الباحث القرآني
الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿وابْعَثْ فِيهِمْ﴾ راجِعٌ إلى الأُمَّةِ المُسْلِمَةِ المَذْكُورَةِ سابِقًا.
وقَرَأ أُبَيٌّ: " وابْعَثْ في آخِرِهِمْ " ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ راجِعًا إلى الذُّرِّيَّةِ.
وقَدْ أجابَ اللَّهُ لِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ هَذِهِ الدَّعْوَةَ، فَبَعَثَ في ذُرِّيَّتِهِ ﴿رَسُولًا مِنهُمْ﴾ وهو مُحَمَّدٌ ﷺ .
وقَدْ أخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأنَّهُ دَعْوَةُ إبْراهِيمَ كَما سَيَأْتِي تَخْرِيجُ ذَلِكَ إنْ شاءَ اللَّهُ، ومُرادُهُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ.
والرَّسُولُ هو المُرْسَلُ.
قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: يُشْبِهُ أنْ يَكُونَ أصْلُهُ ( ناقَةٌ مِرْسالٌ ورَسْلَةٌ ) إذا كانَتْ سَهْلَةَ السَّيْرِ ماضِيَةً أمامَ النُّوقِ.
ويُقالُ: جاءَ القَوْمُ أرْسالًا، أيْ بَعْضُهم في أثَرِ بَعْضٍ، والمُرادُ بِالكِتابِ: القُرْآنُ.
والمُرادُ بِالحِكْمَةِ: المَعْرِفَةُ بِالدِّينِ والفِقْهُ في التَّأْوِيلِ والفَهْمُ لِلشَّرِيعَةِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ويُزَكِّيهِمْ﴾ أيْ يُطَهِّرُهم مِنَ الشِّرْكِ وسائِرِ المَعاصِي.
وقِيلَ: إنَّ المُرادَ بِالآياتِ ظاهِرُ الألْفاظِ، والكِتابُ مَعانِيها، والحِكْمَةُ الحُكْمُ، وهو مُرادُ اللَّهِ بِالخِطابِ، والعَزِيزُ الَّذِي لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ. قالَهُ ابْنُ كَيْسانَ.
وقالَ الكِسائِيُّ: ﴿العَزِيزُ﴾ الغالِبُ.
﴿ومَن يَرْغَبُ﴾ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، والِاسْتِفْهامُ لِلْإنْكارِ.
وقَوْلُهُ: ﴿إلّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ في مَوْضِعِ الخَبَرِ، وقِيلَ: هو بَدَلٌ مِن فاعِلِ ( يَرْغَبُ )، والتَّقْدِيرُ: وما يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْراهِيمَ أحَدٌ إلّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ.
قالَ الزَّجّاجُ: سَفِهَ بِمَعْنى جَهِلَ، أيْ جَهِلَ أمْرَ نَفْسِهِ فَلَمْ يُفَكِّرْ فِيها.
وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: المَعْنى أهْلَكَ نَفْسَهُ.
وحَكى ثَعْلَبٌ والمُبَرِّدُ أنَّ سَفِهَ بِكَسْرِ الفاءِ يَتَعَدّى كَسَفَّهَ بِفَتْحِ الفاءِ المُشَدَّدَةِ.
قالَ الأخْفَشُ: ﴿سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ أيْ فَعَلَ بِها مِنَ السَّفَهِ ما صارَ بِهِ سَفِيهًا، وقِيلَ: إنَّ ﴿نَفْسَهُ﴾ مُنْتَصِبٌ بِنَزْعِ الخافِضِ، وقِيلَ: هو تَمْيِيزٌ، وهَذانِ ضَعِيفانِ جِدًّا، وأمّا سَفُهَ بِضَمِّ الفاءِ فَلا يَتَعَدّى قالَهُ المُبَرِّدُ وثَعْلَبٌ.
والِاصْطِفاءُ: الِاخْتِيارُ، أيِ اخْتَرْناهُ في الدُّنْيا وجَعَلْناهُ في الآخِرَةِ مِنَ الصّالِحِينَ، فَكَيْفَ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّتِهِ راغِبٌ.
وقَوْلُهُ: ﴿إذْ قالَ لَهُ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: ﴿اصْطَفَيْناهُ﴾ أيِ اخْتَرْناهُ وقْتَ أمْرِنا لَهُ بِالإسْلامِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ هو اذْكُرْ.
قالَ في الكَشّافِ: كَأنَّهُ قِيلَ: اذْكُرْ ذَلِكَ الوَقْتَ لِيَعْلَمَ أنَّهُ المُصْطَفى الصّالِحُ الَّذِي لا يُرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ مِثْلِهِ.
والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: " وأوْصى بِها " راجِعٌ إلى المِلَّةِ أوْ إلى الكَلِمَةِ، أيْ ﴿أسْلَمْتُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ .
قالَ القُرْطُبِيُّ: وهو أصْوَبُ لِأنَّهُ أقْرَبُ مَذْكُورٍ، أيْ قُولُوا أسْلَمْنا. انْتَهى.
والأوَّلُ أرْجَحُ لِأنَّ المَطْلُوبَ مِمَّنْ بَعْدَهُ هو اتِّباعُ مِلَّتِهِ لا مُجَرَّدَ التَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الإسْلامِ، فالتَّوْصِيَةُ بِذَلِكَ ألْيَقُ بِإبْراهِيمَ وأوْلى بِهِمْ.
ووَصّى وأوْصى بِمَعْنًى، وقُرِئَ بِهِما، وفي مُصْحَفِ عُثْمانَ " وأوْصى " وهي قِراءَةُ أهْلِ الشّامِ والمَدِينَةِ، وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﴿ووَصّى﴾ وهي قِراءَةُ الباقِينَ ﴿ويَعْقُوبُ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى إبْراهِيمَ، أيْ وأوْصى يَعْقُوبُ بَنِيهِ كَما أوْصى إبْراهِيمُ بَنِيهِ.
وقَرَأ عُمَرُ بْنُ فايِدٍ الأسْوارِيُّ وإسْماعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المَكِّيُّ بِنَصْبِ يَعْقُوبَ، فَيَكُونُ داخِلًا فِيمَن أوْصاهُ إبْراهِيمُ، قالَ القُشَيْرِيُّ: وهو بَعِيدٌ لِأنَّ يَعْقُوبَ لَمْ يُدْرِكْ جَدَّهُ إبْراهِيمَ وإنَّما وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿يابَنِيَّ﴾ هو بِتَقْدِيرِ أنْ.
وقَدْ قَرَأ أُبَيٌّ وابْنُ مَسْعُودٍ والضَّحّاكُ بِإثْباتِها.
قالَ الفَرّاءُ: أُلْغِيَتْ ( أنْ ) لِأنَّ التَّوْصِيَةَ كالقَوْلِ، وكُلُّ كَلامٍ رَجَعَ إلى القَوْلِ جازَ فِيهِ دُخُولُ ( أنْ ) وجازَ فِيهِ إلْغاؤُها، وقِيلَ: إنَّهُ عَلى تَقْدِيرِ القَوْلِ، أيْ قائِلًا: يا بَنِيَّ.
رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ البَصْرِيِّينَ.
وقَوْلُهُ: ﴿اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ﴾ أيِ اخْتارَهُ لَكم، والمُرادُ مِلَّتُهُ الَّتِي لا يَرْغَبُ عَنْها إلّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ، وهي المِلَّةُ الَّتِي جاءَ بِها مُحَمَّدٌ ﷺ .
وقَوْلُهُ: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ فِيهِ إيجازٌ بَلِيغٌ.
والمُرادُ الزَمُوا الإسْلامَ ولا تُفارِقُوهُ حَتّى تَمُوتُوا.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْراهِيمَ﴾ قالَ: رَغِبَتِ اليَهُودُ والنَّصارى عَنْ مِلَّتِهِ، واتَّخَذُوا اليَهُودِيَّةَ والنَّصْرانِيَّةَ بِدْعَةً لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ، تَرَكُوا مِلَّةَ إبْراهِيمَ الإسْلامَ، وبِذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِمِلَّةِ إبْراهِيمَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي مالِكٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدِ اصْطَفَيْناهُ﴾ قالَ: اخْتَرْناهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ووَصّى بِها إبْراهِيمُ بَنِيهِ﴾ قالَ: وصّاهم بِالإسْلامِ، ووَصّى يَعْقُوبُ بَنِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
وأخْرَجَ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِياضٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ أيْ مُحْسِنُونَ بِرَبِّكُمُ الظَّنَّ.
{"ayahs_start":129,"ayahs":["رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِكَ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَیُزَكِّیهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","وَمَن یَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَیۡنَـٰهُ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَإِنَّهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥۤ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","وَوَصَّىٰ بِهَاۤ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ بَنِیهِ وَیَعۡقُوبُ یَـٰبَنِیَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّینَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ"],"ayah":"وَوَصَّىٰ بِهَاۤ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ بَنِیهِ وَیَعۡقُوبُ یَـٰبَنِیَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّینَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق