الباحث القرآني

. لَمّا أبْطَلَ كَونَ الأصْنامِ نافِعَةً أضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ مُنْتَقِلًا إلى بَيانِ أنَّ ما هم فِيهِ مِنَ الخَيْرِ والتَّمَتُّعِ بِالحَياةِ العاجِلَةِ هو مِن عِنْدِ اللَّهِ، لا مِن مانِعٍ يَمْنَعُهم مِنَ الهَلاكِ، ولا مِن ناصِرٍ يَنْصُرُهم عَلى أسْبابِ التَّمَتُّعِ فَقالَ: ﴿بَلْ مَتَّعْنا هَؤُلاءِ وآباءَهم﴾ يَعْنِي أهْلَ مَكَّةَ مَتَّعَهُمُ اللَّهُ بِما أنْعَمَ عَلَيْهِمْ ﴿حَتّى طالَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ﴾ فاغْتَرُّوا بِذَلِكَ وظَنُّوا أنَّهم لا يَزالُونَ كَذَلِكَ، فَرَدَّ سُبْحانَهُ عَلَيْهِمْ قائِلًا ﴿أفَلا يَرَوْنَ﴾ أيْ أفَلا يَنْظُرُونَ فَيَرَوْنَ ﴿أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِن أطْرافِها﴾ فَنَفْتَحُها بَلَدًا بَعْدَ بَلَدٍ وأرْضًا بَعْدَ أرْضٍ، وقِيلَ: نَنْقُصُها بِالقَتْلِ والسَّبْيِ، وقَدْ مَضى في الرَّعْدِ الكَلامُ عَلى هَذا مُسْتَوْفًى، والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ: ﴿أفَهُمُ الغالِبُونَ﴾ لِلْإنْكارِ، والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ كَنَظائِرِهِ: أيْ كَيْفَ يَكُونُونَ غالِبِينَ بَعْدَ نَقْصِنا لِأرْضِهِمْ مِن أطْرافِها ؟ وفي هَذا إشارَةٌ إلى أنَّ الغالِبِينَ هُمُ المُسْلِمُونَ. ﴿قُلْ إنَّما أُنْذِرُكم بِالوَحْيِ﴾ أيْ أُخَوِّفُكم وأُحَذِّرُكم بِالقُرْآنِ، وذَلِكَ شَأْنِي وما أمَرَنِي اللَّهُ بِهِ، وقَوْلُهُ: ﴿ولا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ﴾ إمّا مِن تَتِمَّةِ الكَلامِ الَّذِي أمَرَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أنْ يَقُولَهُ لَهم، أوْ مِن جِهَةِ اللَّهِ تَعالى. والمَعْنى: أنَّ مَن أصَمَّ اللَّهُ سَمْعَهُ وخَتَمَ عَلى قَلْبِهِ وجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً لا يَسْمَعُ الدُّعاءَ. قَرَأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ومُحَمَّدُ بْنُ السُّمَيْفِعِ ( ولا يُسْمَعُ ) بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ المِيمِ عَلى ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وأبُو حَيْوَةَ ويَحْيى بْنُ الحارِثِ بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ مَضْمُومَةً وكَسْرِ المِيمِ: أيْ إنَّكَ يا مُحَمَّدُ لا تُسْمِعُ هَؤُلاءِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: ولَوْ كانَ كَما قالَ ابْنُ عامِرٍ لَكانَ إذا ما تُنْذِرُهم فَيَحْسُنُ نَظْمُ الكَلامِ، فَأمّا ﴿إذا ما يُنْذَرُونَ﴾ فَحَسَنٌ أنْ يَتَّبِعَ قِراءَةَ العامَّةِ، وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِ الياءِ وفَتْحِ المِيمِ ورَفْعِ الصُّمِّ عَلى أنَّهُ الفاعِلُ. ﴿ولَئِنْ مَسَّتْهم نَفْحَةٌ مِن عَذابِ رَبِّكَ﴾ المُرادُ بِالنَّفْحَةِ القَلِيلُ، مَأْخُوذٌ مِن نَفْحِ المِسْكِ قالَهُ ابْنُ كَيْسانَ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎وعُمْرَةٌ مِن سَرَواتِ النِّسا ءِ تَنْفَحُ بِالمِسْكِ أرْدانُها وقالَ المُبَرِّدُ: النَّفْحَةُ الدَّفْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ الَّتِي دُونَ مُعْظَمِهِ، يُقالُ نَفَحَهُ نَفْحَةً بِالسَّيْفِ إذا ضَرَبَهُ ضَرْبَةً خَفِيفَةً، وقِيلَ: هي النَّصَبُ، وقِيلَ: هي الطَّرْفُ. والمَعْنى مُتَقارِبٌ: أيْ ولَئِنْ مَسَّهم أقَلُّ شَيْءٍ مِنَ العَذابِ ﴿لَيَقُولُنَّ يا ويْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ أيْ لَيَدْعُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ بِالوَيْلِ والهَلاكِ ويَعْتَرِفُونَ عَلَيْها بِالظُّلْمِ. ﴿ونَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ﴾ المَوازِينُ جَمْعُ مِيزانٍ، وهو يَدُلُّ عَلى أنَّ هُناكَ مَوازِينَ، ويُمْكِنُ أنْ يُرادَ مِيزانٌ واحِدٌ، عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الجَمْعِ، وقَدْ ورَدَ في السُّنَّةِ في صِفَةِ المِيزانِ ما فِيهِ كِفايَةٌ، وقَدْ مَضى في الأعْرافِ، وفي الكَهْفِ في هَذا ما يُغْنِي عَنِ الإعادَةِ، والقِسْطِ صِفَةٌ لِلْمَوازِينِ. قالَ الزَّجّاجُ: قِسْطٌ مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ، تَقُولُ: مِيزانُ قِسْطٍ ومَوازِينُ قِسْطٍ. والمَعْنى: ذَواتُ قِسْطٍ، والقِسْطُ العَدْلُ. وقُرِئَ ( القِصْطُ ) بِالصّادِّ والطّاءِ، ومَعْنى ﴿لِيَوْمِ القِيامَةِ﴾ لِأهْلِ يَوْمِ القِيامَةِ، وقِيلَ: اللّامُ بِمَعْنى في: أيْ في يَوْمِ القِيامَةِ ﴿فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ أيْ لا يُنْقَصُ مِن إحْسانِ مُحْسِنٍ ولا يُزادُ في إساءَةِ مُسِيءٍ ﴿وإنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ﴾ قَرَأ نافِعٌ وشَيْبَةُ وأبُو جَعْفَرٍ بِرَفْعِ ( مِثْقالُ ) عَلى أنَّ كانَ تامَّةٌ، أيْ إنْ وقَعَ أوْ وجَدَ مِثْقالَ حَبَّةٍ. وقَرَأ الباقُونَ بِنَصْبِ المِثْقالِ عَلى تَقْدِيرِ: وإنْ كانَ العَمَلُ المَدْلُولُ عَلَيْهِ بِوَضْعِ المَوازِينِ مِثْقالَ حَبَّةٍ، كَذا قالَ الزَّجّاجُ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: وإنْ كانَ الظُّلامَةُ مِثْقالَ حَبَّةٍ. قالَ الواحِدِيُّ: وهَذا أحْسَنُ لِتَقَدُّمِ قَوْلِهِ: فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا، ومِثْقالُ الشَّيْءِ مِيزانُهُ: أيْ وإنْ كانَ في غايَةِ الخِفَّةِ والحَقارَةِ، فَإنَّ حَبَّةَ الخَرْدَلِ مَثَلٌ في الصِّغَرِ أتَيْنا بِها قَرَأ الجُمْهُورُ بِالقَصْرِ: أيْ أحْضَرْناها وجِئْنا بِها لِلْمُجازَةِ عَلَيْها، يُقالُ آتِي يُؤاتِي مُؤاتاةً: جازى ﴿وكَفى بِنا حاسِبِينَ﴾ أيْ كَفى بِنا مُحْصِينَ، والحَسْبُ في الأصْلِ مَعْناهُ العَدُّ، وقِيلَ: كَفى بِنا عالِمِينَ، لِأنَّ مَن حَسَبَ شَيْئًا عَلِمَهُ وحَفِظَهُ، وقِيلَ: كَفى بِنا مُجازِينَ عَلى ما قَدَّمُوهُ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ. ثُمَّ شَرَعَ سُبْحانَهُ في تَفْصِيلِ ما أجْمَلَهُ سابِقًا بِقَوْلِهِ: ﴿وما أرْسَلْنا قَبْلَكَ إلّا رِجالًا نُوحِي إلَيْهِمْ﴾ [الأنبياء: ٧] فَقالَ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الفُرْقانَ وضِياءً وذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ﴾ المُرادُ بِالفُرْقانِ هُنا التَّوْراةُ، لِأنَّ فِيها الفَرْقَ بَيْنَ الحَلالِ والحَرامِ، وقِيلَ: الفُرْقانُ هُنا هو النَّصْرُ عَلى الأعْداءِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿وما أنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ﴾ [الأنفال: ٤١] . قالَ الثَّعْلَبِيُّ: وهَذا القَوْلُ أشْبَهُ بِظاهِرِ الآيَةِ، ومَعْنى وضِياءٌ أنَّهُمُ اسْتَضاءُوا بِها في ظُلُماتِ الجَهْلِ والغِوايَةِ، ومَعْنى ( وذِكْرًا ) المَوْعِظَةُ: أيْ أنَّهم يَتَّعِظُونَ بِما فِيها، وخَصَّ المُتَّقِينَ لِأنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ. ووَصَفَهم بِقَوْلِهِ: (p-٩٣٨)﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم بِالغَيْبِ﴾ لِأنَّ هَذِهِ الخَشْيَةَ تُلازِمُ التَّقْوى. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَوْصُولُ بَدَلًا مِنَ المُتَّقِينَ أوْ بَيانًا لَهُ، ومَحَلُّ بِالغَيْبِ النَّصْبُ عَلى الحالِ: أيْ يَخْشَوْنَ عَذابَهُ وهو غائِبٌ عَنْهم، أوْ هم غائِبُونَ عَنْهُ لِأنَّهم في الدُّنْيا، والعَذابُ في الآخِرَةِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةُ ( ضِياءً ) بِغَيْرِ واوٍ. قالَ الفَرّاءُ حُذِفَتِ الواوُ والمَجِيءُ بِها واحِدٌ، واعْتَرَضَهُ الزَّجّاجُ بِأنَّ الواوَ تَجِيءُ لِمَعْنًى فَلا تُزادُ ﴿وهم مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾ أيْ وهم مِنَ القِيامَةِ خائِفُونَ وجِلُونَ. والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿وهَذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ﴾ إلى القُرْآنِ. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى وهَذا القُرْآنُ ذِكْرٌ لِمَن تَذَكَّرَ بِهِ ومَوْعِظَةٌ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِ، والمُبارَكُ كَثِيرُ البَرَكَةِ والخَيْرِ. وقَوْلُهُ: أنْزَلْناهُ صِفَةٌ ثانِيَةٌ لِلذِّكْرِ، أوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ: ﴿أفَأنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ لِلْإنْكارِ لِما وقَعَ مِنهم مِنَ الإنْكارِ: أيْ كَيْفَ تُنْكِرُونَ كَوْنَهُ مُنَزَّلًا مِن عِنْدِ اللَّهِ مَعَ اعْتِرافِكم بِأنَّ التَّوْراةَ مُنَزَّلَةٌ مِن عِنْدِهِ. ﴿ولَقَدْ آتَيْنا إبْراهِيمَ رُشْدَهُ﴾ أيِ الرُّشْدَ اللّائِقَ بِهِ وبِأمْثالِهِ مِنَ الرُّسُلِ، ومَعْنى مِن قَبْلُ أنَّهُ أُعْطِيَ رُشْدَهُ قَبْلَ إيتاءِ مُوسى وهارُونَ التَّوْراةَ. وقالَ الفَرّاءُ: المَعْنى أعْطَيْناهُ هُداهُ مِن قَبْلِ النُّبُوَّةِ: أيْ وفَّقْناهُ لِلنَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ لَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ فَرَأى الشَّمْسَ والقَمَرَ والنَّجْمَ، وعَلى هَذا أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ، وبِالأوَّلِ قالَ أقَلُّهم ﴿وكُنّا بِهِ عالِمِينَ﴾ أنَّهُ مَوْضِعٌ لِإيتاءِ الرُّشْدِ، وأنَّهُ يَصْلُحُ لِذَلِكَ. والظَّرْفُ في قَوْلِهِ: ﴿إذْ قالَ لِأبِيهِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِآتَيْنا أوْ بِمَحْذُوفٍ: أيِ اذْكُرْ حِينَ قالَ: وأبُوهُ هو آزَرُ وقَوْمُهُ نَمْرُوذُ ومَنِ اتَّبَعَهُ، والتَّماثِيلُ الأصْنامُ، وأصْلُ التِّمْثالِ الشَّيْءُ المَصْنُوعُ مُشابِهًا لِشَيْءٍ مِن مَخْلُوقاتِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، يُقالُ مَثَّلْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ: إذا جَعَلْتُهُ مُشابِهًا لَهُ، واسْمُ ذَلِكَ المُمَثَّلِ تِمْثالٌ، أنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبادَتَها بِقَوْلِهِ: ﴿ما هَذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أنْتُمْ لَها عاكِفُونَ﴾ والعُكُوفُ عِبارَةٌ عَنِ اللُّزُومِ والِاسْتِمْرارِ عَلى الشَّيْءِ، واللّامُ في لَها لِلِاخْتِصاصِ، ولَوْ كانَتْ لِلتَّعْدِيَةِ لَجِيءَ بِكَلِمَةِ عَلى: أيْ ما هَذِهِ الأصْنامُ الَّتِي أنْتُمْ مُقِيمُونَ عَلى عِبادَتِها ؟ وقِيلَ: إنَّ العُكُوفَ مُضَمَّنٌ مَعْنى العِبادَةِ. ﴿قالُوا وجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ﴾ أجابُوهُ بِهَذا الجَوابِ الَّذِي هو العَصا الَّتِي يَتَوَكَّأُ عَلَيْها كُلُّ عاجِزٍ، والحَبْلُ الَّذِي يَتَشَبَّثُ بِهِ كُلُّ غَرِيقٍ، وهو التَّمَسُّكُ بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الآباءِ: أيْ وجَدْنا آباءَنا يَعْبُدُونَها فَعَبَدْناها اقْتِداءً بِهِمْ ومَشْيًا عَلى طَرِيقَتِهِمْ، وهَكَذا يُجِيبُ هَؤُلاءِ المُقَلِّدَةُ مِن أهْلِ هَذِهِ المِلَّةِ الإسْلامِيَّةِ، وإنَّ العالِمَ بِالكِتابِ والسُّنَّةِ إذا أنْكَرَ عَلَيْهِمُ العَمَلَ بِمَحْضِ الرَّأْيِ المَدْفُوعِ بِالدَّلِيلِ قالُوا هَذا قَدْ قالَ بِهِ إمامُنا الَّذِي وجَدْنا آباءَنا لَهُ مُقَلِّدِينَ وبِرَأْيِهِ آخِذِينَ، وجَوابُهم هو ما أجابَ بِهِ الخَلِيلُ هاهُنا. ﴿قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أنْتُمْ وآباؤُكم في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ أيْ في خُسْرانٍ واضِحٍ ظاهِرٍ لا يَخْفى عَلى أحَدٍ ولا يَلْتَبِسُ عَلى ذِي عَقْلٍ، فَإنَّ قَوْمَ إبْراهِيمَ عَبَدُوا الأصْنامَ الَّتِي لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ ولا تَسْمَعُ ولا تُبْصِرُ، ولَيْسَ بَعْدَ هَذا الضَّلالِ ضَلالٌ، ولا يُساوِي هَذا الخُسْرانَ خُسْرانٌ، وهَؤُلاءِ المُقَلِّدَةُ مِن أهْلِ الإسْلامِ اسْتَبْدَلُوا بِكِتابِ اللَّهِ وبِسُنَّةِ رَسُولِهِ كِتابًا قَدْ دُوِّنَتْ فِيهِ اجْتِهاداتُ عالِمٍ مِن عُلَماءِ الإسْلامِ زَعَمَ أنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلى دَلِيلٍ يُخالِفُها، إمّا لِقُصُورٍ مِنهُ أوْ لِتَقْصِيرٍ في البَحْثِ فَوَجَدَ ذَلِكَ الدَّلِيلَ مَن وجَدَهُ وأبْرَزَهُ واضِحُ المَنارِ: ؎كَأنَّهُ عَلَمٌ في رَأْسِهِ نارٌ وقالَ هَذا كِتابُ اللَّهِ أوْ هَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِهِ، وأنْشَدَهم: ؎دَعُوا كُلَّ قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ∗∗∗ فَما آمِنٌ في دِينِهِ كَمُخاطِرِ فَقالُوا كَما قالَ الأوَّلُ: ؎ما أنا إلّا مِن غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ ∗∗∗ غَوَيْتُ وإنْ تُرْشَدَ غَزِيَّةُ أُرْشَدِ وقَدْ أحْسَنَ مَن قالَ: ؎يَأْبى الفَتى إلّا اتِّباعَ الهَوى ∗∗∗ ومَنهَجُ الحَقِّ لَهُ واضِحٌ ثُمَّ لَمّا سَمِعَ أُولَئِكَ مَقالَةَ الخَلِيلِ ﴿قالُوا أجِئْتَنا بِالحَقِّ أمْ أنْتَ مِنَ اللّاعِبِينَ﴾ أيْ أجادٌّ أنْتَ فِيما تَقُولُ أمْ أنْتَ لاعِبٌ مازِحٌ قالَ مُضْرِبًا عَمّا بَنَوْا عَلَيْهِ مَقالَتَهم مِنَ التَّقْلِيدِ. ﴿بَل رَبُّكم رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ﴾ أيْ خَلَقَهُنَّ وأبْدَعَهُنَّ ﴿وأنا عَلى ذَلِكم﴾ الَّذِي ذَكَرْتُهُ لَكم مِن كَوْنِ رَبِّكم هو رَبَّ السَّماواتِ والأرْضِ دُونَ ما عَداهُ مِنَ الشّاهِدِينَ أيِ العالِمِينَ بِهِ المُبَرْهِنِينَ عَلَيْهِ، فَإنَّ الشّاهِدَ عَلى الشَّيْءِ هو مَن كانَ عالِمًا بِهِ مُبَرْهِنًا عَلَيْهِ مُبَيِّنًا لَهُ. وقَدْ أخْرَجَ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ في تَهْذِيبِهِ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ عائِشَةَ «أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يُكَذِّبُونَنِي ويَخُونُونَنِي ويَعْصُونَنِي وأضْرِبُهم وأشْتُمُهم فَكَيْفَ أنا مِنهم ؟ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: يُحْسَبُ ما خانُوكَ وعَصَوْكَ وكَذَّبُوكَ وعِتابُكَ إيّاهم، فَإنْ كانَ عِقابُكَ إيّاهم دُونَ ذُنُوبِهِمْ كانَ فَضْلًا لَكَ، وإنْ كانَ عِقابُكَ إيّاهم بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كانَ كَفافًا لا عَلَيْكَ ولا لَكَ، وإنْ كانَ عِقابُكَ إيّاهم فَوْقَ ذُنُوبِهِمُ اقْتُصَّ لَهم مِنكَ الفَضْلُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَبْكِي ويَهْتِفُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: أمّا تَقْرَأُ كِتابَ اللَّهِ ﴿ونَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وإنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها وكَفى بِنا حاسِبِينَ﴾ فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ يا رَسُولَ اللَّهِ ما أجِدُ لِي ولَهم خَيْرًا مِن مُفارَقَتِهِمْ أُشْهِدُكَ أنَّهم أحْرارٌ» رَواهُ أحْمَدُ هَكَذا: حَدَّثَنا أبُو نُوحٍ الأقْرادُ، أخْبَرَنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مالِكِ بْنِ أنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ فَذَكَرَهُ، وفي مَعْناهُ أحادِيثُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَقْرَأُ ( ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الفُرْقانَ وضِياءً ) . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أبِي صالِحٍ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الفُرْقانَ﴾ قالَ: التَّوْراةُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قالَ الفُرْقانُ الحَقُّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ ﴿وهَذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ﴾ أيِ القُرْآنُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا إبْراهِيمَ رُشْدَهُ﴾ قالَ: هَدَيْناهُ صَغِيرًا، وفي قَوْلِهِ: ﴿ما هَذِهِ التَّماثِيلُ﴾ قالَ: الأصْنامُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب