الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ قِيلَ: المُرادُ بِهَذِهِ الآيَةِ عُلَماءُ اليَهُودِ، لِأنَّهم كَتَمُوا ما أنْزَلَ اللَّهُ في التَّوْراةِ مِن صِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ .
والِاشْتِراءُ هُنا: الِاسْتِبْدالُ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ، وسَمّاهُ قَلِيلًا لِانْقِطاعِ مُدَّتِهِ وسُوءِ عاقِبَتِهِ، وهَذا السَّبَبُ وإنْ كانَ خاصًّا فالِاعْتِبارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وهو يَشْمَلُ كُلَّ مَن كَتَمَ ما شَرَعَهُ اللَّهُ، وأخَذَ عَلَيْهِ الرِّشا، وذَكَرَ البُطُونَ دَلالَةً وتَأْكِيدًا أنَّ هَذا الأكْلَ حَقِيقَةٌ، إذْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مَجازًا في مِثْلِ: أكَلَ فُلانٌ أرْضِيَ. ونَحْوِهِ.
وقالَ في الكَشّافِ: إنَّ مَعْنى ( في بُطُونِهِمْ ) مِلْءَ بُطُونِهِمْ، قالَ: يَقُولُ: أكَلَ فُلانٌ في بَطْنِهِ، وأكَلَ في بَعْضِ بَطْنِهِ. انْتَهى.
وقَوْلُهُ: ( إلّا النّارَ ) أيْ أنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِمْ عَذابَ النّارِ، فَسَمّى ما أكَلُوهُ نارًا لِأنَّهُ يَئُولُ بِهِمْ إلَيْها، هَكَذا قالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ، وقِيلَ: إنَّهم يُعاقَبُونَ عَلى كِتْمانِهِمْ بِأكْلِ النّارِ في جَهَنَّمَ حَقِيقَةً، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوالَ اليَتامى ظُلْمًا إنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نارًا﴾ وقَوْلُهُ: ﴿ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ فِيهِ كِنايَةٌ عَنْ حُلُولِ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وعَدَمِ الرِّضا عَنْهم، يُقالُ: فُلانٌ لا يُكَلِّمُ فُلانًا إذا غَضِبَ عَلَيْهِ.
وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: المَعْنى ولا يُكَلِّمُهم بِما يُحِبُّونَهُ لا بِما يَكْرَهُونَهُ.
كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اخْسَئُوا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ﴾ .
وقَوْلُهُ: ( ولا يُزَكِّيهِمْ ) مَعْناهُ: لا يُثْنِي عَلَيْهِمْ خَيْرًا.
قالَ الزَّجّاجُ: وقِيلَ مَعْناهُ: لا يُصْلِحُ أعْمالَهُمُ الخَبِيثَةَ فَيُطَهِّرُهم.
وقَوْلُهُ: ﴿اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى﴾ قَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْناهُ.
وقَوْلُهُ: ﴿فَما أصْبَرَهم عَلى النّارِ﴾ ذَهَبَ الجُمْهُورُ ومِنهُمُ الحَسَنُ ومُجاهِدٌ إلى أنَّ مَعْناهُ التَّعَجُّبُ.
والمُرادُ تَعْجِيبُ المَخْلُوقِينَ مِن حالِ هَؤُلاءِ الَّذِينَ باشَرُوا الأسْبابَ لِعَذابِ النّارِ، فَكَأنَّهم بِهَذِهِ المُباشَرَةِ لِلْأسْبابِ صَبَرُوا عَلى العُقُوبَةِ في نارِ جَهَنَّمَ.
وحَكى الزَّجّاجُ أنَّ المَعْنى: ما أبْقاهم عَلى النّارِ، مِن قَوْلِهِمْ: ما أصْبَرَ فُلانًا عَلى الحَبْسِ، أيْ ما أبْقاهُ فِيهِ، وقِيلَ المَعْنى: ما أقَلَّ جَزَعَهم مِنَ النّارِ، فَجَعَلَ قِلَّةَ الجَزَعِ صَبْرًا.
وقالَ الكِسائِيُّ وقُطْرُبٌ، أيْ ما أدْوَمَهم عَلى عَمَلِ أهْلِ النّارِ، وقِيلَ: ( ما ) اسْتِفْهامِيَّةٌ، ومَعْناهُ التَّوْبِيخُ، أيْ أيُّ شَيْءٍ أصْبَرَهم عَلى عَمَلِ النّارِ.
قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ وعَطاءٌ وأبُو عُبَيْدَةَ.
﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتابَ بِالحَقِّ﴾ الإشارَةُ بِاسْمِ الإشارَةِ إلى الأمْرِ، أيْ ذَلِكَ الأمْرُ وهو العَذابُ. قالَهُ الزَّجّاجُ.
وقالَ الأخْفَشُ: إنَّ خَبَرَ اسْمِ الإشارَةِ مَحْذُوفٌ والتَّقْدِيرُ: ذَلِكَ مَعْلُومٌ.
والمُرادُ بِالكِتابِ هُنا القُرْآنُ.
( بِالحَقِّ ) أيْ بِالصِّدْقِ، وقِيلَ: بِالحُجَّةِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا في الكِتابِ﴾ قِيلَ: المُرادُ بِالكِتابِ هُنا التَّوْراةُ، فادَّعى النَّصارى أنَّ فِيها صِفَةَ عِيسى وأنْكَرَها اليَهُودُ، وقِيلَ: خالَفُوا ما في التَّوْراةِ مِن صِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ واخْتَلَفُوا فِيها، وقِيلَ: المُرادُ القُرْآنُ، والَّذِينَ اخْتَلَفُوا كُفّارُ قُرَيْشٍ، يَقُولُ بَعْضُهم: هو سِحْرٌ، وبَعْضُهم يَقُولُ: هو أساطِيرُ الأوَّلِينَ، وبَعْضُهم يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ.
( لَفي شِقاقٍ ) أيْ خِلافٍ بَعِيدٍ عَنِ الحَقِّ، وقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنى الشِّقاقِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ قالَ: نَزَلَتْ في اليَهُودِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: كَتَمُوا اسْمَ مُحَمَّدٍ ﷺ وأخَذُوا عَلَيْهِ طَمَعًا قَلِيلًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ أيْضًا عَنْ أبِي العالِيَةِ نَحْوَهُ.
(p-١١٢)وأخْرَجَ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ بِسَنَدَيْنِ ضَعِيفَيْنِ أنَّها نَزَلَتْ في اليَهُودِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ في قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى﴾ قالَ: اخْتارُوا الضَّلالَةَ عَلى الهُدى والعَذابَ عَلى المَغْفِرَةِ ﴿فَما أصْبَرَهم عَلى النّارِ﴾ قالَ: ما أجْرَأهم عَلى عَمَلِ النّارِ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَما أصْبَرَهم عَلى النّارِ﴾ قالَ: ما أعْلَمَهم بِأعْمالِ أهْلِ النّارِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ في قَوْلِهِ: ﴿فَما أصْبَرَهم عَلى النّارِ﴾ قالَ: واللَّهِ ما لَهم عَلَيْها مِن صَبْرٍ ولَكِنْ يَقُولُ: ما أجْرَأهم عَلى النّارِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ أيْضًا عَنِ السُّدِّيِّ في الآيَةِ قالَ: هَذا عَلى وجْهِ الِاسْتِفْهامِ يَقُولُ: ما الَّذِي أصْبَرَهم عَلى النّارِ ؟ وقَوْلُهُ: ﴿وإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا في الكِتابِ﴾ قالَ: هُمُ اليَهُودُ والنَّصارى ﴿لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ﴾ قالَ: في عَداوَةٍ بَعِيدَةٍ.
{"ayahs_start":174,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡتُمُونَ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنࣰا قَلِیلًا أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا یَأۡكُلُونَ فِی بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا یُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَلَا یُزَكِّیهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ فَمَاۤ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ","ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ ٱخۡتَلَفُوا۟ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ لَفِی شِقَاقِۭ بَعِیدࣲ"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡتُمُونَ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنࣰا قَلِیلًا أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا یَأۡكُلُونَ فِی بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا یُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَلَا یُزَكِّیهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق