الباحث القرآني
.
قَوْلُهُ: ﴿وقَضَيْنا إلى بَنِي إسْرائِيلَ في الكِتابِ﴾ أيْ أعْلَمْنا وأخْبَرْنا، أوْ حَكَمْنا وأتْمَمْنا، وأصْلُ القَضاءِ: الإحْكامُ لِلشَّيْءِ والفَراغُ مِنهُ، وقِيلَ: أوْحَيْنا، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إلى بَنِي إسْرائِيلَ، ولَوْ كانَ بِمَعْنى الإعْلامِ والإخْبارِ لَقالَ قَضَيْنا بَنِي إسْرائِيلَ، ولَوْ كانَ بِمَعْنى حَكَمْنا لَقالَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، ولَوْ كانَ بِمَعْنى أتْمَمْنا لِقالٍ لِبَنِي إسْرائِيلَ، والمُرادُ بِالكِتابِ: التَّوْراةُ، ويَكُونُ إنْزالُها عَلى نَبِيِّهِمْ مُوسى كَإنْزالِها عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ قَوْمَهُ، وقِيلَ: المُرادُ بِالكِتابِ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ.
وقَرَأ أبُو العالِيَةِ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ( في الكُتُبِ ) .
وقَرَأ عِيسى الثَّقَفِيُّ لَتَفْسَدَنَّ في الأرْضِ بِفَتْحِ المُثَنّاةِ، ومَعْنى هَذِهِ القِراءَةِ قَرِيبٌ مِن مَعْنى قِراءَةِ الجُمْهُورِ، لِأنَّهم إذا أفْسَدُوا فَسَدُوا في نُفُوسِهِمْ، والمُرادُ بِالفَسادِ مُخالَفَةُ ما شَرَعَهُ اللَّهُ لَهم في التَّوْراةِ، والمُرادُ بِالأرْضِ أرْضُ الشّامِ وبَيْتُ المَقْدِسِ، وقِيلَ: أرْضُ مِصْرَ، واللّامُ في ( لَتُفْسِدُنَّ ) جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ.
قالَ النَّيْسابُورِيُّ: أوْ أجْرى القَضاءَ المَبْتُوتَ مَجْرى القَسَمِ كَأنَّهُ قِيلَ: وأقْسَمْنا لَتُفْسِدُنَّ. وانْتِصابُ مَرَّتَيْنِ عَلى أنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أوْ عَلى أنَّهُ في نَفْسِهِ مَصْدَرٌ عَمِلَ فِيهِ ما هو مِن غَيْرِ جِنْسِهِ، والمَرَّةُ الأُولى قَتْلُ شِعْياءَ أوْ حَبْسُ أرْمِياءَ أوْ مُخالَفَةُ أحْكامِ التَّوْراةِ، والثّانِيَةُ قَتْلُ يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا والعَزْمُ عَلى قَتْلِ عِيسى ﴿ولَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ هَذِهِ اللّامُ كاللّامِ الَّتِي قَبْلَها، أيْ: لَتَسْتَكْبِرُنَّ عَنْ طاعَةِ اللَّهِ ولَتَسْتَعْلُنَّ عَلى النّاسِ بِالظُّلْمِ والبَغْيِ مُجاوِزِينَ لِلْحَدِّ في ذَلِكَ.
﴿فَإذا جاءَ وعْدُ أُولاهُما﴾ أيْ أُولى المَرَّتَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ ﴿بَعَثْنا عَلَيْكم عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أيْ قُوَّةٍ في الحُرُوبِ وبَطْشٍ عِنْدَ اللِّقاءِ.
وقِيلَ: هو بُخْتَنَصَّرُ وجُنُودُهُ، وقِيلَ: جالُوتُ، وقِيلَ: جُنْدٌ مِن فارِسَ، وقِيلَ: جُنْدٌ مِن بابِلَ ﴿فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ﴾ أيْ عاثُوا وتَرَدَّدُوا، يُقالُ جاسُوا وهاسُوا وداسُوا بِمَعْنًى، ذَكَرَهُ ابْنُ غُرَيْرٍ، والقُتَيْبِيُّ.
قالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُ طافُوا خِلالَ الدِّيارِ هَلْ بَقِيَ أحَدٌ لَمْ يَقْتُلُوهُ ؟ قالَ: والجَوْسُ طَلَبُ الشَّيْءِ بِاسْتِقْصاءٍ.
قالَ الجَوْهَرِيُّ: الجَوْسُ مَصْدَرُ قَوْلِكَ جاسُوا خِلالَ الدِّيارِ، أيْ: تَخَلَّلُوها كَما يَجُوسُ الرَّجُلُ لِلْأخْبارِ، أيْ: يَطْلُبُها، وكَذا قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: وقالَ: ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنى جاسُوا طافُوا بَيْنَ الدِّيارِ يَطْلُبُونَهم ويَقْتُلُونَهم ذاهِبِينَ وجائِينَ.
وقالَ الفَرّاءُ: مَعْناهُ قَتَلُوهم بَيْنَ بُيُوتِهِمْ وأنْشَدَ لِحَسّانَ:
؎ومِنّا الَّذِي لاقى بِسَيْفِ مُحَمَّدٍ فَجاسَ بِهِ الأعْداءَ عَرْضَ العَساكِرِ
وقالَ قُطْرُبٌ: مَعْناهُ نَزَلُوا. وأنْشَدَ قَوْلَ الشّاعِرِ:
؎فَجُسْنا دِيارَهم عُنْوَةً ∗∗∗ وأُبْنا بِساداتِهِمْ مُوَثَّقِينا
وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ ( فَحاسُوا ) بِالحاءِ المُهْمَلَةِ.
قالَ أبُو زَيْدٍ: الحَوْسُ والجَوْسُ والعَوْسُ والهَوْسُ: الطَّوْفُ بِاللَّيْلِ قِيلَ الطَّوْفُ بِاللَّيْلِ هو الجَوَسانُ مُحَرَّكًا كَذا قالَ أبُو عُبَيْدَةَ.
وقُرِئَ ( خَلَلَ الدِّيارِ ) ومَعْناهُ مَعْنى خِلالَ وهو وسَطُ الدِّيارِ وكانَ ذَلِكَ وعْدًا مَفْعُولًا أيْ كائِنًا لا مَحالَةَ.
﴿ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ أيِ الدَّوْلَةَ والغَلَبَةَ والرَّجْعَةَ وذَلِكَ عِنْدَ تَوْبَتِهِمْ.
قِيلَ وذَلِكَ حِينَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ، وقِيلَ: حِينَ قُتِلَ بُخْتَنَصَّرُ ﴿وأمْدَدْناكم بِأمْوالٍ وبَنِينَ﴾ بَعْدَ نَهْبِ أمْوالِكم وسَبْيِ أبْنائِكم حَتّى عادَ أمْرُكم كَما كانَ ﴿وجَعَلْناكم أكْثَرَ نَفِيرًا﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: النَّفِيرُ العَدَدُ مِنَ الرِّجالِ، فالمَعْنى: أكْثَرُ رِجالًا مِن عَدُوِّكم.
والنَّفِيرُ مَن يَنْفِرُ مَعَ الرَّجُلِ مِن عَشِيرَتِهِ، يُقالُ نَفِيرٌ ونافِرٌ مِثْلُ قَدِيرٌ وقادِرٌ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ النَّفِيرُ جَمْعَ نَفَرٍ.
﴿إنْ أحْسَنْتُمْ﴾، أيْ: أفْعالَكم وأقْوالَكم عَلى الوَجْهِ المَطْلُوبِ مِنكم ﴿أحْسَنْتُمْ لِأنْفُسِكُمْ﴾ لِأنَّ ثَوابَ ذَلِكَ عائِدٌ إلَيْكم ﴿وإنْ أسَأْتُمْ﴾ أفْعالَكم وأقْوالَكم فَأوْقَعْتُمُوها لا عَلى الوَجْهِ المَطْلُوبِ مِنكم ﴿فَلَها﴾ أيْ فَعَلَيْها.
ومِثْلُهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ ولِلْفَمِ
أيْ عَلى اليَدَيْنِ وعَلى الفَمِ.
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: اللّامُ بِمَعْنى (p-٨١٢)إلى، أيْ: فَإلَيْها تَرْجِعُ الإساءَةُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِأنَّ رَبَّكَ أوْحى لَها﴾ أيْ إلَيْها.
وقِيلَ: المَعْنى: فَلَها الجَزاءُ أوِ العِقابُ.
وقالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: فَلَها رَبٌّ يَغْفِرُ الإساءَةَ.
وهَذا الخِطابُ قِيلَ هو لِبَنِي إسْرائِيلَ المُلابِثِينَ لِما ذُكِرَ في هَذِهِ الآياتِ، وقِيلَ: لِبَنِي إسْرائِيلَ الكائِنِينَ في زَمَنِ مُحَمَّدٍ ﷺ . ومَعْناهُ: إعْلامُهم ما حَلَّ بِسَلَفِهِمْ فَلْيَرْتَقِبُوا مِثْلَ ذَلِكَ وقِيلَ: هو خِطابٌ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ﴾ أيْ حَضَرَ وقْتُ ما وُعِدُوا مِن عُقُوبَةِ المَرَّةِ الآخِرَةِ، والمَرَّةُ الآخِرَةُ هي قَتْلُهم يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا كَما سَبَقَ، وقِصَّةُ قَتْلِهِ مُسْتَوْفاةٌ في الإنْجِيلِ واسْمُهُ فِيهِ يُوحَنّا، قَتَلَهُ مَلِكٌ مِن مُلُوكِهِمْ بِسَبَبِ امْرَأةٍ حَمَلَتْهُ عَلى قَتْلِهِ، واسْمُ المَلِكِ لاخْتَ قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هِيرُدُوسْ، وجَوابُ ( إذا ) مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ بَعَثْناهم لِدَلالَةِ جَوابِ ( إذا ) الأُولى عَلَيْهِ، ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِهَذا الجَوابِ المَحْذُوفِ، أيْ: لِيَفْعَلُوا بِكم ما يَسُوءُ وُجُوهَكم حَتّى تَظْهَرَ عَلَيْكم آثارُ المُساءَةِ وتَتَبَيَّنَ في وُجُوهِكُمُ الكَآبَةُ، وقِيلَ: المُرادُ بِالوُجُوهِ السّادَةُ مِنهم.
وقَرَأ الكِسائِيُّ ( لِنَسُوءَ ) بِالنُّونِ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ سُبْحانَهُ.
وقَرَأ أُبَيٌّ ( لِنَسُوءَنَّ ) بِنُونِ التَّأْكِيدِ.
وقَرَأ أبُو بَكْرٍ، والأعْمَشُ، وابْنُ وثّابٍ، وحَمْزَةُ، وابْنُ عامِرٍ لِيَسُوءَ بِالتَّحْتِيَّةِ والإفْرادِ.
قالَ الزَّجّاجُ: كُلُّ شَيْءٍ كَسَرْتَهُ وفَتَّتَّهُ فَقَدْ تَبَّرْتَهُ، والضَّمِيرُ لِلَّهِ أوِ الوَعْدِ ﴿ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى لِيَسُوءُوا ﴿كَما دَخَلُوهُ أوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا﴾ أيْ يُدَمِّرُوا ويُهْلِكُوا، وقالَ قُطْرُبٌ: يَهْدِمُوا، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎فَما النّاسُ إلّا عامِلانِ فَعامِلٌ ∗∗∗ يُتَبِّرُ ما يَبْنِي وآخَرُ رافِعُ
وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ وضَمِّ الهَمْزَةِ وإثْباتِ واوٍ بَعْدَها عَلى أنَّ الفاعِلَ ( عِبادٌ لَنا ) ما عَلَوْا أيْ ما غَلَبُوا عَلَيْهِ مِن بِلادِكم أوْ مُدَّةَ عُلُوِّهِمْ تَتْبِيرًا أيْ تَدْمِيرًا، ذُكِرَ المَصْدَرُ إزالَةً لِلشَّكِّ وتَحْقِيقًا لِلْخَبَرِ.
﴿عَسى رَبُّكم أنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ يا بَنِي إسْرائِيلَ بَعْدَ انْتِقامِهِ مِنكم في المَرَّةِ الثّانِيَةِ وإنْ عُدْتُمْ لِلثّالِثَةِ عُدْنا إلى عُقُوبَتِكم.
قالَ أهْلُ السِّيَرِ: ثُمَّ إنَّهم عادُوا إلى ما لا يَنْبَغِي وهو تَكْذِيبُ مُحَمَّدٍ ﷺ وكِتْمانُ ما ورَدَ مِن بَعْثِهِ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ فَعادَ اللَّهُ إلى عُقُوبَتِهِمْ عَلى أيْدِي العَرَبِ، فَجَرى عَلى بَنِي قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ وبَنِي قَيْنُقاعَ وخَيْبَرَ ما جَرى مِنَ القَتْلِ والسَّبْيِ والإجْلاءِ وضَرْبِ الجِزْيَةِ عَلى مَن بَقِيَ مِنهم، وضَرْبِ الذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ ﴿وجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا﴾ وهو المَحْبِسُ فَهو فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ أوْ مَفْعُولٍ.
والمَعْنى: أنَّهم مَحْبُوسُونَ في جَهَنَّمَ لا يَتَخَلَّصُونَ عَنْها أبَدًا.
قالَ الجَوْهَرِيُّ: حَصَرَهُ يَحْصُرُهُ حَصْرًا: ضَيَّقَ عَلَيْهِ وأحاطَ بِهِ، وقِيلَ: فِراشًا ومِهادًا، وأرادَ عَلى هَذا بِالحَصِيرِ الحَصِيرَ الَّذِي يَفْرِشُهُ النّاسُ.
﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ يَعْنِي: القُرْآنُ يَهْدِي النّاسَ الطَّرِيقَةَ الَّتِي هي أقْوَمُ مِن غَيْرِها مِنَ الطُّرُقِ وهي مِلَّةُ الإسْلامِ، فالَّتِي هي أقْوَمُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وهي الطَّرِيقُ.
وقالَ الزَّجّاجُ: لِلْحالِ الَّتِي هي أقْوَمُ الحالاتِ، وهي تَوْحِيدُ اللَّهِ والإيمانُ بِرُسُلِهِ، وكَذا قالَ الفَرّاءُ ﴿ويُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ يَبَشُّرُ، بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الشِّينِ.
وقَرَأ الباقُونَ بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الشِّينِ مِنَ التَّبْشِيرِ، أيْ: يُبَشِّرُ بِما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الوَعْدِ بِالخَيْرِ آجِلًا وعاجِلًا لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ﴾ الَّتِي أرْشَدَ إلى عَمَلِها القُرْآنُ ﴿أنَّ لَهم أجْرًا كَبِيرًا﴾ أيْ بِأنَّ لَهم.
﴿وأنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ وأحْكامِها المُبَيَّنَةِ في القُرْآنِ ﴿أعْتَدْنا لَهم عَذابًا ألِيمًا﴾ وهو عَذابُ النّارِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ يُبَشِّرُ بِتَقْدِيرِ يُخْبِرُ، أيْ: ويُخْبِرُ بِأنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ، وقِيلَ: مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿أنَّ لَهم أجْرًا كَبِيرًا﴾ ويُرادُ بِالتَّبْشِيرِ مُطْلَقُ الإخْبارِ، أوْ يَكُونُ المُرادُ مِنهُ مَعْناهُ الحَقِيقِيَّ، ويَكُونُ الكَلامُ مُشْتَمِلًا عَلى تَبْشِيرِ المُؤْمِنِينَ بِبِشارَتَيْنِ: الأُولى ما لَهم مِنَ الثَّوابِ، والثّانِيَةُ ما لِأعْدائِهِمْ مِنَ العِقابِ.
﴿ويَدْعُ الإنْسانُ بِالشَّرِّ﴾ المُرادُ بِالإنْسانِ هُنا الجِنْسُ لِوُقُوعِ هَذا الدُّعاءِ مِن بَعْضِ أفْرادِهِ وهو دُعاءُ الرَّجُلِ عَلى نَفْسِهِ ووَلَدِهِ عِنْدَ الضَّجَرِ بِما لا يُحِبُّ أنْ يُسْتَجابَ لَهُ ﴿دُعاءَهُ بِالخَيْرِ﴾ أيْ مِثْلَ دُعائِهِ لِرَبِّهِ بِالخَيْرِ لِنَفْسِهِ ولِأهْلِهِ كَطَلَبِ العافِيَةِ والرِّزْقِ ونَحْوِهِما، فَلَوِ اسْتَجابَ اللَّهُ دُعاءَهُ عَلى نَفْسِهِ بِالشَّرِّ هَلَكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَجِبْ تَفَضُّلًا مِنهُ ورَحْمَةً، ومِثْلُ ذَلِكَ ﴿ولَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهم بِالخَيْرِ﴾ وقَدْ تَقَدَّمَ، وقِيلَ: المُرادُ بِالإنْسانِ هُنا القائِلُ هَذِهِ المَقالَةَ هو الكافِرُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِالشَّرِّ، وهو اسْتِعْجالُ العَذابِ دَعاهُ بِالخَيْرِ كَقَوْلِ القائِلِ: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ .
وقِيلَ: أنْ يَدْعُوَ في طَلَبِ المَحْظُورِ كَدُعائِهِ في طَلَبِ المُباحِ، وحُذِفَتِ الواوُ مِن ( ويَدَعُ الإنْسانُ ) في رَسْمِ المُصْحَفِ لِعَدَمِ التَّلَفُّظِ بِها لِوُقُوعِ اللّامِ السّاكِنَةِ بَعْدَها كَقَوْلِهِ: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ ويَمْحُ اللَّهُ الباطِلَ وسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ ونَحْوِ ذَلِكَ.
﴿وكانَ الإنْسانُ عَجُولًا﴾ أيْ مَطْبُوعًا عَلى العَجَلَةِ، ومِن عَجَلَتِهِ أنَّهُ يَسْألُ الشَّرَّ كَما يَسْألُ الخَيْرَ، وقِيلَ: إشارَتُهُ إلى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - حِينَ نَهَضَ قَبْلَ أنْ تَكْمُلَ فِيهِ الرُّوحُ، والمُناسِبُ لِلسِّياقِ هو الأوَّلُ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وقَضَيْنا إلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ قالَ: أعْلَمْناهم.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ قالَ: أخْبَرْناهم.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: أخْبَرْناهم.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا قَضَيْنا إلى بَنِي إسْرائِيلَ: قَضَيْنا عَلَيْهِمْ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ في تارِيخِهِ عَنْ عَلِيٍّ في قَوْلِهِ: ﴿لَتُفْسِدُنَّ في الأرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ قالَ: الأُولى قَتْلُ زَكَرِيّا، والآخِرَةُ قَتْلُ يَحْيى.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في الآيَةِ قالَ: كانَ أوَّلُ الفَسادِ قَتْلَ زَكَرِيّا، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَلِكَ النَّبَطِ، ثُمَّ إنَّ بَنِي إسْرائِيلَ تَجَهَّزُوا فَغَزَوُا النَّبَطَ فَأصابُوا مِنهم، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿رَدَدْنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ في الأُولى جالُوتَ، وبَعَثَ عَلَيْهِمْ في (p-٨١٣)المَرَّةِ الأُخْرى بُخْتَنَصَّرَ، فَعادُوا فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنِينَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ فَجاسُوا قالَ: فَمَشَوْا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: تَتْبِيرًا تَدْمِيرًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ في قَوْلِهِ: ﴿عَسى رَبُّكم أنْ يَرْحَمَكم﴾ قالَ: كانَتِ الرَّحْمَةُ الَّتِي وعَدَهم بَعْثَ مُحَمَّدٍ ﷺ .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ عُدْتُمْ عُدْنا﴾ قالَ: فَعادُوا فَبَعَثَ اللَّهُ سُبْحانَهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ، فَهم يُعْطُونَ الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهم صاغِرُونَ.
واعْلَمْ أنَّها قَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّواياتُ في تَعْيِينِ الواقِعِ مِنهم في المَرَّتَيْنِ، وفي تَعْيِينِ مَن سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وفي كَيْفِيَّةِ الِانْتِقامِ مِنهم، ولا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ كَثِيرُ فائِدَةٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا﴾ قالَ: سِجْنًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ.
قالَ: مَعْنى حَصِيرًا: جَعَلَ اللَّهُ مَأْواهم فِيها.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: حَصِيرًا قالَ: فِراشًا ومِهادًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ قالَ: لِلَّتِي هي أصْوَبُ.
وأخْرَجَ الحاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ كانَ يَتْلُو كَثِيرًا إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ ويُبْشِرُ بِالتَّخْفِيفِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ويَدْعُ الإنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالخَيْرِ﴾ يَعْنِي قَوْلَ الإنْسانِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ واغَضَبْ عَلَيْهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿وكانَ الإنْسانُ عَجُولًا﴾ قالَ: ضَجِرًا لا صَبْرَ لَهُ عَلى سَرّاءَ ولا ضَرّاءَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيِّ قالَ: أوَّلُ ما خَلَقَ اللَّهُ مِن آدَمَ رَأْسُهُ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ وهو يُخْلَقُ وبَقِيَتْ رِجْلاهُ، فَلَمّا كانَ بَعْدَ العَصْرِ قالَ: يا رَبِّ أعْجِلْ قَبْلَ اللَّيْلِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وكانَ الإنْسانُ عَجُولًا﴾ .
{"ayahs_start":4,"ayahs":["وَقَضَیۡنَاۤ إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَیۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوࣰّا كَبِیرࣰا","فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَیۡكُمۡ عِبَادࣰا لَّنَاۤ أُو۟لِی بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ فَجَاسُوا۟ خِلَـٰلَ ٱلدِّیَارِۚ وَكَانَ وَعۡدࣰا مَّفۡعُولࣰا","ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَیۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَـٰكُم بِأَمۡوَ ٰلࣲ وَبَنِینَ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِیرًا","إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ لِیَسُـࣳۤـُٔوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَلِیَدۡخُلُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةࣲ وَلِیُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوۡا۟ تَتۡبِیرًا","عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَـٰفِرِینَ حَصِیرًا","إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَهۡدِی لِلَّتِی هِیَ أَقۡوَمُ وَیُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرࣰا كَبِیرࣰا","وَأَنَّ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا","وَیَدۡعُ ٱلۡإِنسَـٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَاۤءَهُۥ بِٱلۡخَیۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَجُولࣰا"],"ayah":"وَیَدۡعُ ٱلۡإِنسَـٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَاۤءَهُۥ بِٱلۡخَیۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَجُولࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق