الباحث القرآني

قَوْلُهُ: ﴿بِما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ﴾ أيْ بِجَمِيعِ ما أنْزَلَ اللَّهُ والمُؤْمِنُونَ عَطْفٌ عَلى الرَّسُولِ، وقَوْلُهُ: كُلٌّ أيْ مِنَ الرَّسُولِ والمُؤْمِنِينَ آمَنَ بِاللَّهِ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: والمُؤْمِنُونَ مُبْتَدَأٌ. وقَوْلُهُ: كُلٌّ مُبْتَدَأٌ ثانٍ. وقَوْلُهُ: آمَنَ بِاللَّهِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الثّانِي، وهو وخَبَرُهُ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الأوَّلِ، وأفْرَدَ الضَّمِيرَ في قَوْلِهِ: آمَنَ بِاللَّهِ مَعَ رُجُوعِهِ إلى كُلِّ المُؤْمِنِينَ، لِما أنَّ المُرادَ بَيانُ إيمانِ كُلِّ فَرْدِ مِنهم مَن غَيْرِ اعْتِبارِ الِاجْتِماعِ كَما اعْتَبَرَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكُلٌّ أتَوْهُ داخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧] . قالَ الزَّجّاجُ: لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ في هَذِهِ السُّورَةِ فَرْضَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، وبَيَّنَ أحْكامَ الحَجِّ، وحُكْمَ الحَيْضِ، والطَّلاقِ والإيلاءِ، وأقاصِيصَ الأنْبِياءِ، وبَيَّنَ حُكْمَ الرِّبا، ذَكَرَ تَعْظِيمَهُ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ [البقرة: ٢٨٤] ثُمَّ ذَكَرَ تَصْدِيقَ نَبِيِّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ تَصْدِيقَ المُؤْمِنِينَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ﴾ أيْ صَدَّقَ الرَّسُولُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الأشْياءِ الَّتِي جَرى ذِكْرُها، وكَذَلِكَ المُؤْمِنُونَ كُلُّهم صَدَّقُوا بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ، وقِيلَ: سَبَبُ نُزُولِها الآيَةُ الَّتِي قَبْلَها. وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: ومَلائِكَتِهِ أيْ: مِن حَيْثُ كَوْنِهِمْ عِبادَهُ المُكْرَمِينَ المُتَوَسِّطِينَ بَيْنَهُ وبَيْنَ أنْبِيائِهِ في إنْزالِ كُتُبِهِ، وقَوْلُهُ: وكُتُبِهِ لِأنَّها المُشْتَمِلَةُ عَلى الشَّرائِعِ الَّتِي تَعَبَّدَ بِها عِبادُهُ. وقَوْلُهُ: ورُسُلِهِ لِأنَّهُمُ المُبَلِّغُونَ لِعِبادِهِ ما نَزَلَ إلَيْهِمْ. وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وعاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ وابْنِ عامِرٍ " وكُتُبِهِ " بِالجَمْعِ. وقَرَءُوا في التَّحْرِيمِ " وكِتابِهِ " وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ هُنا " وكِتابِهِ " وكَذَلِكَ قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ، ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: الكِتابُ أكْثَرُ مِنَ الكُتُبِ. وبَيَّنَهُ صاحِبُ الكَشّافِ فَقالَ: لِأنَّهُ إذا أُرِيدَ بِالواحِدِ الجِنْسُ والجِنْسِيَّةُ قائِمَةٌ في وحْدانِ الجِنْسِ كُلِّها لَمْ يَخْرُجْ مِنهُ شَيْءٌ، وأمّا الجَمْعُ فَلا يَدْخُلُ تَحْتَهُ إلّا ما فِيهِ الجِنْسِيَّةُ مِنَ الجُمُوعِ انْتَهى. ومَن أرادَ تَحْقِيقَ المَقامِ فَلْيَرْجِعْ إلى شَرْحِ التَّلْخِيصِ المُطَوَّلِ عِنْدَ قَوْلِ صاحِبِ التَّلْخِيصِ واسْتِغْراقُ المُفْرَدِ أشْمَلُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ورُسُلِهِ بِضَمِّ السِّينِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو بِتَخْفِيفِ السِّينِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ لا نُفَرِّقُ بِالنُّونِ. والمَعْنى: يَقُولُونَ: لا نُفَرِّقُ. وقَرَأ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ويَحْيى بْنُ يَعْمُرَ وأبُو زُرْعَةَ وابْنُ عُمَرَ وابْنُ جَرِيرٍ ويَعْقُوبُ " لا يُفَرِّقُ " بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ. وقَوْلُهُ: بَيْنَ أحَدٍ ولَمْ يَقُلْ بَيْنَ آحادٍ؛ لِأنَّ الأحَدَ يَتَناوَلُ الواحِدَ والجَمْعَ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَما مِنكم مِن أحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ فَوَصَفَهُ بِقَوْلِهِ: حاجِزِينَ لِكَوْنِهِ في مَعْنى الجَمْعِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ وأنْ تَكُونَ خَبَرًا آخَرَ لِقَوْلِهِ: كُلٌّ. وقَوْلُهُ: مِن رُسُلِهِ أظْهَرَ في مَحَلِّ الإضْمارِ لِلِاحْتِرازِ عَنْ تَوَهُّمِ انْدِراجِ المَلائِكَةِ في الحُكْمِ، أوِ الإشْعارِ بِعِلَّةِ عَدَمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهم. وقَوْلُهُ: ﴿وقالُوا سَمِعْنا وأطَعْنا﴾ هو مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: آمَنَ وهو وإنْ كانَ لِلْمُفْرَدِ وهَذا لِلْجَماعَةِ فَهو جائِزٌ نَظَرًا إلى جانِبِ المَعْنى، أيْ أدْرَكْناهُ بِأسْماعِنا وفَهْمِناهُ وأطَعْنا ما فِيهِ، وقِيلَ: مَعْنى سَمِعْنا: أجَبْنا دَعْوَتَكَ. قَوْلُهُ: غُفْرانَكَ مَصْدَرٌ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أيِ اغْفِرْ غُفْرانَكَ. قالَهُ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ، وقَدَّمَ السَّمْعَ والطّاعَةَ عَلى طَلَبِ المَغْفِرَةِ لِكَوْنِ الوَسِيلَةِ تَتَقَدَّمُ عَلى المُتَوَسِّلِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها﴾ التَّكْلِيفُ هو الأمْرُ بِما فِيهِ مَشَقَّةٌ وكُلْفَةٌ، والوُسْعُ: الطّاقَةُ، والوُسْعُ: ما يَسَعُ الإنْسانَ ولا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ، وهَذِهِ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ جاءَتْ عَقِبَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٤] الآيَةَ لِكَشْفِ كُرْبَةِ المُسْلِمِينَ، ودَفْعِ المَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ في التَّكْلِيفِ بِما في الأنْفُسِ وهي كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] . قَوْلُهُ: ﴿لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾ فِيهِ تَرْغِيبٌ وتَرْهِيبٌ، أيْ لَها ثَوابُ ما كَسَبَتْ مِنَ الخَيْرِ، وعَلَيْها وِزْرُ ما اكْتَسَبَتْ مِنَ الشَّرِّ، وتَقَدَّمَ " لَها " و" عَلَيْها " عَلى الفِعْلَيْنِ لِيُفِيدَ أنَّ ذَلِكَ لَها لا لِغَيْرِها، وعَلَيْها لا عَلى غَيْرِها، وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ كَسَبَ لِلْخَيْرِ فَقَطْ، واكْتَسَبَ لِلشَّرِّ فَقَطْ، كَما قالَهُ صاحِبُ الكَشّافِ وغَيْرُهُ، وقِيلَ: كُلُّ واحِدٍ مِنَ الفِعْلَيْنِ يَصْدُقُ عَلى الأمْرَيْنِ، وإنَّما كَرَّرَ الفِعْلَ وخالَفَ بَيْنَ التَّصْرِيفَيْنِ تَحْسِينًا لِلنَّظْمِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَهِّلِ الكافِرِينَ أمْهِلْهم رُوَيْدًا﴾ [الطارق: ١٧] . قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا﴾ أيْ: لا تُؤاخِذْنا بِإثْمِ ما يَصْدُرُ مِنّا مِن هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ. وقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذا الدُّعاءُ جَماعَةً مِنَ المُفَسِّرِينَ وغَيْرِهِمْ قائِلِينَ إنَّ الخَطَأ والنِّسْيانَ مَغْفُورانِ غَيْرُ مُؤاخَذٍ بِهِما، فَما مَعْنى الدُّعاءِ بِذَلِكَ، فَإنَّهُ مِن تَحْصِيلِ الحاصِلِ. وأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأنَّ المُرادَ طَلَبُ المُؤاخَذَةِ بِما صَدَرَ عَنْهم مِنَ الأسْبابِ المُؤَدِّيَةِ إلى النِّسْيانِ والخَطَأِ، مِنَ التَّفْرِيطِ وعَدَمِ المُبالاةِ، لا مِن نَفْسِ النِّسْيانِ والخَطَأِ، فَإنَّهُ لا مُؤاخَذَةَ بِهِما كَما يُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيانُ» وسَيَأْتِي مَخْرَجُهُ، وقِيلَ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْإنْسانِ أنْ يَدْعُوَ بِحُصُولِ ما هو حاصِلٌ لَهُ قَبْلَ الدُّعاءِ لِقَصْدِ اسْتَدامَتِهِ، وقِيلَ: إنَّهُ وإنْ ثَبَتَ شَرْعًا أنَّهُ لا مُؤاخَذَةَ بِهِما، فَلا (p-١٩٨)امْتِناعَ في المُؤاخَذَةِ بِهِما عَقْلًا، وقِيلَ: لِأنَّهم كانُوا عَلى جانِبٍ عَظِيمٍ مِنَ التَّقْوى بِحَيْثُ لا يَصْدُرُ عَنْهُمُ الذَّنْبُ تَعَمُّدًا، وإنَّما يَصْدُرُ عَنْهم خَطَأً أوْ نِسْيانًا، فَكَأنَّهُ وصَفَهم بِالدُّعاءِ بِذَلِكَ إيذانًا بِنَزاهَةِ ساحَتِهِمْ عَمّا يُؤاخَذُونَ بِهِ، كَأنَّهُ قِيلَ: إنْ كانَ النِّسْيانُ والخَطَأُ مِمّا يُؤاخَذُ بِهِ، فَما مِنهم سَبَبُ مُؤاخَذَةٍ إلّا الخَطَأُ والنِّسْيانُ. قالَ القُرْطُبِيُّ: وهَذا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ أنَّ الإثْمَ مَرْفُوعٌ، وإنَّما اخْتُلِفَ فِيما يَتَعَلَّقُ عَلى ذَلِكَ مِنَ الأحْكامِ هَلْ ذَلِكَ مَرْفُوعٌ ولا يَلْزَمُ مِنهُ شَيْءٌ، أوْ يَلْزَمُ أحْكامُ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ اخْتُلِفَ فِيهِ، والصَّحِيحُ أنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الوَقائِعِ، فَقِسْمٌ لا يَسْقُطُ بِاتِّفاقٍ كالغَراماتِ والدِّياناتِ والصَّلَواتِ المَفْرُوضاتِ. وقِسْمٌ يَسْقُطُ بِاتِّفاقٍ كالقِصاصِ والنُّطْقِ بِكَلِمَةِ الكُفْرِ، وقِسْمٌ ثالِثٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَن أكَلَ ناسِيًا في رَمَضانَ أوْ حَنَثَ ساهِيًا، وما كانَ مِثْلُهُ مِمّا يَقَعُ خَطَأً ونِسْيانًا، ويُعْرَفُ ذَلِكَ في الفُرُوعِ انْتَهى. قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا﴾ عَطْفٌ عَلى الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، وتَكْرِيرُ النِّداءِ لِلْإيذانِ بِمَزِيدِ التَّضَرُّعِ واللُّجُوءِ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ. والإصْرُ: العِبْءُ الثَّقِيلُ الَّذِي يَأْصِرُ صاحِبَهُ، أيْ يَحْبِسُهُ مَكانَهُ لا يَسْتَقِلُّ بِهِ لِثِقَلِهِ. والمُرادُ بِهِ هُنا التَّكْلِيفُ الشّاقُّ، والأمْرُ الغَلِيظُ الصَّعْبُ، وقِيلَ: الإصْرُ شِدَّةُ العَمَلِ وما غَلُظَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ مِن قَتْلِ الأنْفُسِ وقَطْعِ مَوْضِعِ النَّجاسَةِ، ومِنهُ قَوْلُ النّابِغَةِ: ؎يا مانِعَ الضَّيْمِ أنْ تَغْشى سَراتَهُمُ والحامِلَ الإصْرِ عَنْهم بَعْدَما غَرِقُوا وقِيلَ: الإصْرُ المَسْخُ قِرَدَةً وخَنازِيرَ، وقِيلَ: العَهْدُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأخَذْتُمْ عَلى ذَلِكم إصْرِي﴾ [آل عمران: ٨١] وهَذا الخِلافُ يَرْجِعُ إلى بَيانِ ما هو الإصْرُ الَّذِي كانَ عَلى مَن قَبْلَنا، لا إلى مَعْنى الإصْرِ في لُغَةِ العَرَبِ، فَإنَّهُ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِلا نِزاعٍ، والإصارُ: الحَبَلُ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ الأحْمالُ ونَحْوُها، يُقالُ: أصَرَ يَأْصِرُ إصْرًا: حَبَسَ، والإصْرُ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ مِن ذَلِكَ. قالَ الجَوْهَرِيُّ: والمَوْضِعُ مَأْصِرٌ، والجُمَعُ مَآصِرُ، والعامَّةُ تَقُولُ مَعاصِرُ. ومَعْنى الآيَةِ أنَّهم طَلَبُوا مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ أنْ لا يَحْمِلَهم مِن ثِقَلِ التَّكالِيفِ ما حَمَلَ الأُمَمَ قَبْلَهم. وقَوْلُهُ: كَما حَمَلْتَهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ: أيْ حَمْلًا مِثْلَ حَمْلِكَ إيّاهُ عَلى مَن قَبْلَنا، أوْ صِفَةٌ لِ " إصْرًا ": أيْ إصْرًا مِثْلَ الإصْرِ الَّذِي حَمَلَتْهُ عَلى مَن قَبْلَنا. قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ هو أيْضًا عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَهُ، وتَكْرِيرُ النِّداءِ لِلنُّكْتَةِ المَذْكُورَةِ قَبْلَ هَذا. والمَعْنى لا تُحَمِّلْنا مِنَ الأعْمالِ ما لا نُطِيقُ، وقِيلَ: هو عِبارَةٌ عَنْ إنْزالِ العُقُوباتِ، كَأنَّهُ قالَ: لا تُنْزِلْ عَلَيْنا العُقُوباتِ بِتَفْرِيطِنا في المُحافَظَةِ عَلى تِلْكَ التَّكالِيفِ الشّاقَّةِ الَّتِي كَلَّفْتَ بِها مَن قَبْلَنا، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ الشّاقُّ الَّذِي لا يَكادُ يُسْتَطاعُ مِنَ التَّكالِيفِ. قالَ في الكَشّافِ: وهَذا تَقْرِيرٌ لِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا﴾ . قَوْلُهُ: واعْفُ عَنّا أيْ عَنْ ذُنُوبِنا، يُقالُ عَفَوْتُ عَنْ ذَنْبِهِ: إذا تَرَكْتَهُ ولَمْ تُعاقِبْهُ عَلَيْهِ واغْفِرْ لَنا أيِ اسْتُرْ عَلى ذُنُوبِنا، والغَفْرُ: السَّتْرُ وارْحَمْنا أيْ تَفَضَّلْ بِرَحْمَةٍ مِنكَ عَلَيْنا أنْتَ مَوْلانا أيْ ولِيُّنا وناصِرُنا، وخَرَجَ هَذا مَخْرَجَ التَّعْلِيمِ كَيْفَ يَدْعُونَ، وقِيلَ: مَعْناهُ: أنْتَ سَيِّدُنا ونَحْنُ عَبِيدُكَ ﴿فانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾ فَإنَّ مِن حَقِّ المَوْلى أنْ يَنْصُرَ عَبِيدَهُ، والمُرادُ عامَّةُ الكَفَرَةِ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى إعْلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ في الجِهادِ في سَبِيلِهِ. وقَدْ قَدَّمْنا في شَرْحِ الآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٤] إلَخْ، أنَّهُ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ عَقِبَ كُلِّ دَعْوَةٍ مِن هَذِهِ الدَّعَواتِ: قَدْ فَعَلْتُ، فَكانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمْ يُؤاخِذْهم بِشَيْءٍ مِنَ الخَطَأِ والنِّسْيانِ ولا حَمَلَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنَ الإصْرِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلى مَن قَبْلَهم، ولا حَمَّلَهم ما لا طاقَةَ لَهم بِهِ، وعَفا عَنْهم وغَفَرَ لَهم ورَحِمَهم، ونَصَرَهم عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُقاتِلِ بْنِ حِبّانَ ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ﴾ لا نَكْفُرُ بِما جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، ولا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنهم، ولا نُكَذِّبُ بِهِ ﴿وقالُوا سَمِعْنا﴾ لِلْقُرْآنِ الَّذِي جاءَ مِنَ اللَّهِ وأطَعْنا، أقَرُّوا لِلَّهِ أنْ يُطِيعُوهُ في أمْرِهِ ونَهْيِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿غُفْرانَكَ رَبَّنا﴾ قالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكم ﴿وإلَيْكَ المَصِيرُ﴾ قالَ: إلَيْكَ المَرْجِعُ والمَآبُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسابُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جابِرٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ الآيَةَ، قالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أحْسَنَ الثَّناءَ عَلَيْكَ وعَلى أُمَّتِكَ فَسَلْ تُعْطَهُ، فَقالَ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها﴾ حَتّى خَتَمَ السُّورَةَ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها﴾ قالَ: هُمُ المُؤْمِنُونَ وسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أمْرَ دِينِهِمْ فَقالَ: ﴿وما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] . وقالَ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] . وقالَ: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ ما اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾ قالَ: مِنَ العَمَلِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: إلّا وُسْعَها قالَ: إلّا طاقَتَها. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الضَّحّاكِ نَحْوَهُ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ ماجَهْ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ حِبّانَ في صَحِيحِهِ والطَّبَرانِيُّ والدّارَقُطْنِيُّ والحاكِمُ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «إنَّ اللَّهَ تَجاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأ والنِّسْيانَ وما اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وأخْرَجَهُ ابْنُ ماجَهْ مِن حَدِيثِ أبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا، والطَّبَرانِيُّ مِن حَدِيثِ ثَوْبانَ، ومِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، ومِن حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ. وأخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ أيْضًا مِن حَدِيثِهِ. وأخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ في الكامِلِ وأبُو نُعَيْمٍ مِن حَدِيثِ أبِي بَكْرَةَ. وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن حَدِيثِ أُمِّ الدَّرْداءِ. وأخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ حَدِيثِ الحَسَنِ مُرْسَلًا، وأخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِن حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا. وفِي أسانِيدِ هَذِهِ الأحادِيثِ مَقالٌ ولَكِنَّها يُقَوِّي بَعْضُها بَعْضًا فَلا تَقْصُرُ عَنْ رُتْبَةِ الحَسَنِ لِغَيْرِهِ. وقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ (p-١٩٩)إنَّ اللَّهَ قالَ قَدْ فَعَلْتُ وهو في الصَّحِيحِ وهو يَشْهَدُ لِهَذِهِ الأحادِيثِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: " إصْرًا قالَ: عَهْدًا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجاهِدٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ أيْضًا عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا﴾ قالَ: لا تَمْسَخْنا قِرَدَةً وخَنازِيرَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في الآيَةِ أنَّ الإصْرَ: الذَّنْبُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَوْبَةٌ ولا كَفّارَةٌ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الفُضَيْلِ في الآيَةِ قالَ: كانَ الرَّجُلُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ إذا أذْنَبَ قِيلَ لَهُ: تَوْبَتُكَ أنْ تَقْتُلَ نَفْسَكَ فَيَقْتُلُ نَفْسَهُ، فَوُضِعَتِ الآصارُ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطاءٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآياتُ " ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا﴾ " إلَخْ، كُلَّما قالَها جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ النَّبِيُّ: آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ» . وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ عَنْ مَيْسَرَةَ «أنَّ جِبْرِيلَ لَقَّنَ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ خاتِمَةَ البَقَرَةِ آمِينَ» . وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ أنَّهُ كانَ إذا فَرَغَ مِن قِراءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ قالَ: آمِينَ. وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: آمِينَ آمِينَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: هي لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ خاصَّةً. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحّاكِ في هَذِهِ الآيَةِ قالَ: سَألَها نَبِيُّ اللَّهِ رَبَّهُ فَأعْطاهُ إيّاها، فَكانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ خاصَّةً. وقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وأهْلِ السُّنَنِ وغَيْرِهِمْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «مَن قَرَأ الآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ» . وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ والدّارِمِيُّ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابْنُ حِبّانَ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: " «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِألْفَيْ عامٍ، فَأنْزَلَ مِنهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِها سُورَةَ البَقَرَةِ، ولا يُقْرَآنِ في دارٍ ثَلاثَ لَيالٍ فَيَقْرَبُها شَيْطانٌ "» . وأخْرَجَ أحْمَدُ والنَّسائِيُّ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ كانَ يَقُولُ: «أُعْطِيتُ هَذِهِ الآياتِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مِن كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ لَمْ يُعْطَها نَبِيٌّ قَبْلِي» . وأخْرَجَ أحْمَدُ والبَيْهَقِيُّ عَنْ أبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ وأحْمَدُ ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «اقْرَءُوا هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ " آمَنَ الرَّسُولُ " إلى خاتِمَتِها، فَإنَّ اللَّهَ اصْطَفى بِها مُحَمَّدًا» وإسْنادُهُ حَسَنٌ. وأخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: «لَمّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ انْتَهى إلى سِدْرَةِ المُنْتَهى وأُعْطِيَ ثَلاثًا، أُعْطِيَ الصَّلَواتِ الخَمْسَ، وأُعْطِيَ خَواتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ، وغَفَرَ لِمَن لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ مِن أُمَّتِهِ شَيْئًا المُقْحِماتِ» . وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أبِي ذَرٍّ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: " «إنَّ اللَّهَ خَتَمَ سُورَةَ البَقَرَةِ بِآيَتَيْنِ أعْطانِيهِما مِن كَنْزِهِ الَّذِي تَحْتَ العَرْشِ، فَتَعَلَّمُوهُما وعَلِّمُوهُما نِساءَكم وأبْناءَكم فَإنَّهُما صَلاةٌ وقُرْآنٌ ودُعاءٌ "» . وأخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «اثْنانِ هُما قُرْآنٌ وهُما يَشْفِيانِ، وهُما مِمّا يُحِبُّهُما اللَّهُ الآيَتانِ مِن آخِرِ البَقَرَةِ» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ شَدّادِ بْنِ أوْسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: " «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِألْفَيْ عامٍ فَأنْزَلَ مِنهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِما سُورَةَ البَقَرَةِ لا يُقْرَآنِ في دارٍ ثَلاثَ لَيالٍ فَيَقْرَبُها شَيْطانٌ "» . وأخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الأنْصارِيِّ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «أنْزَلَ اللَّهُ آيَتَيْنِ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ، كَتَبَهُما الرَّحْمَنُ بِيَدِهِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ بِألْفَيْ سَنَةٍ، مَن قَرَأهُما بَعْدَ العِشاءِ الآخِرَةِ أجْزَأتاهُ عَنْ قِيامِ اللَّيْلِ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ إذا قَرَأ آخِرَ سُورَةِ البَقَرَةِ أوْ آيَةَ الكُرْسِيِّ ضَحِكَ وقالَ: إنَّهُما مِن كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: " «أُعْطِيتُ فاتِحَةَ الكِتابِ وخَواتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ مِن تَحْتِ العَرْشِ "» . وأخْرَجَ مُسْلِمٌ والنَّسائِيُّ واللَّفْظُ لَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " «بَيْنا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وعِنْدَهُ جِبْرِيلُ إذْ سَمِعَ نَقِيضًا فَرَفَعَ جِبْرِيلُ بَصَرَهُ فَقالَ: هَذا بابٌ قَدْ فُتِحَ مِنَ السَّماءِ ما فُتِحَ قَطُّ، قالَ: فَنَزَلَ مِنهُ مَلَكٌ فَأتى النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَقالَ: أبْشِرْ بِنُورَيْنِ قَدْ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فاتِحَةُ الكِتابِ، وخَواتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأ حَرْفًا مِنهُما إلّا أُوتِيتَهُ "» . فَهَذِهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا في فَضْلِ هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مَرْفُوعَةٌ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ. وقَدْ رُوِيَ في فَضْلِهِما مِن غَيْرِ المَرْفُوعِ عَنْ عُمَرَ وعَلِيٍّ وابْنِ مَسْعُودٍ وأبِي مَسْعُودٍ وكَعْبِ الأحْبارِ والحَسَنِ وأبِي قِلابَةَ، وفي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ما يُغْنِي عَنْ غَيْرِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب