الباحث القرآني
السّائِلُونَ هُنا: هُمُ المُؤْمِنُونَ سَألُوا عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي يُنْفِقُونَهُ ما هو ؟ فَأُجِيبُوا بِبَيانِ المَصْرِفِ الَّذِي يَصْرِفُونَ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ الأوْلى بِالقَصْدِ؛ لِأنَّ الشَّيْءَ لا يُعْتَدُّ بِهِ إلّا إذا وُضِعَ في مَوْضِعِهِ وصادَفَ مَصْرِفَهُ، وقِيلَ: إنَّهُ قَدْ تَضَمَّنَ قَوْلُهُ: ﴿ما أنْفَقْتُمْ مِن خَيْرٍ﴾ بَيانَ ما يُنْفِقُونَهُ وهو كُلُّ خَيْرٍ، وقِيلَ: إنَّهم إنَّما سَألُوا عَنْ وُجُوهِ البِرِّ الَّتِي يُنْفِقُونَ فِيها، وهو خِلافُ الظّاهِرِ.
وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في الأقْرَبِينَ واليَتامى والمَساكِينَ وابْنِ السَّبِيلِ.
وقَوْلُهُ: كُتِبَ أيْ فُرِضَ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ مَعْناهُ.
بَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّ هَذا: أيْ فَرْضُ القِتالِ عَلَيْهِمْ مِن جُمْلَةِ ما امْتُحِنُوا بِهِ.
والمُرادُ بِالقِتالِ قِتالُ الكُفّارِ.
والكُرْهُ بِالضَّمِّ: المَشَقَّةُ، وبِالفَتْحِ: ما أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ، ويَجُوزُ الضَّمُّ في مَعْنى الفَتْحِ فَيَكُونانِ لُغَتَيْنِ، يُقالُ: كَرِهْتُ الشَّيْءَ كُرْهًا وكَرْهًا وكَراهَةً وكَراهِيَةً وأكْرَهْتُهُ عَلَيْهِ إكْراهًا، وإنَّما كانَ الجِهادُ كُرْهًا لِأنَّ فِيهِ إخْراجَ المالِ، ومُفارَقَةَ الأهْلِ والوَطَنِ، والتَّعَرُّضَ لِذَهابِ النَّفْسِ، وفي التَّعْبِيرِ بِالمَصْدَرِ وهو قَوْلُهُ: كُرْهٌ مُبالَغَةٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى المَكْرُوهِ كَما في قَوْلِهِمُ: الدِّرْهَمُ ضَرْبُ الأمِيرِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا﴾ قِيلَ: عَسى هُنا بِمَعْنى قَدْ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الأصَمِّ.
وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: عَسى مِنَ اللَّهِ إيجابٌ، والمَعْنى: عَسى أنْ تَكْرَهُوا الجِهادَ لِما فِيهِ مِنَ المَشَقَّةِ وهو خَيْرٌ لَكم، فَرُبَّما تَغْلِبُونَ وتَظْفَرُونَ وتَغْنَمُونَ وتُؤْجَرُونَ، ومَن ماتَ ماتَ شَهِيدًا، وعَسى أنْ تُحِبُّوا الدَّعَةَ وتَرْكَ القِتالِ وهو شَرٌّ لَكم، فَرُبَّما يَتَقَوّى عَلَيْكُمُ العَدُوُّ فَيَغْلِبُكم، ويَقْصِدُكم إلى عُقْرِ دِيارِكم فَيَحِلُّ بِكم أشَدُّ مِمّا تَخافُونَهُ مِنَ الجِهادِ الَّذِي كَرِهْتُمْ مَعَ ما يَفُوتُكم في ذَلِكَ مِنَ الفَوائِدِ العاجِلَةِ والآجِلَةِ، ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ﴾ ما فِيهِ صَلاحُكم وفَلاحُكم: ﴿وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ .
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿يَسْألُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ﴾ قالَ: يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ لَمْ تَكُنْ زَكاةٌ، وهي النَّفَقَةُ يُنْفِقُها الرَّجُلُ عَلى أهْلِهِ، والصَّدَقَةُ يَتَصَدَّقُ بِها فَنَسَخَتْها الزَّكاةُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: «سَألَ المُؤْمِنُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أيْنَ يَضَعُونَ أمْوالَهم ؟ فَنَزَلَتْ ﴿يَسْألُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ﴾ الآيَةَ،» فَذَلِكَ النَّفَقَةُ في التَّطَوُّعِ والزَّكاةِ سَواءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ «أنَّ عَمْرَو بْنَ الجَمُوحِ سَألَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: ماذا نُنْفِقُ مِن أمْوالِنا وأيْنَ نَضَعُها ؟ فَنَزَلَتْ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ﴾ قالَ: إنَّ اللَّهَ أمَرَ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ والمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ بِالتَّوْحِيدِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وأنْ يَكُفُّوا أيْدِيَهم عَنِ القِتالِ، فَلَمّا هاجَرَ إلى المَدِينَةِ نَزَلَتْ سائِرُ الفَرائِضِ وأُذِنَ لَهم في القِتالِ، فَنَزَلَتْ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ﴾ يَعْنِي فُرِضَ عَلَيْكم وأُذِنَ لَهم بَعْدَ ما نَهاهم عَنْهُ ﴿وهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ يَعْنِي القِتالَ وهو مَشَقَّةٌ عَلَيْكم ﴿وعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا﴾ يَعْنِي الجِهادَ قِتالَ المُشْرِكِينَ ﴿وهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾، ويَجْعَلُ اللَّهُ عاقِبَتَهُ فَتْحًا وغَنِيمَةً وشَهادَةً ﴿وعَسى أنْ تُحِبُّوا شَيْئًا﴾ يَعْنِي القُعُودَ عَنِ الجِهادِ ﴿وهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ فَيَجْعَلُ اللَّهُ عاقِبَتَهُ شَرًّا، فَلا تُصِيبُوا ظَفَرًا ولا غَنِيمَةً.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: قُلْتُ لِعَطاءٍ ما يَقُولُ في (p-١٤٠)قَوْلِهِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ﴾ أوَجَبَ الغَزْوُ عَلى النّاسِ مِن أجْلِها ؟ قالَ: لا، كُتِبَ عَلى أُولَئِكَ حِينَئِذٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ شِهابٍ في الآيَةِ قالَ: الجِهادُ مَكْتُوبٌ عَلى كُلِّ أحَدٍ غَزا أوْ قَعَدَ، فالقاعِدُ إنِ اسْتُعِينَ بِهِ أعانَ، وإنِ اسْتُغِيثَ بِهِ أغاثَ، وإنِ اسْتُنْفِرَ نَفَرَ، وإنِ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ قَعَدَ، وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ كُرْهٌ لَكم﴾ قالَ: نَسَخَتْها هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وقالُوا سَمِعْنا وأطَعْنا﴾ [البقرة: ٢٨٥] .
وأخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مَوْصُولًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ مِن طَرِيقِ عَلِيٍّ قالَ: عَسى مِنَ اللَّهِ واجِبٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ نَحْوَهُ أيْضًا.
وقَدْ ورَدَ في فَضْلِ الجِهادِ ووُجُوبِهِ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ لا يَتَّسِعُ المَقامُ لِبَسْطِها.
{"ayahs_start":215,"ayahs":["یَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا یُنفِقُونَۖ قُلۡ مَاۤ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَیۡرࣲ فَلِلۡوَ ٰلِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِۗ وَمَا تَفۡعَلُوا۟ مِنۡ خَیۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِیمࣱ","كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تُحِبُّوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ شَرࣱّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ"],"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا یُنفِقُونَۖ قُلۡ مَاۤ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَیۡرࣲ فَلِلۡوَ ٰلِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِۗ وَمَا تَفۡعَلُوا۟ مِنۡ خَیۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق