الباحث القرآني
هَذِهِ الآيَةُ قَدْ أجْمَعَ المُفَسِّرُونَ عَلى أنَّها نَزَلَتْ في اليَهُودِ.
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: وأجْمَعَ أهْلُ التَّأْوِيلِ جَمِيعًا أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ جَوابًا عَلى اليَهُودِ إذْ زَعَمُوا أنَّ جِبْرِيلَ عَدُوٌّ لَهم، وأنَّ مِيكائِيلَ ولِيٌّ لَهم.ثُمَّ اخْتَلَفُوا ما كانَ سَبَبَ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ ؟ فَقالَ بَعْضُهم: إنَّما كانَ سَبَبُ قِيلِهِمْ ذَلِكَ مِن أجْلِ مُناظَرَةٍ جَرَتْ بَيْنَهم وبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِن أمْرِ نُبُوَّتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ رِواياتٍ في ذَلِكَ سَتَأْتِي آخِرَ البَحْثِ إنْ شاءَ اللَّهُ.
والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: فَإنَّهُ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ لِلَّهِ، ويَكُونَ الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: نَزَّلَهُ لِجِبْرِيلَ، أيْ فَإنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ نَزَّلَ جِبْرِيلَ عَلى قَلْبِكَ، وفِيهِ ضَعْفٌ كَما يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: ﴿مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ .
الثّانِي: أنَّهُ لِجِبْرِيلَ، والضَّمِيرُ في نَزَّلَهُ لِلْقُرْآنِ، أيْ فَإنَّ جِبْرِيلَ نَزَّلَ القُرْآنَ عَلى قَلْبِكَ، وخَصَّ القَلْبَ بِالذِّكْرِ لِأنَّهُ مَوْضِعُ العَقْلِ والعِلْمِ.
وقَوْلُهُ: بِإذْنِ اللَّهِ أيْ بِعِلْمِهِ وإرادَتِهِ وتَيْسِيرِهِ وتَسْهِيلِهِ، ولِما بَيْنَ يَدَيْهِ هو التَّوْراةُ كَما سَلَفَ أوْ جَمِيعُ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ وفي هَذا دَلِيلٌ عَلى شَرَفِ جِبْرِيلَ وارْتِفاعِ مَنزِلَتِهِ، وأنَّهُ لا وجْهَ لِمُعاداةِ اليَهُودِ لَهُ حَيْثُ كانَ مِنهُ ما ذُكِرَ مِن تَنْزِيلِ الكِتابِ عَلى قَلْبِكَ، أوْ مِن تَنْزِيلِ اللَّهِ لَهُ عَلى قَلْبِكَ، وهَذا هو وجْهُ الرَّبْطِ بَيْنَ الشَّرْطِ والجَوابِ، أيْ مَن كانَ مُعادِيًا لِجِبْرِيلَ مِنهم فَلا وجْهَ لِمُعاداتِهِ لَهُ، فَإنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنهُ إلّا ما يُوجِبُ المَحَبَّةَ دُونَ العَداوَةِ، أوْ مَن كانَ مُعادِيًا لَهُ، فَإنَّ سَبَبَ مُعاداتِهِ أنَّهُ وقَعَ مِنهُ ما يَكْرَهُونَهُ مِنَ التَّنْزِيلِ، ولَيْسَ ذَلِكَ بِذَنْبٍ لَهُ وإنْ نَزَّهُوهُ، فَإنَّ هَذِهِ الكَراهَةَ مِنهم لَهُ بِهَذا السَّبَبِ ظُلْمٌ وعُدْوانٌ، لِأنَّ هَذا الكِتابَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ هو مُصَدِّقٌ لِكِتابِهِمْ وهُدًى وبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ أتْبَعَ سُبْحانَهُ هَذا الكَلامَ بِجُمْلَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلى شَرْطٍ وجَزاءٍ يَتَضَمَّنُ الذَّمَّ لِمَن عادى جِبْرِيلَ بِذَلِكَ السَّبَبِ، والوَعِيدُ الشَّدِيدُ لَهُ فَقالَ: ﴿مَن كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ فَإنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ﴾ والعَداوَةُ مِنَ العَبْدِ هي صُدُورُ المَعاصِي مِنهُ لِلَّهِ والبُغْضُ لِأوْلِيائِهِ، والعَداوَةُ مِنَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ هي تَعْذِيبُهُ بِذَنَبِهِ وعَدَمُ التَّجاوُزِ عَنْهُ والمَغْفِرَةِ لَهُ، وإنَّما خَصَّ جِبْرِيلَ ومِيكائِيلَ بِالذِّكْرِ بَعْدَ ذِكْرِ المَلائِكَةِ لِقَصْدِ التَّشْرِيفِ لَهُما والدَّلالَةِ عَلى فَضْلِهِما، وأنَّهُما وإنْ كانا مِنَ المَلائِكَةِ فَقَدْ صارا بِاعْتِبارِ ما لَهُما مِنَ المَزِيَّةِ بِمَنزِلَةِ جِنْسٍ آخَرَ أشْرَفَ مِن جِنْسِ المَلائِكَةِ تَنْزِيلًا لِلتَّغايُرِ الوَصْفِيِّ مَنزِلَةَ التَّغايُرِ الذّاتِيِّ كَما ذَكَرَهُ صاحِبُ الكَشّافِ وقَرَّرَهُ عُلَماءُ البَيانِ.
وفِي جِبْرِيلَ عَشْرُ لُغاتٍ ذَكَرَها ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وغَيْرُهُ، وقَدْ قَدَّمَنا الإشارَةَ إلى ذَلِكَ.
وفِي مِيكائِيلَ سِتُّ لُغاتٍ، وهُما اسْمانِ عَجَمِيّانِ، والعَرَبُ إذا نَطَقَتْ بِالعَجَمِيِّ تَساهَلَتْ فِيهِ.
وحَكى الزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ ابْنِ جِنِّيٍّ أنَّهُ قالَ: العَرَبُ إذا نَطَقَتْ بِالأعْجَمِيِّ خَلَطَتْ فِيهِ.
وقَوْلُهُ: لِلْكافِرِينَ مِن وضْعِ الظّاهِرِ مَوْضِعَ المُضْمَرِ، أيْ فَإنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لَهم لِقَصْدِ الدَّلالَةِ عَلى أنَّ هَذِهِ العَداوَةَ مُوجِبَةٌ لِكُفْرِ مَن وقَعَتْ مِنهُ.
وقَدْ أخْرَجَ أحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وأبُو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «حَضَرَتْ عِصابَةٌ مِنَ اليَهُودِ النَّبِيَّ ﷺ فَقالُوا: يا أبا القاسِمِ حَدِّثْنا عَنْ خِلالٍ نَسْألُكَ عَنْهُنَّ لا يَعْلَمُهُنَّ إلّا نَبِيٌّ، قالَ: سَلُونِي عَمّا شِئْتُمْ، فَسَألُوهُ وأجابَهم، ثُمَّ قالُوا: فَحَدِّثْنا مَن ولِيُّكَ مِنَ المَلائِكَةِ فَعِنْدَها نُجامِعُكَ أوْ نُفارِقُكَ، فَقالَ: ولِيِّي جِبْرِيلُ، ولَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إلّا وهو ولِيُّهُ، قالُوا: فَعِنْدَها نُفارِقُكَ لَوْ كانَ ولِيُّكَ سِواهُ مِنَ المَلائِكَةِ لاتَّبَعْناكَ وصَدَّقْناكَ، قالَ: فَما يَمْنَعُكم أنْ تُصَدِّقُوهُ ؟ قالُوا: هَذا عَدُّونا، فَعِنْدَ ذَلِكَ أنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ» .
وأخْرَجَ نَحْوَ ذَلِكَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في المُصَنَّفِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ في قِصَّةٍ جَرَتْ لَهُ مَعَهم وإسْنادُها صَحِيحٌ ولَكِنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وقَدْ رَواها عِكْرِمَةُ وقَتادَةُ والسُّدِّيُّ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبِي لَيْلى عَنْ عُمَرَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبُخارِيُّ والنَّسائِيُّ وغَيْرُهم عَنْ أنَسٍ قالَ: «سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ بِمَقْدَمِ النَّبِيِّ ﷺ وهو في أرْضٍ يَخْتَرِفُ، فَأتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: إنِّي سائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلّا نَبِيٌّ: ما أوَّلُ أشْراطِ السّاعَةِ، وما أوَّلُ طَعامِ أهْلِ الجَنَّةِ، وما يَنْزِعُ الوَلَدُ إلى أبِيهِ أوْ إلى أُمِّهِ ؟ فَقالَ: أخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا، فَقالَ: جِبْرِيلُ ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: ذاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلائِكَةِ، فَقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿مَن كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ﴾ قالَ: أمّا أوَّلُ أشْراطِ السّاعَةِ فَنارٌ تَخْرُجُ مِنَ المَشْرِقِ فَتَحْشُرُ النّاسَ إلى المَغْرِبِ، وأمّا أوَّلُ ما يَأْكُلُ أهْلُ الجَنَّةِ فَزِيادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وأمّا ما يَنْزِعُ الوَلَدُ إلى أبِيهِ أوْ أُمِّهِ، فَإذا سَبَقَ ماءُ الرَّجُلِ ماءَ المَرْأةِ نَزَعَ إلَيْهِ الوَلَدُ، وإذا سَبَقَ ماءُ المَرْأةِ ماءَ الرَّجُلِ نَزَعَ إلَيْها، قالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإذْنِ اللَّهِ﴾ يَقُولُ: فَإنَّ جِبْرِيلَ نَزَّلَ القُرْآنَ بِأمْرِ اللَّهِ يُشَدِّدُ بِهِ فُؤادَكَ ويَرْبِطُ بِهِ عَلى قَلْبِكَ ﴿مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ يَقُولُ: لِما قَبْلَهُ مِنَ الكُتُبِ الَّتِي أنْزَلَها والآياتِ والرُّسُلِ الَّذِينَ بَعَثَهُمُ اللَّهُ.
وقَدْ ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ في هَذا المَوْضِعِ مِن تَفْسِيرِهِ الدُّرِّ المَنثُورِ أحادِيثَ كَثِيرَةً وارِدَةً في جِبْرِيلَ ومِيكائِيلَ ولَيْسَ مِمّا يَتَعَلَّقُ بِالتَّفْسِيرِ حَتّى نَذْكُرَها.
{"ayahs_start":97,"ayahs":["قُلۡ مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّجِبۡرِیلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَهُدࣰى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ","مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّلَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِیلَ وَمِیكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوࣱّ لِّلۡكَـٰفِرِینَ"],"ayah":"مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّلَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِیلَ وَمِیكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوࣱّ لِّلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق