الباحث القرآني

. قَوْلُهُ: ﴿وما نَتَنَزَّلُ﴾ أيْ: قالَ اللَّهُ سُبْحانَهُ: قُلْ يا جِبْرِيلُ وما نَتَنَزَّلُ، وذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - اسْتَبْطَأ نُزُولَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ، فَأمَرَ جِبْرِيلَ أنْ يُخْبِرَهُ بِأنَّ المَلائِكَةَ ما تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ إلّا (p-٨٩٥)بِأمْرِ اللَّهِ. قِيلَ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أرْبَعِينَ يَوْمًا، وقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وقِيلَ: اثْنَيْ عَشَرَ، وقِيلَ: ثَلاثَةَ أيّامٍ، وقِيلَ: إنَّ هَذا حِكايَةٌ عَنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وأنَّهم يَقُولُونَ عِنْدَ دُخُولِها: وما نَتَنَزَّلُ هَذِهِ الجِنانَ ﴿إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ﴾ والأوَّلُ أوْلى بِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ، ومَعْناهُ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: وما نَتَنَزَّلُ عَلَيْكَ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ لَنا بِالتَّنَزُّلِ. والثّانِي: وما نَتَنَزَّلُ عَلَيْكَ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ الَّذِي يَأْمُرُكَ بِهِ بِما شَرَعَهُ لَكَ ولِأُمَّتِكَ، والتَّنَزُّلُ: النُّزُولُ عَلى مَهْلٍ، وقَدْ يُطْلَقُ عَلى مُطْلَقِ النُّزُولِ. ثُمَّ أكَّدَ جِبْرِيلُ ما أخْبَرَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَقالَ: ﴿لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وما خَلْفَنا وما بَيْنَ ذَلِكَ﴾ أيْ: مِنَ الجِهاتِ والأماكِنِ، أوْ مِنَ الأزْمِنَةِ الماضِيَةِ والمُسْتَقْبَلَةِ، وما بَيْنَهُما مِنَ الزَّمانِ أوِ المَكانِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، فَلا نَقْدِرُ عَلى أنْ نَنْتَقِلَ مِن جِهَةٍ إلى جِهَةٍ، أوْ مِن زَمانٍ إلى زَمانٍ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ ومَشِيئَتِهِ، وقِيلَ: المَعْنى: لَهُ ما سَلَفَ مِن أمْرِ الدُّنْيا وما يُسْتَقْبَلُ مِن أمْرِ الآخِرَةِ وما بَيْنَ ذَلِكَ، وهو ما بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، وقِيلَ: الأرْضُ الَّتِي بَيْنَ أيْدِينا إذا نَزَلْنا، والسَّماءُ الَّتِي وراءَنا وما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، وقِيلَ: ما مَضى مِن أعْمارِنا وما غُيِّرَ مِنها والحالَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيها. وعَلى هَذِهِ الأقْوالِ كُلِّها يَكُونُ المَعْنى: أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ هو المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ، ولا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ، فَلا نُقْدِمُ عَلى أمْرٍ إلّا بِإذْنِهِ، وقالَ: وما بَيْنَ ذَلِكَ، ولَمْ يَقُلْ وما بَيْنَ ذَيْنِكَ لِأنَّ المُرادَ: وما بَيْنَ ما ذَكَرْنا كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿عَوانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [الجاثية: ٦٨] ﴿وما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ أيْ: لَمْ يَنْسَكَ وإنْ تَأخَّرَ عَنْكَ الوَحْيُ، وقِيلَ: المَعْنى: إنَّهُ عالِمٌ بِجَمِيعِ الأشْياءِ لا يَنْسى مِنها شَيْئًا، وقِيلَ: المَعْنى: وما كانَ رَبُّكَ يَنْسى الإرْسالَ إلَيْكَ عِنْدَ الوَقْتِ الَّذِي يُرْسِلُ فِيهِ رُسُلَهُ. ﴿رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما﴾ أيْ: خالِقُهُما وخالِقُ ما بَيْنَهُما، ومالِكُهُما ومالِكُ ما بَيْنَهُما، ومَن كانَ هَكَذا فالنِّسْيانُ مُحالٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ أمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِعِبادَتِهِ والصَّبْرِ عَلَيْها فَقالَ: ﴿فاعْبُدْهُ واصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ﴾ والفاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ؛ لِأنَّ كَوْنَهُ رَبَّ العالَمِينَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِأنْ يُعْبَدَ، وعُدِّيَ فِعْلُ الصَّبْرِ بِاللّامِ دُونَ ( عَلى ) الَّتِي يَتَعَدّى بِها لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى الثَّباتِ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ الِاسْتِفْهامُ لِلْإنْكارِ. والمَعْنى: أنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ ولا نَظِيرٌ حَتّى يُشارِكَهُ في العِبادَةِ، فَيَلْزَمُ مِن ذَلِكَ أنْ تَكُونَ غَيْرَ خالِصَةٍ لَهُ سُبْحانَهُ، فَلَمّا انْتَفى المُشارِكُ اسْتَحَقَّ اللَّهُ سُبْحانَهُ أنْ يُفْرَدَ بِالعِبادَةِ وتُخْلَصَ لَهُ، هَذا مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالسَّمِيِّ هو الشَّرِيكُ في المُسَمّى، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ: الشَّرِيكُ في الِاسْمِ كَما هو الظّاهِرُ مِن لُغَةِ العَرَبِ، فَقِيلَ: المَعْنى: إنَّهُ لَمْ يُسَمَّ شَيْءٌ مِنَ الأصْنامِ ولا غَيْرِها بِاللَّهِ قَطُّ، يَعْنِي بَعْدَ دُخُولِ الألِفِ واللّامِ الَّتِي عُوِّضَتْ عَنِ الهَمْزَةِ ولَزِمَتْ، وقِيلَ: المُرادُ هَلْ تَعْلَمُ أحَدًا اسْمُهُ الرَّحْمَنُ غَيْرَهُ. قالَ الزَّجّاجُ: تَأْوِيلُهُ واللَّهُ أعْلَمُ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ يَسْتَحِقُّ أنْ يُقالَ لَهُ: خالِقٌ وقادِرٌ وعالِمٌ بِما كانَ وبِما يَكُونُ ؟ وعَلى هَذا لا سَمِيَّ لِلَّهِ في جَمِيعِ أسْمائِهِ؛ لِأنَّ غَيْرَهُ وإنْ سُمِّيَ بِشَيْءٍ مِن أسْمائِهِ، فَلِلَّهِ سُبْحانَهُ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الوَصْفِ، والمُرادُ بِنَفْيِ العِلْمِ المُسْتَفادِ مِنَ الإنْكارِ هُنا نَفْيُ المَعْلُومِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وأكْمَلِهِ. ﴿ويَقُولُ الإنْسانُ أئِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ عَلى الِاسْتِفْهامِ، وقَرَأ ابْنُ ذَكْوانَ ( إذا ما مِتُّ ) عَلى الخَبَرِ، والمُرادُ بِالإنْسانِ هاهُنا الكافِرُ؛ لِأنَّ هَذا الِاسْتِفْهامَ هُنا لِلْإنْكارِ والِاسْتِهْزاءِ والتَّكْذِيبِ بِالبَعْثِ، وقِيلَ: اللّامُ في ( الإنْسانِ ) لِلْجِنْسِ بِأسْرِهِ وإنْ لَمْ يَقُلْ هَذِهِ المَقالَةَ إلّا البَعْضُ، وهُمُ الكَفَرَةُ؛ فَقَدْ يُسْنَدُ إلى الجَماعَةِ ما قامَ بِواحِدٍ مِنهم، والمُرادُ بِقَوْلِهِ: ( أُخْرَجُ )، أيْ: مِنَ القَبْرِ، والعامِلُ في الظَّرْفِ فِعْلٌ دَلَّ عَلَيْهِ ( أُخْرَجُ ) لِأنَّ ما بَعْدَ اللّامِ لا يَعْمَلُ فِيما قَبْلَها. ﴿أوَلا يَذْكُرُ الإنْسانُ أنّا خَلَقْناهُ مِن قَبْلُ ولَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ الهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ التَّوْبِيخِيِّ، والواوُ لِعَطْفِ الجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَها عَلى الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها، والمُرادُ بِالذِّكْرِ هُنا إعْمالُ الفِكْرِ أيْ: ألا يَتَفَكَّرُ هَذا الجاحِدُ في أوَّلِ خَلْقِهِ فَيَسْتَدِلَّ بِالِابْتِداءِ عَلى الإعادَةِ، والِابْتِداءُ أعْجَبُ وأغْرَبُ مِنَ الإعادَةِ؛ لِأنَّ النَّشْأةَ الأُولى هي إخْراجٌ لِهَذِهِ المَخْلُوقاتِ مِنَ العَدَمِ إلى الوُجُودِ ابْتِداعًا واخْتِراعًا، ولَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ ما يَكُونُ كالمِثالِ لَهُ، وأمّا النَّشْأةُ الآخِرَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْها النَّشْأةُ الأُولى فَكانَتْ كالمِثالِ لَها، ومَعْنى مِن قَبْلُ قَبْلَ الحالَةِ الَّتِي هو عَلَيْها الآنَ، وجُمْلَةُ ﴿ولَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ أيْ: والحالُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ شَيْئًا مِنَ الأشْياءِ أصْلًا، فَإعادَتُهُ بَعْدَ أنْ كانَ شَيْئًا مَوْجُودًا أسْهَلُ وأيْسَرُ. قَرَأ أهْلُ مَكَّةَ وأبُو عَمْرٍو وأبُو جَعْفَرٍ وأهْلُ الكُوفَةِ إلّا عاصِمًا ( أوَلا يَذَّكَّرُ ) بِالتَّشْدِيدِ، وأصْلُهُ: يَتَذَكَّرُ. وقَرَأ شَيْبَةُ ونافِعٌ وعاصِمٌ وابْنُ عامِرٍ يَذْكُرُ بِالتَّخْفِيفِ، وفي قِراءَةِ أُبَيٍّ ( أوَلا يَتَذَكَّرُ ) . ثُمَّ لَمّا جاءَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِهَذِهِ الحُجَّةِ الَّتِي أجْمَعَ العُقَلاءُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ في حُجَجِ البَعْثِ حُجَّةٌ أقْوى مِنها، أكَّدَها بِالقَسَمِ بِاسْمِهِ سُبْحانَهُ مُضافًا إلى رَسُولِهِ تَشْرِيفًا لَهُ وتَعْظِيمًا، فَقالَ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ﴾ ومَعْنى لَنَحْشُرَنَّهم: لَنَسُوقَنَّهم إلى المَحْشَرِ بَعْدَ إخْراجِهِمْ مِن قُبُورِهِمْ أحْياءً كَما كانُوا، والواوُ في قَوْلِهِ: والشَّياطِينَ لِلْعَطْفِ عَلى المَنصُوبِ، أوْ بِمَعْنى ( مَعَ ) . والمَعْنى: أنَّ هَؤُلاءِ الجاحِدِينَ يَحْشُرُهُمُ اللَّهُ مَعَ شَياطِينِهِمُ الَّذِينَ أغْوَوْهم وأضَلُّوهم، وهَذا ظاهِرٌ عَلى جَعْلِ اللّامِ في الإنْسانِ لِلْعَهْدِ، وهو الإنْسانُ الكافِرُ، وأمّا عَلى جَعْلِها لِلْجِنْسِ فَكَوْنُهُ قَدْ وُجِدَ في الجِنْسِ مَن يُحْشَرُ مَعَ شَيْطانِهِ ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهم حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ الجِثِيُّ جَمْعُ جاثٍ، مِن قَوْلِهِمْ: جَثا عَلى رُكْبَتَيْهِ يَجْثُو جُثُوًّا، وهو مُنْتَصِبٌ عَلى الحالِ أيْ: جاثِينَ عَلى رُكَبِهِمْ لِما يُصِيبُهم مِن هَوْلِ المَوْقِفِ ورَوْعَةِ الحِسابِ، أوْ لِكَوْنِ الجِثِيِّ عَلى الرُّكَبِ شَأْنَ أهْلِ المَوْقِفِ كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً﴾ [الجاثية: ٢٨]، وقِيلَ: المُرادُ بُقُولِهِ: ( جِثِيًّا ) جَماعاتٌ، وأصْلُهُ جَمْعُ جَثْوَةٍ، والجَثْوَةُ هي المَجْمُوعُ مِنَ التُّرابِ أوِ الحِجارَةِ. قالَ طَرَفَةُ: ؎أرى جَثْوَتَيْنِ مِن تُرابٍ عَلَيْهِما صَفائِحُ صُمٍّ مِن صَفِيحٍ مُنَضَّدِ ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ﴾ الشِّيعَةُ الفِرْقَةُ الَّتِي تَبِعَتْ دِينًا مِنَ الأدْيانِ، وخَصَّصَ ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقالَ: هي الطّائِفَةُ الَّتِي شاعَتْ أيْ: تَبِعَتْ غاوِيًا مِنَ الغُواةِ. قالَ اللَّهُ تَعالى: (p-٨٩٦)﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهم وكانُوا شِيَعًا﴾ . [الأنعام: ١٥٩] ومَعْنى ﴿أيُّهم أشَدُّ عَلى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ مَن كانَ أعْصى لِلَّهِ وأعْتى. فَإنَّهُ يَنْزِعُ مِن كُلِّ طائِفَةٍ مِن طَوائِفِ الغَيِّ والفَسادِ أعَصاهم وأعْتاهم، فَإذا اجْتَمَعُوا طَرَحَهم في جَهَنَّمَ. والعِتِيُّ هاهُنا مَصْدَرٌ كالعُتُوِّ، وهو التَّمَرُّدُ في العِصْيانِ. وقِيلَ: المَعْنى: لِنَنْزِعَنَّ مِن أهْلِ كُلِّ دِينٍ قادَتَهم ورُؤَسائَهم في الشَّرِّ. وقَدِ اتَّفَقَ القُرّاءُ عَلى قِراءَةِ: ( أيُّهم ) بِالضَّمِّ إلّا هارُونَ الغازِيَّ فَإنَّهُ قَرَأها بِالفَتْحِ. قالَ الزَّجّاجُ: في رَفْعِ ( أيُّهم ) ثَلاثَةُ أقْوالٍ: الأوَّلُ قَوْلُ الخَلِيلِ بْنِ أحْمَدَ إنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلى الحِكايَةِ. والمَعْنى: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ الَّذِينَ يُقالُ لَهم: أيُّهم أشَدُّ، وأنْشَدَ الخَلِيلُ في ذَلِكَ قَوْلَ الشّاعِرِ: ؎وقَدْ أبِيتُ مِنَ الفَتاةِ بِمَنزِلٍ ∗∗∗ فَأبِيتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومُ أيْ: فَأبِيتُ بِمَنزِلَةِ الَّذِي يُقالُ لَهُ هو لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومٌ. قالَ النَّحّاسُ: ورَأيْتُ أبا إسْحاقَ يَعْنِي الزَّجّاجَ يَخْتارُ هَذا القَوْلَ ويَسْتَحْسِنُهُ. القَوْلُ الثّانِي قَوْلُ يُونُسَ: وهو أنَّ ( لَنَنْزِعَنَّ ) بِمَنزِلَةِ الأفْعالِ الَّتِي تُلْغى وتُعَلَّقُ، فَهَذا الفِعْلُ عِنْدَهُ مُعَلَّقٌ عَنِ العَمَلِ في ( أيِّ )، وخَصَّصَ الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ وغَيْرُهُما التَّعْلِيقَ بِأفْعالِ الشَّكِّ ونَحْوِهِما مِمّا لَمْ يَتَحَقَّقُ وُقُوعُهُ. القَوْلُ الثّالِثُ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، إنَّ ( أيُّهم ) هاهُنا مَبْنِيٌّ عَلى الضَّمِّ؛ لِأنَّهُ خالَفَ أخَواتِهِ في الحَذْفِ، وقَدْ غَلَّطَ سِيبَوَيْهِ في قَوْلِهِ هَذا جُمْهُورُ النَّحْوِيِّينَ حَتّى قالَ الزَّجّاجُ: ما تَبَيَّنَ لِي أنَّ سِيبَوَيْهِ غَلِطَ في كِتابِهِ إلّا في مَوْضِعَيْنِ، هَذا أحَدُهُما، ولِلنَّحْوِيِّينَ في إعْرابِ ( أيُّهم ) هَذِهِ في هَذا المَوْضِعِ كَلامٌ طَوِيلٌ. ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أعْلَمُ بِالَّذِينَ هم أوْلى بِها صِلِيًّا﴾ يُقالُ: صَلى صُلِيًّا مِثْلُ مَضى الشَّيْءُ يَمْضِي مُضِيًّا، قالَ الجَوْهَرِيُّ: يُقالُ صَلَيْتُ الرَّجُلَ نارًا: إذا أدْخَلْتَهُ النّارَ وجَعَلْتَهُ يَصْلاها، فَإنْ ألْقَيْتَهُ إلْقاءً كَأنَّكَ تُرِيدُ الإحْراقَ قُلْتَ: أصْلَيْتُهُ بِالألِفِ وصَلَيْتَهُ وتُصْلِيهِ ومِنهُ ﴿ويَصْلى سَعِيرًا﴾ [الانشقاق: ١٢]، ومَن خَفَّفَ فَهو مِن قَوْلِهِمْ: صَلِيَ فُلانٌ النّارَ بِالكَسْرِ يَصْلى صِلِيًّا: احْتَرَقَ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿بِالَّذِينَ هم أوْلى بِها صِلِيًّا﴾ قالَ العَجّاجُ: واللَّهِ لَوْلا النّارُ أنْ تَصْلاها. ومَعْنى الآيَةِ: أنَّ هَؤُلاءِ الَّذِينَ هم أشَدُّ عَلى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا هم أوْلى بِصِلِيِّها أوْ صِلِيُّهم أوْلى بِالنّارِ. ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾ الخِطابُ لِلنّاسِ مِن غَيْرِ التِفاتٍ، أوْ لِلْإنْسانِ المَذْكُورِ، فَيَكُونُ التِفاتًا، أيْ: ما مِنكم مِن أحَدٍ إلّا وارِدُها، أيْ: واصِلُها. وقَدِ اخْتَلَفَ النّاسُ في هَذا الوُرُودِ، فَقِيلَ: الوُرُودُ: الدُّخُولُ ويَكُونُ عَلى المُؤْمِنِينَ بَرْدًا وسَلامًا كَما كانَتْ عَلى إبْراهِيمَ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الوُرُودُ هو المُرُورُ عَلى الصِّراطِ، وقِيلَ: لَيْسَ الوُرُودُ الدُّخُولَ إنَّما هو كَما يَقُولُ: ورَدْتُ البَصْرَةَ ولَمْ أدْخُلْها، وقَدْ تَوَقَّفَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ عَنْ تَحْقِيقِ هَذا الوُرُودِ، وحَمَلَهُ عَلى ظاهِرِهِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] قالُوا: فَلا يَدْخُلُ النّارَ مَن ضَمِنَ اللَّهَ أنْ يُبْعِدَهُ عَنْها، ومِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ الوُرُودَ لا يَسْتَلْزِمُ الدُّخُولَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَمّا ورَدَ ماءَ مَدْيَنَ﴾ [ القَصَصِ: ] فَإنَّ المُرادَ أشْرَفَ عَلَيْهِ لا أنَّهُ دَخَلَ فِيهِ، ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ: ؎فَلَمّا ورَدْنَ الماءَ زُرْقًا حَمامَهُ ∗∗∗ وضَعْنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّمِ ولا يَخْفى أنَّ القَوْلَ بِأنَّ الوُرُودَ هو المُرُورُ عَلى الصِّراطِ، أوِ الوُرُودُ عَلى جَهَنَّمَ وهي خامِدَةٌ، فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الأدِلَّةِ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فَيَنْبَغِي حَمْلُ هَذِهِ الآيَةِ عَلى ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ قَدْ حَصَلَ الجَمْعُ بِحَمْلِ الوُرُودِ عَلى دُخُولِ النّارِ مَعَ كَوْنِ الدّاخِلِ مِنَ المُؤْمِنِينَ مُبْعَدًا مِن عَذابِها، أوْ بِحَمْلِهِ عَلى المُضِيِّ فَوْقَ الجِسْرِ المَنصُوبِ عَلَيْها، وهو الصِّراطُ ﴿كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ أيْ: كانَ وُرُودُهُمُ المَذْكُورُ أمْرًا مَحْتُومًا قَدْ قَضى سُبْحانَهُ أنَّهُ لا بُدَّ مِن وُقُوعِهِ لا مَحالَةَ، وقَدِ اسْتَدَلَّتِ المُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ العِقابَ واجِبٌ عَلى اللَّهِ، وعِنْدَ الأشاعِرَةِ أنَّ هَذا مُشَبَّهٌ بِالواجِبِ مِن جِهَةِ اسْتِحالَةِ تَطَرُّقِ الخُلْفِ إلَيْهِ. ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ أيِ: اتَّقَوْا ما يُوجِبُ النّارَ، وهو الكُفْرُ بِاللَّهِ ومَعاصِيهِ، وتَرْكُ ما شَرَعَهُ، وأوْجَبَ العَمَلَ بِهِ. قَرَأ عاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ ومُعاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ ( نُنْجِي ) بِالتَّخْفِيفِ مِن أنْجى، وبِها قَرَأ حُمَيْدٌ ويَعْقُوبُ والكِسائِيُّ، وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي لَيْلى ( ثَمَّ نَذَرُ ) بِفَتْحِ الثّاءِ مِن ( ثَمَّ )، والمُرادُ بِالظّالِمِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِفِعْلِ ما يُوجِبُ النّارَ، أوْ ظَلَمُوا غَيْرَهم بِمَظْلَمَةٍ في النَّفْسِ أوِ المالِ أوِ العِرْضِ، والجِثِيُّ جَمْعُ جاثٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا تَفْسِيرُ الجِثِيِّ وإعْرابُهُ. وقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - لِجِبْرِيلَ ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمّا تَزُورُنا ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿وما نَتَنَزَّلُ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ» . وزادَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وكانَ ذَلِكَ الجَوابُ لِمُحَمَّدٍ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن حَدِيثِ أنَسٍ قالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أيُّ البِقاعِ أحَبُّ إلى اللَّهِ، وأيُّها أبْغَضُ إلى اللَّهِ ؟ قالَ: ما أدْرِي حَتّى أسْألَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، وكانَ قَدْ أبْطَأ عَلَيْهِ، فَقالَ: لَقَدْ أبْطَأْتَ عَلَيَّ حَتّى ظَنَنْتُ أنَّ بِرَبِّي عَلَيَّ مَوْجِدَةً، فَقالَ: ﴿وما نَتَنَزَّلُ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ﴾» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: «أبْطَأ جِبْرِيلُ عَلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ نَزَلَ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: ما نَزَلْتَ حَتّى اشْتَقْتُ إلَيْكَ، فَقالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أنا كُنْتُ إلَيْكَ أشْوَقَ، ولَكِنِّي مَأْمُورٌ، فَأوْحى اللَّهُ إلى جِبْرِيلَ أنْ قُلْ لَهُ: ﴿وما نَتَنَزَّلُ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ﴾» وهو مُرْسَلٌ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: «أبْطَأتِ الرُّسُلُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ثُمَّ أتاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ لَهُ: ما حَبَسَكَ عَنِّي ؟ قالَ: وكَيْفَ نَأْتِيكم وأنْتُمْ لا تَقُصُّونَ أظْفارَكم ولا تُنَقُّونَ بَراجِمَكم ولا تَأْخُذُونَ شَوارِبَكم ولا تَسْتاكُونَ ؟ وقَرَأ: ﴿وما نَتَنَزَّلُ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ﴾» وهو مُرْسَلٌ أيْضًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا﴾ قالَ: مِن أمْرِ الآخِرَةِ ﴿وما خَلْفَنا﴾ قالَ: مِن أمْرِ الدُّنْيا ﴿وما بَيْنَ ذَلِكَ﴾ قالَ: ما بَيْنَ الدُّنْيا والآخِرَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ ﴿وما بَيْنَ ذَلِكَ﴾ قالَ: ما (p-٨٩٧)بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ أبِي العالِيَةِ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ البَزّارُ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ رَفَعَ الحَدِيثَ قالَ: «ما أحَلَّ اللَّهُ في كِتابِهِ فَهو حَلالٌ، وما حَرَّمَ فَهو حَرامٌ، وما سَكَتَ عَنْهُ فَهو عافِيَةٌ، فاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عافِيَتَهُ، فَإنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَنْسى شَيْئًا، ثُمَّ تَلا ﴿وما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾» ( مَرْيَمَ: ٦٤ ) . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن حَدِيثِ جابِرٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ قالَ: هَلْ تَعْرِفُ لِلرَّبِّ شَبَهًا أوْ مَثَلًا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ ( مَرْيَمَ: ٦٥ ) ؟ قالَ: لَيْسَ أحَدٌ يُسَمّى الرَّحْمَنَ غَيْرَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: يا مُحَمَّدُ هَلْ تَعْلَمُ لِإلَهِكَ مِن ولَدٍ ؟ وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿ويَقُولُ الإنْسانُ﴾ قالَ: العاصُ بْنُ وائِلٍ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: جِثِيًّا قالَ: قُعُودًا، وفي قَوْلِهِ: عِتِيًّا قالَ: مَعْصِيَةً. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: عِتِيًّا قالَ: عِصِيًّا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ﴾ قالَ: لَنَنْزِعَنَّ مِن أهْلِ كُلِّ دِينٍ قادَتَهم ورُءُوسَهم في الشَّرِّ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: نَحْشَرُ الأوَّلَ عَلى الآخِرِ حَتّى إذا تَكامَلَتِ العِدَّةُ أثارَهم جَمِيعًا، ثُمَّ بَدَأ بِالأكابِرِ فالأكابِرِ جُرْمًا، ثُمَّ قَرَأ ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ﴾ ( مَرْيَمَ: ٦٨ ) إلى قَوْلِهِ: عِتِيًّا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أعْلَمُ بِالَّذِينَ هم أوْلى بِها صِلِيًّا﴾ قالَ: يَقُولُ إنَّهم أوْلى بِالخُلُودِ في جَهَنَّمَ. وأخْرَجَ أحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ البَيْهَقِيُّ عَنْ أبِي سُمَيَّةَ قالَ: اخْتَلَفْنا في الوُرُودِ، فَقالَ بَعْضُنا لا يَدْخُلُها مُؤْمِنٌ، وقالَ بَعْضُنا يَدْخُلُونَها جَمِيعًا ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ فَلَقِيتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقالَ وأهْوى بِأُصْبُعِهِ إلى أُذُنَيْهِ صَمْتًا إنْ لَمْ أكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَقُولُ: «لا يَبْقى بَرٌّ ولا فاجِرٌ إلّا دَخَلَها فَتَكُونُ عَلى المُؤْمِنِ بَرْدًا وسَلامًا كَما كانَتْ عَلى إبْراهِيمَ حَتّى إنَّ لِلنّارِ ضَجِيجًا مِن بَرْدِها ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا﴾» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وهَنّادٌ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: خاصَمَ نافِعُ بْنُ الأزْرَقِ ابْنَ عَبّاسٍ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الوُرُودُ الدُّخُولُ، وقالَ نافِعٌ لا، فَقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَها وارِدُونَ﴾، [الأنبياء: ٩٨] وقالَ: ورَدُوا أمْ لا ؟ وقَرَأ: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فَأوْرَدَهُمُ النّارَ﴾ أوَرَدُوا أمْ لا ؟ أمّا أنا وأنْتَ فَسَنَدْخُلُها فانْظُرْ هَلْ نَخْرُجُ مِنها أمْ لا ؟ . وأخْرَجَ الحاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾ قالَ: وإنْ مِنكم إلّا داخِلُها. وأخْرَجَ هَنّادٌ والطَّبَرانِيُّ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: وُرُودُها الصِّراطَ. وأخْرَجَ أحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ وابْنُ الأنْبارِيِّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: لَيَرِدُ النّاسُ كُلُّهُمُ النّارَ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْها بِأعْمالِهِمْ، فَأوَّلُهم كَلَمْحِ البَرْقِ، ثُمَّ كالرِّيحِ، ثُمَّ كَحُضْرِ الفَرَسِ، ثُمَّ كالرّاكِبِ في رَحْلِهِ، ثُمَّ كَشَدِّ الرَّحْلِ، ثُمَّ كَمَشْيِهِ»، وقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذا مِن حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِن طُرُقٍ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «لا يَدْخُلُ النّارَ أحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا والحُدَيْبِيَةَ، قالَتْ حَفْصَةُ: ألَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾ قالَتْ: ألَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾» . وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «لا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ فَيَلِجَ النّارَ إلّا تَحِلَّةَ القَسَمِ» ثُمَّ قَرَأ سُفْيانُ ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾ . وأخْرَجَ أحْمَدُ والبُخارِيُّ في تارِيخِهِ وأبُو يَعْلى والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مُعاذِ بْنِ أنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «مَن حَرَسَ مِن وراءِ المُسْلِمِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ مُتَطَوِّعًا لا يَأْخُذُهُ سُلْطانٌ لَمْ يَرَ النّارَ بِعَيْنَيْهِ إلّا تَحِلَّةَ القَسَمِ، فَإنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾»، والأحادِيثُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ كَثِيرَةٌ جِدًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ قالَ: قَضاءٌ مِنَ اللَّهِ. وأخْرَجَ الخَطِيبُ في تالِي التَّخْلِيصِ عَنْ عِكْرِمَةَ ( حَتْمًا مَقْضِيًّا ) قالَ: قَسَمًا واجِبًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ونَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا﴾ قالَ: باقِينَ فِيها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب