الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ﴾ أيْ إذا قاتَلُوكم في الشَّهْرِ الحَرامِ وهَتَكُوا حُرْمَتَهُ قاتَلْتُمُوهم في الشَّهْرِ الحَرامِ مُكافَأةً لَهم ومُجازاةً عَلى فِعْلِهِمْ.
﴿والحُرُماتُ﴾ جَمْعُ حُرْمَةٍ، كالظُّلُماتِ جَمْعُ ظُلْمَةٍ، إنَّما جَمَعَ الحُرُماتِ لِأنَّهُ أرادَ الشَّهْرَ الحَرامَ والبَلَدَ الحَرامَ وحُرْمَةَ الإحْرامِ، والحُرْمَةُ: ما مَنَعَ الشَّرْعُ مِنَ انْتِهاكِهِ.
والقِصاصُ: المُساواةُ، والمَعْنى: أنَّ كُلَّ حُرْمَةٍ يَجْرِي فِيها القِصاصُ، فَمَن هَتَكَ حُرْمَةً عَلَيْكم فَلَكم أنْ تَهْتِكُوا حُرْمَةً عَلَيْهِ قِصاصًا، قِيلَ: وهَذا كانَ في أوَّلِ الإسْلامِ ثُمَّ نُسِخَ بِالقِتالِ، وقِيلَ: إنَّهُ ثابِتٌ بَيْنَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ لَمْ يُنْسَخْ، ويَجُوزُ لِمَن تُعُدِّيَ عَلَيْهِ في مالٍ أوْ بَدَنٍ أنْ يَتَعَدّى بِمِثْلِ ما تُعُدِّيَ عَلَيْهِ، وبِهَذا قالَ الشّافِعِيُّ وغَيْرُهُ.
وقالَ آخَرُونَ: إنَّ أُمُورَ القِصاصِ مَقْصُورَةٌ عَلى الحُكّامِ، وهَكَذا الأمْوالُ لِقَوْلِهِ ﷺ: «أدِّ الأمانَةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَكَ، ولا تَخُنْ مَن خانَكَ» .
أخْرَجَهُ الدّارَقُطْنِيُّ وغَيْرُهُ، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ وجُمْهُورُ المالِكِيَّةِ وعَطاءٌ الخُراسانِيُّ، والقَوْلُ الأوَّلُ أرْجَحُ، وبِهِ قالَ ابْنُ المُنْذِرِ واخْتارَهُ ابْنُ العَرَبِيِّ والقُرْطُبِيُّ، وحَكاهُ الدّاوُدِيُّ عَنْ مالِكٍ، ويُؤَيِّدُهُ «إذْنُهُ ﷺ لِامْرَأةِ أبِي سُفْيانَ أنْ تَأْخُذَ مِن مالِهِ ما يَكْفِيها ووَلَدَها» وهو في الصَّحِيحِ، ولا أصْرَحَ وأوْضَحَ مِن قَوْلِهِ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكم فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدى عَلَيْكم﴾ وهَذِهِ الجُمْلَةُ في حُكْمِ التَّأْكِيدِ لِلْجُمْلَةِ الأُولى، أعْنِي قَوْلَهُ: ﴿والحُرُماتُ قِصاصٌ﴾ وإنَّما سَمّى المُكافَأةَ اعْتِداءً مُشاكَلَةً كَما تَقَدَّمَ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا سارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُعْتَمِرًا في سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الهِجْرَةِ وحَبَسَهُ المُشْرِكُونَ عَنِ الدُّخُولِ والوُصُولِ إلى البَيْتِ، وصَدُّوهُ بِمَن مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ في ذِي القَعْدَةِ، وهو شَهْرٌ حَرامٌ قاضاهم عَلى الدُّخُولِ مِن قابِلٍ، فَدَخَلَها في السَّنَةِ الآتِيَةِ هو ومَن كانَ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ وأقَصَّهُ اللَّهُ مِنهم - نَزَلَتْ في ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةُ ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ والحُرُماتُ قِصاصٌ﴾» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ أيْضًا.
وأخْرَجا أيْضًا عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ في ناسِخِهِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ الآيَةَ.
وقَوْلِهِ: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ﴾ الآيَةَ، وقَوْلِهِ: ﴿ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾ الآيَةَ، وقَوْلِهِ: ﴿وإنْ عاقَبْتُمْ﴾ الآيَةَ، قالَ: هَذا ونَحْوُهُ نَزَلَ بِمَكَّةَ والمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ لَيْسَ لَهم سُلْطانٌ بِقَهْرِ المُشْرِكِينَ، فَكانَ المُشْرِكُونَ يَتَعاطَوْنَهم بِالشَّتْمِ والأذى، فَأمَرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ مَن يَتَجازى مِنهم أنْ يَتَجازى بِمِثْلِ ما أُوتِيَ إلَيْهِ أوْ يَصْبِرُوا ويَعْفُوا، (p-١٢٥)فَلَمّا هاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى المَدِينَةِ وأعَزَّ اللَّهُ سُلْطانَهُ، أمَرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ أنْ يَنْتَهُوا في مَظالِمِهِمْ إلى سُلْطانِهِمْ، ولا يَعْدُوا بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ كَأهْلِ الجاهِلِيَّةِ، فَقالَ: ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ الآيَةَ، يَقُولُ: يَنْصُرُهُ السُّلْطانُ حَتّى يُنْصِفَهُ عَلى مَن ظَلَمَهُ، ومَنِ انْتَصَرَ لِنَفْسِهِ دُونَ السُّلْطانِ فَهو عاصٍ مُسْرِفٌ، قَدْ عَمِلَ بِحَمِيَّةِ الجاهِلِيَّةِ ولَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعالى. انْتَهى.
وأقُولُ: هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي جَعَلَها ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ناسِخَةً مُؤَيِّدَةً لِما تَدُلُّ عَلَيْهِ الآياتُ الَّتِي جَعَلَها مَنسُوخَةً ومُؤَكِّدَةً لَهُ، فَإنَّ الظّاهِرَ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ أنَّهُ جَعَلَ السُّلْطانَ لَهُ، أيْ جَعَلَ لَهُ تَسَلُّطًا يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلى القاتِلِ، ولِهَذا قالَ: ﴿فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ﴾ ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنا أنَّ مَعْنى الآيَةِ كَما قالَهُ لَكانَ ذَلِكَ مُخَصِّصًا لِلْقَتْلِ مِن عُمُومِ الآياتِ المَذْكُورَةِ لا ناسِخًا لَها، فَإنَّهُ لَمْ يَنُصَّ في هَذِهِ الآيَةِ إلّا عَلى القَتْلِ وحْدَهُ، وتِلْكَ الآياتُ شامِلَةٌ لَهُ ولِغَيْرِهِ، وهَذا مَعْلُومٌ مِن لُغَةِ العَرَبِ الَّتِي هي المَرْجِعُ في تَفْسِيرِ كَلامِ اللَّهِ سُبْحانَهُ.
{"ayah":"ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَـٰتُ قِصَاصࣱۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡ فَٱعۡتَدُوا۟ عَلَیۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











