الباحث القرآني
وهي مَكِّيَّةٌ عِنْدَ الجَمِيعِ.
ورَوى البُخارِيُّ أنَّها مَدَنِيَّةٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ بِمَكَّةَ ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ .
وأخْرَجَ الحاكِمُ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ألا يَسْتَطِيعَ أحَدُكم أنْ يَقْرَأ ألْفَ آيَةٍ في كُلِّ يَوْمٍ ؟ قالُوا: ومَن يَسْتَطِيعُ أنْ يَقْرَأ ألْفَ آيَةٍ في كُلِّ (p-١٦٥١)يَوْمٍ ؟ قالَ: أما يَسْتَطِيعُ أحَدُكم أنْ يَقْرَأ ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾» .
وأخْرَجَ الخَطِيبُ في المُتَّفَقِ والمُفْتَرَقِ والدَّيْلَمِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن قَرَأ في لَيْلَةٍ ألْفَ آيَةٍ لَقِيَ اللَّهَ وهو ضاحِكٌ في وجْهِهِ، قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ ومَن يَقْوى عَلى ألْفِ آيَةٍ ؟ فَقَرَأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ إلى آخِرِها، ثُمَّ قالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّها لَتَعْدِلُ ألْفَ آيَةٍ» .
وأخْرَجَ مُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ وغَيْرُهم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قالَ «انْتَهَيْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهو يَقْرَأُ ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ - وفي لَفْظٍ: وقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ - وهو يَقُولُ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مالِي مالِي. وهَلْ لَكَ مِن مالِكَ إلّا ما أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ» .
وأخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وغَيْرُهُ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِراءَةَ هَذِهِ السُّورَةِ ولا نُزُولَها بِلَفْظِ: «يَقُولُ العَبْدُ مالِي مالِي، وإنَّما لَهُ مِن مالِهِ ثَلاثَةٌ: ما أكَلَ فَأفْنى، أوْ لَبِسَ فَأبْلى، أوْ تَصَدَّقَ فَأقْنى وما سِوى ذَلِكَ فَهو ذاهِبٌ وتارِكُهُ لِلنّاسِ» .
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في نَوادِرِ الأُصُولِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ وضَعَّفَهُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إنِّي قارِئٌ عَلَيْكم سُورَةَ ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ، فَمَن بَكى فَلَهُ الجَنَّةُ، فَقَرَأها فَمِنّا مَن بَكى ومِنّا مَن لَمْ يَبْكِ، فَقالَ الَّذِينَ لَمْ يَبْكُوا: قَدْ جُهِدْنا يا رَسُولَ اللَّهِ أنْ نَبْكِيَ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَقالَ: إنِّي قارِئُها عَلَيْكُمُ الثّانِيَةَ فَمَن بَكى فَلَهُ الجَنَّةُ، ومَن لَمْ يَقْدِرْ أنْ يَبْكِيَ فَلْيَتَباكَ» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ: ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ أيْ شَغَلَكُمُ التَّكاثُرُ بِالأمْوالِ والأوْلادِ والتَّفاخُرُ بِكَثْرَتِها والتَّغالُبُ فِيها.
يُقالُ: ألْهاهُ عَنْ كَذا وألْهاهُ: إذا شَغَلَهُ، ومِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎فَألْهَيْتُها عَنْ ذِي تَمائِمَ مُحْوِلِ
وقالَ الحَسَنُ: مَعْنى ألْهاكم: أنْساكم.
﴿حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ﴾ أيْ حَتّى أدْرَكَكُمُ المَوْتُ وأنْتُمْ عَلى تِلْكَ الحالِ.
وقالَ قَتادَةُ: إنَّ التَّكاثُرَ: التَّفاخُرُ بِالقَبائِلِ والعَشائِرِ.
وقالَ الضَّحّاكُ: ألْهاكُمُ التَّشاغُلُ بِالمَعاشِ.
وقالَ مُقاتِلٌ، وقَتادَةُ أيْضًا وغَيْرُهُما: نَزَلَتْ في اليَهُودِ حِينَ قالُوا نَحْنُ أكْثَرُ مِن بَنِي فُلانٍ، وبَنُو فُلانٍ أكْثَرُ مِن بَنِي فُلانٍ، ألْهاهم ذَلِكَ حَتّى ماتُوا.
وقالَ الكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ في حَيَّيْنِ مِن قُرَيْشٍ: بَنِي عَبْدِ مَنافٍ، وبَنِي سَهْمٍ تَعادَوْا وتَكاثَرُوا بِالسِّيادَةِ والأشْرافِ في الإسْلامِ، فَقالَ كُلُّ حَيٍّ مِنهم نَحْنُ أكْثَرُ سَيِّدًا وأعَزُّ عَزِيزًا وأعْظَمُ نَفَرًا وأكْثَرُ قائِدًا، فَكَثَّرَ بَنُو عَبْدِ مَنافٍ بَنِي سَهْمٍ، ثُمَّ تَكاثَرُوا بِالأمْواتِ فَكَثَّرَتْهم بِهِمْ، فَنَزَلَتْ ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ فَلَمْ تَرْضَوْا ﴿حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ﴾ مُفْتَخِرِينَ بِالأمْواتِ.
وقِيلَ نَزَلَتْ في حَيَّيْنِ مِنَ الأنْصارِ.
والمَقابِرُ جَمْعُ مَقْبَرَةٍ بِفَتْحِ الباءِ وضَمِّها.
وفِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الِاشْتِغالَ بِالدُّنْيا والمُكاثَرَةَ بِها والمُفاخَرَةَ فِيها مِنَ الخِصالِ المَذْمُومَةِ، وقالَ سُبْحانَهُ: ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ ولَمْ يَقُلْ عَنْ كَذا، بَلْ أطْلَقَهُ لِأنَّ الإطْلاقَ أبْلَغُ في الذَّمِّ؛ لِأنَّهُ يَذْهَبُ الوَهْمُ فِيهِ كُلَّ مَذْهَبٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ ما يَحْتَمِلُهُ المَقامُ، ولِأنَّ حَذْفَ المُتَعَلِّقِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ، كَما تَقَرَّرَ في عِلْمِ البَيانِ، والمَعْنى أنَّهُ شَغَلَكُمُ التَّكاثُرُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْكُمِ الِاشْتِغالُ بِهِ مِن طاعَةِ اللَّهِ والعَمَلِ لِلْآخِرَةِ، وعَبَّرَ عَنْ مَوْتِهِمْ بِزِيارَةِ المَقابِرِ لِأنَّ المَيِّتَ قَدْ صارَ إلى قَبْرِهِ كَما يَصِيرُ الزّائِرُ إلى المَوْضِعِ الَّذِي يَزُورُهُ. هَذا عَلى قَوْلِ مَن قالَ: إنَّ مَعْنى ﴿زُرْتُمُ المَقابِرَ﴾ مُتُّمْ، وأمّا عَلى قَوْلِ مَن قالَ: إنَّ مَعْنى ﴿زُرْتُمُ المَقابِرَ﴾ ذَكَرْتُمُ المَوْتى وعَدَدْتُمُوهم لِلْمُفاخَرَةِ والمُكاثَرَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلى طَرِيقِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ، وقِيلَ إنَّهم كانُوا يَزُورُونَ المَقابِرَ، فَيَقُولُونَ هَذا قَبْرُ فُلانٍ، وهَذا قَبْرُ فُلانٍ يَفْتَخِرُونَ بِذَلِكَ.
﴿كَلّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ رَدْعٌ وزَجْرٌ لَهم عَنِ التَّكاثُرِ وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّهم سَيَعْلَمُونَ عاقِبَةَ ذَلِكَ يَوْمَ القِيامَةِ وفِيهِ وعِيدٌ شَدِيدٌ.
قالَ الفَرّاءُ: أيْ لَيْسَ الأمْرُ عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّكاثُرِ والتَّفاخُرِ.
ثُمَّ كَرَّرَ الرَّدْعَ والزَّجْرَ والوَعِيدَ فَقالَ: ﴿ثُمَّ كَلّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ وثُمَّ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الثّانِيَ أبْلَغُ مِنَ الأوَّلِ، وقِيلَ الأوَّلُ عِنْدَ المَوْتِ أوْ في القَبْرِ، والثّانِي يَوْمَ القِيامَةِ.
قالَ الفَرّاءُ: هَذا التَّكْرارُ عَلى وجْهِ التَّغْلِيظِ والتَّأْكِيدِ.
قالَ مُجاهِدٌ: هو وعِيدٌ بَعْدَ وعِيدٍ.
وكَذا قالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ.
﴿كَلّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ﴾ أيْ لَوْ تَعْلَمُونَ الأمْرَ الَّذِي أنْتُمْ صائِرُونَ إلَيْهِ عِلْمًا يَقِينًا كَعِلْمِكم ما هو مُتَيَقَّنٌ عِنْدَكم في الدُّنْيا، وجَوابُ " لَوْ " مَحْذُوفٌ: أيْ لَشَغَلَكم ذَلِكَ عَنِ التَّكاثُرِ والتَّفاخُرِ، أوْ لَفَعَلْتُمْ ما يَنْفَعُكم مِنَ الخَيْرِ وتَرَكْتُمْ ما لا يَنْفَعُكم مِمّا أنْتُمْ فِيهِ، وكَلّا في هَذا المَوْضِعِ الثّالِثِ لِلزَّجْرِ والرَّدْعِ كالمَوْضِعَيْنِ الأوَّلَيْنِ.
وقالَ الفَرّاءُ: هي بِمَعْنى حَقًّا، وقِيلَ هي في المَواضِعِ الثَّلاثَةِ بِمَعْنى ألا.
قالَ قَتادَةُ: اليَقِينُ هُنا المَوْتُ، ورُوِيَ عَنْهُ أيْضًا أنَّهُ قالَ: هو البَعْثُ.
قالَ الأخْفَشُ: التَّقْدِيرُ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ ما ألْهاكم.
وقَوْلُهُ: ﴿لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ﴾ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وفِيهِ زِيادَةُ وعِيدٍ وتَهْدِيدٍ: أيْ واللَّهِ لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وفِيهِ زِيادَةُ وعِيدٍ وتَهْدِيدٍ: أيْ واللَّهِ لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ في الآخِرَةِ.
قالَ الرّازِيُّ: ولَيْسَ هَذا جَوابَ لَوْ، لَأنَّ جَوابَ لَوْ يَكُونُ مَنفِيًّا، وهَذا مُثْبَتٌ ولِأنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ ﴿ثُمَّ لَتُسْألُنَّ﴾ وهو مُسْتَقْبَلٌ لا بُدَّ مِن وُقُوعِهِ. قالَ: وحَذْفُ جَوابِ لَوْ كَثِيرٌ، والخِطابُ لِلْكُفّارِ، وقِيلَ عامٌّ كَقَوْلِهِ ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾ [مريم: ٧١] قَرَأ الجُمْهُورُ لَتَرَوُنَّ بِفَتْحِ التّاءِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ وقَرَأ الكِسائِيُّ، وابْنُ عامِرٍ بِضَمِّها مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.
ثُمَّ كَرَّرَ الوَعِيدَ والتَّهْدِيدَ لِلتَّأْكِيدِ فَقالَ ﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ اليَقِينِ﴾ أيْ ثُمَّ لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ الرُّؤْيَةَ الَّتِي هي نَفْسُ اليَقِينِ، وهي المُشاهَدَةُ والمُعايَنَةُ، وقِيلَ المَعْنى: لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ بِأبْصارِكم عَلى البُعْدِ مِنكم، ثُمَّ لَتَرَوُنَّها مُشاهَدَةً عَلى القُرْبِ.
وقِيلَ المُرادُ بِالأوَّلِ رُؤْيَتُها قَبْلَ دُخُولِها، والثّانِي رُؤْيَتُها حالَ دُخُولِها.
وقِيلَ هو إخْبارٌ عَنْ (p-١٦٥٢)دَوامِ بَقائِهِمْ في النّارِ: أيْ هي رُؤْيَةٌ دائِمَةٌ مُتَّصِلَةٌ.
وقِيلَ المَعْنى: لَوْ تَعْلَمُونَ اليَوْمَ عِلْمَ اليَقِينِ وأنْتُمْ في الدُّنْيا لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ بِعَيْنِ قُلُوبِكم، وهو أنْ تَتَصَوَّرُوا أمْرَ القِيامَةِ وأهْوالَها.
﴿ثُمَّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ أيْ عَنْ نَعِيمِ الدُّنْيا الَّذِي ألْهاكم عَنِ العَمَلِ لِلْآخِرَةِ.
قالَ قَتادَةُ: يَعْنِي كُفّارَ مَكَّةَ كانُوا في الدُّنْيا في الخَيْرِ والنِّعْمَةِ، فَيُسْألُونَ يَوْمَ القِيامَةِ عَنْ شُكْرِ ما كانُوا فِيهِ، ولَمْ يَشْكُرُوا رَبَّ النِّعَمِ حَيْثُ عَبَدُوا غَيْرَهُ وأشْرَكُوا بِهِ.
قالَ الحَسَنُ: لا يُسْألُ عَنِ النَّعِيمِ إلّا أهْلُ النّارِ.
وقالَ قَتادَةُ: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ سائِلٌ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ عَمّا أنْعَمَ عَلَيْهِ، وهَذا هو الظّاهِرُ، ولا وجْهَ لِتَخْصِيصِ النَّعِيمِ بِفَرْدٍ مِنَ الأفْرادِ، أوْ نَوْعٍ مِنَ الأنْواعِ لِأنَّ تَعْرِيفَهُ لِلْجِنْسِ أوِ الِاسْتِغْراقِ، ومُجَرَّدُ السُّؤالِ لا يَسْتَلْزِمُ تَعْذِيبَ المَسْئُولِ عَلى النِّعْمَةِ الَّتِي يُسْألُ عَنْها، فَقَدْ يَسْألُ اللَّهُ المُؤْمِنَ عَنِ النِّعَمِ الَّتِي أنْعَمَ بِها عَلَيْهِ فِيمَ صَرَفَها، وبِمَ عَمِلَ فِيها ؟ لِيَعْرِفَ تَقْصِيرَهُ وعَدَمَ قِيامِهِ بِما يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّكْرِ، وقِيلَ السُّؤالُ عَنِ الأمْنِ والصِّحَّةِ، وقِيلَ عَنِ الصِّحَّةِ والفَراغِ، وقِيلَ عَنِ الإدْراكِ بِالحَواسِّ، وقِيلَ عَنْ مَلاذِّ المَأْكُولِ والمَشْرُوبِ، وقِيلَ عَنِ الغَداءِ والعَشاءِ، وقِيلَ عَنْ بارِدِ الشَّرابِ وظِلالِ المَساكِنِ، وقِيلَ عَنِ اعْتِدالِ الخُلُقِ، وقِيلَ عَنْ لَذَّةِ النَّوْمِ، والأوْلى العُمُومُ كَما ذَكَرْنا.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي بُرْدَةَ في قَوْلِهِ: ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ قالَ: نَزَلَتْ في قَبِيلَتَيْنِ مِن قَبائِلِ الأنْصارِ في بَنِي حارِثَةَ وبَنِي الحارِثِ تَفاخَرُوا وتَكاثَرُوا، فَقالَتْ إحْداهُما: فِيكم مِثْلُ فُلانٍ وفُلانٍ ؟ وقالَ الآخَرُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، تَفاخَرُوا بِالأحْياءِ. ثُمَّ قالُوا: انْطَلِقُوا بِنا إلى القُبُورِ، فَجَعَلَتْ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ تَقُولُ: فِيكم مِثْلُ فُلانٍ يُشِيرُونَ إلى القَبْرِ، ومِثْلُ فُلانٍ، وفَعَلَ الآخَرُونَ كَذَلِكَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ ﴿حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ﴾ لَقَدْ كانَ لَكم فِيما زُرْتُمْ عِبْرَةٌ وشُغُلٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ قالَ: في الأمْوالِ والأوْلادِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ عَنْ أبِيهِ قالَ: «قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ يَعْنِي عَنِ الطّاعَةِ ﴿حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ﴾ يَقُولُ: حَتّى يَأْتِيَكُمُ المَوْتُ ﴿كَلّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ يَعْنِي لَوْ قَدْ دَخَلْتُمْ قُبُورَكم ﴿ثُمَّ كَلّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ يَقُولُ: لَوْ قَدْ خَرَجْتُمْ مِن قُبُورِكم إلى مَحْشَرِكم ﴿كَلّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ﴾ قالَ: لَوْ قَدْ وقَفْتُمْ عَلى أعْمالِكم بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكم ﴿لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ﴾ وذَلِكَ أنَّ الصِّراطَ يُوضَعُ وسَطَ جَهَنَّمَ، فَناجٍ مُسْلِمٌ ومَخْدُوشٌ مُسْلِمٌ ومَكْدُوشٌ في نارِ جَهَنَّمَ ﴿ثُمَّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ يَعْنِي شِبَعَ البُطُونِ وبارِدَ المَشْرَبِ وظِلالَ المَساكِنِ واعْتِدالَ الخَلْقِ ولَذَّةَ النَّوْمِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عِياضِ بْنِ غَنْمٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ ﴿ثُمَّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قالَ: صِحَّةُ الأبْدانِ والأسْماعِ والأبْصارِ، وهو أعْلَمُ بِذَلِكَ مِنهم، وهو قَوْلُهُ ﴿إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦] وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ﴿ثُمَّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قالَ: الأمْنُ والصِّحَّةُ» .
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: النَّعِيمُ: العافِيَةُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: مَن أكَلَ خُبْزَ البُرِّ وشَرِبَ ماءَ الفُراتِ مُبَرَّدًا وكانَ لَهُ مَنزِلٌ يَسْكُنُهُ، فَذَلِكَ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي يُسْألُ عَنْهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في الآيَةِ: «أكْلُ خُبْزِ البُرِّ والنَّوْمُ في الظِّلِّ وشُرْبُ ماءِ الفُراتِ مُبَرَّدًا» .
ولَعَلَّ رَفْعَ هَذا لا يَصِحُّ، فَرُبَّما كانَ مِن قَوْلِ أبِي الدَّرْداءِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في الزُّهْدِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي قِلابَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في الآيَةِ قالَ: «ناسٌ مِن أُمَّتِي يَعْقِدُونَ السَّمْنَ والعَسَلَ بِالنَّقْيِ فَيَأْكُلُونَهُ» وهَذا مُرْسَلٌ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ «قالَ الصَّحابَةُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أيُّ نَعِيمٍ نَحْنُ فِيهِ ؟ وإنَّما نَأْكُلُ في أنْصافِ بُطُونِنا خُبْزَ الشَّعِيرِ، فَأوْحى اللَّهُ إلى نَبِيِّهِ ﷺ أنْ قُلْ لَهم: ألَيْسَ تَحْتَذُونَ النِّعالَ، وتَشْرَبُونَ الماءَ البارِدَ، فَهَذا مِنَ النَّعِيمِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وهَنّادٌ، وأحْمَدُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ فَقَرَأ حَتّى بَلَغَ ﴿ثُمَّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ أيُّ نَعِيمٍ نُسْألُ عَنْهُ ؟ وإنَّما هُما الأسْوَدانِ: الماءُ والتَّمْرُ، وسُيُوفُنا عَلى رِقابِنا، والعَدُوُّ حاضِرٌ، فَعَنْ أيِّ نَعِيمٍ نُسْألُ ؟ قالَ: أما إنْ ذَلِكَ سَيَكُونُ» وأخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ.
وأخْرَجَهُ أحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ، وحَسَّنَهُ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوّامِ.
وأخْرَجَهُ أحْمَدُ في الزُّهْدِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ حِبّانَ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والحاكِمُ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ أوَّلَ ما يُسْألُ العَبْدُ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أنْ يُقالَ لَهُ: ألَمْ نُصِحَّ لَكَ جَسَدَكَ ونَرْوِكَ مِنَ الماءِ البارِدِ ؟» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «جاءَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ فَأطْعَمْناهم رُطَبًا وسَقَيْناهم ماءً، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَذا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْألُونَ عَنْهُ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ مِن حَدِيثِ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ مُسْلِمٌ وأهْلُ السُّنَنِ وغَيْرُهم عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَإذا هو بِأبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، فَقالَ: ما أخْرَجَكُما مِن بُيُوتِكُما السّاعَةَ ؟ قالا: الجُوعُ يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأخْرَجَنِي الَّذِي أخْرَجَكُما فَقُوما، فَقاما مَعَهُ، فَأتى رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ فَإذا هو لَيْسَ في بَيْتِهِ، فَلَمّا رَأتْهُ المَرْأةُ قالَتْ: مَرْحَبًا، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: أيْنَ فُلانٌ ؟ قالَتْ: انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنا الماءَ. إذْ جاءَ الأنْصارِيُّ فَنَظَرَ إلى النَّبِيِّ ﷺ وصاحِبَيْهِ فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ ما أحَدٌ اليَوْمَ أكْرَمُ (p-١٦٥٣)أضْيافًا مِنِّي، فانْطَلَقَ فَجاءَ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وتَمْرٌ، فَقالَ: كُلُوا مِن هَذا وأخَذَ المُدْيَةَ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: إيّاكَ والحَلُوبَ، فَذَبَحَ لَهم فَأكَلُوا مِنَ الشّاةِ، ومِن ذَلِكَ العِذْقِ وشَرِبُوا، فَلَمّا شَبِعُوا ورَوُوا قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَنُسْألَنَّ عَنْ هَذا النَّعِيمِ يَوْمَ القِيامَةِ» وفي البابِ أحادِيثُ اهـ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ","حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ","كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ","ثُمَّ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ","كَلَّا لَوۡ تَعۡلَمُونَ عِلۡمَ ٱلۡیَقِینِ","لَتَرَوُنَّ ٱلۡجَحِیمَ","ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَیۡنَ ٱلۡیَقِینِ","ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ یَوۡمَىِٕذٍ عَنِ ٱلنَّعِیمِ"],"ayah":"كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











