الباحث القرآني
.
(p-٩٤١)قَدْ تَقَدَّمَ أنَّ لُوطًا هو ابْنُ أخِي إبْراهِيمَ، فَحَكى اللَّهُ سُبْحانَهُ هاهُنا أنَّهُ نَجّى إبْراهِيمَ ولُوطًا إلى الأرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ. قالَ المُفَسِّرُونَ: وهي أرْضُ الشّامِ، وكانا بِالعِراقِ، وسَمّاها سُبْحانَهُ مُبارَكَةً لِكَثْرَةِ خِصْبِها وثِمارِها وأنْهارِها، ولِأنَّها مَعادِنُ الأنْبِياءِ، وأصْلُ البَرَكَةِ ثُبُوتُ الخَيْرِ، ومِنهُ بَرَكَ البَعِيرُ إذا لَزِمَ مَكانَهُ فَلَمْ يَبْرَحْ وقِيلَ: الأرْضُ المُبارَكَةُ مَكَّةُ، وقِيلَ: بَيْتُ المَقْدِسِ لِأنَّ مِنها بَعَثَ اللَّهُ أكْثَرَ الأنْبِياءِ، وهي أيْضًا كَثِيرَةُ الخِصْبِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ العالَمِينَ.
﴿ووَهَبَنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ نافِلَةً﴾ النّافِلَةُ الزِّيادَةُ، وكانَ إبْراهِيمُ قَدْ سَألَ اللَّهَ سُبْحانَهُ أنْ يَهَبَ لَهُ ولَدًا، فَوَهَبَ لَهُ إسْحاقَ، ثُمَّ وهَبَ لِإسْحاقَ يَعْقُوبَ مِن غَيْرِ دُعاءٍ، فَكانَ ذَلِكَ نافِلَةً: أيْ زِيادَةً، وقِيلَ: المُرادُ بِالنّافِلَةِ هُنا العَطِيَّةُ قالَهُ الزَّجّاجُ، وقِيلَ: النّافِلَةُ هُنا ولَدُ الوَلَدِ، لِأنَّهُ زِيادَةٌ عَلى الوَلَدِ، وانْتِصابُ نافِلَةً عَلى الحالِ. قالَ الفَرّاءُ: النّافِلَةُ يَعْقُوبُ خاصَّةً، لِأنَّهُ ولَدُ الوَلَدِ ﴿وكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٢] أيْ وكُلَّ واحِدٍ مِن هَؤُلاءِ الأرْبَعَةِ: إبْراهِيمَ ولُوطٍ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ، لا بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ جَعَلْناهُ صالِحًا عامِلًا بِطاعَةِ اللَّهِ تارِكًا لِمَعاصِيهِ. وقِيلَ: المُرادُ بِالصَّلاحِ هُنا النُّبُوَّةُ. ﴿وجَعَلْناهم أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنا﴾ أيْ رُؤَساءَ يُقْتَدى بِهِمْ في الخَيْراتِ وأعْمالِ الطّاعاتِ ومَعْنى بِأمْرِنا بِأمْرِنا لَهم بِذَلِكَ: أيْ بِما أنْزَلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ الوَحْيِ ﴿وأوْحَيْنا إلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْراتِ﴾ أيْ أنْ يَفْعَلُوا الطّاعاتِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالخَيْراتِ شَرائِعُ النُّبُوّاتِ ﴿وكانُوا لَنا عابِدِينَ﴾ أيْ كانُوا لَنا خاصَّةً دُونَ غَيْرِنا مُطِيعِينَ، فاعِلِينَ لِما نَأْمُرُهم بِهِ، تارِكِينَ ما نَنْهاهم عَنْهُ.
﴿ولُوطًا آتَيْناهُ حُكْمًا وعِلْمًا﴾ انْتِصابُ لُوطًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ آتَيْناهُ: أيْ وآتَيْنا لُوطًا آتَيْناهُ، وقِيلَ: بِنَفْسِ الفِعْلِ المَذْكُورِ بَعْدَهُ، وقِيلَ: بِمَحْذُوفٍ هو اذْكُرْ، والحُكْمُ النُّبُوَّةُ، والعِلْمُ المَعْرِفَةُ بِأمْرِ الدِّينِ، وقِيلَ: الحُكْمُ: هو فَصْلُ الخُصُوماتِ بِالحَقِّ، وقِيلَ: هو الفَهْمُ ﴿ونَجَّيْناهُ مِنَ القَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الخَبائِثَ﴾ القَرْيَةُ هي سَدُومُ كَما تَقَدَّمَ، ومَعْنى تَعْمَلُ الخَبائِثَ: يَعْمَلُ أهْلُها الخَبائِثَ، فَوَصَفَ القَرْيَةَ بِوَصْفِ أهْلِها، والخَبائِثُ الَّتِي كانُوا يَعْمَلُونَها هي اللِّواطَةُ والضُّراطُ وخَذْفُ الحَصى كَما سَيَأْتِي، ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحانَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهم كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ﴾ أيْ خارِجِينَ عَنْ طاعَةِ اللَّهِ، والفُسُوقُ الخُرُوجُ كَما تَقَدَّمَ.
﴿وأدْخَلْناهُ في رَحْمَتِنا﴾ بِإنْجائِنا إيّاهُ مِنَ القَوْمِ المَذْكُورِينَ، ومَعْنى في رَحْمَتِنا: في أهْلِ رَحْمَتِنا، وقِيلَ: في النُّبُوَّةِ، وقِيلَ: في الإسْلامِ، وقِيلَ: في الجَنَّةِ ﴿إنَّهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى.
﴿ونُوحًا إذْ نادى﴾ أيْ واذْكُرْ نُوحًا إذْ نادى رَبَّهُ مِن قَبْلُ أيْ مِن قَبْلِ هَؤُلاءِ الأنْبِياءِ المَذْكُورِينَ ﴿فاسْتَجَبْنا لَهُ﴾ دُعاءَهُ ﴿فَنَجَّيْناهُ وأهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ أيْ مِنَ الغَرَقِ بِالطُّوفانِ، والكَرْبُ الغَمُّ الشَّدِيدُ، والمُرادُ بِأهْلِهِ المُؤْمِنُونَ مِنهم.
﴿ونَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ أيْ نَصَرْناهُ نَصْرًا مُسْتَتْبَعًا لِلِانْتِقامِ مِنَ القَوْمِ المَذْكُورِينَ، وقِيلَ: المَعْنى: مَنَعْناهُ مِنَ القَوْمِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: مِن بِمَعْنى عَلى، ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحانَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهم كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأغْرَقْناهم أجْمَعِينَ﴾ أيْ لَمْ نَتْرُكْ مِنهم أحَدًا، بَلْ أغْرَقْنا كَبِيرَهم وصَغِيرَهم بِسَبَبِ إصْرارِهِمْ عَلى الذَّنْبِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ في قَوْلِهِ: ﴿إلى الأرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ قالَ: الشّامُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ أبِي مالِكٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لُوطٌ كانَ ابْنَ أخِي إبْراهِيمَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ ﴿ووَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ﴾ قالَ: ولَدًا ﴿ويَعْقُوبَ نافِلَةً﴾ قالَ: ابْنُ الِابْنِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَكَمِ نَحْوَهُ أيْضًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ ﴿ووَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ﴾ قالَ: أعْطَيْناهُ ﴿ويَعْقُوبَ نافِلَةً﴾ قالَ: عَطِيَّةٌ.
{"ayahs_start":71,"ayahs":["وَنَجَّیۡنَـٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا لِلۡعَـٰلَمِینَ","وَوَهَبۡنَا لَهُۥۤ إِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ نَافِلَةࣰۖ وَكُلࣰّا جَعَلۡنَا صَـٰلِحِینَ","وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَىِٕمَّةࣰ یَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُوا۟ لَنَا عَـٰبِدِینَ","وَلُوطًا ءَاتَیۡنَـٰهُ حُكۡمࣰا وَعِلۡمࣰا وَنَجَّیۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلَّتِی كَانَت تَّعۡمَلُ ٱلۡخَبَـٰۤىِٕثَۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَوۡمَ سَوۡءࣲ فَـٰسِقِینَ","وَأَدۡخَلۡنَـٰهُ فِی رَحۡمَتِنَاۤۖ إِنَّهُۥ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","وَنُوحًا إِذۡ نَادَىٰ مِن قَبۡلُ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَنَجَّیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِیمِ","وَنَصَرۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَوۡمَ سَوۡءࣲ فَأَغۡرَقۡنَـٰهُمۡ أَجۡمَعِینَ"],"ayah":"وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَىِٕمَّةࣰ یَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُوا۟ لَنَا عَـٰبِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق