الباحث القرآني
.
قَوْلُهُ: ﴿مِن رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ﴾ قِيلَ الرَّسُولُ الَّذِي أُرْسِلَ إلى الخَلْقِ بِإرْسالِ جِبْرِيلَ إلَيْهِ عِيانًا ومُحاوَرَتُهُ شِفاهًا، والنَّبِيُّ الَّذِي يَكُونُ إلْهامًا أوْ مَنامًا.
وقِيلَ: الرَّسُولُ مَن بُعِثَ بِشَرْعٍ وأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، والنَّبِيُّ مَن أُمِرَ أنْ يَدْعُوَ إلى شَرِيعَةِ مَن قَبْلَهُ، ولَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ كِتابٌ، ولا بُدَّ لَهُما جَمِيعًا مِنَ المُعْجِزَةِ الظّاهِرَةِ ﴿إلّا إذا تَمَنّى ألْقى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ﴾ مَعْنى تَمَنّى: تَشَهّى وهَيَّأ في نَفْسِهِ ما يَهْواهُ.
قالَ الواحِدِيُّ: وقالَ المُفَسِّرُونَ: مَعْنى تَمَنّى تَلا.
قالَ جَماعَةُ المُفَسِّرِينَ في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ: أنَّهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - لَمّا شَقَّ عَلَيْهِ إعْراضُ قَوْمِهِ عَنْهُ تَمَنّى في نَفْسِهِ أنْ لا يَنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُنَفِّرُهم عَنْهُ لِحِرْصِهِ عَلى إيمانِهِمْ، فَكانَ ذاتَ يَوْمٍ جالِسًا في نادٍ مِن أنْدِيَتِهِمْ وقَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ سُورَةُ ( والنَّجْمِ إذا هَوى ) [النجم: ١] فَأخَذَ يَقْرَؤُها عَلَيْهِمْ حَتّى بَلَغَ قَوْلَهُ: ﴿أفَرَأيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى ومَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى﴾ [النجم: ١٩ - ٢٠] وكانَ ذَلِكَ التَّمَنِّي في نَفْسِهِ، فَجَرى عَلى لِسانِهِ مِمّا ألْقاهُ الشَّيْطانُ عَلَيْهِ: تِلْكَ الغَرانِيقُ العُلى، وإنَّ شَفاعَتَها لَتُرْتَجى فَلَمّا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ فَرِحُوا ومَضى رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - في قِراءَتِهِ حَتّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَلَمّا سَجَدَ في آخِرِها سَجَدَ مَعَهُ جَمِيعُ مَن في النّادِي مِنَ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، فَتَفَرَّقَتْ قُرَيْشٌ مَسْرُورِينَ بِذَلِكَ قالُوا: قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنا بِأحْسَنِ الذِّكْرِ، فَأتاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: ما صَنَعْتَ ؟ تَلَوْتَ عَلى النّاسِ ما لَمْ آتِكَ بِهِ عَنِ اللَّهِ، فَحَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وخافَ خَوْفًا شَدِيدًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ، هَكَذا قالُوا.
ولَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِن هَذا، ولا ثَبَتَ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، ومَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ بَلْ بُطْلانُهُ فَقَدْ دَفَعَهُ المُحَقِّقُونَ بِكِتابِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، قالَ اللَّهُ: ﴿ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ لَأخَذْنا مِنهُ بِاليَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾ [الحاقة: ٤٤ - ٤٦] (p-٩٧٠)وقَوْلُهُ: ﴿وما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى﴾ [النجم: ٣] وقَوْلُهُ: ﴿ولَوْلا أنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ﴾ [الإسراء: ٧٤] فَنَفى المُقارَبَةَ لِلرُّكُونِ فَضْلًا عَنِ الرُّكُونِ.
قالَ البَزّارُ: هَذا حَدِيثٌ لا نَعْلَمُهُ يُرْوى عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِإسْنادٍ مُتَّصِلٍ.
وقالَ البَيْهَقِيُّ: هَذِهِ القِصَّةُ غَيْرُ ثابِتَةٍ مِن جِهَةِ النَّقْلِ، ثُمَّ أخَذَ يَتَكَلَّمُ أنَّ رُواةَ هَذِهِ القِصَّةَ مَطْعُونٌ فِيهِمْ.
وقالَ إمامُ الأئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: إنَّ هَذِهِ القِصَّةَ مِن وضْعِ الزَّنادِقَةِ.
قالَ القاضِي عِياضٌ في الشِّفاءِ: إنَّ الأُمَّةَ أجْمَعَتْ فِيما طَرِيقُهُ البَلاغُ أنَّهُ مَعْصُومٌ فِيهِ مِنَ الإخْبارِ عَنْ شَيْءٍ بِخِلافِ ما هو عَلَيْهِ، لا قَصْدًا ولا عَمْدًا ولا سَهْوًا ولا غَلَطًا.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: قَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ هاهُنا قِصَّةَ الغَرانِيقِ، وما كانَ مِن رُجُوعِ كَثِيرٍ مِنَ المُهاجِرِينَ إلى أرْضِ الحَبَشَةِ ظَنًّا مِنهم أنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ قَدْ أسْلَمُوا، ولَكِنَّها مَن طُرُقٍ كُلِّها مُرْسَلَةٍ، ولَمْ أرَها مُسْنَدَةً مِن وجْهٍ صَحِيحٍ.
وإذا تَقَرَّرَ لَكَ بُطْلانُ ذَلِكَ عَرَفْتَ أنَّ مَعْنى تَمَنّى قَرَأ وتَلا كَما قَدَّمْنا مِن حِكايَةِ الواحِدِيِّ لِذَلِكَ عَنِ المُفَسِّرِينَ.
وكَذا قالَ البَغَوِيُّ: إنَّ أكْثَرَ المُفَسِّرِينَ قالُوا مَعْنى تَمَنّى تَلا وقَرَأ كِتابَ اللَّهِ، ومَعْنى ﴿ألْقى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ﴾ أيْ في تِلاوَتِهِ وقِراءَتِهِ.
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذا القَوْلُ أشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الكَلامِ، ويُؤَيِّدُ هَذا ما تَقَدَّمَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿لا يَعْلَمُونَ الكِتابَ إلّا أمانِيَّ﴾ [البقرة: ٧٨] وقِيلَ: مَعْنى تَمَنّى حَدَّثَ، ومَعْنى ﴿ألْقى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ﴾ في حَدِيثِهِ، رُوِيَ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقِيلَ: مَعْنى تَمَنّى قالَ.
فَحاصِلُ مَعْنى الآيَةِ: أنَّ الشَّيْطانَ أوْقَعَ في مَسامِعِ المُشْرِكِينَ ذَلِكَ مِن دُونِ أنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ولا جَرى عَلى لِسانِهِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ تَسْلِيَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أيْ لا يَهُولَنَّكَ ذَلِكَ ولا يُحْزِنْكَ، فَقَدْ أصابَ مِثْلُ هَذا مَن قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ والأنْبِياءِ، وعَلى تَقْدِيرِ أنَّ مَعْنى تَمَنّى حَدَّثَ نَفْسَهُ كَما حَكاهُ الفَرّاءُ والكِسائِيُّ فَإنَّهُما قالا: تَمَنّى إذا حَدَّثَ نَفْسَهُ، فالمَعْنى: أنَّهُ إذا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ الشَّيْطانُ وألْقاهُ في مَسامِعِ النّاسِ مِن دُونِ أنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ولا جَرى عَلى لِسانِهِ.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لا خِلافَ أنَّ إلْقاءَ الشَّيْطانِ إنَّما هو لِألْفاظٍ مَسْمُوعَةٍ وقَعَتْ بِها الفِتْنَةُ.
وقَدْ قِيلَ في تَأْوِيلِ الآيَةِ: إنَّ المُرادَ بِالغَرانِيقِ المَلائِكَةُ، ويُرَدُّ بِقَوْلِهِ: ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ﴾ أيْ يُبْطِلُهُ، وشَفاعَةُ المَلائِكَةِ غَيْرُ باطِلَةٍ.
وقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ جَرى عَلى لِسانِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - سَهْوًا ونِسْيانًا وهُما مُجَوَّزانِ عَلى الأنْبِياءِ، ويُرَدُّ بِأنَّ السَّهْوَ والنِّسْيانَ فِيما طَرِيقُهُ البَلاغُ غَيْرُ جائِزٍ كَما هو مُقَرَّرٌ في مَواطِنِهِ، ثُمَّ لَمّا سَلّاهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِهَذِهِ التَّسْلِيَةِ وأنَّها قَدْ وقَعَتْ لِمَن قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ والأنْبِياءِ بَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّهُ يُبْطِلُ ذَلِكَ ولا يُثْبِتُهُ ولا يَسْتَمِرُّ تَغْرِيرُ الشَّيْطانِ بِهِ فَقالَ: ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ﴾ أيْ يُبْطِلُهُ ويَجْعَلُهُ ذاهِبًا غَيْرَ ثابِتٍ ﴿ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ﴾ أيْ يُثْبِتُها ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أيْ كَثِيرُ العِلْمِ والحِكْمَةِ في كُلِّ أقْوالِهِ وأفْعالِهِ.
وجُمْلَةُ ﴿لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً﴾ لِلتَّعْلِيلِ أيْ: ذَلِكَ الإلْقاءُ الَّذِي يُلْقِيهُ الشَّيْطانُ فِتْنَةً أيْ: ضَلالَةً ﴿لِلَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ أيْ شَكٌّ ونِفاقٌ ﴿والقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ هُمُ المُشْرِكُونَ، فَإنَّ قُلُوبَهم لا تَلِينُ لِلْحَقِّ أبَدًا ولا تَرْجِعُ إلى الصَّوابِ بِحالٍ، ثُمَّ سَجَّلَ سُبْحانَهُ عَلى هاتَيْنِ الطّائِفَتَيْنِ: وهُما مَن في قَلْبِهِ مَرَضٌ، ومَن في قَلْبِهِ قَسْوَةٌ بِأنَّهم ظالِمُونَ فَقالَ: ﴿وإنَّ الظّالِمِينَ لَفي شِقاقٍ بَعِيدٍ﴾ أيْ عَداوَةٍ شَدِيدَةٍ، ووَصْفُ الشِّقاقِ بِالبُعْدِ مُبالَغَةٌ، والمَوْصُوفُ بِهِ في الحَقِيقَةِ مَن قامَ بِهِ.
ولَمّا بَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّ ذَلِكَ الإلْقاءَ كانَ فِتْنَةً في حَقِّ أهْلِ النِّفاقِ والشَّكِّ والشِّرْكِ، بَيَّنَ أنَّهُ في حَقِّ المُؤْمِنِينَ العالِمِينَ بِاللَّهِ العارِفِينَ بِهِ سَبَبٌ لِحُصُولِ العِلْمِ لَهم بِأنَّ القُرْآنَ حَقٌّ وصِدْقٌ فَقالَ: ﴿ولِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّكَ﴾ أيِ الحَقُّ النّازِلُ مِن عِنْدِهِ، وقِيلَ: إنَّ الضَّمِيرَ في أنَّهُ راجِعٌ إلى تَمْكِينِ الشَّيْطانِ مِنَ الإلْقاءِ؛ لِأنَّهُ مِمّا جَرَتْ بِهِ عادَتُهُ مِن أنْبِيائِهِ، ولَكِنَّهُ يَرُدُّ هَذا قَوْلُهُ: فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَإنَّ المُرادَ بِالإيمانِ بِالقُرْآنِ أيْ: يَثْبُتُوا عَلى الإيمانِ بِهِ ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ أيْ تَخْشَعُ وتَسْكُنُ وتَنْقادُ، فَإنَّ الإيمانَ بِهِ وإخْباتَ القُلُوبِ لَهُ لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونا تَمْكِينًا مِنَ الشَّيْطانِ بَلْ لِلْقُرْآنِ ﴿وإنَّ اللَّهَ لَهادِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ في أُمُورِ دِينِهِمْ ﴿إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أيْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ لا عِوَجَ بِهِ.
وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ ( وإنَّ اللَّهَ لِهادٍ الَّذِينَ آمَنُوا ) بِالتَّنْوِينِ.
﴿ولا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا في مِرْيَةٍ مِنهُ﴾ أيْ في شَكٍّ مِنَ القُرْآنِ، وقِيلَ: في الدِّينِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، وقِيلَ: في إلْقاءِ الشَّيْطانِ، فَيَقُولُونَ: ما بالُهُ ذَكَرَ الأصْنامَ بِخَيْرٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ ؟ وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ( في مُرْيَةٍ ) بِضَمِّ المِيمِ ﴿حَتّى تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ﴾ أيِ القِيامَةُ بَغْتَةً أيْ فَجْأةً ﴿أوْ يَأْتِيَهم عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ وهو يَوْمُ القِيامَةِ؛ لِأنَّهُ لا يَوْمَ بَعْدَهُ، فَكانَ بِهَذا الِاعْتِبارِ عَقِيمًا، والعَقِيمُ في اللُّغَةِ مَن لا يَكُونُ لَهُ ولَدٌ، ولَمّا كانَتِ الأيّامُ تَتَوالى جُعِلَ ذَلِكَ كَهَيْئَةِ الوِلادَةِ، ولَمّا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ يَوْمٌ وُصِفَ بِالعُقْمِ، وقِيلَ: يَوْمُ حَرْبٍ يُقْتَلُونَ فِيهِ كَيَوْمِ بَدْرٍ، وقِيلَ: إنَّ اليَوْمَ وُصِفَ بِالعُقْمِ؛ لِأنَّهُ لا رَأْفَةَ فِيهِ ولا رَحْمَةَ، فَكَأنَّهُ عَقِيمٌ مِنَ الخَيْرِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ﴾ [الذاريات: ٤١] أيِ الَّتِي لا خَيْرَ فِيها ولا تَأْتِي بِمَطَرٍ.
﴿المُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ أيِ السُّلْطانُ القاهِرُ والِاسْتِيلاءُ التّامُّ: يَوْمَ القِيامَةِ لِلَّهِ سُبْحانَهُ وحْدَهُ لا مُنازِعَ لَهُ فِيهِ ولا مُدافِعَ لَهُ عَنْهُ، وجُمْلَةُ يَحْكُمُ بَيْنَهم مُسْتَأْنَفَةٌ جَوابًا عَنْ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ، ثُمَّ فَسَّرَ هَذا الحُكْمَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ في جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾ أيْ كائِنُونَ فِيها مُسْتَقِرُّونَ في أرْضِها مُنْغَمِسُونَ في نَعِيمِها.
﴿والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ أيْ جَمَعُوا بَيْنَ الكُفْرِ بِاللَّهِ والتَّكْذِيبِ بِآياتِهِ ﴿فَأُولَئِكَ لَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ أيْ عَذابٌ مُتَّصِفٌ بِأنَّهُ مُهِينٌ لِلْمُعَذَّبِينَ بالِغٌ مِنهُمُ المَبْلَغَ العَظِيمَ.
وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ الأنْبارِيِّ في المَصاحِفِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ قالَ: كانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقْرَأُ ( وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ ولا مُحَدَّثٍ ) .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِثْلَهُ، (p-٩٧١)وزادَ فَنُسِخَتْ مُحَدَّثٍ، قالَ: والمُحَدَّثُونَ: صاحِبُ يس، ولُقْمانُ، ومُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وصاحِبُ مُوسى.
وأخْرَجَ البَزّارُ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والضِّياءُ في المُخْتارَةِ. قالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ رِجالُهُ ثِقاتٌ مِن طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قَرَأ ﴿أفَرَأيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى ومَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى﴾ [النجم: ١٩ - ٢٠]، تِلْكَ الغَرانِيقُ العُلى، وإنَّ شَفاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجى. فَفَرِحَ المُشْرِكُونَ بِذَلِكَ وقالُوا: قَدْ ذَكَرَ آلِهَتَنا، فَجاءَهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ ما جِئْتُ بِهِ، فَقَرَأ: ﴿أفَرَأيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى ومَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى﴾، تِلْكَ الغَرانِيقُ العُلى، وإنَّ شَفاعَتَهُنَّ لِتُرْتَجى، فَقالَ: ما أتَيْتُكَ بِهَذا، هَذا مِنَ الشَّيْطانِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إلّا إذا تَمَنّى﴾ الآيَةَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، قالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قالَ: قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِمَكَّةَ النَّجْمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، ولَمْ يَذْكُرِ ابْنَ عَبّاسٍ.
وكَذا رَواهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ والسُّدِّيِّ عَنْ سَعِيدٍ مُرْسَلًا.
ورَواهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أبِي صالِحٍ مُرْسَلًا.
ورَواهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ شِهابٍ مُرْسَلًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ نَحْوَهُ مُرْسَلًا أيْضًا.
والحاصِلُ أنَّ جَمِيعَ الرِّواياتِ في هَذا البابِ إمّا مُرْسَلَةٌ أوْ مُنْقَطِعَةٌ لا تَقُومُ الحُجَّةُ بِشَيْءٍ مِنها.
وقَدْ أسْلَفْنا عَنِ الحُفّاظِ في أوَّلِ هَذا البَحْثِ ما فِيهِ كِفايَةٌ، وفي البابِ رِواياتٌ مَن أحَبَّ الوُقُوفَ عَلى جَمِيعِها فَلْيَنْظُرْها في الدُّرِّ المَنثُورِ لِلسُّيُوطِيِّ، ولا يَأْتِي التَّطْوِيلُ بِذِكْرِها هُنا بِفائِدَةٍ، فَقَدْ عَرَّفْناكَ أنَّها جَمِيعَها لا تَقُومُ بِها الحُجَّةُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿إذا تَمَنّى ألْقى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ﴾ يَقُولُ إذا حَدَّثَ ألْقى الشَّيْطانُ في حَدِيثِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ، قالَ: يَعْنِي بِالتَّمَنِّي التِّلاوَةَ والقِراءَةَ، ألْقى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَتِهِ: في تِلاوَتِهِ ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ﴾ يَنْسَخُ جِبْرِيلُ بِأمْرِ اللَّهِ ما ألْقى الشَّيْطانُ عَلى لِسانِ النَّبِيِّ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ إذا تَمَنّى قالَ: تَكَلَّمَ في أُمْنِيَّتِهِ قالَ: كَلامِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ والضِّياءُ في المُخْتارَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ قالَ يَوْمَ بَدْرٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ، قالَ يَوْمُ بَدْرٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وعِكْرِمَةَ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في الآيَةِ قالَ: يَوْمَ القِيامَةِ لا لَيْلَةَ لَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ مِثْلَهُ.
{"ayahs_start":52,"ayahs":["وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولࣲ وَلَا نَبِیٍّ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِیۤ أُمۡنِیَّتِهِۦ فَیَنسَخُ ٱللَّهُ مَا یُلۡقِی ٱلشَّیۡطَـٰنُ ثُمَّ یُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ","لِّیَجۡعَلَ مَا یُلۡقِی ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ لَفِی شِقَاقِۭ بَعِیدࣲ","وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَیُؤۡمِنُوا۟ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","وَلَا یَزَالُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی مِرۡیَةࣲ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِیَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ یَأۡتِیَهُمۡ عَذَابُ یَوۡمٍ عَقِیمٍ","ٱلۡمُلۡكُ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلَّهِ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡۚ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فِی جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ","وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ"],"ayah":"وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولࣲ وَلَا نَبِیٍّ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِیۤ أُمۡنِیَّتِهِۦ فَیَنسَخُ ٱللَّهُ مَا یُلۡقِی ٱلشَّیۡطَـٰنُ ثُمَّ یُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق