الباحث القرآني
(p-٦٤٤)قَوْلُهُ: ﴿قُلِ انْظُرُوا ماذا في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ لَمّا بَيَّنَ سُبْحانَهَ أنَّ الإيمانَ لا يَحْصُلُ إلّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، أمَرَ بِالنَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ بِالدَّلائِلِ السَّماوِيَّةِ والأرْضِيَّةِ، والمُرادُ بِالنَّظَرِ: التَّفَكُّرُ والِاعْتِبارُ: أيْ قُلْ يا مُحَمَّدُ لِلْكُفّارِ تَفَكَّرُوا واعْتَبِرُوا بِما في السَّماواتِ والأرْضِ مِنَ المَصْنُوعاتِ الدّالَّةِ عَلى الصّانِعِ ووَحْدَتِهِ وكَمالِ قُدْرَتِهِ.
وماذا مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ في السَّماواتِ والأرْضِ، أوِ المُبْتَدَأُ ما، وذا بِمَعْنى الَّذِي، وفي السَّماواتِ والأرْضِ صِلَتُهُ، والمَوْصُولُ وصِلَتُهُ خَبَرُ المُبْتَدَأِ: أيْ: أيُّ شَيْءٍ الَّذِي في السَّماواتِ والأرْضِ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فالجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ بِالفِعْلِ الَّذِي قَبْلَها.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ أنَّ التَّفَكُّرَ والتَّدَبُّرَ في هَذِهِ الدَّلائِلِ لا يَنْفَعُ في حَقِّ مَنِ اسْتَحْكَمَتْ شَقاوَتُهُ فَقالَ: ﴿وما تُغْنِي الآياتُ والنُّذُرُ﴾ أيْ ما تَنْفَعُ عَلى أنَّ ما نافِيَةٌ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اسْتِفْهامِيَّةً أيْ: أيُّ شَيْءٍ يَنْفَعُ، والآياتُ هي الَّتِي عَبَّرَ عَنْها بِقَوْلِهِ: ﴿ماذا في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ والنُّذُرُ جَمْعُ نَذِيرٍ، وهُمُ الرُّسُلُ أوْ جَمْعُ إنْذارٍ وهو المَصْدَرُ ﴿عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ في عِلْمِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، والمَعْنى: أنَّ مَن كانَ هَكَذا لا يُجْدِي فِيهِ شَيْءٌ ولا يَدْفَعُهُ عَنِ الكُفْرِ دافِعٌ.
قَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إلّا مِثْلَ أيّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ﴾ أيْ فَهَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلاءِ الكُفّارُ المُعاصِرُونَ لِمُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - إلّا مِثْلَ وقائِعِ اللَّهِ سُبْحانَهُ بِالكُفّارِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِ هَؤُلاءِ، فَقَدْ كانَ الأنْبِياءُ المُتَقَدِّمُونَ يَتَوَعَّدُونَ كُفّارَ زَمانِهِمْ بِأيّامٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلى أنْواعِ العَذابِ، وهم يُكَذِّبُونَهم ويُصَمِّمُونَ عَلى الكُفْرِ حَتّى يُنْزِلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَذابَهُ ويُحِلَّ بِهِمُ انْتِقامَهُ، ثُمَّ قالَ: قُلْ يا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاءِ الكُفّارِ المُعاصِرِينَ لَكَ فانْتَظِرُوا أيْ تَرَبَّصُوا لِوَعْدِ رَبِّكم إنِّي مَعَكم مِنَ المُتَرَبِّصِينَ لِوَعْدِ رَبِّي، وفي هَذا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، ووَعِيدٌ بالِغٌ بِأنَّهُ سَيَنْزِلُ بِهَؤُلاءِ ما نَزَلَ بِأُولَئِكَ مِنَ الإهْلاكِ.
وثُمَّ في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا﴾ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ما قَبْلَهُ كَأنَّهُ قِيلَ: أهْلَكْنا الأُمَمَ ثُمَّ نَجَّيْنا رُسُلَنا المُرْسَلِينَ إلَيْهِمْ.
وقَرَأ يَعْقُوبُ ثُمَّ " نُنْجِي " مُخَفَّفًا، وقَرَأ كَذَلِكَ أيْضًا في " حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ المُؤْمِنِينَ " .
ورُوِيَ كَذَلِكَ عَنِ الكِسائِيِّ وحَفْصٍ في الثّانِيَةِ.
وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وهُما لُغَتانِ فَصِيحَتانِ: أنْجى يُنْجِي إنْجاءً، ونَجّى يُنَجِّي تَنْجِيَةً بِمَعْنًى واحِدٍ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا﴾ مَعْطُوفٌ عَلى رُسُلِنا: أيْ نَجَّيْناهم ونَجَّيْنا الَّذِينَ آمَنُوا، والتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الفِعْلِ المُسْتَقْبَلِ لِاسْتِحْضارِ صُورَةِ الحالِ الماضِيَةِ تَهْوِيلًا لِأمْرِها ﴿كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنا﴾ أيْ حَقَّ ذَلِكَ عَلَيْنا حَقًّا، أوْ إنْجاءً مِثْلَ ذَلِكَ الإنْجاءِ حَقًّا ﴿نُنْجِ المُؤْمِنِينَ﴾ مِن عَذابِنا لِلْكُفّارِ، والمُرادُ بِالمُؤْمِنِينَ: الجِنْسُ، فَيَدْخُلُ في ذَلِكَ الرُّسُلُ وأتْباعُهم، أوْ يَكُونُ خاصًّا بِالمُؤْمِنِينَ وهم أتْباعُ الرُّسُلِ، لِأنَّ الرُّسُلَ داخِلُونَ في ذَلِكَ بِالأوْلى.
قَوْلُهُ: ﴿قُلْ ياأيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِن دِينِي﴾ أمَرَ سُبْحانَهُ رَسُولَهُ بِأنْ يُظْهِرَ التَّبايُنَ بَيْنَ طَرِيقَتِهِ وطَرِيقَةِ المُشْرِكِينَ مُخاطِبًا لِجَمِيعِ النّاسِ، أوْ لِلْكُفّارِ مِنهم، أوْ لِأهْلِ مَكَّةَ عَلى الخُصُوصِ بِقَوْلِهِ: إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِن دِينَيِ الَّذِي أنا عَلَيْهِ، وهو عِبادَةُ اللَّهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، ولَمْ تَعْلَمُوا بِحَقِيقَتِهِ ولا عَرَفْتُمْ صِحَّتَهُ، وأنَّهُ الدِّينُ الحَقُّ الَّذِي لا دِينَ غَيْرُهُ، فاعْلَمُوا أنِّي بَرِيءٌ مِن أدْيانِكُمُ الَّتِي أنْتُمْ عَلَيْها ﴿فَلا أعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ ﴿ولَكِنْ أعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفّاكم﴾ أيْ أخُصُّهُ بِالعِبادَةِ لا أعْبُدُ غَيْرَهُ مِن مَعْبُوداتِكم مِنَ الأصْنامِ وغَيْرِها، وخَصَّ صِفَةَ المُتَوَفِّي مِن بَيْنِ الصِّفاتِ لِما في ذَلِكَ مِنَ التَّهْدِيدِ لَهم أيْ: أعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفّاكم فَيَفْعَلُ بِكم ما يَفْعَلُ مِنَ العَذابِ الشَّدِيدِ، ولِكَوْنِهِ يَدُلُّ عَلى الخَلْقِ أوَّلًا، وعَلى الإعادَةِ ثانِيًا، ولِكَوْنِهِ أشَدَّ الأحْوالِ مَهابَةً في القُلُوبِ، ولِكَوْنِهِ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الإهْلاكِ والوَقائِعِ النّازِلَةِ بِالكُفّارِ مِنَ الأُمَمِ السّابِقَةِ، فَكَأنَّهُ قالَ: أعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي وعَدَنِي بِإهْلاكِكم.
ولَمّا ذَكَرَ أنَّهُ لا يَعْبُدُ إلّا اللَّهَ بَيَّنَ أنَّهُ مَأْمُورٌ بِالإيمانِ فَقالَ: ﴿وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: بِأنْ أكُونَ مِن جِنْسِ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وأخْلَصَ لَهُ الدِّينَ.
وجُمْلَةُ ﴿وأنْ أقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿أنْ أكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ ولا يَمْنَعُ مِن ذَلِكَ كَوْنُ المَعْطُوفِ بِصِيغَةِ الأمْرِ لِأنَّ المَقْصُودَ مِن " أنَّ " الدَّلالَةُ عَلى المَصْدَرِ، وذَلِكَ لا يَخْتَلِفُ بِالخَبَرِيَّةِ والإنْشائِيَّةِ، أوْ يَكُونُ المَعْطُوفُ عَلَيْهِ في مَعْنى الإنْشاءِ، كَأنَّهُ قِيلَ: كُنْ مُؤْمِنًا ثُمَّ أقِمْ، والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ أمَرَهُ بِالِاسْتِقامَةِ في الدِّينِ والثَّباتِ فِيهِ، وعَدَمِ التَّزَلْزُلِ عَنْهُ بِحالٍ مِنَ الأحْوالِ.
وخَصَّ الوَجْهَ لِأنَّهُ أشْرَفُ الأعْضاءِ، أوْ أمَرَهُ بِاسْتِقْبالِ القِبْلَةِ في الصَّلاةِ وعَدَمِ التَّحَوُّلِ عَنْها.
وحَنِيفًا حالٌ مِنَ الدِّينِ، أوْ مِنَ الوَجْهِ: أيْ مائِلًا عَنْ كُلِّ دِينٍ مِنَ الأدْيانِ إلى دِينِ الإسْلامِ.
ثُمَّ أُكِّدَ الأمْرُ المُتَقَدِّمُ لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ فَقالَ: ﴿ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ وهو مَعْطُوفٌ عَلى أقِمْ، وهو مِن بابِ التَّعْرِيضِ لِغَيْرِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - .
قَوْلُهُ: ﴿ولا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى ﴿قُلْ ياأيُّها النّاسُ﴾ غَيْرُ داخِلٍ تَحْتَ الأمْرِ، وقِيلَ: مَعْطُوفٌ عَلى ولا تَكُونَنَّ أيْ لا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ عَلى حالٍ مِنَ الأحْوالِ ما لا يَنْفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ بِشَيْءٍ مِنَ النَّفْعِ والضُّرِّ إنْ دَعَوْتَهُ، ودُعاءُ مَن كانَ هَكَذا لا يَجْلِبُ نَفْعًا، ولا يَقْدِرُ عَلى ضُرٍّ ضائِعٍ لا يَفْعَلُهُ عاقِلٌ عَلى تَقْدِيرِ أنَّهُ لا يُوجَدُ مَن يَقْدِرُ عَلى النَّفْعِ والضُّرِّ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ (p-٦٤٥)إذا كانَ مَوْجُودًا ؟ فَإنَّ العُدُولَ عَنْ دُعاءِ القادِرِ إلى دُعاءِ غَيْرِ القادِرِ أقْبَحُ وأقْبَحُ فَإنْ فَعَلْتَ أيْ فَإنْ دَعَوْتَ، ولَكِنَّهُ كَنّى عَنِ القَوْلِ بِالفِعْلِ ﴿فَإنَّكَ إذًا مِنَ الظّالِمِينَ﴾ هَذا جَزاءُ الشَّرْطِ أيْ: فَإنْ دَعَوْتَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ فَإنَّكَ في عِدادِ الظّالِمِينَ لِأنْفُسِهِمْ، والمَقْصُودُ مِن هَذا الخِطابِ التَّعْرِيضُ بِغَيْرِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ.
وجُمْلَةُ ﴿وإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾ إلى آخِرِها مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَها.
والمَعْنى أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ هو الضّارُّ النّافِعُ، فَإنْ أنْزَلَ بِعَبْدِهِ ضَرًّا لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يَكْشِفَهُ كائِنًا مَن كانَ، بَلْ هو المُخْتَصُّ بِكَشْفِهِ كَما اخْتَصَّ بِإنْزالِهِ ﴿وإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ أيِّ خَيْرٍ كانَ، لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يَدْفَعَهُ عَنْكَ ويَحُولَ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ كائِنًا مَن كانَ، وعَبَّرَ بِالفَضْلِ مَكانَ الخَيْرِ لِلْإرْشادِ إلى أنَّهُ يَتَفَضَّلُ عَلى عِبادِهِ بِما لا يَسْتَحِقُّونَهُ بِأعْمالِهِمْ.
قالَ الواحِدِيُّ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿وإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ هو مِنَ القَلْبِ، وأصْلُهُ وإنْ يُرِدْ بِكَ الخَيْرَ، ولَكِنْ لَمّا تَعَلَّقَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما بِالآخَرِ جازَ أنْ يَكُونَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما مَكانَ الآخَرِ.
قالَ النَّيْسابُورِيُّ: وفي تَخْصِيصِ الإرادَةِ بِجانِبِ الخَيْرِ، والمَسِّ بِجانِبِ الشَّرِّ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الخَيْرَ يَصْدُرُ عَنْهُ سُبْحانَهُ بِالذّاتِ، والشَّرَّ بِالعَرَضِ.
قُلْتُ: وفي هَذا نَظَرٌ، فَإنَّ المَسَّ هو أمْرٌ وراءَ الإرادَةِ فَهو مُسْتَلْزِمٌ لَها، والضَّمِيرُ في يُصِيبُ بِهِ راجِعٌ إلى فَضْلِهِ أيْ: يُصِيبُ بِفَضْلِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ، وجُمْلَةُ ﴿وهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ تَذْيِيلِيَّةٌ.
ثُمَّ خَتَمَ هَذِهِ السُّورَةَ بِما يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى قَضائِهِ وقَدَرِهِ، فَقالَ: ﴿قُلْ ياأيُّها النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكم﴾ أيِ القُرْآنُ ﴿فَمَنِ اهْتَدى فَإنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَإنَّما يَضِلُّ عَلَيْها﴾ أيْ مَنفَعَةُ اهْتِدائِهِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وضَرَرُ كُفْرِهِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ لا يَتَعَدّاهُ، ولَيْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ في شَيْءٍ مِن ذَلِكَ، ولا غَرَضٌ يَعُودُ إلَيْهِ ﴿وما أنا عَلَيْكم بِوَكِيلٍ﴾ أيْ بِحَفِيظٍ يَحْفَظُ أُمُورَكم وتُوكَلُ إلَيْهِ، إنَّما أنا بَشِيرٌ ونَذِيرٌ.
ثُمَّ أمَرَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ أنْ يَتَّبِعَ ما أوْحاهُ اللَّهُ إلَيْهِ مِنَ الأوامِرِ والنَّواهِي الَّتِي يُشَرِّعُها اللَّهُ لَهُ ولِأُمَّتِهِ، ثُمَّ أمَرَهُ بِالصَّبْرِ عَلى أذى الكُفّارِ، وما يُلاقِيهِ مِن مَشاقِّ التَّبْلِيغِ، وما يُعانِيهِ مِن تَلَوُّنِ أخْلاقِ المُشْرِكِينَ وتَعَجْرُفِهِمْ، وجَعَلَ ذَلِكَ الصَّبْرَ مُمْتَدًّا إلى غايَةٍ هي قَوْلُهُ: ﴿حَتّى يَحْكُمَ اللَّهُ وهو خَيْرُ الحاكِمِينَ﴾ أيْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وبَيْنَهم في الدُّنْيا بِالنَّصْرِ لَهُ عَلَيْهِمْ، وفي الآخِرَةِ بِعَذابِهِمْ بِالنّارِ، وهم يُشاهِدُونَهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - هو وأُمَّتُهُ، المُتَّبِعُونَ لَهُ المُؤْمِنُونَ بِهِ، العامِلُونَ بِما يَأْمُرُهم بِهِ، المُنْتَهُونَ عَمّا يَنْهاهم عَنْهُ، يَتَقَلَّبُونَ في نَعِيمِ الجَنَّةِ الَّذِي لا يَنْفَدُ، ولا يُمْكِنُ وصْفُهُ، ولا يُوقَفُ عَلى أدْنى مَزاياهُ.
وقَدْ أخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وما تُغْنِي الآياتُ والنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ﴾ يَقُولُ: عِنْدَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ نَسَخَتْ قَوْلَهُ: ﴿حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر: ٥] .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إلّا مِثْلَ أيّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ﴾ قالَ: وقائِعُ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ، قَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ الرَّبِيعِ في الآيَةِ قالَ: خَوَّفَهم عَذابَهُ ونِقْمَتَهُ وعُقُوبَتَهُ، ثُمَّ أخْبَرَهم أنَّهُ إذا وقَعَ مِن ذَلِكَ أمْرٌ نَجّى اللَّهُ رُسُلَهُ والَّذِينَ آمَنُوا، فَقالَ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآيَةَ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ يَقُولُ: بِعافِيَةٍ، وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ عامِرِ بْنِ قَيْسٍ قالَ: ثَلاثُ آياتٍ في كِتابِ اللَّهِ اكْتَفَيْتُ بِهِنَّ عَنْ جَمِيعِ الخَلائِقِ: أوَّلُهُنَّ: ﴿وإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إلّا هو وإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رادَّ لِفَضْلِهِ﴾، والثّانِيَةُ: ﴿ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنّاسِ مِن رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ﴾ [فاطر: ٢]، والثّالِثَةُ: ﴿وما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ إلّا عَلى اللَّهِ رِزْقُها﴾ [هود: ٦] .
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنِ الحَسَنِ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا رادَّ لِفَضْلِهِ﴾ قالَ: هو الحَقُّ المَذْكُورُ في قَوْلِهِ: ﴿قَدْ جاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكُمْ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ في قَوْلِهِ: ﴿واصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللَّهُ﴾ قالَ: هَذا مَنسُوخٌ، أمَرَهُ بِجِهادِهِمْ والغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ.
{"ayahs_start":101,"ayahs":["قُلِ ٱنظُرُوا۟ مَاذَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِی ٱلۡـَٔایَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ","فَهَلۡ یَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثۡلَ أَیَّامِ ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلِهِمۡۚ قُلۡ فَٱنتَظِرُوۤا۟ إِنِّی مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِینَ","ثُمَّ نُنَجِّی رُسُلَنَا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۚ كَذَ ٰلِكَ حَقًّا عَلَیۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن دِینِی فَلَاۤ أَعۡبُدُ ٱلَّذِینَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنۡ أَعۡبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِی یَتَوَفَّىٰكُمۡۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","وَأَنۡ أَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ","وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَنفَعُكَ وَلَا یَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذࣰا مِّنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَإِن یَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرࣲّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥۤ إِلَّا هُوَۖ وَإِن یُرِدۡكَ بِخَیۡرࣲ فَلَا رَاۤدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ یُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ","قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَاۤءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا یَهۡتَدِی لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا یَضِلُّ عَلَیۡهَاۖ وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِوَكِیلࣲ","وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ وَٱصۡبِرۡ حَتَّىٰ یَحۡكُمَ ٱللَّهُۚ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡحَـٰكِمِینَ"],"ayah":"وَإِن یَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرࣲّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥۤ إِلَّا هُوَۖ وَإِن یُرِدۡكَ بِخَیۡرࣲ فَلَا رَاۤدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ یُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق