الباحث القرآني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
.
قَوْلُهُ: الر إنْ كانَ مَسْرُودًا عَلى سَبِيلِ التَّعْدِيدِ كَما في سائِرِ فَواتِحِ السُّوَرِ فَلا مَحَلَّ لَهُ، وإنْ كانَ اسْمًا لِلسُّورَةِ فَهو في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ما بَعْدَهُ أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وكِتابٌ يَكُونُ عَلى هَذا الوَجْهِ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أيْ هَذا كِتابٌ وكَذا عَلى تَقْدِيرِ أنَّ الر لا مَحَلَّ لَهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الر في مَحَلِّ نَصْبٍ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ يُناسِبُ المَقامَ نَحْوَ: اذْكُرْ، أوِ اقْرَأْ، فَيَكُونَ " كِتابٌ " عَلى هَذا الوَجْهِ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والإشارَةُ في المُبْتَدَأِ المُقَدَّرِ إمّا إلى بَعْضِ القُرْآنِ أوْ إلى مَجْمُوعِ القُرْآنِ، ومَعْنى ﴿أُحْكِمَتْ آياتُهُ﴾ صارَتْ مُحْكَمَةً مُتْقَنَةً لا نَقْصَ فِيها ولا نَقْضَ لَها كالبِناءِ المُحْكَمِ، وقِيلَ مَعْناهُ: إنَّها لَمْ تُنْسَخْ بِخِلافِ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، وعَلى هَذا فَيَكُونُ هَذا الوَصْفُ لِلْكِتابِ بِاعْتِبارِ الغالِبِ، وهو المُحْكَمُ الَّذِي لَمْ يُنْسَخْ، وقِيلَ مَعْناهُ: أُحْكِمَتْ آياتُهُ بِالأمْرِ والنَّهْيِ، ثُمَّ فُصِّلَتْ بِالوَعْدِ والوَعِيدِ والثَّوابِ والعِقابِ، وقِيلَ: أحْكَمَها اللَّهُ مِنَ الباطِلِ ثُمَّ فَصَّلَها بِالحَلالِ والحَرامِ، وقِيلَ: أُحْكِمَتْ جُمْلَتُهُ، ثُمَّ فَصِّلَتْ آياتُهُ، وقِيلَ: جُمِعَتْ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ ثُمَّ فُصِّلَتْ بِالوَحْيِ، وقِيلَ: أُيِّدَتْ بِالحُجَجِ القاطِعَةِ الدّالَّةِ عَلى كَوْنِها مِن عِنْدِ اللَّهِ، وقِيلَ: مَعْنى إحْكامِها أنْ لا فَسادَ فِيها، أخْذًا مِن قَوْلِهِمْ أحْكَمْتُ الدّابَّةَ: إذا وضَعْتَ عَلَيْها الحَكَمَةَ لِتَمْنَعَها مِنَ الجِماحِ، و﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى أُحْكِمَتْ، ومَعْناهُ ما تَقَدَّمَ، والتَّراخِي المُسْتَفادُ مِن ثُمَّ إمّا زَمانِيٌّ إنْ فُسِّرَ التَّفْصِيلُ بِالتَّنْجِيمِ عَلى حَسَبِ المَصالِحِ، وإمّا رُتْبِيٌّ إنْ فُسِّرَ بِغَيْرِهِ مِمّا تَقَدَّمَ، والجُمَلُ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّها صِفَةٌ لِكِتابٍ أوْ خَبَرٌ آخَرُ لِلْمُبْتَدَأِ أوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وفي قَوْلِهِ: ﴿مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ لَفٌّ ونَشْرٌ، لِأنَّ المَعْنى: أحْكَمَها حَكِيمٌ وفَصَّلَها خَبِيرٌ عالِمٌ بِمَواقِعِ الأُمُورِ.
قَوْلُهُ: ﴿أنْ لا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ﴾ مَفْعُولٌ لَهُ حُذِفَ مِنهُ اللّامُ: كَذا في الكَشّافِ، وفِيهِ أنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ لِفاعِلِ الفِعْلِ المُعَلَّلِ، وقِيلَ: أنْ هي المُفَسِّرَةُ لِما في التَّفْصِيلِ مِن مَعْنى القَوْلِ، وقِيلَ: هو كَلامٌ مُبْتَدَأٌ مُنْقَطِعٌ عَمّا قَبْلَهُ مَحْكِيًّا عَلى لِسانِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ.
قالَ الكِسائِيُّ والفَرّاءُ: التَّقْدِيرُ أُحْكِمَتْ بِأنْ لا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ.
وقالَ الزَّجّاجُ: أُحْكِمَتْ ثُمَّ فُصِّلَتْ لِئَلّا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ، ثُمَّ أخْبَرَهم رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ بِأنَّهُ نَذِيرٌ وبَشِيرٌ فَقالَ: ﴿إنَّنِي لَكم مِنهُ نَذِيرٌ وبَشِيرٌ﴾ أيْ يُنْذِرُهم ويُخَوِّفُهم مِن عَذابِهِ لِمَن عَصاهُ ويُبَشِّرُهم بِالجَنَّةِ والرِّضْوانِ لِمَن أطاعَهُ، والضَّمِيرُ في مِنهُ راجِعٌ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ: أيْ إنَّنِي لَكم نَذِيرٌ وبَشِيرٌ مِن جِهَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، وقِيلَ: هو مِن كَلامِ اللَّهِ سُبْحانَهُ كَقَوْلِهِ: ﴿ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ .
قَوْلُهُ: ﴿وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم﴾ مَعْطُوفٌ عَلى أنْ لا تَعْبُدُوا، والكَلامُ في أنْ هَذِهِ كالكَلامِ في الَّتِي قَبْلَها.
وقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى اسْتَغْفِرُوا، وقَدَّمَ الإرْشادَ إلى الِاسْتِغْفارِ عَلى التَّوْبَةِ لِكَوْنِهِ وسِيلَةً إلَيْها، وقِيلَ: إنَّ التَّوْبَةَ مِن مُتَمِّماتِ الِاسْتِغْفارِ، وقِيلَ: مَعْنى اسْتَغْفِرُوا تُوبُوا، ومَعْنى تُوبُوا: أخْلِصُوا التَّوْبَةَ واسْتَقِيمُوا عَلَيْها، وقِيلَ: اسْتَغْفِرُوا مِن سالِفِ الذُّنُوبِ ثُمَّ تُوبُوا مِن لاحِقِها، وقِيلَ: اسْتَغْفِرُوا مِنَ الشِّرْكِ ثُمَّ ارْجِعُوا إلَيْهِ بِالطّاعَةِ.
قالَ الفَرّاءُ: ثُمَّ هاهُنا بِمَعْنى الواوِ: أيْ وتُوبُوا إلَيْهِ لِأنَّ الِاسْتِغْفارَ هو التَّوْبَةُ والتَّوْبَةُ هي الِاسْتِغْفارُ، وقِيلَ: إنَّما قُدِّمُ ذِكْرُ الِاسْتِغْفارِ لِأنَّ المَغْفِرَةَ هي الغَرَضُ المَطْلُوبُ، والتَّوْبَةُ هي السَّبَبُ إلَيْها، وما كانَ آخِرًا في الحُصُولِ كانَ أوَّلًا في الطَّلَبِ، وقِيلَ: اسْتَغْفِرُوا في الصَّغائِرِ وتُوبُوا إلَيْهِ في الكَبائِرِ، ثُمَّ رَتَّبَ عَلى ما تَقَدَّمَ أمْرَيْنِ، الأوَّلُ: ﴿يُمَتِّعْكم مَتاعًا حَسَنًا﴾ أصْلُ الإمْتاعِ الإطالَةُ ومِنهُ أمْتَعَ اللَّهُ بِكَ، فَمَعْنى الآيَةِ: يُطَوِّلْ نَفْعَكم في الدُّنْيا بِمَنافِعَ حَسَنَةٍ مَرْضِيَّةٍ مِن سَعَةِ الرِّزْقِ ورَغَدِ العَيْشِ ﴿إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ (p-٦٤٧)إلى وقْتٍ مُقَدَّرٍ عِنْدَ اللَّهِ وهو المَوْتُ، وقِيلَ القِيامَةُ، وقِيلَ دُخُولُ الجَنَّةِ، والأوَّلُ أوْلى.
والأمْرُ الثّانِي قَوْلُهُ: ﴿ويُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ أيْ يُعْطِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ في الطّاعَةِ والعَمَلِ فَضْلَهُ: أيْ جَزاءَ فَضْلِهِ إمّا في الدُّنْيا أوْ في الآخِرَةِ أوْ فِيهِما جَمِيعًا، والضَّمِيرُ في فَضْلِهِ راجِعٌ إلى كُلِّ ذِي فَضْلٍ، وقِيلَ: راجِعٌ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ عَلى مَعْنى أنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ مَن فُضِّلَتْ حَسَناتُهُ فَضْلَهُ الَّذِي يَتَفَضَّلُ بِهِ عَلى عِبادِهِ.
ثُمَّ تَوَعَّدَهم عَلى مُخالَفَةِ الأمْرِ فَقالَ: وإنْ تَوَلَّوْا أيْ تَتَوَلَّوْا وتُعْرِضُوا عَنِ الإخْلاصِ في العِبادَةِ والِاسْتِغْفارِ والتَّوْبَةِ ﴿فَإنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ وهو يَوْمُ القِيامَةِ، ووَصَفَهُ بِالكِبَرِ لِما فِيهِ مِنَ الأهْوالِ، وقِيلَ: اليَوْمُ الكَبِيرُ يَوْمُ بَدْرٍ.
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحانَهُ عَذابَ اليَوْمِ الكَبِيرِ بِقَوْلِهِ: ﴿إلى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ أيْ رُجُوعُكم إلَيْهِ بِالمَوْتِ، ثُمَّ البَعْثِ، ثُمَّ الجَزاءِ، لا إلى غَيْرِهِ ﴿وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ومِن جُمْلَةِ ذَلِكَ عَذابُكم عَلى عَدَمِ الِامْتِثالِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِما قَبْلَها.
ثُمَّ أخْبَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِأنَّ هَذا الإنْذارَ والتَّحْذِيرَ والتَّوَعُّدَ لَمْ يَنْجَعْ فِيهِمْ، ولا لانَتْ لَهُ قُلُوبُهم، بَلْ هم مُصِرُّونَ عَلى العِنادِ مُصَمِّمُونَ عَلى الكُفْرِ، فَقالَ مُصَدِّرًا لِهَذا الإخْبارِ بِكَلِمَةِ التَّنْبِيهِ الدّالَّةِ عَلى التَّعَجُّبِ مِن حالِهِمْ، وأنَّهُ أمْرٌ يَنْبَغِي أنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ العُقَلاءُ ويَفْهَمُوهُ ﴿ألا إنَّهم يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ يُقالُ: ثَنى صَدْرَهُ عَنِ الشَّيْءِ: إذا ازْوَرَّ عَنْهُ وانْحَرَفَ مِنهُ، فَيَكُونُ في الكَلامِ كِنايَةٌ عَنِ الإعْراضِ، لِأنَّ مَن أعْرَضَ عَنِ الشَّيْءِ ثَنى عَنْهُ صَدْرَهُ وطَوى عَنْهُ كَشْحَهُ، وقِيلَ مَعْناهُ: يَعْطِفُونَ صُدُورَهم عَلى ما فِيها مِنَ الكُفْرِ والإعْراضِ عَنِ الحَقِّ، فَيَكُونُ في الكَلامِ كِنايَةٌ عَنِ الإخْفاءِ لِما يَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الكُفْرِ كَما كانَ دَأْبُ المُنافِقِينَ.
والوَجْهُ الثّانِي أوْلى، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: ﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنهُ﴾ أيْ لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ فَلا يُطْلِعُ عَلَيْهِ رَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ، أوْ لِيَسْتَخْفُوا مِن رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ كَرَّرَ كَلِمَةَ التَّنْبِيهِ مُبَيِّنًا لِلْوَقْتِ الَّذِي يَثْنُونَ فِيهِ صُدُورَهم فَقالَ: ﴿ألا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ﴾ أيْ يَسْتَخْفُونَ في وقْتِ اسْتِغْشاءِ الثِّيابِ، وهو التَّغَطِّي بِها، وقَدْ كانُوا يَقُولُونَ إذا أغْلَقْنا أبْوابَنا واسْتَغْشَيْنا ثِيابَنا وثَنَيْنا صُدُورَنا عَلى عَداوَةِ مُحَمَّدٍ فَمَن يَعْلَمُ بِنا ؟ وقِيلَ: مَعْنى حِينَ يَسْتَغْشُونَ: حِينَ يَأْوُونَ إلى فِراشِهِمْ ويَتَدَثَّرُونَ بِثِيابِهِمْ، وقِيلَ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ وذَلِكَ أنَّ بَعْضَ الكُفّارِ كانَ إذا مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ثَنى صَدْرَهُ ووَلّى ظَهْرَهُ واسْتَغْشى ثِيابَهُ لِئَلّا يَسْمَعَ كَلامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، وجُمْلَةُ ﴿يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ أنَّهُ لا فائِدَةَ لَهم في الِاسْتِخْفاءِ، لِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَهُ في أنْفُسِهِمْ أوْ في ذاتِ بَيْنِهِمْ وما يُظْهِرُونَهُ، فالظّاهِرُ والباطِنُ عِنْدَهُ سَواءٌ، والسِّرُّ والجَهْرُ سِيّانِ، وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَها وتَقْرِيرٌ لَهُ، وذاتُ الصُّدُورِ هي الضَّمائِرُ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَيْها الصُّدُورُ، وقِيلَ هي القُلُوبُ، والمَعْنى: إنَّهُ عَلِيمٌ بِجَمِيعِ الضَّمائِرِ، أوْ عَلِيمٌ بِالقُلُوبِ وأحْوالِها في الإسْرارِ والإظْهارِ، فَلا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ.
ثُمَّ أكَّدَ كَوْنَهُ عالِمًا بِكُلِّ المَعْلُوماتِ بِما فِيهِ غايَةُ الِامْتِنانِ ونِهايَةُ الإحْسانِ فَقالَ: ﴿وما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ إلّا عَلى اللَّهِ رِزْقُها﴾ أيْ الرِّزْقُ الَّذِي تَحْتاجُ إلَيْهِ مِنَ الغِذاءِ اللّائِقِ بِالحَيَوانِ عَلى اخْتِلافِ أنْواعِهِ تَفَضُّلًا مِنهُ وإحْسانًا، وإنَّما جِيءَ بِهِ عَلى طَرِيقِ الوُجُوبِ كَما تُشْعِرُ بِهِ كَلِمَةُ عَلى اعْتِبارًا بِسَبْقِ الوَعْدِ بِهِ مِنهُ، ومِن زائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، ووَجْهُ اتِّصالِ هَذا الكَلامِ بِما قَبْلَهُ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ لَمّا كانَ لا يَغْفُلُ عَنْ كُلِّ حَيَوانٍ بِاعْتِبارِ ما قَسَمَهُ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ، فَكَيْفَ يَغْفُلُ عَنْ أحْوالِهِ وأقْوالِهِ وأفْعالِهِ، والدّابَّةُ كُلُّ حَيَوانٍ يَدِبُّ ﴿ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها﴾ أيْ مَحَلَّ اسْتِقْرارِها في الأرْضِ أوْ مَحَلَّ قَرارِها في الأصْلابِ ﴿ومُسْتَوْدَعَها﴾ مَوْضِعَها في الأرْحامِ، وما يَجْرِي مَجْراها كالبَيْضَةِ ونَحْوِها.
وقالَ الفَرّاءُ: مُسْتَقَرُّها حَيْثُ تَأْوِي إلَيْهِ لَيْلًا ونَهارًا، ومُسْتَوْدَعُها مَوْضِعُها الَّذِي تَمُوتُ فِيهِ، وقَدْ مَرَّ تَمامُ الأقْوالِ في سُورَةِ الأنْعامِ، ووَجْهُ تَقَدُّمِ المُسْتَقَرِّ عَلى المُسْتَوْدَعِ عَلى قَوْلِ الفَرّاءِ ظاهِرٌ.
وأمّا عَلى القَوْلِ الأوَّلِ فَلَعَلَّهُ وجَّهَ ذَلِكَ أنَّ المُسْتَقَرَّ أنْسَبُ بِاعْتِبارِ ما هي عَلَيْهِ حالَ كَوْنِها دابَّةً.
والمَعْنى: وما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ إلّا يَرْزُقُها اللَّهُ حَيْثُ كانَتْ مِن أماكِنِها بَعْدَ كَوْنِها دابَّةً وقَبْلَ كَوْنِها دابَّةً، وذَلِكَ حَيْثُ تَكُونُ في الرَّحِمِ ونَحْوِهُ، ثُمَّ خَتَمَ الآيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿كُلٌّ في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ أيْ كُلٌّ مِمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الدَّوابِّ ومُسْتَقَرِّها ومُسْتَوْدَعِها ورِزْقِها ﴿فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾، وهو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ: أيْ مُثْبَتٌ فِيهِ.
ثُمَّ أكَّدَ دَلائِلَ قُدْرَتِهِ بِالتَّعَرُّضِ لِذِكْرِ خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ، وكَيْفَ كانَ الحالُ قَبْلَ خَلْقِها فَقالَ: ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ هَذا في الأعْرافِ، قِيلَ: والمُرادُ بِالأيّامِ الأوْقاتُ: أيْ في سِتَّةِ أوْقاتٍ كَما في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] وقِيلَ: مِقْدارُ سِتَّةِ أيّامٍ، ولا يَسْتَقِيمُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالأيّامِ هُنا الأيّامَ المَعْرُوفَةَ، وهي المُقابِلَةُ لِلَّيالِي، لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ لا أرْضٌ ولا سَماءٌ ولَيْسَ اليَوْمُ إلّا عِبارَةً عَنْ مُدَّةِ كَوْنِ الشَّمْسِ فَوْقَ الأرْضِ، وكانَ خَلْقُ السَّماواتِ في يَوْمَيْنِ والأرَضِينَ في يَوْمَيْنِ وما عَلَيْهِما مِن أنْواعِ الحَيَوانِ والنَّباتِ والجَمادِ في يَوْمَيْنِ كَما سَيَأْتِي في حم السَّجْدَةِ.
قَوْلُهُ: ﴿وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ﴾ أيْ كانَ قَبْلَ خَلْقِهِما عَرْشُهُ عَلى الماءِ، وفِيهِ بَيانُ تَقَدُّمِ خَلْقِ العَرْشِ والماءِ عَلى السَّماواتِ والأرَضِينَ.
قَوْلُهُ: ﴿لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَمَلًا﴾ اللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِخَلَقَ: أيْ خَلَقَ هَذِهِ المَخْلُوقاتِ لِيَبْتَلِيَ عِبادَهُ بِالِاعْتِبارِ والتَّفَكُّرِ والِاسْتِدْلالِ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ وعَلى البَعْثِ والجَزاءِ أيُّهم أحْسَنُ عَمَلًا مِن غَيْرِهِ، ويَدْخُلُ في العَمَلِ الِاعْتِقادُ، لِأنَّهُ مِن أعْمالِ القَلْبِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالأحْسَنِ عَمَلًا الأتَمُّ عَقْلًا، وقِيلَ: الأزْهَدُ في الدُّنْيا، وقِيلَ: الأكْثَرُ شُكْرًا، وقِيلَ: الأتْقى لِلَّهِ.
قَوْلُهُ: ﴿ولَئِنْ قُلْتَ إنَّكم مَبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ المَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ثُمَّ لَمّا كانَ الِابْتِلاءُ يَتَضَمَّنُ حَدِيثَ البَعْثِ أتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِهِ، والمَعْنى: لَئِنْ قُلْتَ لَهم يا مُحَمَّدُ عَلى (p-٦٤٨)ما تُوجِبُهُ قَضِيَّةُ الِابْتِلاءِ إنَّكم مَبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ المَوْتِ فَيُجازى المُحْسِنُ بِإحْسانِهِ والمُسِيءُ بِإساءَتِهِ، ﴿لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مِنَ النّاسِ إنْ هَذا الَّذِي تَقُولُهُ يا مُحَمَّدُ إلّا باطِلٌ كَبُطْلانِ السِّحْرَ وخُدَعٌ كَخُدَعِهِ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ بِهَذا إلى القُرْآنِ، لِأنَّهُ المُشْتَمِلُ عَلى الإخْبارِ بِالبَعْثِ.
وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: إنْ هَذا إلّا ساحِرٌ، يَعْنُونَ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وكُسِرَتْ إنَّ مِن قَوْلِهِ: إنَّكم لِأنَّها بَعْدَ القَوْلِ.
وحَكى سِيبَوَيْهِ الفَتْحَ عَلى تَضْمِينِ قُلْتَ مَعْنى ذَكَرْتَ، أوْ عَلى أنَّ بِمَعْنى عَلَّ: أيْ ولَئِنْ قُلْتَ لَعَلَّكم مَبْعُوثُونَ، عَلى أنَّ الرَّجاءَ بِاعْتِبارِ حالِ المُخاطَبِينَ: أيْ تَوَقَّعُوا ذَلِكَ ولا تَبُتُّوا القَوْلَ بِإنْكارِهِ.
﴿ولَئِنْ أخَّرْنا عَنْهُمُ العَذابَ﴾ أيْ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في قَوْلِهِ: ﴿عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ وقِيلَ عَذابُ يَوْمِ القِيامَةِ وما بَعْدَهُ، وقِيلَ يَوْمُ بَدْرٍ ﴿إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ أيْ إلى طائِفَةٍ مِنَ الأيّامِ قَلِيلَةٍ، لِأنَّ ما يَحْصُرُهُ العَدُّ قَلِيلٌ، والأُمَّةُ اشْتِقاقُها مِنَ الأمِّ: وهو القَصْدُ، وأرادَ بِها الوَقْتَ المَقْصُودَ لِإيقاعِ العَذابِ، وقِيلَ: هي في الأصْلِ الجَماعَةُ مِنَ النّاسِ، وقَدْ يُسَمّى الحِينُ بِاسْمِ ما يَحْصُلُ فِيهِ كَقَوْلِكَ كُنْتُ عِنْدَ فُلانٍ صَلاةَ العَصْرِ: أيْ في ذَلِكَ الحِينِ، فالمُرادُ عَلى هَذا إلى حِينِ تَنْقَضِي أُمَّةٌ مَعْدُودَةٌ مِنَ النّاسِ ﴿لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ﴾ أيْ أيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُهُ مِنَ النُّزُولِ اسْتِعْجالًا لَهُ عَلى جِهَةِ الِاسْتِهْزاءِ والتَّكْذِيبِ، فَأجابَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ألا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ﴾ أيْ لَيْسَ مَحْبُوسًا عَنْهم، بَلْ واقِعٌ بِهِمْ لا مَحالَةَ، ويَوْمَ مَنصُوبٌ بِـ " مَصْرُوفًا " ﴿وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أيْ أحاطَ بِهِمُ العَذابُ الَّذِي كانُوا يَسْتَعْجِلُونَهُ اسْتِهْزاءً مِنهم، ووُضِعَ يَسْتَهْزِءُونَ مَكانَ يَسْتَعْجِلُونَ، لِأنَّ اسْتِعْجالَهم كانَ اسْتِهْزاءً مِنهم، وعَبَّرَ بِلَفْظِ الماضِي تَنْبِيهًا عَلى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ فَكَأنَّهُ قَدْ حاقَ بِهِمْ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أنَّهُ قَرَأ: ﴿الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ﴾ قالَ: هي كُلُّها مَحْكَمَةٌ يَعْنِي سُورَةَ هُودٍ ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ قالَ: ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَحَكَمَ فِيها بَيْنَهُ وبَيْنَ مَن خالَفَهُ وقَرَأ مِثْلَ الفَرِيقَيْنِ الآيَةَ كُلَّها، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْمَ نُوحٍ ثُمَّ هُودٍ، فَكانَ هَذا تَفْصِيلُ ذَلِكَ، وكانَ أوَّلُهُ مُحْكَمًا قالَ: وكانَ أبِي يَقُولُ ذَلِكَ، يَعْنِي زَيْدَ بْنَ أسْلَمَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ﴾ قالَ: أُحْكِمَتْ بِالأمْرِ والنَّهْيِ، وفُصِّلَتْ بِالوَعْدِ والوَعِيدِ.
وأخْرَجَ هَؤُلاءِ عَنْ مُجاهِدٍ فُصِّلَتْ قالَ: فُسِّرَتْ.
وأخْرَجَ هَؤُلاءِ أيْضًا عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ قالَ: أحْكَمَها اللَّهُ مِنَ الباطِلِ ثُمَّ فَصَّلَها بِعِلْمِهِ، فَبَيَّنَ حَلالَهُ وحَرامَهُ وطاعَتَهُ ومَعْصِيَتَهُ، وفي قَوْلِهِ: ﴿مِن لَدُنْ حَكِيمٍ﴾ يَعْنِي مِن عِنْدِ حَكِيمٍ، وفي قَوْلِهِ: ﴿يُمَتِّعْكم مَتاعًا حَسَنًا﴾ قالَ: فَأنْتُمْ في ذَلِكَ المَتاعِ فَخُذُوهُ بِطاعَةِ اللَّهِ ومَعْرِفَةِ حَقِّهِ، فَإنَّ اللَّهَ مُنْعِمٌ يُحِبُّ الشّاكِرِينَ وأهْلُ الشُّكْرِ في مَزِيدٍ مِنَ اللَّهِ، وذَلِكَ قَضاؤُهُ الَّذِي قَضاهُ، وفي قَوْلِهِ: ﴿إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ يَعْنِي المَوْتَ، وفي قَوْلِهِ: ﴿ويُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾: أيْ في الآخِرَةِ.
وأخْرَجَ هَؤُلاءِ أيْضًا عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ ﴿ويُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾: أيْ في الآخِرَةِ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنِ الحَسَنِ قالَ: يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ في الإسْلامِ فَضْلَ الدَّرَجاتِ في الآخِرَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿ويُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ قالَ: مَن عَمِلَ سَيِّئَةً كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ، ومَن عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، فَإنْ عُوقِبَ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي عَمِلَها في الدُّنْيا بَقِيَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، وإنْ لَمْ يُعاقَبْ بِها في الدُّنْيا أُخِذَ مِنَ الحَسَناتِ العَشْرِ واحِدَةٌ وبَقِيَتْ لَهُ تِسْعُ حَسَناتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: هَلَكَ مَن غَلَبَ آحادُهُ أعْشارَهُ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ألا إنَّهم يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ الآيَةَ قالَ: كانُوا يَسْتَحْيُونَ أنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إلى السَّماءِ، وأنْ يُجامِعُوا نِساءَهم فَيُفْضُوا إلى السَّماءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ.
قالَ البُخارِيُّ: وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿يَسْتَغْشُونَ﴾ يُغَطُّونَ رُءُوسَهم.
ورَوى البُخارِيُّ أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ، يَعْنِي بِهِ الشَّكَّ في اللَّهِ وعَمَلَ السَّيِّئاتِ، وكَذا رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ والحَسَنِ وغَيْرِهِما: أيْ أنَّهم كانُوا يَثْنُونَ صُدُورَهم إذا قالُوا شَيْئًا أوْ عَمِلُوهُ، فَيَظُنُّونَ أنَّهم يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ، فَأعْلَمَهم سُبْحانَهُ أنَّهُ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهم عِنْدَ مَنامِهِمْ في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ﴿يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ﴾ مِنَ القَوْلِ ﴿وما يُعْلِنُونَ﴾ .
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدّادِ بْنِ الهادِ في قَوْلِهِ: ﴿ألا إنَّهم يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ قالَ: كانَ المُنافِقُونَ إذا مَرَّ أحَدُهم بِالنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ثَنى صَدْرَهُ وتَغَشّى ثَوْبَهُ لِكَيْلا يَراهُ، فَنَزَلَتْ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿ألا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهم﴾ قالَ: في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ في أجْوافِ بُيُوتِهِمْ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ أبِي رَزِينٍ في الآيَةِ قالَ: كانَ أحَدُهم يَحْنِي ظَهْرَهُ ويَسْتَغْشِي بِثَوْبِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ قالَ: كانُوا يُخْفُونَ صُدُورَهم لِكَيْلا يَسْمَعُوا كِتابَ اللَّهِ.
قالَ تَعالى: ﴿ألا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهم يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ﴾ وذَلِكَ أخْفى ما يَكُونُ ابْنُ آدَمَ إذا أحَنى ظَهْرَهُ واسْتَغْشى بِثَوْبِهِ وأضْمَرَ هَمَّهُ في نَفْسِهِ، فَإنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ في الآيَةِ: يَكْتُمُونَ ما في قُلُوبِهِمْ ألا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهم يَعْلَمُ ما عَمِلُوا بِاللَّيْلِ والنَّهارِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وما مِن دابَّةٍ﴾ الآيَةَ قالَ: يَعْنِي كُلَّ دابَّةٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وما مِن دابَّةٍ﴾ الآيَةَ قالَ: يَعْنِي ما جاءَها مِن رِزْقٍ فَمِنَ اللَّهِ، ورُبَّما لَمْ يَرْزُقْها حَتّى تَمُوتَ جُوعًا، ولَكِنْ ما كانَ لَها مِن رِزْقٍ لَها فَمِنَ اللَّهِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها﴾ قالَ: حَيْثُ تَأْوِي، ﴿ومُسْتَوْدَعَها﴾ قالَ: حَيْثُ تَمُوتُ.
وأخْرَجَ ابْنِ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ ﴿ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها﴾ قالَ: يَأْتِيها رِزْقُها حَيْثُ كانَتْ.
وأخْرَجَ (p-٦٤٩)ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنِ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: ﴿مُسْتَقَرَّها﴾ في الأرْحامِ ﴿ومُسْتَوْدَعَها﴾ حَيْثُ تَمُوتُ.
ويُؤَيِّدُ هَذا التَّفْسِيرَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ما أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ الحَكِيمُ في نَوادِرِ الأُصُولِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «إذا كانَ أجَلُ أحَدِكم بِأرْضٍ أُتِيحَتْ لَهُ إلَيْها حاجَةٌ، حَتّى إذا بَلَغَ أقْصى أثَرِهِ مِنها فَيُقْبَضُ، فَتَقُولُ الأرْضُ يَوْمَ القِيامَةِ: هَذا ما اسْتَوْدَعْتَنِي» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ في المُصَنَّفِ والفِرْيابِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ﴾ عَلى أيِّ شَيْءٍ كانَ الماءُ ؟ قالَ: عَلى مَتْنِ الرِّيحِ.
وقَدْ ورَدَتْ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ في صِفَةِ العَرْشِ وفي كَيْفِيَّةِ خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ لَيْسَ هَذا مَوْضِعُ ذِكْرِها.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ في التّارِيخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «تَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَمَلًا﴾ فَقِيلَ: ما مَعْنى ذَلِكَ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَقْلًا، ثُمَّ قالَ: وأحْسَنُكم عَقْلًا أوْرَعُكم عَنْ مَحارِمِ اللَّهِ وأعْمَلُكم بِطاعَةِ اللَّهِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: أيُّكم أتَمُّ عَقْلًا.
وأخْرَجَ أيْضًا عَنْ سُفْيانَ قالَ: أزْهَدُكم في الدُّنْيا.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ: ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ﴾ الأنْبِياءِ ١ .
قالَ ناسٌ: إنِ السّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ فَتَناهَوْا، فَتَناهى القَوْمُ قَلِيلًا ثُمَّ عادُوا إلى أعْمالِهِمْ أعْمالِ السُّوءِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ فَقالَ ناسٌ مِن أهْلِ الضَّلالِ: هَذا أمْرُ اللَّهِ قَدْ أتى، فَتَناهى القَوْمُ ثُمَّ عادُوا إلى مَكْرِهِمْ مَكْرِ السَّوْءِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ولَئِنْ أخَّرْنا عَنْهُمُ العَذابَ إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ قالَ: إلى أجَلٍ مَعْدُودٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ ﴿لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ﴾ يَعْنِي أهْلَ النِّفاقِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يَقُولُ: وقَعَ بِهِمُ العَذابُ الَّذِي اسْتَهْزَءُوا بِهِ.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["وَهُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَاۤءِ لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۗ وَلَىِٕن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَیَقُولَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ","وَلَىِٕنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰۤ أُمَّةࣲ مَّعۡدُودَةࣲ لَّیَقُولُنَّ مَا یَحۡبِسُهُۥۤۗ أَلَا یَوۡمَ یَأۡتِیهِمۡ لَیۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ","وَلَىِٕنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنَّا رَحۡمَةࣰ ثُمَّ نَزَعۡنَـٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَیَـُٔوسࣱ كَفُورࣱ","وَلَىِٕنۡ أَذَقۡنَـٰهُ نَعۡمَاۤءَ بَعۡدَ ضَرَّاۤءَ مَسَّتۡهُ لَیَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّیِّـَٔاتُ عَنِّیۤۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحࣱ فَخُورٌ","إِلَّا ٱلَّذِینَ صَبَرُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَأَجۡرࣱ كَبِیرࣱ","فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ وَضَاۤىِٕقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن یَقُولُوا۟ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَاۤءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَاۤ أَنتَ نَذِیرࣱۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ وَكِیلٌ"],"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَاۤءِ لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۗ وَلَىِٕن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَیَقُولَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق