الباحث القرآني

وهي مَكِّيَّةٌ كَما أخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وأخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أيْضًا عَنِ الزُّبَيْرِ، وحَكاهُ القُرْطُبِيُّ عَنِ الحَسَنِ وعِكْرِمَةَ وجابِرِ بْنِ زَيْدٍ وقَتادَةَ إلّا آيَتَيْنِ مِنها وقِيلَ: إلّا ثَلاثَ آياتٍ نَزَلَتْ في الَّذِينَ حارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وهي قَوْلُهُ: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَإنَّ مَصِيرَكم إلى النّارِ﴾ [إبراهيم: ٢٨ - ٣٠] . وأخْرَجَ النَّحّاسُ في ناسِخِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: هي مَكِّيَّةٌ سِوى آيَتَيْنِ مِنها نَزَلَتا بِالمَدِينَةِ، وهي ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا﴾ الآيَتَيْنِ نَزَلَتا في قَتْلى بَدْرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . قَوْلُهُ: الر قَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في أمْثالِ هَذا، وبَيانُ قَوْلِ مَن قالَ إنَّهُ مُتَشابِهٌ، وبَيانُ قَوْلِ مَن قالَ إنَّهُ غَيْرُ مُتَشابِهٍ وهو إمّا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " كِتابٌ "، أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، ويَكُونُ " كِتابٌ " خَبَرًا لِمَحْذُوفٍ مُقَدَّرٍ أوْ خَبَرًا ثانِيًا لِهَذا المُبْتَدَأِ أوْ يَكُونُ ( الر ) مَسْرُودًا عَلى نَمَطِ التَّعْدِيدِ فَلا مَحَلَّ لَهُ، و( أنْزَلْناهُ إلَيْكَ ) صِفَةٌ لِ ( كِتابٌ )، أيْ: أنْزَلْنا الكِتابَ إلَيْكَ يا مُحَمَّدُ، ومَعْنى ﴿لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ﴾ لِتُخْرِجَهم مِن ظُلُماتِ الكُفْرِ والجَهْلِ والضَّلالَةِ إلى نُورِ الإيمانِ والعِلْمِ والهِدايَةِ، جُعِلَ الكُفْرُ بِمَنزِلَةِ الظُّلُماتِ، والإيمانُ بِمَنزِلَةِ النُّورِ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ، واللّامُ في " لِتُخْرِجَ " لِلْغَرَضِ والغايَةِ، والتَّعْرِيفُ في النّاسِ لِلْجِنْسِ، والمَعْنى: أنَّهُ (p-٧٣٨)صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يُخْرِجُ بِالكِتابِ المُشْتَمِلِ عَلى ما شَرَعَهُ اللَّهُ لَهم مِنَ الشَّرائِعِ مِمّا كانُوا فِيهِ مِنَ الظُّلُماتِ إلى ما صارُوا إلَيْهِ مِنَ النُّورِ، وقِيلَ: إنَّ الظُّلْمَةَ مُسْتَعارَةٌ لِلْبِدْعَةِ، والنُّورَ مُسْتَعارٌ لِلسُّنَّةِ، وقِيلَ: مِنَ الشَّكِّ إلى اليَقِينِ، ولا مانِعَ مِن إرادَةِ جَمِيعِ هَذِهِ الأُمُورِ، والباءُ في بِإذْنِ رَبِّهِمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ " تُخْرِجَ "، وأُسْنِدَ الفِعْلُ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ لِأنَّهُ الدّاعِي والهادِي والمُنْذِرُ. قالَ الزَّجّاجُ: بِما أذِنَ لَكَ مِن تَعْلِيمِهِمْ ودُعائِهِمْ إلى الإيمانِ ﴿إلى صِراطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾ هو بَدَلٌ مِن إلى النُّورِ بِتَكْرِيرِ العامِلِ كَما يَقَعُ مِثْلُهُ كَثِيرًا، أيْ: لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى صِراطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، وهو طَرِيقَةُ اللَّهِ الواضِحَةُ الَّتِي شَرَعَها لِعِبادِهِ، وأمَرَهم بِالمَصِيرِ إلَيْها والدُّخُولِ فِيها، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا بِتَقْدِيرِ سُؤالٍ كَأنَّهُ قِيلَ ما هَذا النُّورُ الَّذِي أخْرَجَهم إلَيْهِ ؟ فَقِيلَ صِراطُ العَزِيزِ الحَمِيدِ. والعَزِيزُ هو القادِرُ الغالِبُ. والحَمِيدُ هو الكامِلُ في اسْتِحْقاقِ الحَمْدِ. ﴿اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ قَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: هو اللَّهُ المُتَّصِفُ بِمِلْكِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ بِالجَرِّ عَلى أنَّهُ عَطْفُ بَيانٍ لِكَوْنِهِ مِنَ الأعْلامِ الغالِبَةِ، فَلا يَصِحُّ وصْفُ ما قَبْلَهُ بِهِ، لِأنَّ العَلَمَ لا يُوصَفُ بِهِ، وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يُوصَفَ بِهِ مِن حَيْثُ المَعْنى. وقالَ أبُو عَمْرٍو: إنَّ قِراءَةَ الجَرِّ مَحْمُولَةٌ عَلى التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، والتَّقْدِيرُ: إلى صِراطِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ. وكانَ يَعْقُوبُ إذا وقَفَ عَلى الحَمِيدِ رَفَعَ، وإذا وصَلَ خَفَضَ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: مَن خَفَضَ وقَفَ عَلى وما في الأرْضِ. ثُمَّ تَوَعَّدَ مَن لا يَعْتَرِفُ بِرُبُوبِيَّتِهِ فَقالَ: ﴿ووَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِن عَذابٍ شَدِيدٍ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ مَعْنى الوَيْلِ، وأصْلُهُ النَّصْبُ كَسائِرِ المَصادِرِ، ثُمَّ رُفِعَ لِلدِّلالَةِ عَلى الثَّباتِ. قالَ الزَّجّاجُ: هي كَلِمَةٌ تُقالُ لِلْعَذابِ والهَلَكَةِ، فَدَعا سُبْحانَهُ وتَعالى بِذَلِكَ عَلى مَن لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الكُفّارِ بِهِدايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ لَهُ بِما أنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِمّا هو فِيهِ مِن ظُلُماتِ الكُفْرِ إلى نُورِ الإيمانِ ومِن عَذابٍ شَدِيدٍ مُتَعَلِّقٍ بِـ " ويْلٌ " عَلى مَعْنى يُوَلْوِلُونَ ويَضِجُّونَ مِنَ العَذابِ الشَّدِيدِ الَّذِي صارُوا فِيهِ. ثُمَّ وصَفَ هَؤُلاءِ الكُفّارَ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ أيْ يُؤْثِرُونَها لِمَحَبَّتِهِمْ لَها عَلى الآخِرَةِ الدّائِمَةِ والنَّعِيمِ الأبَدِيِّ، وقِيلَ: إنَّ المَوْصُولَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هُمُ الَّذِينَ، وقِيلَ: المَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ أُولَئِكَ، وجُمْلَةُ ويَصُدُّونَ وكَذَلِكَ ويَبْغُونَ مَعْطُوفَتانِ عَلى يَسْتَحِبُّونَ، ومَعْنى الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ صَرْفُ النّاسِ عَنْهُ ومَنعُهم مِنهُ، وسَبِيلُ اللَّهِ دِينُهُ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبادِهِ ويَبْغُونَها عِوَجًا أيْ يَطْلُبُونَ لَها زَيْغًا ومَيْلًا لِمُوافَقَةِ أهْوائِهِمْ وقَضاءِ حاجاتِهِمْ وأغْراضِهِمْ، والعِوَجُ بِكَسْرِ العَيْنِ في المَعانِي وبِفَتْحِ العَيْنِ في الأعْيانِ وقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ. والأصْلُ " يَبْغُونَ لَها " فَحُذِفَ الحَرْفُ وأُوصِلَ الفِعْلُ إلى الضَّمِيرِ، واجْتِماعُ هَذِهِ الخِصالِ نِهايَةُ الضَّلالِ، ولِهَذا وصَفَ ضَلالَهم بِالبُعْدِ عَنِ الحَقِّ فَقالَ: أُولَئِكَ في ضَلالٍ بَعِيدٍ والإشارَةُ إلى المَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الصِّفاتِ القَبِيحَةِ، والبُعْدُ وإنْ كانَ مِن صِفَةِ الضّالِّ لَكِنَّهُ يَجُوزُ وصْفُ الضَّلالِ بِهِ مَجازًا لِقَصْدِ المُبالَغَةِ. ثُمَّ لَمّا مَنَّ عَلى المُكَلَّفِينَ بِإنْزالِ الكُتُبِ وإرْسالِ الرَّسُولِ ذَكَرَ مِن كَمالِ تِلْكَ النِّعْمَةِ أنَّ ذَلِكَ المُرْسَلَ بِلِسانِ قَوْمِهِ فَقالَ: ﴿وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ﴾ أيْ مُتَلَبِّسًا بِلِسانِهِمْ مُتَكَلِّمًا بِلُغَتِهِمْ لِأنَّهُ إذا كانَ كَذَلِكَ فَهِمَ عَنْهُ المُرْسَلُ إلَيْهِمْ ما يَقُولُهُ لَهم وسَهُلَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِخِلافِ ما لَوْ كانَ بِلِسانِ غَيْرِهِمْ فَإنَّهم لا يَدْرُونَ ما يَقُولُ ولا يَفْهَمُونَ ما يُخاطِبُهم بِهِ حَتّى يَتَعَلَّمُوا ذَلِكَ اللِّسانَ دَهْرًا طَوِيلًا ومَعَ ذَلِكَ فَلا بُدَّ أنْ يَصْعُبَ عَلَيْهِ فَهْمُ ذَلِكَ بَعْضَ صُعُوبَةٍ، ولِهَذا عَلَّلَ سُبْحانَهُ ما امْتَنَّ بِهِ عَلى العِبادِ بِقَوْلِهِ لِيُبَيِّنَ لَهم أيْ لِيُوَضِّحَ لَهم ما أمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي شَرَعَها لَهم، ووَحَّدَ اللِّسانَ لِأنَّ المُرادَ بِها اللُّغَةُ. وقَدْ قِيلَ في هَذِهِ الآيَةِ إشْكالٌ، لِأنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أُرْسِلَ إلى النّاسِ جَمِيعًا بَلْ إلى الجِنِّ والإنْسِ ولُغاتُهم مُتَبايِنَةٌ وألْسِنَتُهم مُخْتَلِفَةٌ. وأُجِيبَ بِأنَّهُ وإنْ كانَ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مُرْسَلًا إلى الثَّقَلَيْنِ كَما مَرَّ لَكِنْ لَمّا كانَ قَوْمُهُ العَرَبَ وكانُوا أخَصَّ بِهِ وأقْرَبَ إلَيْهِ كانَ إرْسالُهُ بِلِسانِهِمْ أوْلى مِن إرْسالِهِ بِلِسانِ غَيْرِهِمْ، وهم يُبَيِّنُونَهُ لِمَن كانَ عَلى غَيْرِ لِسانِهِمْ ويُوَضِّحُونَهُ حَتّى يَصِيرَ فاهِمًا لَهُ كَفَهْمِهِمْ إيّاهُ، ولَوْ نَزَلَ القُرْآنُ بِجَمِيعِ لُغاتِ مَن أُرْسِلَ إلَيْهِمْ، وبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِكُلِّ قَوْمٍ بِلِسانِهِمْ لَكانَ ذَلِكَ مَظَنَّةً لِلِاخْتِلافِ وفَتْحًا لِبابِ التَّنازُعِ لِأنَّ كُلَّ أُمَّةٍ قَدْ تَدَّعِي مِنَ المَعانِي في لِسانِها ما لا يَعْرِفُهُ غَيْرُها، ورُبَّما كانَ ذَلِكَ أيْضًا مُفْضِيًا إلى التَّحْرِيفِ والتَّصْحِيفِ بِسَبَبِ الدَّعاوِي الباطِلَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيها المُتَعَصِّبُونَ وجُمْلَةُ ﴿فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ ويَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ، أيْ: يَضِلُّ مَن يَشاءُ إضْلالَهُ ويَهْدِي مَن يَشاءُ هِدايَتَهُ. قالَ الفَرّاءُ: إذا ذُكِرَ فِعْلٌ وبَعْدَهُ فِعْلٌ آخَرُ فَإنْ لَمْ يَكُنِ النَّسَقُ مُشاكِلًا لِلْأوَّلِ فالرَّفْعُ عَلى الِاسْتِئْنافِ هو الوَجْهُ، فَيَكُونُ مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ: وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهم تِلْكَ الشَّرائِعَ بِاللُّغَةِ الَّتِي ألِفُوها وفَهِمُوها، ومَعَ ذَلِكَ فَإنَّ المُضِلَّ والهادِيَ هو اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، والبَيانُ لا يُوجِبُ حُصُولَ الهِدايَةِ إلّا إذا جَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ واسِطَةً وسَبَبًا، وتَقْدِيمُ الإضْلالِ عَلى الهِدايَةِ لِأنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْها، إذْ هو إبْقاءٌ عَلى الأصْلِ والهِدايَةُ إنْشاءُ ما لَمْ يَكُنْ وهو العَزِيزُ الَّذِي لا يُغالِبُهُ مُغالِبٌ الحَكِيمُ الَّذِي يُجْرِي أفْعالَهُ عَلى مُقْتَضى الحِكْمَةِ. ثُمَّ لَمّا بَيَّنَ أنَّ المَقْصُودَ مِن بِعْثَةِ نَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ هو إخْراجُ النّاسِ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ أرادَ أنْ يُبَيِّنَ أنَّ الغَرَضَ مِن إرْسالِ الأنْبِياءِ لَمْ يَكُنْ إلّا ذَلِكَ، وخَصَّ مُوسى بِالذِّكْرِ لِأنَّ أُمَّتَهُ أكْثَرُ الأُمَمِ المُتَقَدِّمَةِ عَلى هَذِهِ الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ فَقالَ: ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا﴾ أيْ مُتَلَبِّسًا بِها. والمُرادُ بِالآياتِ: المُعْجِزاتُ الَّتِي لِمُوسى، ومَعْنى أنْ أخْرِجْ أيْ أخْرِجْ، لِأنَّ الإرْسالَ فِيهِ مَعْنى القَوْلِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ بِأنْ أخْرِجْ، والمُرادُ بِقَوْمِهِ بَنُو إسْرائِيلَ بَعْدَ مُلْكِ فِرْعَوْنَ مِنَ الظُّلُماتِ مِنَ الكُفْرِ أوْ مِنَ الجَهْلِ الَّذِي قالُوا بِسَبَبِهِ: ﴿اجْعَلْ لَنا إلَهًا كَما لَهم آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: ١٣٨]، (p-٧٣٩)إلى النُّورِ إلى الإيمانِ أوْ إلى العِلْمِ ﴿وذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ﴾ أيْ بِوَقائِعِهِ. قالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: العَرَبُ تَقُولُ الأيّامَ في مَعْنى الوَقائِعِ، يُقالُ فُلانٌ عالِمٌ بِأيّامِ العَرَبِ، أيْ: بِوَقائِعِها. وقالَ الزَّجّاجُ، أيْ: ذَكِّرْهم بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وبِنِقَمِ أيّامِ اللَّهِ الَّتِي انْتَقَمَ فِيها مِن قَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ. والمَعْنى: عِظْهم بِالتَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ والوَعْدِ والوَعِيدِ إنَّ في ذَلِكَ أيْ في التَّذْكِيرِ بِأيّامِ اللَّهِ أوْ في نَفْسِ أيّامِ اللَّهِ ( لَآياتٍ ) لَدِلالاتٍ عَظِيمَةٍ دالَّةٍ عَلى التَّوْحِيدِ وكَمالِ القُدْرَةِ ( لِكُلِّ صَبّارٍ ) أيْ كَثِيرِ الصَّبْرِ عَلى المِحَنِ والمِنَحِ ( شَكُورٍ ) كَثِيرِ الشُّكْرِ لِلنِّعَمِ الَّتِي أنْعَمَ اللَّهُ بِها عَلَيْهِ، وقِيلَ: المُرادُ بِذَلِكَ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وعُبِّرَ عَنْهُ بِالوَصْفَيْنِ المَذْكُورَيْنِ لِأنَّهُما مِلاكُ الإيمانِ، وقُدِّمَ الصَّبّارُ عَلى الشَّكُورِ، لِكَوْنِ الشُّكْرِ عاقِبَةَ الصَّبْرِ. وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ﴾ قالَ: مِنَ الضَّلالَةِ إلى الهُدى. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي مالِكٍ في قَوْلِهِ: يَسْتَحِبُّونَ قالَ: يَخْتارُونَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأبُو يَعْلى وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنَّ اللَّهَ فَضَّلَ مُحَمَّدًا عَلى أهْلِ السَّماءِ وعَلى الأنْبِياءِ، قِيلَ: ما فَضَّلَهُ عَلى أهْلِ السَّماءِ ؟ قالَ: إنَّ اللَّهَ قالَ لِأهْلِ السَّماءِ ﴿ومَن يَقُلْ مِنهم إنِّي إلَهٌ مِن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾» [الأنبياء: ٢٩]، وقالَ لِمُحَمَّدٍ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ﴾ [الفتح: ٢]، فَكَتَبَ لَهُ بَراءَةً مِنَ النّارِ، قِيلَ: فَما فَضَّلَهُ عَلى الأنْبِياءِ ؟ قالَ: إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم: ٤]، وقالَ لِمُحَمَّدٍ ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا كافَّةً لِلنّاسِ﴾ [سبأ: ٢٨]، فَأرْسَلَهُ إلى الإنْسِ والجِنِّ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ ﴿إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ﴾ قالَ: نَزَلَ القُرْآنُ بِلِسانِ قُرَيْشٍ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ وعَطاءٍ وعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا﴾ قالَ: بِالآياتِ التِّسْعِ الطُّوفانِ والجَرادِ والقُمَّلِ والضَّفادِعِ والدَّمِ والعَصا ويَدِهِ والسِّنِينَ ونَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ﴾ قالَ: مِنَ الضَّلالَةِ إلى الهُدى. وأخْرَجَ النَّسائِيُّ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ المَسْنَدِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿وذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ﴾ قالَ: بِنِعَمِ اللَّهِ وآلائِهِ» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿وذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ﴾ قالَ: نِعَمِ اللَّهِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ ﴿وذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ﴾ قالَ: وعِظْهم. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ في الآيَةِ قالَ: بِوَقائِعِ اللَّهِ في القُرُونِ الأُولى. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ قالَ: نِعْمَ العَبْدُ عَبْدٌ إذا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وإذا أُعْطِيَ شَكَرَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب