الباحث القرآني

. هَذا عَوْدٌ إلى أحْوالِ الأُمَمِ الخالِيَةِ لِبَيانِ أنَّ سَبَبَ حُلُولِ عَذابِ الِاسْتِئْصالِ بِهِمْ أنَّهُ ما كانَ فِيهِمْ مَن يَنْهى عَنِ الفَسادِ ويَأْمُرُ بِالرَّشادِ. قالَ: ﴿فَلَوْلا﴾ أيْ فَهَلّا ﴿كانَ مِنَ القُرُونِ﴾ الكائِنَةِ ﴿مِن قَبْلِكم أُولُو بَقِيَّةٍ﴾ مِنَ الرَّأْيِ والعَقْلِ والدِّينِ ﴿يَنْهَوْنَ﴾ قَوْمَهم ﴿عَنِ الفَسادِ في الأرْضِ﴾ ويَمْنَعُونَهم مِن ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ مِمَّنْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ جَوْدَةِ العَقْلِ، وقُوَّةِ الدِّينِ، وفي هَذا مِنَ التَّوْبِيخِ لِلْكُفّارِ ما لا يَخْفى، والبَقِيَّةُ في الأصْلِ لِما يَسْتَبْقِيهِ الرَّجُلُ مِمّا يُخْرِجُهُ. وهُوَ لا يَسْتَبْقِي إلّا أجْوَدَهُ وأفْضَلَهُ، فَصارَ لَفْظُ البَقِيَّةِ مَثَلًا في الجَوْدَةِ، والِاسْتِثْناءُ في ﴿إلّا قَلِيلًا﴾ مُنْقَطِعٌ: أيْ لَكِنْ قَلِيلًا ﴿مِمَّنْ أنْجَيْنا مِنهم﴾ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ في الأرْضِ. وقِيلَ: هو مُتَّصِلٌ لِأنَّ في حَرْفِ التَّحْضِيضِ مَعْنى النَّفْيِ، فَكَأنَّهُ قالَ: ما كانَ في القُرُونِ أوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ في الأرْضِ إلّا قَلِيلًا مِمَّنْ أنْجَيْنا مِنهم، ومَن في مِمَّنْ أنْجَيْنا بَيانِيَّةٌ لِأنَّهُ لَمْ يُنَجَّ إلّا النّاهُونَ، قِيلَ: هَؤُلاءِ القَلِيلُ هم قَوْمُ يُونُسَ لِقَوْلِهِ فِيما مَرَّ: ﴿إلّا قَوْمَ يُونُسَ﴾ [ يُونُسَ: ٩٨ وقِيلَ: هم أتْباعُ الأنْبِياءِ وأهْلُ الحَقِّ مِنَ الأُمَمِ عَلى العُمُومِ ﴿واتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ الكَلامُ، تَقْدِيرُهُ: إلّا قَلِيلًا مِمَّنْ أنْجَيْنا مِنهم نَهَوْا عَنِ الفَسادِ، (p-٦٨٠)والمَعْنى: أنَّهُ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا بِسَبَبِ مُباشَرَتِهِمُ الفَسادَ وتَرْكِهِمْ لِلنَّهْيِ عَنْهُ - ما أُتْرِفُوا فِيهِ. والمُتْرَفُ: الَّذِي أبْطَرَتْهُ النِّعْمَةُ، يُقالُ: صَبِيٌّ مُتْرَفٌ: مُنَعَّمُ البَدَنِ، أيْ صارُوا تابِعِينَ لِلنِّعَمِ الَّتِي صارُوا بِها مُتْرَفِينَ مِن خِصْبِ العَيْشِ ورَفاهِيَةِ الحالِ وسِعَةِ الرِّزْقِ، وآثَرُوا ذَلِكَ عَلى الِاشْتِغالِ بِأعْمالِ الآخِرَةِ واسْتَغْرَقُوا أعْمارَهم في الشَّهَواتِ النَّفْسانِيَّةِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالَّذِينِ ظَلَمُوا تارِكُو النَّهْيِ. ورُدَّ بِأنَّهُ يَسْتَلْزِمُ خُرُوجَ مُباشِرِي الفَسادِ عَنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وهم أشَدُّ ظُلْمًا مِمَّنْ لَمْ يُباشِرْ، وكانَ ذَنْبُهُ تَرْكَ النَّهْيِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ عَنْهُ: وأُتْبِعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، ومَعْناهُ: أُتْبِعُوا جَزاءَ ما أُتْرِفُوا فِيهِ، وجُمْلَةُ ﴿وكانُوا مُجْرِمِينَ﴾ مُتَضَمِّنَةٌ لِبَيانِ سَبَبِ إهْلاكِهِمْ، وهي مَعْطُوفَةٌ عَلى ﴿أُتْرِفُوا﴾: أيْ وكانَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ أُتْبِعُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ مُجْرِمِينَ، والإجْرامُ: الأثامُ. والمَعْنى: إنَّهم أهْلُ إجْرامٍ بِسَبَبِ اتِّباعِهِمُ الشَّهَواتِ واشْتِغالِهِمْ بِها عَنِ الأُمُورِ الَّتِي يَحِقُّ الِاشْتِغالُ بِها، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ ﴿وكانُوا مُجْرِمِينَ﴾ مَعْطُوفَةً عَلى ﴿واتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾: أيِ اتَّبَعُوا شَهَواتِهِمْ وكانُوا بِذَلِكَ الِاتِّباعِ مُجْرِمِينَ. ﴿وما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ وأهْلُها مُصْلِحُونَ﴾ أيْ ما صَحَّ ولا اسْتَقامَ أنْ يُهْلِكَ اللَّهُ سُبْحانَهُ أهْلَ القُرى بِظُلْمٍ يَتَلَبَّسُونَ بِهِ وهو الشِّرْكُ، والحالُ أنَّ أهْلَها مُصْلِحُونَ فِيما بَيْنَهم في تَعاطِي الحُقُوقِ لا يَظْلِمُونَ النّاسَ شَيْئًا. والمَعْنى: أنَّهُ لا يُهْلِكُهم بِمُجَرَّدِ الشِّرْكِ وحْدَهُ حَتّى يَنْضَمَّ إلَيْهِ الفَسادُ في الأرْضِ، كَما أهْلَكَ قَوْمَ شُعَيْبٍ بِنَقْصِ المِكْيالِ والمِيزانِ وبَخْسِ النّاسِ أشْياءَهم، وأهْلَكَ قَوْمَ لُوطٍ بِسَبَبِ ارْتِكابِهِمْ لِلْفاحِشَةِ الشَّنْعاءِ، وقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿بِظُلْمٍ﴾ حالٌ مِنَ الفاعِلِ. والمَعْنى: وما كانَ اللَّهُ لِيُهْلِكَ القُرى ظالِمًا لَهم حالَ كَوْنِهِمْ مُصْلِحِينَ غَيْرَ مُفْسِدِينَ في الأرْضِ. ويَكُونُ المُرادُ بِالآيَةِ تَنْزِيهَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ صُدُورِ ذَلِكَ مِنهُ بِلا سَبَبٍ يُوجِبُهُ عَلى تَصْوِيرِ ذَلِكَ بِصُورَةِ ما يَسْتَحِيلُ مِنهُ، وإلّا فَكَلُّ أفْعالِهِ كائِنَةً ما كانَتْ لا ظُلْمَ فِيها، فَإنَّهُ سُبْحانَهُ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ. قالَ الزَّجّاجُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: وما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ أحَدًا وهو يَظْلِمُهُ، وإنْ كانَ عَلى نِهايَةِ الصَّلاحِ لِأنَّ تَصَرُّفَهُ في مُلْكِهِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئًا﴾ [يونس: ٤٤] وقِيلَ المَعْنى: وما كانَ لِيُهْلِكَهم بِذُنُوبِهِمْ وهم مُصْلِحُونَ: أيْ مُخْلِصُونَ في الإيمانِ، فالظُّلْمُ المَعاصِي عَلى هَذا. ﴿ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً﴾ أيْ أهْلَ دِينٍ واحِدٍ، إمّا أهْلَ ضَلالَةٍ، أوْ أهْلَ هُدًى، وقِيلَ مَعْناهُ: جَعَلَهم مُجْتَمِعِينَ عَلى الحَقِّ غَيْرَ مُخْتَلِفِينَ فِيهِ، أوْ مُجْتَمِعِينَ عَلى دِينِ الإسْلامِ دُونَ سائِرِ الأدْيانِ ولَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ، ولِهَذا قالَ: ﴿ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ في ذاتِ بَيْنِهِمْ عَلى أدْيانٍ شَتّى، أوْ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ في الحَقِّ أوْ دِينِ الإسْلامِ، وقِيلَ: مُخْتَلِفِينَ في الرِّزْقِ: فَهَذا غَنِيٌّ، وهَذا فَقِيرٌ. ﴿إلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ﴾ بِالهِدايَةِ إلى الدِّينِ الحَقِّ، فَإنَّهم لَمْ يَخْتَلِفُوا، أوْ إلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ مِنَ المُخْتَلِفِينَ في الحَقِّ أوْ دِينِ الإسْلامِ، بِهِدايَتِهِ إلى الصَّوابِ الَّذِي هو حُكْمُ اللَّهِ، وهو الحَقُّ الَّذِي لا حَقَّ غَيْرُهُ، أوْ إلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ بِالقَناعَةِ. والأوْلى: تَفْسِيرُ ﴿لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً﴾ بِالمُجْتَمِعَةِ عَلى الحَقِّ حَتّى يَكُونَ مَعْنى الِاسْتِثْناءِ في ﴿إلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ﴾ واضِحًا غَيْرَ مُحْتاجٍ إلى تَكَلُّفٍ ﴿ولِذَلِكَ﴾ أيْ لِما ذُكِرَ مِنَ الِاخْتِلافِ ﴿خَلَقَهُمْ﴾ أوْ ولِرَحْمَتِهِ خَلَقَهم، وصَحَّ تَذْكِيرُ الإشارَةِ إلى الرَّحْمَةِ لِكَوْنِ تَأْنِيثِها غَيْرَ حَقِيقِيٍّ، والضَّمِيرُ في خَلَقَهم راجِعٌ إلى النّاسِ، أوْ إلى مَن في ﴿مَن رَحِمَ رَبُّكَ﴾، وقِيلَ: الإشارَةُ بِذَلِكَ إلى مَجْمُوعِ الِاخْتِلافِ والرَّحْمَةِ، ولا مانِعَ مِنَ الإشارَةِ بِها إلى شَيْئَيْنِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿عَوانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٦٨] ﴿وابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ١١٠] ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨] . قَوْلُهُ: ﴿وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ مَعْنى تَمَّتْ ثَبَتَتْ كَما قَدَّرَهُ في أزَلِهِ، وإذا تَمَّتِ امْتَنَعَتْ مِنَ التَّغْيِيرِ والتَّبْدِيلِ وقِيلَ الكَلِمَةُ هي قَوْلُهُ: ﴿لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ أيْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّها مِنَ الطّائِفَتَيْنِ. والتَّنْوِينُ في وكُلًّا لِلتَّعْوِيضِ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ، وهو مَنصُوبٌ بِـ نَقُصُّ. والمَعْنى: وكُلُّ نَبَأٍ مِن أنْباءِ الرُّسُلِ مِمّا يُحْتاجُ إلَيْهِ نَقُصُّ عَلَيْكَ: أيْ نُخْبِرُكَ بِهِ. وقالَ الأخْفَشُ كُلًّا حالٌ مُقَدَّمَةٌ كَقَوْلِكَ: كُلًّا ضَرَبْتُ القَوْمَ، والأنْباءُ الأخْبارُ ﴿ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ﴾ أيْ ما نَجْعَلُ بِهِ فُؤادَكَ مُثَبَّتًا بِزِيادَةِ يَقِينِهِ بِما قَصَصْناهُ عَلَيْكَ ووُفُورِ طُمَأْنِينَتِهِ، لِأنَّ تَكاثُرَ الأدِلَّةِ أثْبَتُ لِلْقَلْبِ وأرْسَخُ في النَّفْسِ وأقْوى لِلْعِلْمِ، وجُمْلَةُ ﴿ما نُثَبِّتُ﴾ بَدَلٌ ﴿مِن أنْباءِ الرُّسُلِ﴾، وهو بَيانٌ لِ " كُلًّا "، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿ما نُثَبِّتُ﴾ مَفْعُولًا لِ نَقُصُّ، ويَكُونَ كُلًّا مَفْعُولًا مُطْلَقًا، والتَّقْدِيرُ: كُلُّ أُسْلُوبٍ مِن أسالِيبِ الِاقْتِصاصِ نَقُصُّ عَلَيْكَ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ﴿وجاءَكَ في هَذِهِ الحَقُّ﴾ أيْ جاءَكَ في هَذِهِ السُّورَةِ، أوْ في هَذِهِ الأنْباءِ البَراهِينُ القاطِعَةُ الدّالَّةُ عَلى صِحَّةِ المَبْدَأِ والمَعادِ ومَوْعِظَةٌ يَتَّعِظُ بِها الواقِفُ عَلَيْها مِنَ المُؤْمِنِينَ وذِكْرى يَتَذَكَّرُ بِها مَن تَفَكَّرَ فِيها مِنهم، وخَصَّ المُؤْمِنِينَ لِكَوْنِهِمُ المُتَأهِّلِينَ لِلِاتِّعاظِ والتَّذَكُّرِ، وقِيلَ المَعْنى: وجاءَكَ في هَذِهِ الدُّنْيا الحَقُّ، وهو النُّبُوَّةُ، وعَلى التَّفْسِيرِ الأوَّلِ يَكُونُ تَخْصِيصُ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَجِيءِ الحَقِّ فِيها مَعَ كَوْنِهِ قَدْ جاءَ في غَيْرِها مِنَ السُّورِ لِقَصْدِ بَيانِ اشْتِمالِها عَلى ذَلِكَ، لا بَيانِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا فِيها دُونَ غَيْرِها. ﴿وقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بِهَذا الحَقِّ ولا يَتَّعِظُونَ ولا يَتَذَكَّرُونَ ﴿اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ﴾ عَلى تَمَكُّنِكم وحالِكم وجِهَتِكم، وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ ﴿إنّا عامِلُونَ﴾ عَلى مَكانَتِنا وحالِنا وجِهَتِنا مِنَ الإيمانِ بِالحَقِّ والِاتِّعاظِ والتَّذَكُّرِ، وفي هَذا تَشْدِيدٌ لِلْوَعِيدِ والتَّهْدِيدِ لَهم. وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ﴾ فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ والتَّهْدِيدِ ما لا يَخْفى. والمَعْنى: انْتَظِرُوا عاقِبَةَ أمْرِنا فَإنّا مُنْتَظِرُونَ عاقِبَةَ أمْرِكم وما يَحُلُّ بِكم مِن عَذابِ اللَّهِ وعُقُوبَتِهِ. ﴿ولِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ عِلْمُ جَمِيعِ ما هو غائِبٌ عَنِ العِبادِ فِيهِما، وخَصَّ الغَيْبَ مِن كَوْنِهِ يَعْلَمُ بِما هو مَشْهُودٌ، كَما يَعْلَمُ بِما هو مَغِيبٌ، لِكَوْنِهِ مِنَ العِلْمِ الَّذِي لا يُشارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وقِيلَ: إنَّ غَيْبَ السَّماواتِ والأرْضِ نُزُولُ العَذابِ مِنَ السَّماءِ وطُلُوعُهُ مِنَ الأرْضِ، (p-١٨١)والأوَّلُ أوْلى، وبِهِ قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ وغَيْرُهُ، وأضافَ الغَيْبَ إلى المَفْعُولِ تَوَسُّعًا ﴿وإلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ﴾ أيْ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُجازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ. وقَرَأ نافِعٌ وحَفَصٌ ﴿يُرْجَعُ﴾ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ الباقُونَ عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ ﴿فاعْبُدْهُ وتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ فَإنَّهُ كافِيكَ كُلَّ ما تَكْرَهُ، ومُعْطِيكَ كُلَّ ما تُحِبُّ، والفاءُ لِتَرْتِيبِ الأمْرِ بِالعِبادَةِ، والتَّوَكُّلِ عَلى كَوْنِ مَرْجِعِ الأُمُورِ كُلِّها إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ ﴿وما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ بَلْ عالَمٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ومُجازٍ عَلَيْهِ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وإنْ شَرًا فَشَرٌّ. وقَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ والشّامِ وحَفْصٌ تَعْمَلُونَ بِالفَوْقِيَّةِ عَلى الخِطابِ. وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي مالِكٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَوْلا﴾ قالَ: فَهَلّا. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ «عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قالَ: أقْرَأنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكم أُولُوا بَقِيَّةٍ وأحْلامٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ في الأرْضِ» . وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ﴿إلّا قَلِيلًا مِمَّنْ أنْجَيْنا مِنهُمْ﴾ يَسْتَقِلُّهم اللَّهُ مِن كُلِّ قَوْمٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجاهِدٍ ﴿واتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ﴾ قالَ: في مُلْكِهِمْ وتَجَبُّرِهِمْ وتَرْكِهِمُ الحَقَّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وأبُو الشَّيْخِ مِن طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أُتْرِفُوا فِيهِ: أُبْطِرُوا فِيهِ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والدَّيْلَمِيُّ عَنْ جَرِيرٍ قالَ: قالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يُسْألُ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ ﴿وما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ وأهْلُها مُصْلِحُونَ﴾ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: وأهْلُها يُنْصِفُ بَعْضُهم بَعْضًا» . وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والخَرائِطِيُّ في مَساوِئِ الأخْلاقِ مَوْقُوفًا عَلى جَرِيرٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ ﴿ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً﴾ قالَ: أهْلَ دِينٍ واحِدٍ أهْلَ ضَلالَةٍ أوْ أهْلَ هُدًى. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ قالَ: أهْلُ الحَقِّ وأهْلُ الباطِلِ ﴿إلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ﴾ قالَ: أهْلَ الحَقِّ ﴿ولِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قالَ: لِلرَّحْمَةِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ ﴿إلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ﴾ قالَ: إلّا أهْلَ رَحْمَتِهِ فَإنَّهم لا يَخْتَلِفُونَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِ حاتِمٍ عَنْهُ قالَ: لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ في الأهْواءِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ ﴿ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ أيِ اليَهُودُ والنَّصارى والمَجُوسُ والحَنِيفِيَّةُ، وهُمُ الَّذِينَ رَحِمَ رَبُّكَ الحَنِيفِيَّةُ. وأخْرَجَ هَؤُلاءِ عَنِ الحَسَنِ في الآيَةِ قالَ: النّاسُ مُخْتَلِفُونَ عَلى أدْيانٍ شَتّى إلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ، فَمَن رَحِمَ رَبُّكَ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ ﴿ولِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قالَ: لِلِاخْتِلافِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجاهِدٍ ﴿ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ قالَ: أهْلُ الباطِلِ ﴿إلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ﴾ قالَ: أهْلَ الحَقِّ ﴿ولِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قالَ: لِلرَّحْمَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ. وأخْرَجا عَنِ الحَسَنِ قالَ: لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ في الرِّزْقِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿ولِذَلِكَ خَلَقَهم﴾ قالَ: خَلَقَهم فَرِيقَيْنِ فَرِيقًا يُرْحَمُ فَلا يَخْتَلِفُ، وفَرِيقًا لا يُرْحَمُ يَخْتَلِفُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَمِنهم شَقِيٌّ وسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٥] . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿وكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِن أنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ﴾ لِتَعْلَمَ يا مُحَمَّدُ ما لَقِيَتِ الرُّسُلُ قَبْلَكَ مِن أُمَمِهِمْ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ والفِرْيابِيُّ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ﴿وجاءَكَ في هَذِهِ الحَقُّ﴾ قالَ: في هَذِهِ السُّورَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ أيْضًا. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنِ الحَسَنِ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ قالَ في هَذِهِ الدُّنْيا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ ﴿اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكم﴾ أيْ مَنازِلِكم. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ﴿فانْتَظِرُوا إنِّي مَعَكم مِنَ المُنْتَظِرِينَ﴾ قالَ: يَقُولُ انْتَظِرُوا مَواعِيدَ الشَّيْطانِ إيّاكم عَلى ما يُزَيِّنُ لَكم، وفي قَوْلِهِ: ﴿وإلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ﴾ قالَ: فَيَقْضِي بَيْنَهم بِحُكْمِ العَدْلِ. وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ المَسْنَدِ وابْنُ الضُّرَيْسِ في فَضائِلِ القُرْآنِ وابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ كَعْبٍ قالَ: فاتِحَةُ التَّوْراةِ فاتِحَةُ الأنْعامِ، وخاتِمَةُ التَّوْراةِ خاتِمَةُ هُودٍ ﴿ولِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ إلى آخَرِ الآيَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب