الباحث القرآني
(p-٧٤٢).
قَوْلُهُ: وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ القائِلُونَ هم طائِفَةٌ مِنَ المُتَمَرِّدِينَ عَنْ إجابَةِ الرُّسُلِ، واللّامُ في لَنُخْرِجَنَّكم هي المُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، أيْ: واللَّهِ لَنُخْرِجَنَّكم مِن أرْضِنا أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا، لَمْ يَقْنَعُوا بِرَدِّهِمْ لِما جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وعَدَمِ امْتِثالِهِمْ لِما دَعَوْهم إلَيْهِ حَتّى اجْتَرَءُوا عَلَيْهِمْ بِهَذا، وخَيَّرُوهم بَيْنَ الخُرُوجِ مِن أرْضِهِمْ، أوِ العَوْدِ في مِلَّتِهِمُ الكُفْرِيَّةِ، وقَدْ قِيلَ: إنَّ ( أوْ ) في أوْ لَتَعُودُنَّ بِمَعْنى حَتّى أوْ: يَعْنِي إلّا أنْ تَعُودُوا كَما قالَهُ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ، ورُدَّ بِأنَّهُ لا حاجَةَ إلى ذَلِكَ، بَلْ ( أوْ ) عَلى بابِها لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ أحَدِ الأمْرَيْنِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الآيَةِ في سُورَةِ الأعْرافِ.
قِيلَ: والعَوْدُ هُنا بِمَعْنى الصَّيْرُورَةِ لِعِصْمَةِ الأنْبِياءِ عَنْ أنْ يَكُونُوا عَلى مِلَّةِ الكُفْرِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وبَعْدَها، وقِيلَ: إنَّ الخِطابَ لِلرُّسُلِ ولِمَن آمَنَ بِهِمْ فَغَلَبَ عَلى أتْباعِهِمْ ﴿فَأوْحى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾ أيْ إلى الرُّسُلِ ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ﴾ أيْ قالَ لَهم: لَنُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ.
﴿ولَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ﴾ أيْ أرْضَ هَؤُلاءِ الكُفّارِ الَّذِينَ تَوَعَّدُوكم بِما تَوَعَّدُوا مِنَ الإخْراجِ أوِ العَوْدِ، ومِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وأوْرَثْنا القَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها﴾ [الأعراف: ١٣٧]، وقالَ ﴿وأوْرَثَكم أرْضَهم ودِيارَهم﴾ [الأحزاب: ٢٧]، .
وقُرِئَ " لَيُهْلِكَنَّ " و" لَيُسْكِنَنَّكم " بِالتَّحْتِيَّةِ في الفِعْلَيْنِ اعْتِبارًا بِقَوْلِهِ فَأوْحى، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ إلى ما تَقَدَّمَ مِن إهْلاكِ الظّالِمِينَ وإسْكانِ المُؤْمِنِينَ في مَساكِنِهِمْ ﴿لِمَن خافَ مَقامِي﴾ أيْ مَوْقِفِي، وذَلِكَ يَوْمَ الحِسابِ، فَإنَّهُ مَوْقِفُ اللَّهِ سُبْحانَهُ، والمَقامُ بِفَتْحِ المِيمِ مَكانُ الإقامَةِ، وبِالضَّمِّ فِعْلُ الإقامَةِ، وقِيلَ:: إنَّ المَقامَ هُنا مَصْدَرٌ بِمَعْنى القِيامِ، أيْ: لِمَن خافَ قِيامِي عَلَيْهِ ومُراقَبَتِي لَهُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَمَن هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ [الرعد: ٣٣] وقالَ الأخْفَشُ: ﴿ذَلِكَ لِمَن خافَ مَقامِي﴾، أيْ: عَذابِي وخافَ وعِيدِ أيْ خافَ وعِيدِي بِالعَذابِ، وقِيلَ: بِالقُرْآنِ وزَواجِرِهِ، وقِيلَ: هو نَفْسُ العَذابِ، والوَعِيدُ الِاسْمُ مِنَ الوَعْدِ.
واسْتَفْتَحُوا مَعْطُوفٌ عَلى " أوْحى "، والمَعْنى: أنَّهُمُ اسْتَنْصَرُوا بِاللَّهِ عَلى أعْدائِهِمْ، أوْ سَألُوا اللَّهَ القَضاءَ بَيْنَهم، مِنَ الفُتاحَةِ وهي الحُكُومَةُ، ومِنَ المَعْنى الأوَّلِ قَوْلُهُ: ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩]، أيْ إنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جاءَكُمُ النَّصْرُ، ومِنَ المَعْنى الثّانِي قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنا افْتَحْ بَيْنَنا وبَيْنَ قَوْمِنا بِالحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] أيِ احْكم، والضَّمِيرُ في " اسْتَفْتَحُوا " لِلرُّسُلِ، وقِيلَ: لِلْكُفّارِ، وقِيلَ: لِلْفَرِيقَيْنِ ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ الَّذِي لا يَرى لِأحَدٍ عَلَيْهِ حَقًّا، هَكَذا حَكاهُ النَّحّاسُ عَنْ أهْلِ اللُّغَةِ، والعَنِيدُ المُعانِدُ لِلْحَقِّ والمُجانِبُ لَهُ، وهو مَأْخُوذٌ مِنَ العِنْدِ، وهو النّاحِيَةُ، أيْ: أخَذَ في ناحِيَةٍ مُعْرِضًا.
قالَ الشّاعِرُ:
؎إذا نَزَلْتُ فاجْعَلُونِي وسَطًا إنِّي كَبِيرٌ لا أُطِيقُ العِنْدا
قالَ الزَّجّاجُ: العَنِيدُ الَّذِي يَعْدِلُ عَنِ القَصْدِ، وبِمِثْلِهِ قالَ الهَرَوِيُّ، وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: هو الَّذِي عَنَدَ وبَغى، وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: هو الشّامِخُ بِأنْفِهِ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ العاصِي، وقِيلَ: الَّذِي أبى أنْ يَقُولَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، ومَعْنى الآيَةِ: أنَّهُ خَسِرَ وهَلَكَ مَن كانَ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
﴿مِن ورائِهِ جَهَنَّمُ﴾ أيْ مِن بَعْدِهِ جَهَنَّمُ، والمُرادُ: بَعْدَ هَلاكِهِ؛ عَلى أنَّ " وراءَ " هاهُنا بِمَعْنى " بَعْدُ "، ومِنهُ قَوْلُ النّابِغَةِ:
؎حَلَفْتُ فَلَمْ أتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً ∗∗∗ ولَيْسَ وراءَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَذْهَبُ
أيْ لَيْسَ بَعْدَ اللَّهِ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿ومِن ورائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ﴾ أيْ مِن بَعْدِهِ.
كَذا قالَ الفَرّاءُ، وقِيلَ: مِن ورائِهِ أيْ: مِن أمامِهِ.
قالَ أبُو عُبَيْدٍ: هو مِن أسْماءِ الأضْدادِ، لِأنَّ أحَدَهُما يَنْقَلِبُ إلى الآخَرِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎ومِن ورائِكَ يَوْمٌ أنْتَ بالِغُهُ ∗∗∗ لا حاضِرٌ مُعْجَزٌ عَنْهُ ولا بادِي
وقالَ آخَرُ:
؎أتَرْجُو بَنُو مَرْوانَ سَمْعِي وطاعَتِي ∗∗∗ وقَوْمِي تَمِيمٌ والفَلاةُ ورائِيا
أيْ أمامِي، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكانَ وراءَهم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩]، أيْ أمامَهم، وبِقَوْلِ أبِي عُبَيْدَةَ هَذا قالَ قُطْرُبٌ.
وقالَ الأخْفَشُ: هو كَما يُقالُ: هَذا الأمْرُ مِن ورائِكَ، أيْ: سَوْفَ يَأْتِيكَ، وأنا مِن وراءِ فُلانٍ أيْ في طَلَبِهِ.
وقالَ النَّحّاسُ: مِن ورائِهِ، أيْ: مِن أمامِهِ، ولَيْسَ مِنَ الأضْدادِ، ولَكِنَّهُ مِن تَوارى: أيِ اسْتَتَرَ فَصارَتْ جَهَنَّمُ مِن ورائِهِ، لِأنَّها لا تُرى، وحَكى مِثْلَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ ﴿ويُسْقى مِن ماءٍ صَدِيدٍ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى مُقَدَّرٍ جَوابًا عَنْ سُؤالِ سائِلٍ، كَأنَّهُ قِيلَ فَماذا يَكُونُ إذًا ؟ قِيلَ: يُلْقى فِيها ويُسْقى، والصَّدِيدُ ما يَسِيلُ مِن جُلُودِ أهْلِ النّارِ واشْتِقاقُهُ مِنَ الصَّدِّ، لِأنَّهُ يَصُدُّ النّاظِرِينَ عَنْ رُؤْيَتِهِ، وهو دَمٌ مُخْتَلِطٌ بِقَيْحٍ، والصَّدِيدُ صِفَةٌ لِماءٍ، وقِيلَ: عَطْفُ بَيانٍ مِنهُ.
و( يَتَجَرَّعُهُ ) في مَحَلِّ جَرٍّ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِماءٍ، أوْ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى أنَّهُ حالٌ، وقِيلَ: هو اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ، والتَّجَرُّعُ التَّحَسِّي، أيْ: يَتَحَسّاهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لا مَرَّةً واحِدَةً لِمَرارَتِهِ وحَرارَتِهِ ﴿ولا يَكادُ يُسِيغُهُ﴾ أيْ يَبْتَلِعُهُ، يُقالُ ساغَ الشَّرابُ في الحَلْقِ يَسُوغُ سَوْغًا: إذا كانَ سَهْلًا، والمَعْنى: ولا يُقارِبُ إساغَتَهُ، فَكَيْفَ تَكُونُ الإساغَةُ ؟ بَلْ يُغَصُّ بِهِ فَيَطُولُ عَذابُهُ بِالعَطَشِ تارَةً، ويَشْرَبُهُ عَلى هَذِهِ الحالِ أُخْرى، وقِيلَ: إنَّهُ يُسِيغُهُ بَعْدَ شِدَّةٍ وإبْطاءٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿وما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: ٧١]، أيْ يَفْعَلُونَ بَعْدَ إبْطاءٍ، كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى في آيَةٍ أُخْرى ﴿يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطُونِهِمْ﴾ [الحج: ٢٠] ﴿ويَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكانٍ﴾ أيْ تَأْتِيهِ أسْبابُ المَوْتِ مِن كُلِّ جِهَةٍ مِنَ الجِهاتِ، أوْ مِن كُلِّ مَوْضِعٍ مِن مَواضِعِ بَدَنِهِ.
وقالَ الأخْفَشُ: المُرادُ بِالمَوْتِ هُنا البَلايا الَّتِي تُصِيبُ الكافِرَ في النّارِ، سَمّاها (p-٧٤٣)مَوْتًا لِشِدَّتِها وما هو بِمَيِّتٍ أيْ والحالُ أنَّهُ لَمْ يَمُتْ حَقِيقَةً فَيَسْتَرِيحُ، وقِيلَ: تَعْلَقُ نَفْسُهُ في حَنْجَرَتِهِ فَلا تَخْرُجُ مِن فِيهِ فَيَمُوتُ، ولا تَرْجِعُ إلى مَكانِها مِن جَوْفِهِ فَيَحْيا، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَمُوتُ فِيها ولا يَحْيا﴾ [طه: ٤٧]، وقِيلَ: مَعْنى وما هو بِمَيِّتٍ لِتَطاوُلِ شَدائِدِ المَوْتِ بِهِ وامْتِدادِ سَكَراتِهِ عَلَيْهِ.
والأوْلى تَفْسِيرُ الآيَةِ بِعَدَمِ المَوْتِ حَقِيقَةً لِما ذَكَرْنا مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لا يَمُوتُ فِيها ولا يَحْيا﴾ [طه: ٤٧]، وقَوْلِهِ: ﴿لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ولا يُخَفَّفُ عَنْهم مِن عَذابِها﴾ [فاطر: ٣٦]، ﴿ومِن ورائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ﴾ أيْ مِن أمامِهِ، أوْ مِن بَعْدِهِ عَذابٌ شَدِيدٌ، وقِيلَ: هو الخُلُودُ، وقِيلَ: حَبْسُ النَّفْسِ.
﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أعْمالُهم كَرَمادٍ﴾ قالَ سِيبَوَيْهِ: " مَثَلُ " مُرْتَفِعٌ عَلى الِابْتِداءِ، والخَبَرُ مُقَدَّرٌ، أيْ: فِيما يُتْلى عَلَيْكم مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وبِهِ قالَ الزَّجّاجُ.
وقالَ الفَرّاءُ: التَّقْدِيرُ مَثَلُ أعْمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَحُذِفَ المُضافُ، ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ بِإلْغاءِ " مَثَلُ "، والتَّقْدِيرُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أعْمالُهم كَرَمادٍ، وقِيلَ: هو، أعْنِي " مَثَلُ " مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ " أعْمالُهم " كَرَمادٍ عَلى أنَّ مَعْناهُ الصِّفَةُ، فَكَأنَّهُ قالَ صِفَتُهُمُ العَجِيبَةُ أعْمالُهم كَرَمادٍ.
والمَعْنى: أنَّ أعْمالَهم باطِلَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، والرَّمادُ ما يَبْقى بَعْدَ احْتِراقِ الشَّيْءِ ضَرَبَ اللَّهُ سُبْحانَهُ هَذِهِ الآيَةَ مَثَلًا لِأعْمالِ الكُفّارِ في أنَّهُ يَمْحَقُها كَما تَمْحَقُ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ الرَّمادَ في يَوْمٍ عاصِفٍ.
ومَعْنى ﴿اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ﴾: حَمَلَتْهُ بِشِدَّةٍ وسُرْعَةٍ، والعَصْفُ شِدَّةُ الرِّيحِ، وُصِفَ بِهِ زَمانُها مُبالَغَةً كَما يُقالُ: يَوْمٌ حارٌّ ويَوْمٌ بارِدٌ، والبَرْدُ والحَرُّ فِيهِما لا مِنهُما ﴿لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ﴾ أيْ لا يَقْدِرُ الكُفّارُ مِمّا كَسَبُوا مِن تِلْكَ الأعْمالِ الباطِلَةِ عَلى شَيْءٍ مِنها، ولا يَرَوْنَ لَهُ أثَرًا في الآخِرَةِ يُجازَوْنَ بِهِ ويُثابُونَ عَلَيْهِ، بَلْ جَمِيعُ ما عَمِلُوهُ في الدُّنْيا باطِلٌ ذاهِبٌ كَذَهابِ الرِّيحِ بِالرَّمادِ عِنْدَ شِدَّةِ هُبُوبِها، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ إلى ما دَلَّ عَلَيْهِ التَّمْثِيلُ، أيْ: هَذا البُطْلانُ لِأعْمالِهِمْ وذَهابُ أثَرِها هو الضَّلالُ البَعِيدُ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ المُخالِفِ لِمَنهَجِ الصَّوابِ، لَمّا كانَ هَذا خُسْرانًا لا يُمْكِنُ تَدارُكُهُ سَمّاهُ بَعِيدًا.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿لَنُخْرِجَنَّكم مِن أرْضِنا﴾ الآيَةَ، قالَ: كانَتِ الرُّسُلُ والمُؤْمِنُونَ يَسْتَضْعِفُهم قَوْمُهم ويَقْهَرُونَهم ويُكَذِّبُونَهم ويَدْعُونَهم إلى أنْ يَعُودُوا في مِلَّتِهِمْ، فَأبى اللَّهُ لِرَسُولِهِ والمُؤْمِنِينَ أنْ يَعُودُوا في مِلَّةِ الكُفْرِ، وأمَرَهم أنْ يَتَوَكَّلُوا عَلى اللَّهِ، وأمَرَهم أنْ يَسْتَفْتِحُوا عَلى الجَبابِرَةِ، ووَعَدَهم أنْ يُسْكِنَهُمُ الأرْضَ مِن بَعْدِهِمْ، فَأنْجَزَ لَهم ما وعَدَهم، واسْتَفْتَحُوا كَما أمَرَهُمُ اللَّهُ أنْ يَسْتَفْتِحُوا.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ قالَ: وعَدَهُمُ النَّصْرَ في الدُّنْيا والجَنَّةَ في الآخِرَةِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ مَن يَسْكُنُها مِن عِبادِهِ فَقالَ ﴿ولِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ [الرحمن: ٤٦]، وإنَّ لِلَّهِ مَقامًا هو قائِمُهُ، وإنَّ أهْلَ الإيمانِ خافُوا ذَلِكَ المَقامَ فَنَصَبُوا ودَأبُوا اللَّيْلَ والنَّهارَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿واسْتَفْتَحُوا﴾ قالَ: لِلرُّسُلِ كُلِّها يَقُولُ اسْتَنْصَرُوا، وفي قَوْلِهِ: ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ قالَ: مُعانِدٌ لِلْحَقِّ مُجانِبٌ لَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ قالَ: اسْتَنْصَرَتِ الرُّسُلُ عَلى قَوْمِها ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ يَقُولُ: عَنِيدٌ عَنِ الحَقِّ مُعْرِضٌ عَنْهُ، أبى أنْ يَقُولَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ إبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ قالَ: العَنِيدُ النّاكِبُ عَنِ الحَقِّ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابْنُ أبِي الدُّنْيا وأبُو يَعْلى وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ عَنْ أبِي أُمامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ «فِي قَوْلِهِ: ﴿ويُسْقى مِن ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ﴾ قالَ: يُقَرَّبُ إلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فَإذا دَنا مِنهُ شَوى وجْهَهُ، ووَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإذا شَرِبَهُ قَطَّعَ أمْعاءَهُ حَتّى تَخْرُجَ مِن دُبُرِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ﴿وسُقُوا ماءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أمْعاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥]، وقالَ: ﴿وإنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ﴾» [الكهف: ٢٩] .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿مِن ماءٍ صَدِيدٍ﴾ قالَ: يَسِيلُ مِن جِلْدِ الكافِرِ ولَحْمِهِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: ﴿مِن ماءٍ صَدِيدٍ﴾ هو القَيْحُ والدَّمُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ويَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكانٍ﴾ قالَ: أنْواعُ العَذابِ، ولَيْسَ مِنها نَوْعٌ إلّا المَوْتُ يَأْتِيهِ مِنهُ لَوْ كانَ يَمُوتُ، ولَكِنَّهُ لا يَمُوتُ لِأنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾ [فاطر: ٣٦] .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرانَ ﴿ويَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكانٍ﴾ قالَ: مِن كُلِّ عَظْمٍ وعِرْقٍ وعَصَبٍ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ إبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ قالَ: مِن مَوْضِعِ كُلِّ شَعْرَةٍ في جَسَدِهِ ﴿ومِن ورائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ﴾ قالَ: الخُلُودُ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الفُضَيْلِ بْنِ عِياضٍ ﴿ومِن ورائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ﴾ قالَ: حَبْسُ الأنْفاسِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ الآيَةَ قالَ: مَثَلُ الَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرَهُ فَأعْمالُهم يَوْمَ القِيامَةِ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِن أعْمالِهِمْ يَنْفَعُهم كَما لا يُقْدَرُ عَلى الرَّمادِ إذا أُرْسِلَ في يَوْمٍ عاصِفٍ.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَاۤ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَیۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَ ٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِی وَخَافَ وَعِیدِ","وَٱسۡتَفۡتَحُوا۟ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدࣲ","مِّن وَرَاۤىِٕهِۦ جَهَنَّمُ وَیُسۡقَىٰ مِن مَّاۤءࣲ صَدِیدࣲ","یَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا یَكَادُ یُسِیغُهُۥ وَیَأۡتِیهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانࣲ وَمَا هُوَ بِمَیِّتࣲۖ وَمِن وَرَاۤىِٕهِۦ عَذَابٌ غَلِیظࣱ","مَّثَلُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَـٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّیحُ فِی یَوۡمٍ عَاصِفࣲۖ لَّا یَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا۟ عَلَىٰ شَیۡءࣲۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَـٰلُ ٱلۡبَعِیدُ"],"ayah":"وَٱسۡتَفۡتَحُوا۟ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق