الباحث القرآني
(p-٩١٧).
هَذا شُرُوعٌ في إنْجاءِ بَنِي إسْرائِيلَ وإهْلاكِ عَدُوِّهِمْ، وقَدْ تَقَدَّمَ في البَقَرَةِ، وفي الأعْرافِ، وفي يُونُسَ. واللّامُ في لَقَدْ هي المُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، وفي ذَلِكَ مِنَ التَّأْكِيدِ ما لا يَخْفى، وأنْ في ﴿أنْ أسْرِ بِعِبادِي﴾ إمّا المُفَسِّرَةُ لِأنَّ في الوَحْيِ مَعْنى القَوْلِ، أوْ مَصْدَرِيَّةٌ: أيْ بِأنْ أسْرِ أيْ أسْرِ بِهِمْ مِن مِصْرَ. وقَدْ تَقَدَّمَ هَذا مُسْتَوْفًى ﴿فاضْرِبْ لَهم طَرِيقًا في البَحْرِ يَبَسًا﴾ أيِ اجْعَلْ لَهم طَرِيقًا، ومَعْنى يَبَسًا يابِسًا وُصِفَ بِهِ الفاعِلُ مُبالَغَةً، وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ تَعالى أيْبَسَ لَهم تِلْكَ الطَّرِيقَ حَتّى لَمْ يَكُنْ فِيها ماءٌ ولا طِينٌ. وقُرِئَ ( يَبْسًا ) بِسُكُونِ الباءِ عَلى أنَّهُ مُخَفَّفٌ مِن يَبَسًا المُحَرَّكِ، أوْ وجَمْعُ يابِسٍ كَصَحْبٍ في صاحِبٍ، وجُمْلَةُ ﴿لا تَخافُ دَرَكًا﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ: أيْ آمِنًا مِن أنْ يُدْرِكَكُمُ العَدُوُّ، أوْ صِفَةٌ أُخْرى لِطَرِيقٍ، والدَّرَكُ اللَّحاقُ بِهِمْ مِن فِرْعَوْنَ وجُنُودِهِ. وقَرَأ حَمْزَةُ ( لا تَخَفْ ) عَلى أنَّهُ جَوابُ الأمْرِ، والتَّقْدِيرُ: إنْ تَضْرِبْ لا تَخَفْ، ولا تَخْشى عَلى هَذِهِ القِراءَةِ مُسْتَأْنَفٌ: أيْ ولا أنْتَ تَخْشى مِن فِرْعَوْنَ أوْ مِنَ البَحْرِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿لا تَخافُ﴾ وهي أرْجَحُ لِعَدَمِ الجَزْمِ في تَخْشى، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ صِفَةً أُخْرى لِطَرِيقٍ: أيْ لا تَخافُ مِنهُ ولا تَخْشى مِنهُ.
﴿فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾ أتْبَعَ هَنا مُطاوِعُ تَبِعَ، يُقالُ أتْبَعْتُهم إذا تَبِعْتُهم، وذَلِكَ إذا سَبَقُوكَ فَلَحِقْتَهم، فالمَعْنى: تَبِعَهم فِرْعَوْنُ ومَعَهُ جُنُودُهُ.
وقِيلَ: الباءُ زائِدَةٌ والأصْلُ أتْبَعَهم جُنُودَهُ: أيْ أمَرَهم أنْ يَتْبَعُوا مُوسى وقَوْمَهُ، وقُرِئَ ( فاتَّبَعَهم ) بِالتَّشْدِيدِ: أيْ لَحِقَهم بِجُنُودِهِ وهو مَعَهم كَما يُقالُ: رَكِبَ الأمِيرُ بِسَيْفِهِ: أيْ مَعَهُ سَيْفُهُ، ومَحَلُّ بِجُنُودِهِ النَّصْبُ عَلى الحالِ أيْ سابِقًا جُنُودَهُ مَعَهُ ﴿فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ أيْ عَلاهم وأصابَهم ما عَلاهم وأصابَهم، والتَّكْرِيرُ لِلتَّعْظِيمِ والتَّهْوِيلِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿الحاقَّةُ﴾ ﴿ما الحاقَّةُ﴾ [الحاقة: ١ - ٢] وقِيلَ: غَشِيَهم ما سُمِعَتْ قِصَّتُهُ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: غَشِيَهُمُ البَعْضُ الَّذِي غَشِيَهم، لِأنَّهُ لَمْ يَغْشَهم كُلُّ ماءِ البَحْرِ، بَلِ الَّذِي غَشِيَهم بَعْضُهُ. فَهَذِهِ العِبارَةُ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الَّذِي غَرَّقَهم بَعْضُ الماءِ، والأوَّلُ أوْلى لِما يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ التَّهْوِيلِ والتَّعْظِيمِ. وقُرِئَ ( فَغَشّاهم مِنَ اليَمِّ ما غَشّاهم ): أيْ غَطّاهم ما غَطّاهم. ﴿وأضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وما هَدى﴾ أيْ أضَلَّهم عَنِ الرُّشْدِ، وما هَداهم إلى طُرُقِ النَّجاةِ لِأنَّهُ قَدَّرَ أنْ مُوسى ومَن مَعَهُ لا يَفُوتُونَهُ لِكَوْنِهِمْ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشُونَ في طَرِيقٍ يابِسَةٍ، وبَيْنَ أيْدِيهِمُ البَحْرُ، وفي قَوْلِهِ: ﴿وما هَدى﴾ تَأْكِيدٌ لِإضْلالِهِ، لِأنَّ المُضِلَّ قَدْ يُرْشِدُ مَن يُضِلُّهُ في بَعْضِ الأُمُورِ.
﴿يا بَنِي إسْرائِيلَ قَدْ أنْجَيْناكم مِن عَدُوِّكم﴾ ذَكَرَ سُبْحانَهُ ما أنْعَمَ بِهِ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ بَعْدَ إنْجائِهِمْ، والتَّقْدِيرُ قُلْنا لَهم بَعْدَ إنْجائِهِمْ: يا بَنِي إسْرائِيلَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خِطابًا لِلْيَهُودِ المُعاصِرِينَ لِنَبِيِّنا - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - لِأنَّ النِّعْمَةَ عَلى الآباءِ مَعْدُودَةٌ مِنَ النِّعَمِ عَلى الأبْناءِ، والمُرادُ بِعَدُوِّهِمْ هُنا فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ، وذَلِكَ بِإغْراقِهِ وإغْراقِ قَوْمِهِ في البَحْرِ بِمَرْأًى مِن بَنِي إسْرائِيلَ ﴿وواعَدْناكم جانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ﴾ انْتِصابُ جانِبَ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، لا عَلى الظَّرْفِيَّةِ لِأنَّهُ مَكانٌ مُعَيَّنٌ غَيْرُ مُبْهَمٍ، وإنَّما تَنْتَصِبُ الأمْكِنَةُ عَلى الظَّرْفِيَّةِ إذا كانَتْ مُبْهَمَةً. قالَ مَكِّيٌّ: وهَذا أصْلٌ لا خِلافَ فِيهِ. قالَ النَّحّاسُ: والمَعْنى أمَرْنا مُوسى أنْ يَأْمُرَكم بِالخُرُوجِ مَعَهُ لِنُكَلِّمَهُ بِحَضْرَتِكم فَتَسْمَعُوا الكَلامَ. وقِيلَ: وُعِدَ مُوسى بَعْدَ إغْراقِ فِرْعَوْنَ أنْ يَأْتِيَ جانِبَ الطَّوْرِ، فالوَعْدُ كانَ لِمُوسى، وإنَّما خُوطِبُوا بِهِ لِأنَّ الوَعْدَ كانَ لِأجْلِهِمْ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وأبُو جَعْفَرٍ ويَعْقُوبُ ( ووَعَدْناكم ) بِغَيْرِ ألِفٍ، واخْتارَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، لِأنَّ الوَعْدَ إنَّما هو مِنَ اللَّهِ لِمُوسى خاصَّةً والمُواعَدَةُ لا تَكُونُ إلّا مِنِ اثْنَيْنِ، وقَدْ قَدَّمْنا في البَقَرَةِ هَذا المَعْنى، والأيْمَنُ مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِلْجانِبِ، والمُرادُ يَمِينُ الشَّخْصِ، لِأنَّ الجَبَلَ لَيْسَ لَهُ يَمِينٌ ولا شِمالٌ، فَإذا قِيلَ خُذْ عَنْ يَمِينِ الجَبَلِ فَمَعْناهُ عَنْ يَمِينِكَ مِنَ الجَبَلِ. وقُرِئَ بِجَرِّ الأيْمَنِ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِلْمُضافِ إلَيْهِ ﴿ونَزَّلْنا عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلْوى﴾ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ المَنِّ بِالتَّرَنْجَبِينِ والسَّلْوى بِالسَّمّانِيِّ وأوْضَحْنا ذَلِكَ بِما لا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وإنْزالُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ كانَ في التِّيهِ.
﴿كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ أيْ وقُلْنا لَهم كُلُوا والمُرادُ بِالطَّيِّباتِ المُسْتَلَذّاتُ، وقِيلَ: الحَلالُ عَلى الخِلافِ المَشْهُورِ في ذَلِكَ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ والأعْمَشُ: ﴿قَدْ أنْجَيْناكم مِن عَدُوِّكم وواعَدْناكم جانِبَ الطُّورِ﴾ ﴿كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ بِتاءِ المُتَكَلِّمِ في الثَّلاثَةِ. وقَرَأ الباقُونَ بِنُونِ العَظَمَةِ فِيها ﴿ولا تَطْغَوْا فِيهِ﴾ والطُّغْيانُ التَّجاوُزُ: أيْ لا تَتَجاوَزُوا ما هو جائِزٌ إلى ما لا يَجُوزُ، وقِيلَ: المَعْنى: لا تَجْحَدُوا نِعْمَةَ اللَّهِ فَتَكُونُوا طاغِينَ، وقِيلَ: لا تَكْفُرُوا النِّعْمَةَ ولا تَنْسَوْا شُكْرَها، وقِيلَ: لا تَعْصُوا المُنْعِمَ: أيْ لا تَحْمِلَنَّكُمُ السَّعَةُ والعافِيَةُ عَلى المَعْصِيَةِ، ولا مانِعَ مِن حَمْلِ الطُّغْيانِ عَلى جَمِيعِ هَذِهِ المَعانِي فَإنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنها يَصْدُقُ عَلَيْهِ أنَّهُ طُغْيانٌ ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبِي﴾ هَذا جَوابُ النَّهْيِ: أيْ يَلْزَمُكم غَضَبِي ويَنْزِلُ بِكم، وهو مَأْخُوذٌ مِن حُلُولِ الدَّيْنِ: أيْ حُضُورِ وقْتِ أدائِهِ ﴿ومَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى﴾ قَرَأ الأعْمَشُ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ والكِسائِيُّ ( فَيَحُلُّ ) (p-٩١٨)بِضَمِّ الحاءِ وكَذَلِكَ قَرَءُوا ( يَحْلُلْ ) بِضَمِّ اللّامِ الأُولى، وقَرَأ الباقُونَ بِالكَسْرِ فِيهِما وهُما لُغَتانِ. قالَ الفَرّاءُ: والكَسْرُ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الضَّمِّ لِأنَّ الضَّمَّ مِنَ الحُلُولِ بِمَعْنى الوُقُوعِ، ويَحِلُّ بِالكَسْرِ يَجِبُ، وجاءَ التَّفْسِيرُ بِالوُجُوبِ لا بِالوُقُوعِ، وذَكَرَ نَحْوَ هَذا أبُو عُبَيْدَةَ وغَيْرُهُ. ومَعْنى فَقَدْ هَوى فَقَدْ هَلَكَ هَوْيًا: . قالَ الزَّجّاجُ ﴿فَقَدْ هَوى﴾ أيْ صارَ إلى الهاوِيَةِ، وهي قَعْرُ النّارِ مِن هَوى يَهْوِي هَوْيًا: أيْ سَقَطَ مِن عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ، وهَوى فُلانٌ: أيْ ماتَ.
﴿وإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحًا﴾ أيْ لِمَن تابَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي أعْظَمُها الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وآمَنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ وعَمَلِ عَمَلًا صالِحًا مِمّا نَدَبَ إلَيْهِ الشَّرْعُ وحَسَّنَهُ ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ أيِ اسْتَقامَ عَلى ذَلِكَ حَتّى يَمُوتَ، كَذا قالَ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ.
وقِيلَ: لَمْ يَشُكَّ في إيمانِهِ، وقِيلَ: أقامَ عَلى السُّنَّةِ والجَماعَةِ، وقِيلَ: تَعَلَّمَ العِلْمَ لِيَهْتَدِيَ بِهِ، وقِيلَ: عَلِمَ أنَّ لِذَلِكَ ثَوابًا وعَلى تَرْكِهِ عِقابًا، والأوَّلُ أرْجَحُ مِمّا بَعْدَهُ.
﴿وما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى﴾ هَذا حِكايَةٌ لِما جَرى بَيْنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وبَيْنَ مُوسى عِنْدَ مُوافاتِهِ المِيقاتَ.
قالَ المُفَسِّرُونَ: وكانَتِ المُواعَدَةُ أنْ يُوافِيَ مُوسى وجَماعَةٌ مِن وُجُوهِ قَوْمِهِ، فَسارَ مُوسى بِهِمْ، ثُمَّ عَجَّلَ مِن بَيْنِهِمْ شَوْقًا إلى رَبِّهِ، فَقالَ اللَّهُ لَهُ: ما أعَجَلَكَ ؟ أيْ ما الَّذِي حَمَلَكَ عَلى العَجَلَةِ، حَتّى تَرَكْتَ قَوْمَكَ وخَرَجتَ مِن بَيْنِهِمْ. فَأجابَ مُوسى عَنْ ذَلِكَ ﴿قالَ هم أُولاءِ عَلى أثَرِي﴾ أيْ هم بِالقُرْبِ مِنِّي، تابِعُونَ لِأثَرِي واصِلُونَ بَعْدِي. وقِيلَ: لَمْ يُرِدْ أنَّهم يَسِيرُونَ خَلْفَهُ، بَلْ أرادَ أنَّهم بِالقُرْبِ مِنهُ يَنْتَظِرُونَ عَوْدَهُ إلَيْهِمْ، ثُمَّ قالَ مُصَرِّحًا بِسَبَبِ ما سَألَهُ اللَّهُ عَنْهُ فَقالَ: ﴿وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾ أيْ لِتَرْضى عَنِّي بِمُسارَعَتِي إلى امْتِثالِ أمْرِكَ أوْ لِتَزْدادَ رِضًا عَنِّي بِذَلِكَ. قالَ أبُو حاتِمٍ: قالَ عِيسى بْنُ عُمَرَ: بَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ ( أُولا ) مَقْصُورَةً، وأهْلُ الحِجازِ يَقُولُونَ ( أُولاءِ ) مَمْدُودَةً. وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ ونَضْرٌ ورُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَلى ( إثْرِي ) بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وإسْكانِ الثّاءِ، وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِها وهُما لُغَتانِ. ومَعْنى عَجِلْتُ إلَيْكَ: عَجِلْتُ إلى المَوْضِعِ الَّذِي أمَرْتَنِي بِالمَصِيرِ إلَيْهِ لِتَرْضى عَنِّي، يُقالُ: رَجُلٌ عَجِلٌ وعَجُولٌ وعَجْلانُ: بَيِّنُ العَجَلَةِ، والعَجَلَةُ خِلافُ البُطْءِ. وجُمْلَةُ ﴿قالَ فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوابُ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ، كَأنَّهُ قِيلَ فَماذا قالَ اللَّهُ لَهُ ؟ فَقِيلَ قالَ إنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ: أيِ ابْتَلَيْناهم واخْتَبَرْناهم وألْقَيْناهم في فِتْنَةٍ ومِحْنَةٍ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: صَيَّرْناهم مَفْتُونِينَ أشْقِياءَ بِعِبادَةِ العِجْلِ مِن بَعْدِ انْطِلاقِكَ مِن بَيْنِهِمْ، وهُمُ الَّذِينَ خَلَّفَهم مَعَ هارُونَ ﴿وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ أيْ دَعاهم إلى الضَّلالَةِ، وكانَ مِن قَوْمٍ يَعْبُدُونَ البَقَرَ، فَدَخَلَ في دِينِ بَنِي إسْرائِيلَ في الظّاهِرِ وفي قَلْبِهِ ما فِيهِ مِن عِبادَةِ البَقَرِ، وكانَ مِن قَبِيلَةٍ تُعْرَفُ بِالسّامِرَةِ، وقالَ لِمَن مَعَهُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ: إنَّما تَخَلَّفَ مُوسى عَنِ المِيعادِ الَّذِي بَيْنَكم وبَيْنَهُ لِما صارَ مَعَكم مِنَ الحُلِيِّ، وهي حَرامٌ عَلَيْكم وأمَرَهم بِإلْقائِها في النّارِ، فَكانَ مِن أمْرِ العِجْلِ ما كانَ.
﴿فَرَجَعَ مُوسى إلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أسِفًا﴾ قِيلَ وكانَ الرُّجُوعُ إلى قَوْمِهِ بَعْدَ ما اسْتَوْفى أرْبَعِينَ يَوْمًا: ذا القَعْدَةِ، وعَشْرَ ذِي الحِجَّةِ، والأسَفُ الشَّدِيدُ الغَضَبُ، وقِيلَ: الحَزِينُ، وقَدْ مَضى في الأعْرافِ بَيانُ هَذا مُسْتَوْفًى ﴿قالَ ياقَوْمِ ألَمْ يَعِدْكم رَبُّكم وعْدًا حَسَنًا﴾ الِاسْتِفْهامُ لِلْإنْكارِ التَّوْبِيخِيِّ، والوَعْدُ الحَسَنُ وعَدَهم بِالجَنَّةِ إذا أقامُوا عَلى طاعَتِهِ، ووَعَدَهم أنْ يُسْمِعَهم كَلامَهُ في التَّوْراةِ عَلى لِسانِ مُوسى لِيَعْمَلُوا بِما فِيها، فَيَسْتَحِقُّوا ثَوابَ عَمَلِهِمْ وقِيلَ: وعَدَهُمُ النَّصْرَ والظَّفَرَ، وقِيلَ: هو قَوْلُهُ: ﴿وإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ﴾ الآيَةَ ﴿أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ﴾ الفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ: أيْ أوَعَدَكم ذَلِكَ، فَطالَ عَلَيْكُمُ الزَّمانُ فَنَسِيتُمْ ﴿أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبٌ مِن رَبِّكم﴾ أيْ يَلْزَمَكم ويَنْزِلَ بِكم، والغَضَبُ: العُقُوبَةُ والنِّقْمَةُ، والمَعْنى: أمْ أرَدْتُمْ أنْ تَفْعَلُوا فِعْلًا يَكُونُ سَبَبَ حُلُولِ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْكم ﴿فَأخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ أيْ مَوْعِدَكم إيّايَ، فالمَصْدَرُ مُضافٌ إلى المَفْعُولِ، لِأنَّهم وعَدُوهُ أنْ يُقِيمُوا عَلى طاعَةِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - إلى أنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ مِنَ الطُّورِ، وقِيلَ: وعَدُوهُ أنْ يَأْتُوا عَلى أثَرِهِ إلى المِيقاتِ، فَتَوَقَّفُوا فَأجابُوهُ.
و﴿قالُوا ما أخْلَفْنا مَوْعِدَكَ﴾ الَّذِي وعَدْناكَ بِمَلْكِنا بِفَتْحِ المِيمِ، وهي قِراءَةُ نافِعٍ وأبِي جَعْفَرٍ وعاصِمٍ وعِيسى بْنِ عُمَرَ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ بِكَسْرِ المِيمِ، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ لِأنَّها عَلى اللُّغَةِ العالِيَةِ الفَصِيحَةِ، وهو مَصْدَرُ مَلَكْتُ الشَّيْءَ أمْلِكُهُ مِلْكًا، والمَصْدَرُ مُضافٌ إلى الفاعِلِ والمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ: أيْ بِمَلِكِنا أُمُورَنا، أوْ بِمَلْكِنا الصَّوابَ، بَلْ أخْطَأْنا ولَمْ نَمْلِكْ أنْفُسَنا وكُنّا مُضْطَرِّينَ إلى الخَطَأِ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ( بِمُلْكِنا ) بِضَمِّ المِيمِ، والمَعْنى بِسُلْطانِنا: أيْ لَمْ يَكُنْ لَنا مُلْكٌ فَنُخْلِفُ مَوْعِدَكَ، وقِيلَ: إنَّ الفَتْحَ والكَسْرَ والضَّمَّ في ( بِمَلْكِنا ) كُلُّها لُغاتٍ في مَصْدَرِ مَلَكْتُ الشَّيْءَ ﴿ولَكِنّا حُمِّلْنا أوْزارًا مِن زِينَةِ القَوْمِ﴾ قَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ وحَفْصٌ وأبُو جَعْفَرٍ ورُويْسٌ حُمِّلْنا بِضَمِّ الحاءِ وتَشْدِيدِ المِيمِ، وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِ الحاءِ والمِيمِ مُخَفَّفَةً، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ لِأنَّهم حَمَلُوا حِلْيَةَ القَوْمِ مَعَهم بِاخْتِيارِهِمْ، وما حَمَلُوها كُرْهًا، فَإنَّهم كانُوا اسْتَعارُوها مِنهم حِينَ أرادُوا الخُرُوجَ مَعَ مُوسى، وأوْهَمُوهم أنَّهم يَجْتَمِعُونَ في عِيدٍ لَهم أوْ ولِيمَةٍ، وقِيلَ: هو ما أخَذُوهُ مِن آلِ فِرْعَوْنَ لَمّا قَذَفَهُمُ البَحْرُ إلى السّاحِلِ، وسُمِّيَتْ أوْزارًا: أيْ آثامًا، لِأنَّهُ لا يَحِلُّ لَهم أخْذُها، ولا تَحِلُّ لَهُمُ الغَنائِمُ في شَرِيعَتِهِمْ والأوْزارُ في الأصْلِ الأثْقالُ كَما صَرَّحَ بِهِ أهْلُ اللُّغَةِ، والمُرادُ بِالزِّينَةِ هُنا الحُلِيُّ فَقَذَفْناها أيْ طَرَحْناها في النّارِ طَلَبًا لِلْخَلاصِ مِن إثْمِها، وقِيلَ: المَعْنى: طَرَحْناها إلى السّامِرِيِّ لِتَبْقى لَدَيْهِ حَتّى يَرْجِعَ مُوسى فَيَرى فِيها رَأْيَهُ ﴿فَكَذَلِكَ ألْقى السّامِرِيُّ﴾ أيْ فَمِثْلُ ذَلِكَ القَذْفِ ألْقاها السّامِرِيُّ، قِيلَ: إنَّ السّامِرِيَّ قالَ لَهم حِينَ اسْتَبْطَأ القَوْمُ رُجُوعَ مُوسى: إنَّما احْتَبَسَ عَنْكم لِأجْلِ ما عِنْدَكم مِنَ الحُلِيِّ، فَجَمَعُوهُ ودَفَعُوهُ إلَيْهِ، فَرَمى بِهِ في النّارِ وصاغَ لَهم مِنهُ عِجْلًا، ثُمَّ ألْقى عَلَيْهِ قَبْضَةً مِن أثَرِ الرَّسُولِ وهو جِبْرِيلُ.
فَصارَ ﴿عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ﴾ (p-٩١٩)أيْ يَخُورُ كَما يَخُورُ الحَيُّ مِنَ العُجُولِ، والخُوارُ صَوْتُ البَقَرِ، وقِيلَ: خُوارُهُ كانَ بِالرِّيحِ، لِأنَّهُ كانَ عَمَلٌ فِيهِ خُرُوقًا، فَإذا دَخَلَتِ الرِّيحُ في جَوْفِهِ خارَ ولَمْ يَكُنْ فِيهِ حَياةٌ، ﴿فَقالُوا هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى﴾ أيْ قالَ السّامِرِيُّ ومَن وافَقَهُ هَذِهِ المَقالَةَ فَنَسِيَ أيْ فَضَلَّ مُوسى ولَمْ يَعْلَمْ مَكانَ إلَهِهِ هَذا، وذَهَبَ يَطْلُبُهُ في الطُّورِ، وقِيلَ: المَعْنى: فَنَسِيَ مُوسى أنْ يَذْكُرَ لَكم أنَّ هَذا إلَهُهُ وإلَهُكم، وقِيلَ: النّاسِي هو السّامِرِيُّ: أيْ تَرَكَ السّامِرِيُّ ما أمَرَ بِهِ مُوسى مِنَ الإيمانِ وضَلَّ، كَذا قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ.
﴿أفَلا يَرَوْنَ ألّا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ أيْ أفَلا يَعْتَبِرُونَ ويَتَفَكَّرُونَ في أنَّ هَذا العِجْلَ لا يِرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا: أيْ لا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ جَوابًا، ولا يُكَلِّمُهم إذا كَلَّمُوهُ، فَكَيْفَ يَتَوَهَّمُونَ أنَّهُ إلَهٌ وهو عاجِزٌ عَنِ المُكالَمَةِ، فَإنَّ في ألّا يَرْجِعُ هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وفِيها ضَمِيرٌ مُقَدَّرٌ يَرْجِعُ إلى العِجْلِ، ولِهَذا ارْتَفَعَ الفِعْلُ بَعْدَها، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎فِي فِتْيَةٍ مِن سُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا أنْ هالِكٌ كُلُّ مَن يَحْفى ويَنْتَعِلُ
أيْ: أنَّهُ هالِكٌ. وقُرِئَ بِنَصْبِ الفِعْلِ عَلى أنَّها النّاصِبَةُ، وجُمْلَةُ ﴿ولا يَمْلِكُ لَهم ضَرًّا ولا نَفْعًا﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ لا يَرْجِعُ: أيْ أفَلا يَرَوْنَ أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى أنْ يَدْفَعَ عَنْهم ضَرًّا ولا يَجْلِبَ إلَيْهِمْ نَفْعًا.
﴿ولَقَدْ قالَ لَهم هارُونُ مِن قَبْلُ﴾ اللّامُ هي المُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ والجُمْلَةُ مُؤَكِّدَةٌ لِما تَضَمَّنَتْهُ الجُمْلَةُ الَّتِي قَبْلَها مِنَ الإنْكارِ عَلَيْهِمْ والتَّوْبِيخِ لَهم: أيْ ولَقَدْ قالَ لَهم هارُونُ مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ مُوسى ويَرْجِعَ إلَيْهِمْ ﴿ياقَوْمِ إنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ﴾ أيْ وقَعْتُمْ في الفِتْنَةِ بِسَبَبِ العِجْلِ وابْتُلِيتُمْ بِهِ وضَلَلْتُمْ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ لِأجْلِهِ، قِيلَ ومَعْنى القَصْرِ المُسْتَفادِ مِن إنَّما هو أنَّ العَجَلَ صارَ سَبَبًا لِفِتْنَتِهِمْ لا لِرَشادِهِمْ ولَيْسَ مَعْناهُ أنَّهم فُتِنُوا بِالعِجْلِ لا بِغَيْرِهِ ﴿وإنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فاتَّبِعُونِي وأطِيعُوا أمْرِي﴾ أيْ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ لا العِجْلُ، وأطِيعُوا أمْرِي لا أمْرَهُ.
﴿قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إلَيْنا مُوسى﴾ أجابُوا هارُونَ عَنْ قَوْلِهِ المُتَقَدِّمِ بِهَذا الجَوابِ المُتَضَمِّنِ لِعِصْيانِهِ، وعَدَمِ قَبُولِ ما دَعاهم إلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ وحَذَّرَهم عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ: أيْ لَنْ نَزالَ مُقِيمِينَ عَلى عِبادَةِ هَذا العِجْلِ، حَتّى يَرْجِعَ إلَيْنا مُوسى، فَيَنْظُرَ هَلْ يُقَرِّرُنا عَلى عِبادَتِهِ أوْ يَنْهانا عَنْها، فَعِنْدَ ذَلِكَ اعْتَزَلَهم هارُونُ في اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا مِنَ المُنْكِرِينَ لِما فَعَلَهُ السّامِرِيُّ. وقَدْ أخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ في قَوْلِهِ: يَبَسًا قالَ: يابِسًا لَيْسَ فِيهِ ماءٌ ولا طِينٌ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿لا تَخافُ دَرَكًا﴾ مِن آلِ فِرْعَوْنَ ﴿ولا تَخْشى﴾ مِنَ البَحْرِ غَرَقًا. وأخْرَجا عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ هَوى﴾ شَقِيَ. وأخْرَجا عَنْهُ أيْضًا ﴿وإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ﴾ قالَ مِنَ الشِّرْكِ وآمَنَ قالَ: وحَّدَ اللَّهَ ﴿وعَمِلَ صالِحًا﴾ قالَ: أدّى الفَرائِضَ ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ قالَ: لَمْ يُشَكِّكْ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ والفِرْيابِيُّ عَنْهُ أيْضًا ﴿وإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ﴾ قالَ: مَن تابَ مِنَ الذَّنْبِ، وآمَنَ مِنَ الشِّرْكِ، وعَمِلَ صالِحًا فِيما بَيْنَهُ وبَيْنَ رَبِّهِ ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ عَلِمَ أنَّ لِعَمَلِهِ ثَوابًا يُجْزى عَلَيْهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ قالَ: ثُمَّ اسْتَقامَ لَزِمَ السُّنَّةَ والجَماعَةَ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ مِن طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ رَجُلٍ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: تَعَجَّلَ مُوسى إلى رَبِّهِ، فَقالَ اللَّهُ: ﴿وما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يامُوسى﴾ الآيَةَ، قالَ: فَرَأى في ظِلِّ العَرْشِ رَجُلًا فَعَجِبَ لَهُ، فَقالَ: مَن هَذا يا رَبِّ ؟ قالَ: لا أُحَدِّثُكَ مَن هو، لَكِنْ سَأُخْبِرُكَ بِثَلاثٍ فِيهِ: كانَ لا يَحْسُدُ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ، ولا يَعُقُّ والِدَيْهِ، ولا يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: لَمّا تَعَجَّلَ مُوسى إلى رَبِّهِ عَمِدَ السّامِرِيُّ فَجَمَعَ ما قَدَرَ عَلَيْهِ مِن حُلِيِّ بَنِي إسْرائِيلَ فَضَرَبَهُ عِجْلًا، ثُمَّ ألْقى القَبْضَةَ في جَوْفِهِ فَإذا هو عِجْلٌ جَسَدٌ لَهُ خُوارٌ، فَقالَ لَهُمُ السّامِرِيُّ: هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى، فَقالَ لَهم هارُونُ، يا قَوْمِ ألَمْ يَعِدْكم رَبُّكم وعْدًا حَسَنًا، فَلَمّا أنْ رَجَعَ مُوسى أخَذَ بِرَأْسِ أخِيهِ، فَقالَ لَهُ هارُونُ ما قالَ، فَقالَ مُوسى لِلسّامِرِيِّ: ما خَطْبُكَ قالَ: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ فَعَمِدَ مُوسى إلى العِجْلِ، فَوَضَعَ مُوسى عَلَيْهِ المَبارِدَ فَبَرَدَهُ بِها وهو عَلى شَطِّ نَهْرٍ فَما شَرِبَ أحَدٌ مِن ذَلِكَ الماءِ مِمَّنْ كانَ يَعْبُدُ ذَلِكَ العِجْلَ إلّا اصْفَرَّ وجْهُهُ مِثْلَ الذَّهَبِ فَقالُوا لِمُوسى: ما تَوْبَتُنا ؟ قالَ: يَقْتُلُ بَعْضُكم بَعْضًا، فَأخَذُوا السَّكاكِينَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقْتُلُ أخاهُ وأباهُ وابْنَهُ ولا يُبالِي بِمَن قَتَلَ حَتّى قُتِلَ مِنهم سَبْعُونَ ألْفًا، فَأوْحى اللَّهُ إلى مُوسى مُرْهم فَلْيَرْفَعُوا أيْدِيَهم، فَقَدْ غَفَرْتُ لِمَن قُتِلَ وتُبْتُ عَلى مَن بَقِيَ. والحِكاياتُ لِهَذِهِ القِصَّةِ كَثِيرَةٌ جِدًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿بِمَلْكِنا﴾ قالَ: بِأمْرِنا. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ ﴿بِمَلْكِنا﴾ قالَ: بِطاقَتِنا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ أيْضًا عَنِ الحَسَنِ قالَ: بِسُلْطانِنا. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى فَنَسِيَ﴾ قالَ: فَنَسِيَ مُوسى أنْ يَذْكُرَ لَكم أنَّ هَذا إلَهُهُ.
{"ayahs_start":77,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِی فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِیقࣰا فِی ٱلۡبَحۡرِ یَبَسࣰا لَّا تَخَـٰفُ دَرَكࣰا وَلَا تَخۡشَىٰ","فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِیَهُم مِّنَ ٱلۡیَمِّ مَا غَشِیَهُمۡ","وَأَضَلَّ فِرۡعَوۡنُ قَوۡمَهُۥ وَمَا هَدَىٰ","یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ قَدۡ أَنجَیۡنَـٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَ ٰعَدۡنَـٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَیۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ","كُلُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡا۟ فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیۡكُمۡ غَضَبِیۖ وَمَن یَحۡلِلۡ عَلَیۡهِ غَضَبِی فَقَدۡ هَوَىٰ","وَإِنِّی لَغَفَّارࣱ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ","۞ وَمَاۤ أَعۡجَلَكَ عَن قَوۡمِكَ یَـٰمُوسَىٰ","قَالَ هُمۡ أُو۟لَاۤءِ عَلَىٰۤ أَثَرِی وَعَجِلۡتُ إِلَیۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ","قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِیُّ","فَرَجَعَ مُوسَىٰۤ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَلَمۡ یَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن یَحِلَّ عَلَیۡكُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِی","قَالُوا۟ مَاۤ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلۡنَاۤ أَوۡزَارࣰا مِّن زِینَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَـٰهَا فَكَذَ ٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِیُّ","فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلࣰا جَسَدࣰا لَّهُۥ خُوَارࣱ فَقَالُوا۟ هَـٰذَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِیَ","أَفَلَا یَرَوۡنَ أَلَّا یَرۡجِعُ إِلَیۡهِمۡ قَوۡلࣰا وَلَا یَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرࣰّا وَلَا نَفۡعࣰا","وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَـٰرُونُ مِن قَبۡلُ یَـٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِی وَأَطِیعُوۤا۟ أَمۡرِی","قَالُوا۟ لَن نَّبۡرَحَ عَلَیۡهِ عَـٰكِفِینَ حَتَّىٰ یَرۡجِعَ إِلَیۡنَا مُوسَىٰ"],"ayah":"فَرَجَعَ مُوسَىٰۤ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَلَمۡ یَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن یَحِلَّ عَلَیۡكُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِی"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق