الباحث القرآني

. جُمْلَةُ إنَّما المُؤْمِنُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَقْدِيرِ ما تَقَدَّمَها مِنَ الأحْكامِ، وإنَّما مِن صِيَغِ الحَصْرِ. والمَعْنى: لا يَتِمُّ إيمانٌ ولا يَكْمُلُ حَتّى يَكُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وجُمْلَةُ ﴿وإذا كانُوا مَعَهُ عَلى أمْرٍ جامِعٍ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى آمَنُوا داخِلَةٌ مَعَهُ في حَيِّزِ الصِّلَةِ، أيْ: إذا كانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَلى أمْرٍ جامِعٍ، أيْ: عَلى أمْرِ طاعَةٍ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْها، نَحْوَ الجُمُعَةِ والنَّحْرِ والفِطْرِ والجِهادِ وأشْباهِ ذَلِكَ، وسُمِّيَ الأمْرُ جامِعًا مُبالَغَةً ﴿لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - إذا صَعِدَ المِنبَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وأرادَ الرَّجُلُ أنْ يَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ لِحاجَةٍ أوْ عُذْرٍ لَمْ يَخْرُجْ حَتّى يَقُومَ بِحِيالِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - حَيْثُ يَراهُ، فَيَعْرِفُ أنَّهُ إنَّما قامَ لِيَسْتَأْذِنَ فَيَأْذَنُ لِمَن يَشاءُ مِنهم. قالَ مُجاهِدٌ: وإذْنُ الإمامِ يَوْمَ الجُمُعَةِ أنْ يُشِيرَ بِيَدِهِ. قالَ الزَّجّاجُ: أعْلَمَ اللَّهُ أنَّ المُؤْمِنِينَ إذا كانُوا مَعَ نَبِيِّهِ فِيما يَحْتاجُ فِيهِ إلى الجَماعَةِ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ، وكَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يَكُونُوا مَعَ الإمامِ لا يُخالِفُونَهُ ولا يَرْجِعُونَ عَنْهُ في جَمْعٍ مِن جُمُوعِهِمْ إلّا بِإذْنِهِ، ولِلْإمامِ أنْ يَأْذَنَ ولَهُ أنْ لا يَأْذَنَ عَلى ما يَرى لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأْذَنْ لِمَن شِئْتَ مِنهُمْ﴾ وقَرَأ اليَمانِيُّ ( عَلى أمْرٍ جَمِيعٍ ) . والحاصِلُ أنَّ الأمْرَ الجامِعَ أوِ الجَمِيعَ هو الَّذِي يَعُمُّ نَفْعُهُ أوْ ضَرَرُهُ، وهو الأمْرُ الجَلِيلُ الَّذِي يَحْتاجُ إلى اجْتِماعِ أهْلِ الرَّأْيِ والتَّجارِبِ. قالَ العُلَماءُ: كُلُّ أمْرٍ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ مَعَ الإمامِ لا يُخالِفُونَهُ ولا يَرْجِعُونَ عَنْهُ إلّا بِإذْنٍ، ثُمَّ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ فَبَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّ المُسْتَأْذِنِينَ: هُمُ المُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ كَما حَكَمَ أوَّلًا بِأنَّ المُؤْمِنِينَ الكامِلِينَ الإيمانَ: هُمُ الجامِعُونَ بَيْنَ الإيمانِ بِهِما وبَيْنَ الِاسْتِئْذانِ ﴿فَإذا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ أيْ: إذا اسْتَأْذَنَ المُؤْمِنُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - لِبَعْضِ الأُمُورِ الَّتِي تُهِمُّهم فَإنَّهُ يَأْذَنُ لِمَن شاءَ مِنهم، ويَمْنَعُ مَن شاءَ عَلى حَسَبِ ما تَقْتَضِيهِ المَصْلِحَةُ الَّتِي يَراها رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، ثُمَّ أرْشَدَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ إلى الِاسْتِغْفارِ لَهم، وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الِاسْتِئْذانَ إنْ كانَ لِعُذْرٍ مُسَوَّغٍ، فَلا يَخْلُو عَنْ شائِبَةِ تَأْثِيرِ أمْرِ الدُّنْيا عَلى الآخِرَةِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أيْ: كَثِيرُ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ، بالِغٌ فِيهِما إلى الغايَةِ الَّتِي لَيْسَ وراءَها غايَةٌ. ﴿لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكم كَدُعاءِ بَعْضِكم بَعْضًا﴾ وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِما قَبْلَها أيْ: لا تَجْعَلُوا دَعْوَتَهُ إيّاكم كالدُّعاءِ مِن بَعْضِكم لِبَعْضٍ في التَّساهُلِ في بَعْضِ الأحْوالِ عَنِ الإجابَةِ أوِ الرُّجُوعِ بِغَيْرِ اسْتِئْذانٍ أوْ رَفْعِ الصَّوْتِ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٌ: المَعْنى قُولُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ في رِفْقٍ ولِينٍ، ولا تَقُولُوا: يا مُحَمَّدُ بِتَجَهُّمٍ. وقالَ قَتادَةُ: أمَرَهم أنْ يُشَرِّفُوهُ ويُفَخِّمُوهُ. وقِيلَ: المَعْنى: لا تَتَعَرَّضُوا لِدُعاءِ الرَّسُولِ عَلَيْكم بِإسْخاطِهِ، فَإنَّ دَعْوَتَهُ مُوجَبَةٌ. ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكم لِواذًا﴾ التَّسَلُّلُ: الخُرُوجُ في خُفْيَةٍ، يُقالُ تَسَلَّلَ فُلانٌ مِن بَيْنِ أصْحابِهِ: إذا خَرَجَ مِن بَيْنِهِمْ، واللِّواذُ مِنَ المُلاوَذَةِ، وهو أنْ تَسْتَتِرَ بِشَيْءٍ مَخافَةَ مَن يَراكَ، وأصْلُهُ أنْ يَلُوذَ هَذا بِذَلِكَ وذاكَ بِهَذا، واللَّوْذُ ما يُطِيفُ بِالجَبَلِ، وقِيلَ: اللِّواذُ الزَّوَغانُ مِن شَيْءٍ إلى شَيْءٍ في خُفْيَةٍ. وانْتِصابُ ( لِواذًا ) عَلى الحالِ أيْ: مُتَلاوِذِينَ يَلُوذُ بَعْضُهم بِبَعْضٍ ويَنْضَمُّ إلَيْهِ، وقِيلَ: هو مُنْتَصِبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ لِفِعْلٍ مُضْمَرٍ هو الحالُ في الحَقِيقَةِ أيْ: يَلُوذُونَ لِواذًا. وقَرَأ زَيْدٌ بْنُ قُطَيْبٍ ( لَواذًا ) بِفَتْحِ اللّامِ. وفِي الآيَةِ بَيانُ ما كانَ يَقَعُ مِنَ المُنافِقِينَ، فَإنَّهم كانُوا يَتَسَلَّلُونَ عَنْ صَلاةِ الجُمُعَةِ مُتَلاوِذِينَ يَنْضَمُّ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ اسْتِتارًا مِن رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، وقَدْ كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ أثْقَلَ يَوْمٍ عَلى المُنافِقِينَ لِما يَرَوْنَ مِنَ الِاجْتِماعِ لِلصَّلاةِ والخُطْبَةِ فَكانُوا يَفِرُّونَ عَنِ الحُضُورِ ويَتَسَلَّلُونَ في خُفْيَةٍ ويَسْتَتِرُ بَعْضُهم بِبَعْضٍ ويَنْضَمُّ إلَيْهِ. وقِيلَ: اللِّواذُ: الفِرارُ مِنَ الجِهادِ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، ومِنهُ قَوْلُ حَسّانَ: ؎وقُرَيْشٌ تَجُولُ مِنكم لِواذًا لَمْ تُحافِظْ وجَفَّ مِنها الحُلُومُ ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ﴾ الفاءُ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها أيْ: يُخالِفُونَ أمْرَ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِتَرْكِ العَمَلِ بِمُقْتَضاهُ وعُدِّيَ فِعْلُ المُخالَفَةِ بِعَنْ مَعَ كَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنى الإعْراضِ أوِ الصَّدِّ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلَّهِ سُبْحانَهُ لِأنَّهُ الآمِرُ بِالحَقِيقَةِ، و﴿أنْ تُصِيبَهم فِتْنَةٌ﴾ مَفْعُولُ ( يَحْذَرْ ) وفاعِلُهُ المَوْصُولُ. والمَعْنى: فَلْيَحْذَرِ المُخالِفُونَ عَنْ أمْرِ اللَّهِ أوْ أمْرِ رَسُولِهِ أوْ أمْرِهِما جَمِيعًا إصابَةَ فِتْنَةٍ لَهم ﴿أوْ يُصِيبَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ أيْ في الآخِرَةِ، كَما أنَّ الفِتْنَةَ الَّتِي حَذَّرَهم مِن إصابَتِها لَهم هي في الدُّنْيا، وكَلِمَةُ ( أوْ ) لِمَنعِ الخُلُوِّ. قالَ القُرْطُبِيُّ: احْتَجَّ الفُقَهاءُ عَلى أنَّ الأمْرَ لِلْوُجُوبِ بِهَذِهِ الآيَةِ، ووَجْهُ ذَلِكَ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ قَدْ حَذَّرَ مِن مُخالَفَةِ أمْرِهِ، وتَوَعَّدَ بِالعِقابِ عَلَيْها بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ تُصِيبَهم فِتْنَةٌ﴾ الآيَةَ، فَيَجِبُ امْتِثالُ أمْرِهِ، وتَحْرُمُ مُخالَفَتُهُ، والفِتْنَةُ هُنا غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِنَوْعٍ مِن أنْواعِ الفِتَنِ، وقِيلَ: مِنَ القَتْلِ، وقِيلَ: الطَّبْعُ عَلى قُلُوبِهِمْ. (p-١٠٣١)قالَ أبُو عُبَيْدَةَ والأخْفَشُ: ( عَنْ ) في هَذا المَوْضِعِ زائِدَةٌ. وقالَ الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ: لَيْسَتْ بِزائِدَةٍ، بَلْ هي بِمَعْنى بَعْدَ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ﴾ أيْ: بَعْدَ أمْرِ رَبِّهِ، والأوْلى ما ذَكَرْناهُ مِنَ التَّضْمِينِ. ﴿ألا إنَّ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ مِنَ المَخْلُوقاتِ بِأسْرِها، فَهي مِلْكُهُ ﴿قَدْ يَعْلَمُ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ أيُّها العِبادُ مِنَ الأحْوالِ الَّتِي أنْتُمْ عَلَيْها فَيُجازِيكم بِحَسَبِ ذَلِكَ، ويَعْلَمُ هاهُنا بِمَعْنى عَلِمَ ﴿ويَوْمَ يُرْجَعُونَ إلَيْهِ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ أيْ: يَعْلَمُ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ ويَعْلَمُ يَوْمَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ، فَيُجازِيكم فِيهِ بِما عَمِلْتُمْ، وتَعْلِيقُ عِلْمِهِ سُبْحانَهُ بِـ ( يَوْمَ يَرْجِعُونَ ) لا بِنَفْسِ رَجْعِهِمْ لِزِيادَةِ تَحْقِيقِ عِلْمِهِ، لِأنَّ العِلْمَ بِوَقْتِ وُقُوعِ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ العِلْمَ بِوُقُوعِهِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ ﴿فَيُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا﴾ أيْ يُخْبِرُهم بِما عَمِلُوا مِنَ الأعْمالِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها مُخالَفَةُ الأمْرِ، والظّاهِرُ مِنَ السِّياقِ أنَّ هَذا الوَعِيدَ لِلْمُنافِقِينَ ﴿واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن أعْمالِهِمْ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ وابْنُ المُنْذِرِ والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنْ عُرْوَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قالا: لَمّا أقْبَلَتْ قُرَيْشٌ عامَ الأحْزابِ نَزَلُوا بِمَجْمَعِ الأسْيالِ مِن رَوْمَةِ بِئْرٍ بِالمَدِينَةِ، قائِدُها أبُو سُفْيانَ، وأقْبَلَتْ غَطَفانُ حَتّى نَزَلُوا بِنَقَمى إلى جانِبِ أُحُدٍ، وجاءَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - الخَبَرُ، فَضَرَبَ الخَنْدَقَ عَلى المَدِينَةِ وعَمِلَ فِيهِ المُسْلِمُونَ، وأبْطَأ رِجالٌ مِنَ المُنافِقِينَ، وجَعَلُوا يُورُّونَ بِالضَّعِيفِ مِنَ العَمَلِ، فَيَتَسَلَّلُونَ إلى أهْلِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِن رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ولا إذْنٍ، وجَعَلَ الرَّجُلُ مِنَ المُسْلِمِينَ إذا نابَتْهُ النّائِبَةُ مِنَ الحاجَةِ الَّتِي لا بُدَّ مِنها يَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ويَسْتَأْذِنُهُ في اللُّحُوقِ لِحاجَتِهِ فَيَأْذَنُ لَهُ، فَإذا قَضى حاجَتَهُ رَجَعَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ في أُولَئِكَ ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في الآيَةِ قالَ: هي في الجِهادِ والجُمُعَةِ والعِيدَيْنِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ في قَوْلِهِ: ﴿عَلى أمْرٍ جامِعٍ﴾ قالَ: مِن طاعَةِ اللَّهِ عامٌّ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وأبُو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ﴾ الآيَةَ، قالَ: يَعْنِي كَدُعاءِ أحَدِكم إذا دَعا أخاهُ بِاسْمِهِ، ولَكِنْ وقِّرُوهُ وقُولُوا لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، يا نَبِيَّ اللَّهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ في تَفْسِيرِهِ، وأبُو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ، قالَ: لا تَصِيحُوا بِهِ مِن بَعِيدٍ يا أبا القاسِمِ، ولَكِنْ كَما قالَ اللَّهُ في الحُجُراتِ ﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْواتَهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ . وأخْرَجَ أبُو داوُدَ في مَراسِيلِهِ عَنْ مُقاتِلٍ، قالَ: كانَ لا يَخْرُجُ أحَدٌ لِرُعافٍ أوْ إحْداثٍ حَتّى يَسْتَأْذِنَ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يُشِيرُ إلَيْهِ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الإبْهامَ، فَيَأْذَنُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يُشِيرُ إلَيْهِ بِيَدِهِ، وكانَ مِنَ المُنافِقِينَ مَن يَثْقُلُ عَلَيْهِ الخُطْبَةُ والجُلُوسُ في المَسْجِدِ، فَكانَ إذا اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ قامَ المُنافِقُ إلى جَنْبِهِ يَسْتَتِرُ بِهِ حَتّى يَخْرُجَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكم لِواذًا﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ في فَضائِلِهِ والطَّبَرانِيُّ، قالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ «عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وهو يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ في خاتِمَةِ سُورَةِ النُّورِ، وهو جاعِلٌ أُصْبُعَيْهِ تَحْتَ عَيْنَيْهِ يَقُولُ: بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب