الدُّنْيا، وجَوابُ التَّمَنِّي ( ﴿فَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ ) أيْ: نَصِيرَ مِن جُمْلَتِهِمْ. والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً﴾ إلى ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِن نَبَأِ إبْراهِيمَ، والآيَةُ العِبْرَةُ والعَلامَةُ، والتَّنْوِينُ يَدُلُّ عَلى التَّعْظِيمِ والتَّفْخِيمِ ﴿وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: أكْثَرُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَتْلُو عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - نَبَأ إبْراهِيمَ، وهم قُرَيْشٌ ومَن دانَ بِدِينِهِمْ. وقِيلَ: وما كانَ أكْثَرُ قَوْمِ إبْراهِيمَ بِمُؤْمِنِينَ، وهو ضَعِيفٌ لِأنَّهم كُلَّهم غَيْرُ مُؤْمِنِينَ. ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ أيْ: هو القاهِرُ لِأعْدائِهِ الرَّحِيمُ بِأوْلِيائِهِ، أوِ الرَّحِيمُ لِلْأعْداءِ بِتَأْخِيرِ عُقُوبَتِهِمْ وتَرْكِ مُعاجَلَتِهِمْ. وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وألْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ يَعْنِي بِأهْلِ الجَنَّةِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ﴾ قالَ: اجْتِماعُ أهْلِ المِلَلِ عَلى إبْراهِيمَ. وأخْرَجَ عَنْهُ أيْضًا واغْفِرْ لِأبِي قالَ: امْنُنْ عَلَيْهِ بِتَوْبَةٍ يَسْتَحِقُّ بِها مُغْفِرَتَكَ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «يَلْقى إبْراهِيمُ أباهُ آزَرَ يَوْمَ القِيامَةِ وعَلى وجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إبْراهِيمُ: ألَمْ أقُلْ لَكَ لا تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أبُوهُ: فاليَوْمَ لا أعْصِيكَ، فَيَقُولُ إبْراهِيمُ: رَبِّ إنَّكَ وعَدْتَنِي أنْ لا تَخِزِيَنِي يَوْمَ يَبْعَثُونَ، فَأيُّ خِزْيٍ أخْزى مِن أبِي الأبْعَدِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ: إنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلى الكافِرِينَ، ثُمَّ يَقُولُ: يا إبْراهِيمُ ما تَحْتَ رِجْلَيْكَ ؟ فَإذا هو بِذِيخٍ مُتَلَطِّخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوائِمِهِ فَيُلْقى في النّارِ» والذِّيخُ هو الذَّكَرُ مِنَ الضِّباعِ، فَكَأنَّهُ حَوَّلَ آزَرَ إلى صُورَةِ ذِيخٍ. وقَدْ أخْرَجَهُ النَّسائِيُّ بِأطْوَلَ مِن هَذا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿إلّا مَن أتى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ قالَ: شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ ﴿فَكُبْكِبُوا فِيها﴾ قالَ: جُمِعُوا فِيها ﴿هم والغاوُونَ﴾ قالَ: مُشْرِكُو العَرَبِ والآلِهَةُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا ﴿فَلَوْ أنَّ لَنا كَرَّةً﴾ قالَ رَجْعَةً إلى الدُّنْيا ﴿فَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ حَتّى تَحِلَّ لَنا الشَّفاعَةُ كَما حَلَّتْ لِهَؤُلاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب